Business

المعاني الجميلة للعيد

ما مِن أُمَّة مِن الأمم، كافرها ومسلمها، إلا ولها عيد تفرَح فيه، وترتسم فيه البسمةُ على أفواهها، والبهجة في نفوسها، فتتناسى أحقادها، وتتمتَّع بذلك اليوم المعبِّر لها إمَّا عن شُكرٍ أو فخر بانتصار ماديٍّ؛ قال تعالى: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلنَا مَنسَكًا هُم نَاسِكُوهُ﴾ [الحج: 67]، إلا أنَّ أمَّتنا لها عيد يختلف في غايته ومَغزاه، وفي مظاهره ومعناه عن سائر الأعياد؛ فهو يومٌ يمثِّل الانتصار على النفس الأمَّارة بالسوء، ولولا ذاك لما كان العيد بعد رمضان المبارك؛ لما فيه من ظهور النصر على الشهوات والملذات، والتعبُّدِ الحق لرب الأرض والسموات: ﴿... وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ...﴾ [الروم: 4، 5].

وفى دراسة بعنوان: «المعاني الجميلة للعيد) -2015-، للباحث المختار بن العربي مؤمن، يرى أنه إذا انتصرنا على أنفسنا في شهر رمضان المبارك وفي غيره من الأيام، كان النصر حليفَنا على الأعداء؛ لأنَّ هزائمنا المتتالية في جميع مجالات الحياة هي نتائج عما اقترفته أيدينا؛ وتصديق ذلك قوله تعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: 165].

 

يوم العيد عندنا معشر المسلمين

يوم البهجة والسرور، والطِّيب والبَخور، يوم الصفاء والنقاء، والقُرب مِن الأهل والأصدقاء. يوم التهنئة بنِعمة الصيام، ونِعمة القيام، وشُكر الكريم المنان. العيد ليس عيد العابثين، العيد ليس عيد المُرتكِبين للمُحرَّمات وتجاوز الحدود وترك الطاعات، وليس عيد القاطعين لأرحامهم، والمتعالين في تصرفاتهم. العيد ليس لهؤلاء، وإن كان الفرح شعارَهم، والجديد لباسهم!

العيد هو فرحة الطائع بطاعته، والمصلي بصلاته، والصائم بصيامه، والقائم بقيامه، والمتصدق بصدقته، هو عيد البارِّ بوالدَيه، الواصل لرحمه، الباحث عن رضا ربه، هو عيد مَن صام رمضان، يرجو الرضوان، والعِتق مِن النِّيران.

وليلة العيد، كبِّروا فيها ربكم؛ شكرًا له على توفيقه وفضله بإتمام رمضان؛ قال تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185]، وبعد صلاة العيد ردِّدوا هذه العبارات- بألسِنَةٍ طاهِرة نقية، وقلوب صافية بهية-: تقبَّل الله مِنا ومنكم، كل عامٍ وأنتم إلى الله أقرَب.

 

مميِّزات العيد في الأمة الإسلامية

  • أنَّها ربانيةٌ، أمرَ اللهُ سبحانه بها، وبلَّغَها الرسولُ ﷺ قولًا وفعلًا وإقرارًا لأمَّته.
  • أنها تجيءُ بعدَ موسمينِ عظيمين وبعدَ أداءِ ركنين من أركانِ الإسلام.
  • أن إطعامَ الفقراءِ وإغناءهم في هذَين اليومين واجبٌ أو فضيلةٌ تتضاعفُ بشرفِ الزمان.
  • ليسَ في أعيادِنا استباحةٌ للمحرَّمات؛ فلنا أن نفرحَ ونلهو بكل حلالٍ لا حرجَ فيه على الدِّينِ أو المروءة.
  • أنهما يَجيئانِ في جميعِ فصولِ السنةِ كمزيةٍ للتقويمِ الهجري، خلافًا لأعيادٍ محبوسةٍ على فصولٍ لا تَبرحها.
  • أنها فرصةٌ لاجتماعِ الأمةِ على مستوياتٍ مُختلفةٍ في الصلواتِ واللقاءاتِ العائليةِ والإقليميةِ، أو على الصعيدِ الطاهرِ في الموسمِ الميمون.
  • أنها خُصَّت بأسماءٍ شرعيةٍ مثل: (الفطر) و(الأضحى) و(يوم الجوائز) و(يوم الحج الأكبر).
  • أن العيدَ عبادةٌ وتعبيرٌ عن السعادةِ بتمامِ الطاعةِ وسؤالِ القبولِ منَ الرب الكريم.
  • أعيادُنا شُرعت لذكرِ الله وشكرِه وتكبيرِه وحمدِه؛ فهي أُنسٌ بالله وفرحٌ بدينه، مع ما فيها من جوانبَ دنيوية.
  • الفضائلُ الكثيرةُ ليومِ الجمعة.

 

كيف تَسعد وتُسعد من حولك في العيد

  • حاول الاستيقاظ مبكرًا والاستعداد بالاغتسال، والترتيب، وتناول بعض التمرات، والتوجُّه لمصلى العيد، وإظهار السعادة، والجهر بالتكبير.
  • ألقِ السلام على مَن تُقابل مِن إخوانك وإن لم تكن تَعرفهم، وتبسَّم لهم؛ فتبسمك في وجه أخيك صدقة.
  • اجعل معك بعضَ المال مِن فئات نقدية مُختلفة، واجعل بعضها مع أبنائك، وأَسعِد قلوبَ الفُقراء، وعوِّد الأطفال على الاقتداء بك، وإن كنتَ ترى أنهم لا يستحقُّون الصدقة، فلا تردَّهم في هذا اليوم، وأعطِ مَن تظنُّ عدم حاجته مِن المال ذي الفئة القليلة، ومَن تظن فيه الفاقة أعطه مِن المال ذي الفئات الأكثر.
  • بعد عودتك من الصلاة اجعل الوالدين أولَ من تهنئهم بالعيد، فطَيِّب لهم الكلام، وأَسمعهم من دعواتك الصادقات ما يُسعد قلوبهم، وبادر بتهنئة الأهل والأصدقاء.
  • الخادمات ومَن في حالهنَّ: كثير مِن بيوت المسلمين به خادمة أو أكثر، فما أجملَ أن تجعل لهنَّ ربةُ البيت هديةً رمزية في يوم ترى فيه السعادة تَعلو الوجوه، ويحنُّ قلبُها إلى وطنها، فما أكثر ما يجلب العيد من ذكريات!
  • زيارات الأهل وصِلَة الأرحام: لنجعل منها هذا العام شيئًا جديدًا، فلنصحَب في زياراتنا بعض المطويات، أو نُنظِّم بعض المسابقات الخفيفة مخلوطة بالدعابات اللطيفة، التي تجمع بين التذكير بالله وتنشيط الأذهان، وتُضفي على الجو من السعادة ما يبعث على الراحة المنشودة.
  • التصدي للمُنغِّصات: قد يأتيك مَن يُحاول أن ينغِّص عليك في العيد ويَحرمك سعادتك في هذا اليوم، ويَبدو أن البعض قرَّر أن يتخصَّص في هذا الجانب، لكن عليك أن تستعد لمثل هذه الزيارات المفاجئة، وأن تتصدى لها بكل هدوء، وتُدرِّب نفسك على مقابلة هذا الأسلوب بما يليق بك وبخلقك الكريم.
  • لعلك تعلم من الأصدقاء- أو حتى العمال- مَن هو بعيد عن وطنه وأهله، فأدخِل الفرحة على قلبه بدعوته في هذا اليوم وإشراكه معك في أجواء المرح والترويح عنه بكل ما يتيسر لك.
  • اجعل لأهلك مفاجأةً سارَّةً، ولو بشيء يسير، لكن احرص على عُنصرِ المُفاجأة؛ فإنَّ لها على النفس مفعولًا ساحرًا.
  • نظِّم- بالاشتراك مع أبنائك- جدولًا لجميع أيام العيد، وحدِّد معهم الأماكن التي يُفضِّلون زيارتها، وليكن هذا التنظيم قبيل يوم العيد.
  • لا تجعل الفرحة تُنسيك ذكر الله وتذكير الناس، فاحرص على الأذكار وتلاوة ورد مِن القرآن، وقراءة كتب الخير النافعة.
  • احرص على ألا تكون مسرفًا في العيد؛ يقول الله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 26، 27]، وتجنَّب الشح أيضًا؛ فلا تَقتُر على نفسك وأهلك في يوم فرحهم، وخيرُ الأمور الوسط.
  • تذكَّر وذكِّر مَن حولك بأعياد المسلمين، وأنها عيد الفطر وعيد الأضحى فقط، وأن ما سوى ذلك بدعة.
  • أَكثِر من الدعاء لإخوانك المنكوبين في العيد، وتذكَّرْ حالهم، واحمد الله على ما منَّ به عليك، وادع الله أن يفرِّج كروبهم، وأن يُغيِّر حالهم.

 

سُنن ينبغي إحياؤها يوم العيد

أولًا: ينبغي للمسلم أن يحرص يومَ العيد على الاغتسال والطيب؛ وثَبَتَ عن ابن عمر أنه كان يغتسل قبل أن يغدو إلى الصلاة، واستحبَّ بعض أهل العلم إزالة شَعرِ الإبطَين، وتقليم الأظفار، وما يَتْبَع ذلك؛ لأنَّ ذلك مِن تمام الزينة، ولبس أحسن ما يجدُ من الثياب؛ فقد ثبَت عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين. قال ابن القيم رحمه الله: «وكان ﷺ يلبسُ للعيدين أجملَ ثيابه، فكانت له حُلَّةٌ يَلبسها للعيدين والجمعة».

ثانيًا: يُستحبُّ قبل خروجه إلى الصلاة في عيد الفِطر أن يأكل تمراتٍ وِترًا، والوِترُ: إما أن يكون ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا؛ فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: «ما كان رسول الله ﷺ يغدو يوم الفِطر حتى يأكُلَ تَمراتٍ، ويأكلهنَّ وِترًا.

ثالثًا: يستحب له أن يذهبَ من طريقٍ ويرجع من آخَر؛ فعن جابر رضي الله عنه قال: «كان النبي ﷺ إذا كان يوم عيدٍ خالَف الطريق؛ قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].

رابعًا: السنَّة أن تكون الصلاة في مصلَّى العيد، وليس المسجد، وهذا هو المعروف مِن فعله ﷺ ومواظبتِه، كما رجَّحه جمعٌ من أهل العلم.

خامسًا: لم يَثبُت عن النبي ﷺ أنه صلى قبل العيد أو بعده نافلةً في المُصلى؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنَّ النبي ﷺ خرَج يوم الفِطر، فصلى ركعتين، لم يصلِّ قبلها ولا بعدها»، لكن إذا كانت الصلاة في المسجد؛ فإنه يُصلي تحية المسجد ركعتين؛ فعن أبي قتادة السلمي رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يركعَ ركعتين».

سادسًا: إذا رجع إلى بيته، يُشرع له أن يصليَ ركعتين؛ فعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: «كان النبي ﷺ لا يُصلِّي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين».

سابعًا: يُستحَبُّ التكبير من غروب شمس ليلة العيد، لقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185]، ويُكبِّر مِن حين خروجه من بيته حتى يأتيَ الإمام إلى المُصلى، وهذا التكبير مشروعٌ باتفاق الأئمة الأربعة، وجاء عن ابن عمر أنه كان يخرج للعيدَين من المسجد، فيُكبِّر حتى يأتي المُصلى، ويُكبِّر حتى يأتي الإمام، وعن ابن مسعود أنه كان يقول: «الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد»، ويُستحبُّ التكبير في المساجد والمنازل والطرُق.

ثامنًا: تأكُّد صلاة العيد على الرجال والنساء، واستدلُّوا بحديث أم عطية أنَّ النبي ﷺ أمَر بها العواتق- البالغات- والحُيَّض، وأمَر الحُيَّض أن يَعتزلنَ المُصلى، ويَشهدنَ الخير ودعوة المسلمين.

تاسعًا: التهنئة بالعيد؛ فقد نُقل عن بعض الصحابة أنهم كانوا يقولون في العيد: «تقبل الله مِنا ومنكم»؛ كما ورد ذلك عن العلماء.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم