النساء شقائق الرجال، والمرأة والرجل هما جناحا المجتمع يطير بهما في آفاق الحياة الرحيبة، وقد كفل الإسلام للمرأة حقوقها وكرمها بمساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات، وإن من أهم واجبات المرأة المسلمة هي مسؤولية التربية والتوجيه، وهى مسؤولية كبيرة وشاقة وهامة لكونها تبدأ منذ الولادة، وتمر بمرحلتي التمييز والمراهقة، إلى أن يصبح مكلفًا سويًا، ومسؤولية الأم مهمة باعتبار أنها تلازم ولدها منذ الولادة إلى أن يشب ويترعرع.
ومن المسؤوليات الكبرى التي أوجبها الإسلام على المربين، مسؤولية التربية الصحية لينشأ الأولاد على خير ما ينشئون عليه من قوة الجسم، وسلامة البدن ومظاهر الصحة والحيوية والنشاط، وحفظ الصحة التي هي من المقاصد الكبرى التي تقوم عليها شرائع الإسلام، والصحة تقوم على الوقاية والعلاج، والوقاية خير من العلاج.
وفى هذه الدراسة التى أعدتها الدكتورة أمينة عراقي، طبيبة وواعظة بالمجلس العلمي للرياط، حاولت إظهار بعض مظاهر التربية الصحية في الإسلام. من خلال الحديث عن أهمية النظافة والرياضة والتغذية الصحية باعتبارها من أهم السبل الوقائية من عدة أمراض.
النظافة
إذا كان العلم الحديث قد أثبت فائدة النظافة وأهميتها في الوقاية من كثير من الأمراض، فإن الطهارة التي يحث عليها الشرع الإسلامي أعم من ذلك. إذ نجد علماء الأحياء والطب والصحة يكشفون كل يوم شيئًا جديدًا عن فوائد الطهارة والوضوء، يقول الله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ولَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ولِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، ويقول سبحانه أيضًا: {واللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ}.
إن الغسل والوضوء هما أوفر زاد يتزود به المسلم في نهاره وليله، وأحسن سلاح يحصن به صحته وهو بذلك يحصل على الأجر والثواب العظيم.
ولو نظرنا إلى نواقض الغسل والوضوء لوجدناها كثيرة وفي ذلك حكمة جليلة من الشارع ليكررها المسلم كل حين.
إن كل حركة من الوضوء تخفي وراءها حكمة بالغة وحتى ترتيب غسل الأعضاء هو عين ما تتطلبه شروط الصحة وقواعد الطب.
يبدأ بغسل يديه لإزالة ما عليها من أوساخ لأنها أداة التطهير، فقد أثبت الطب خطورة الأمراض التي تنتقل باليدين، وغسلها أحسن وقاية من الأمراض الطفيلية الهضمية وتعفنات العينين وعدة أمراض أخرى، ولهذا أمر الإسلام بغسل اليدين قبل الطعام وبعده، وبعد الاستيقاظ من النوم وبعد دخول الخلاء. وأمرنا بتخليل الأصابع وغسل عقدهما وتقليم أظافرهما.
ثم المضمضة بيدين نظيفتين وماء جديد: إن الفم عندما تهمل نظافته يكون مصدرًا لأمراض كثيرة من إنتانية والتهابية مثل:
- أمراض موضعية: كتسوس الأسنان وسقوطها وأمراض اللثة والروائح الكريهة.
- وأمراض عامة: مثل الروماتزيم الحاد وأمراض القلب (الصمامات والكلي) والجلد.
- ومن أجل هذا ألح الرسول ﷺ على تنظيف الفم واستعمال السواك باستمرار قال ﷺ: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة»، والسواك هو عود من شجر الأراك، وبينت الأبحاث العلمية وجود عدة ومواد قاتلة للجراثيم تشبه (Pencilline)، ومادة (Sangérine) ذات التأثير المطهر الشديد الفعالية وهو غني بحمض العفص (Acide Tannique) الذي يمنع النزف، وفيه مادة السيليس التي تزيل (Tatre) وتساعد على تلميع الأسنان وتبييضها، ويحتوي أيضا على Resine وVitk وعلى أملاح الحديد والكالسيوم.
- ثم الاستنشاق والاستنثار: وهما يعدان أحسن طريقة وأنجح وسيلة لتنظيف باطن الأنف وتخليصه من الشوائب ووقاية المسلم من عدة أمراض.
- ثم يغسل الوجه: لإزالة كل أثر خلفته العمليتان السابقتان على الوجه.
- ثم يغسل الساعدين وهو أتم لنظافة اليدين.
- وبعد ذلك مسح الرأس والأذنين.
- وفي آخر المطاف يغسل قدميه ويخلل بين الأصابع: ومما يلاحظ عند خلع الأحذية ظاهرة الروائح النتنة، ولو أن هؤلاء توضئوا عدة مرات في اليوم وخللوا بين أصابعهم وتركوا أقدامهم تجف بعد الوضوء، وغيروا جواربهم كل يوم لما أنتنت أقدامهم، لأن العرق عند إفرازه لا تكون له رائحة لكن تفاعله مع الميكروبات التي توجد بالجلد هو الذي يسبب الروائح الكريهة.
وهكذا نري أن الإسلام جعل غسل الأعضاء المتعرضة للغبار والأوساخ يتكرر مرات عديدة في اليوم وجعل غسل يوم الجمعة وغسل الجنابة فرصة متكررة لتنظيف باقي الجسد من العرق والدهون والكبتريا وخلايا الجلد الميتة التي تكون الطبقة القرنية (الطبقة السطحية للجلد). والتي هي إن تراكمت تؤثر سلبًا على وظائف الجلد الفيزيولوجية التي من أهمها: المحافظة على درجة حرارة الجسم ثابتة، والتخلص من السموم التي تطرحها الأنسجة في الدم، وتنفس الجلد: امتصاص O2، وطرح ثاني أوكسيد الكربون، ووظيفة الإحساس، وتكوين حاجز وقائي ضد تسرب الميكروبات داخل الجسم.
كما أن للوضوء والغسل فوائد أخرى وهي تهدئة الأعصاب. وقد لاحظنا في السنوات الأخيرة انتشار وسائل العلاج بالمياه والتدليك، وأقر الأطباء فائدتها في تهدئة الأعصاب واسترخاء عضلات الجسم، وقد سبقهم أستاذنا الأول ﷺ نبي الرحمة الذي لا ينطق عن الهوى حين قال: «إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من نار، والماء يطفئ النار، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ».
وسأختم باب الطهارة بهذا الحديث قال ﷺ: «عشرة من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم (عقد الأصابع)، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء (وهو الاستنتجاء)». وقال الراوي ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. والإسلام يدعو كذلك إلى: نظافة الثياب، ونظافة المكان.
الرياضة
لقد أثبت الأطباء فوائد كثيرة للرياضة، منها أنها:
- تزود البدن بليونة ومرونة.
- وتنمي عضلات الجسم، وتحسن الدورة الدموية.
- وتحسن عمل المفاصل.
- وتخلص الجسم من فائض الغداء وسمومه.
- وتزيل التوتر والقلق؛ لأن الجهد العضلي يريح الجهاز العصبي.
وإن من الوسائل النافعة التي وضعها الإسلام لتربية أفراد المجتمع جسميًا وتكوينهم صحيًا هو ممارسة الرياضة.
ففرض الصلاة خمس مرات على الأقل في اليوم. والحركات الرياضية في الصلاة تجعلك تخضع لنظام رياضي خاص. وهو تقليص العضلات لمدة ثم تبسط، وذلك بصفة متكررة، وهذه الحركات تتماشي تمامًا مع متطلبات المجهود الرياضي الصحي دون إحداث إجهاد ولا إصابات.
وقد بلغ من اهتمام الرسول ﷺ بها أن وصى الآباء أن يأمروا أولادهم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين ويضربوهم على تركها إذا بلغوا عشرًا، والغاية تثبيت لديهم عادة الصلاة حتى لا تصعب عليهم متى كبروا: ولقد أجريت دراسات علمية موثوقة أجريت على 188 من البالغين منهم من التزم الصلاة قبل سن العاشرة وداوموا عليها ومنهم من بدأ الصلاة بعد سن الثالثة عشرة ومنهم الذين لا يصلون.
وأثبتت الدراسة أن من التزموا بالصلاة قبل العاشرة من عمرهم, ويقومون بالركوع مرات عديدة كل يوم، فإن الأربطة الطولية خلق الفقرات وألياف الغضروف الخلفية تحافظ على ليونتها فيصعب تمزقها في الكبر، ويبقي الغضروف آمنًا بين الفقرات، ولا يشكون من آلم الظهر التي تعاني منها فئات كثيرة من الناس.
إن هذا التوجيه النبوي الكريم من حسن التدرج واللطف بالصغير لذو أهمية، فهو يدعي إلى الصلاة وهو ابن سبع سنين ولا يضرب عليها إلا عند العاشرة من عمره، ويكون خلال فترات الثلاث سنوات هذه قد نودي للصلاة وحببت إليه أكثر من خمسة آلاف مرة. فمن واظب عليها خلال ثلاث سنوات بشكل متواصل هل يحتاج بعد خمسة آلاف نداء أن يُضرب!
ومما يعين على تعويد الأولاد المحافظة على الصلاة:
- أن يكون الآباء قدوة لأولادهم في المحافظة على الصلاة، فإن الصغير ينشأ على ما عودة أبواه عليه.
- الصبر والمصابرة قال تعالي: {وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْهَا (فالأمر فيه مشقة ونصب ولكن الله تعالى يقول: {والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.
- الدعاء لهم في كل وقت، وجعلهم أحيانًا يسمعون دعاءك لهم بالصلاح والهداية والتوفيق والسداد وبدعاء الأنبياء والصالحين: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وتَقَبَّلْ دُعَاء).
- ربطهم بصحبة صالحة.
ولعل الحد الأدنى من رياضة المسلم يتجلى في قيامه بشعائر الصلاة من قيام وقعود وركوع وسجود. هذا ورغب شرعنا الإسلامي الحكيم في أنواع أخرى من الرياضة:
منه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى الولاة ما يلي: (أما بعد، فعلموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل)، وقد كان ﷺ يمشي هو وأصحابه بعد العشاء قدر ما يقرأ الزهراوين (البقرة وآل عمران) ما يساوي ساعة ونصف. وفي رمضان كان يمشي بعد صلاة العصر. والعلم أثبت أهمية المشي في المحافظة على الصحة.
والمسلم حينما يتوضأ فليس ذلك لأجل النظافة، وحينما يصلي فليس ذلك لأجل الرياضة. إنما هي عبادات وامتثال لأوامر الله وابتغاء لمرضاته، ولكن لا بأس بعد إخلاص النية لله أن نتعرف على الفوائد الصحية لهذه العبادات، ليزيد يقيننا بهذا الدين المعجز الذي جاء بمنهاج متكامل للحياة يعترف بالإنسان جسديًا ونفسيًا وعقليًا وروحيًا.
وإذا ربينا أولادنا على المحافظة على الوضوء، والصلاة فسوف يستفيدون جسديًا ونفسيًا وعقليًا وروحيا في الدنيا والآخرة، لأن للصلاة عدة فوائدة نفسية ومنها:
- معالجة الشعور بالوحدة وعقدة الذنب.
- الإفضاء بمبعث التوتر إلى الله الذي أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
- الخشوع في الصلاة يشبه العلاج السلوكي .
- الصلاة تدريب وممارسة على التركيز وتساعد على تنمية ملكة حصر الذهن.
الآداب الإسلامية في الطعام والشراب وأثرها على صحة الفرد والمجتمع
إن معظم الأمراض التي يصاب بها الناس في عصرنا الحديث ترجع إلى الإفراط في تناول الطعام والشراب والإسراف فيهما. ومن هذه الأمراض: اضطرابات الهضم والبدانة. وبعض أمراض القلب والكبد والسكري، وروى أن الرسول ﷺ قال: «ما ملأ آدمي وعاءًا شرًا من بطنه، بحسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه، فإذا غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس».
وتجلي الإعجاز العلمي في الحديث النبوي الشريف في الآتي:
- أثبت العلم أن المعدة على شكل وعاء كما وصفها النبي ﷺ.
- يقمن صلبه وهو الحد الأدنى من الطعام الذي يجب أن نأكله لاستخراج الطاقة اللازمة لأداء وظيفة الأجهزة الداخلية.
- ثلث المعدة يساوي حجم الهواء الذي يدخل مع كل شهيق، لأن حجم المعدة حين تتمدد هو لتر ونصف، وحجم الهواء الذي يدخل مع كل شهيق هو نصف لتر كما يعرف ذلك الأطباء الأخصائيون.
- وبالنسبة للنبات المأكول فهو حلال كله، أما المصدر الحيواني للغداء فقد حرم النص القرآني منه تناول الميتة والدم ولحم الخنزير، وجاء في السنة أيضًا تحريم أكل الحيوانات المفترسة، لما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنه: «نهي رسول الله ﷺ عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير».
- وللحفاظ على سلامة الأبدان يجب تجنب الأطعمة المصنعة، وتناول كل ما هو طبيعي وهو ما أخرج من الأرض بما في ذلك اللحوم؛ لأن أصلها من الأرض قال تعالي: {والأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُون}، كما يجب تجنب أخذ كثير من السكريات والدهنيات وخاصة بعد سن الأربعين (السكر الأبيض).
- كما يجب تجنب النوم مباشرة بعد الأكل.
ولعل دور المرأة المربية سواء كانت أمّا أو واعظة أو مرشدة في نشر هذه الفوائد الصحية فيما يتعلق بالرياضة والنظافة والتغذية الصحية = كبير، فهي تستطيع من خلال التوجيهات التربوية والدروس الوعظية أن تنشر بين الناس ثقافة السلوك السوي وكيفية ممارسته على الوجه الصحيح في الحياة. مسترشدة في ذلك بالهدى النبوي الشريف في المحافظة على سلامة الأبدان. والسمو بالروح إلى أعلى المقامات وتزكيتها من كل الشوائب والرذائل.
.