Business

آداب وسنن العيد التربوية والفقهية

العيد مناسبة سارة، تجتمع فيها القلوب، وتنشرح لها الصدور، وتعم البهجة جميع المسلمين، فينسون همومهم وغمومهم، وسمي العيد عيدًا؛ لأن فيه عوائد الإحسان على العباد في كل عام، ولأن العادة فيه الفرح والسرور، والنشاط والحبور، وقيل: سمي كذلك لعوده وتكرره؛ لأنه يعود كل عام بفرح مجدد، أو تفاؤلًا بعوده على من أدركه.

ولما كان العيد بهذه الأهمية؛ سَنَّ ديننا للمسلمين عيدين سنويين هما أفضل أعياد البَريَّة؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله ﷺ المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: «ما هذان اليومان؟»، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله ﷺ: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر».

وفى دراسة بعنوان: «العيد.. سنن وآداب»، للباحث نجيب جلواح، استعرض العديد من السنن والآداب التربوية التي ينبغي أن يكون عليها المسلم في العيدين.

 

  • الاغتسال

يستحب للمسلم أن يغتسل للعيد؛ لأن فيه اجتماعًا أعظم من الاجتماع الذي في الجمعة، وقد روي في ذلك أحاديث عن النبي ﷺ لكنها لا تصح، وأحسن ما يستدل به على استحباب غسل العيد: تلك الآثار الواردة عن السلف رضي الله عنهم؛ فعن زاذان قال: سأل رجل عليًا رضي الله عنه عن الغسل؟ قال: «اغتسل كل يوم إن شئت»، فقال: لا، الغسل الذي هو الغسل، قال: «يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر».

  • التزين ولبس الجميل

يستحب لبس أجود الثياب لشهود العيد؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله ﷺ يلبس يوم العيد بردة حمراء».

ويحرم على الرجال التزين بكل محرم من اللباس؛ كالذهب والحرير وثوب الشهرة، وما كان من لباس الكفار الخاص بهم أو النساء، كما لا يحل لهم التزين بحلق لحاهم.

واستحب بعض أهل العلم الاغتسال والتزين للمسلم وإن لم يشهد المصلى؛ لأن ذلك من سنن اليوم لا من سنن الصلاة، والمقصود في هذا اليوم إظهار الزينة والجمال، فاستحب ذلك لمن حضر الصلاة ولمن لم يحضرها.

كما يستحب التنظف بإزالة الشعر، وتقليم الأظافر إلا في الأضحى لمن أراد أن يضحي، فالواجب عليه الإمساك عن كل ذلك حتى يذبح أضحيته؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها.
وهذا التزين ولبس أجمل الثياب خاص بالرجال، أما النساء فلا يلبسن الثياب الجميلة عند خروجهن إلى مصلى العيد، بل يحرم عليهن أن يخرجن متطيبات ومتبرجات؛ لقول النبي ﷺ: «ليخرجن وهن تَفِلات»، أي: غير متطيبات ولا متعطرات.

  • الأكل قبل الخروج في الفطر بخلاف الأضحى

فالسنة أن يأكل المسلم- يوم الفطر- قبل الغدو إلى المصلى، ويستحب أن يكون فطره على تمر إن وجده؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان رسول الله ﷺ لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات»، وقال مرجى بن رجاء: حدثني عبيد الله، قال: حدثني أنس عن النبي ﷺ: «ويأكلهن وترًا»، وفي جعلهن وترًا: إشعار بالوحدانية.

ويفهم من الحديث: أن التمرة الواحدة لا تحصل بها السنة؛ لأن «تمرات»: جمع، وعلى هذا، فلابد من ثلاث فأكثر.

وقيل: الحكمة في الأكل قبل الصلاة أنه لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى، ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك، ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع.

هذا في الفطر: أما في الأضحى: فالسنة ألا يأكل المضحي حتى يرجع، فيأكل من ذبيحته؛ فعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: «كان النبي ﷺ لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم؛ ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي»، وفي رواية: «حتى يذبح»- رواها أحمد- وفي أخرى له: «فيأكل من أضحيته».

وقيل: الحكمة من ذلك إظهار كرامة الله تعالى للعباد بشرعية نحر الأضاحي، فكان الأهم الابتداء بأكلها شكرًا لله على ما أنعم به من شرعية النسيكة الجامعة لخير الدنيا وثواب الآخرة.

وقد خصص بعض أهل العلم استحباب تأخير الأكل في عيد الأضحى حتى يرجع بمن له ذبح؛ لأن النبي ﷺ إذ أخر الفطر في الأضحى إنما أكل من ذبيحته.

  • الخروج إلى العيد ماشيًا والعودة ماشيًا

يستحب أن يخرج المسلم إلى العيد ماشيًا- وعليه السكينة والوقار- وأن يرجع كذلك، وهو من التواضع؛ فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: «كان رسول الله ﷺ يخرج إلى العيد ماشيًا ويرجع ماشيًا». ويستحب ألا يركب في العيد إلا من عذر، فمن كان له عذر، أو كان مكانه بعيدًا فركب فلا بأس. قال الإمام مالك: «إنما نحن نمشي ومكاننا قريب ومن بعد عليه فلا بأس أن يركب».

  • مخالفة الطريق

يستحب للمسلم في العيدين- إمامًا كان أو مأمومًا- أن يأخذ في طريق، ويرجع في غير الطريق الذي ابتدأ فيه؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «كان النبي ﷺ إذا كان يوم عيد خالف الطريق». والحكمة بالنسبة لمعشر المسلمين- من هذا-: هي متابعة النبي ﷺ.

أما بالنسبة لفعله ﷺ ذلك فقد اختلف العلماء في حكمته على أقوال، فقيل: للمرور على من لم يمر عليه في الذهاب، ورؤية من لم يره من المسلمين، وتسليمه على من لم يسلم عليه، أو لإظهار شعار الإسلام، أو ليغيظ المنافقين والكفار، أو ليشهد له الطريقان. وقيل- وهو الأصح-: إنه لذلك كله، ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها.

  • الخروج إلى المصلى

يستحب الخروج إلى المصلى في العيدين- لو اتسع المسجد للناس-، والخروج إليه تشريع من النبي ﷺ، وليس من أجل ضيق المسجد- كما زعم بعضهم-؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كان رسول الله ﷺ يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى».

ولم يثبت عن النبي ﷺ أنه صلى في مسجده- مع فضله- صلاة عيد قط، فقد أخبر بأن الصلاة في مسجده تضاعف، ومع ذلك كان يخرج إلى الصحراء، وهذا دليل واضح على تأكد أمر الخروج إلى المصلى لصلاة العيدين.

وقد أمر النبي ﷺ النساء بالخروج إلى العيدين؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله ﷺ يأمر بناته ونساءه أن يخرجن في العيدين».

ولم يستثن ﷺ- من هذا الأمر- الحيض وربات الخدور؛ فعن أم عطية رضي الله عنها قالت: «أمرنا رسول الله ﷺ أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور؛ فأما الحيض: فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين»، قلت: يا سول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: «لتلبسها أختها من جلبابها».

ويستحب إخراج الصبيان- ذكرانا وإناثا- إلى المصلى؛ فعن عبد الرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس قال: خرجت مع النبي ﷺ يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خطب ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة.

  • التكبير في العيدين وأيام التشريق

يستحب للناس إظهار التكبير في العيدين، واختص الفطر بمزيد تأكيد لورود النص فيه، والأصل فيه قوله عز وجل:  {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: 185)، فيكبر المسلمون ربهم في هذا العيد، في مساجدهم ومنازلهم وطرقهم، مسافرين كانوا أو مقيمين- لظاهر الآية- تعظيمًا وشكرًا لله، الذي هداهم لهذا الدين القويم، وبلغهم هذا الشهر، وأكمل لهم العدة، ووفقهم لأداء ما كتب عليهم من صوم رمضان؛ فعن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله ﷺ كان يخرج من العيدين رافعًا صوته بالتهليل والتكبير».

والتكبير مستحب للنساء كما هو للرجال؛ فقد ذكر البخاري عن ميمونة- زوج النبي ﷺ- كانت تكبر يوم النحر، وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد.

وأما صيغة التكبير، فقد ثبت تشفيعه عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ فعن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه: «أنه كان يكبر أيام التشريق: «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد».

ويبدأ التكبير- في الفطر- من غروب الشمس من يوم الثلاثين من رمضان، أو رؤية هلال شوال؛ لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}، وإكمال العدة يكون بغروب الشمس من ليلة العيد، وانتهاؤه إلى أن يخرج الإمام؛ فعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه كان إذا غدا يوم الأضحي ويوم الفطر يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام»، فمنذ ثبوت العيد إلى خروج الإمام لصلاة العيد ووقت الناس معمور بالتكبير تعظيمًا لله وشكرًا وحمدًا. أما وقت التكبير في الأضحى: فمن صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام منى، وهو الثالث عشر من ذي الحجة.

ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي ﷺ حديث، وأصح ما ورد في هذا- كما قال الحافظ-: قول على وابن مسعود رضي الله عنهما: أنه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام منى؛ فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما: «أنه كان يكبر بعد صلاة الفجر- يوم عرفة- إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، ويكبر بعد العصر».

وننبه- هنا- على أن أداء التكبير يكون من كل واحد على حسب حاله، فيذكر الله عز وجل من غير اتفاق مع أحد يكبر معه، وأما التكبير الجماعي فمحدث، ولم يكن من سنة النبي ﷺ ولا من هدي الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان.

  • لا سنة للعيد- قبلية ولا بعدية- في المصلى

لم يثبت لصلاة العيدين سنة قبلها ولا بعدها، ولم يكن النبي ﷺ ولا أصحابه رضي الله عنهم يصلون شيئا- قبل الصلاة ولا بعدها- إذا انتهوا إلى المصلى؛ فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه: «أن رسول الله ﷺ خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما...» الحديث.

وفي قوله: «لم يصل قبلهما ولا بعدهما»: دليل على عدم شرعية النافلة قبل صلاة العيد ولا بعدها؛ لأنه إذ لم يفعل ﷺ ذلك ولا أمر به فلا يكون مشروعا في حقنا.

ومن جهة المعنى يقال: إنه لو اشتغل بالنافلة قبل الصلاة لاشتغل عن عبادة الوقت وهو التكبير، ويكون بذلك انتقل من الفاضل إلى المفضول.

ومن جهة أخرى لا يتصور أن يكون للعيد سنة قبلية؛ لأن ما بين انقضاء صلاة الفجر إلى حين صلاة العيد وقت تحرم فيه النافلة.

غير أنه لا مانع من الصلاة بعد العيد، سواء للأمام أو المأموم. إذا فعلت في البيت بعد الانصراف من المصلى، وهو ما يدل عليه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كان رسول الله ﷺ لا يصلى قبل العيد شيئا؛ فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين».

فيكون المراد من قول ابن عباس رضي الله عنه السابق: «ولا بعدهما» أي: في المصلى، وهو طريق الجمع بين الأحاديث النافية والمثبتة للتنفل في العيد.

قال الحافظ ابن حجر: «ويجمع بين هذا «أي حديث ابن عباس رضي الله عنه النافي» وبين حديث أبي سعيد: أن النفي إنما وقع في الصلاة في المصلى»، وقال الألباني نحوه.

  • التهنئة في العيد

تشرع التهنئة في العيد بقول: «تقبل الله منا ومنكم».

فقد أجازه جمع من أهل العلم، لوروده عن السلف رضي الله عنهم؛ قال الحافظ ابن حجر: «وروينا في (المحامليات)- بإسناد حسن- عن جبير بن نفير قال: «كان أصحاب رسول الله ﷺ إذا التقوا- يوم العيد- يقول بعضهم لبعض: «تقبل الله منا ومنك».

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم