تميزت دعوة الإخوان المسلمين عن غيرها من الدعوات بالوسائل التربوية المتبعة في بناء الفرد والجماعة، وعلى رأس هذه الوسائل تربعت الأسرة «الدرع الحصينة»، لما لها من أهمية كبيرة في تكوين الفرد وتربيته تربية متكاملة؛ تتناول جميع جوانب شخصيته، وفق كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد ﷺ.
ويُعدَّ نظام الأسر في جماعة الإخوان المسلمين هو البناء الدقيق للجماعة من الداخل، والذي يعمل على تربية الأفراد تربية روحية وعملية نستطيع مواجهة الفتن التي تستهدف القضاء عليها.
ومع مرور الزمن وتطور الحياة ودعوات البعض للتطوير والإبداع في وسائل التربية والتكوين؛ بقيت للأسرة في وسائل الجماعة مكانتها المرموقة، كركيزة أساسية في بناء الجماعة؛ لاعتمادها على نظام الشيخ «المربي» والتلميذ «المتربي»، وما لهذا النظام من أثر في تغيير السلوك وبناء الأفكار.
يقول الأستاذ عمر التلمساني: «نظام الأسر كان الغرض منه في الإخوان المسلمين تعارف أفراد الإخوان بعضهم على بعض؛ فمثلًا إذا كانت جماعة الإخوان أسرة، وكل أسرة مكونة من خمسة أو سبعة أفراد، فرؤساء هذه الأسر كانوا يُكَوِّنُونَ بدورهم أُسَرًا جديدة، ولرؤساء الأسر الجديدة رؤساء، ومن بينهم تتكون أسر أخرى وهكذا».
وفي دراسة خاصة «للمنتدى الإسلامي العالمي للتربية» للباحث عبده دسوقي حول «قسم الأُسَر وبداية الغَرْس الإخوانيّ» تناول فيها أهم ركيزة من ركائز تكوين جماعة الإخوان المسلمين؛ وهي الأسرة، وعَرَّفّ بها وبأركانها، وضرب نماذجَ من نتائجها وثمارها التربوية على المجتمع.
ظروف النشأة
جاء في رسالة الأسر أن ظروف نشأة نظام الأسر ترجع إلى نوعين من العوامل:
الأول: يتعلق بالظروف والأوضاع السياسية العامة في مصر إِبَّانَ الحرب العالمية الثانية.
الثاني: يرتبط بالأحوال الداخلية للإخوان.
أما الأمر الأول وهو المتعلق بالظروف السياسية لمصر أثناء الحرب العالمية الثانية فقد تعرض الإخوان للتضييق عليهم من قبل الحكومات المختلفة وبإيعاز من الإنجليز، وشمل التضييق والنفي والاعتقال ومحاولات لقتل المرشد، كما شمل الإغراء بالمال والتهديد بالنفي، وإغلاق الشعب، خاصة الفترة التي تلت اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وأما الأمر الثاني- والمتعلق بالنسبة للأوضاع الداخلية للإخوان-:
فقد قام الإمام البنا بوضع نُظُمٍ مختلفة في التربية لإخراج صف إسلامي يتمتع بالفهم الصحيح للإسلام، تربط الأخوة بين لبناته، ويتكافل عند الشدائد والمحن؛ فَنُظُم الكتائب، ووضع رسالة التعاليم والمنهج، ووضع رسالة المنهج العلمي، ولكن هذه المشاريع لم يتم تطبيقها على النحو المطلوب للعوائق التالية:
- المظاهر الإدارية: مثل الافتتاح السريع للشعب، وتولي مجالس إدارتها عناصر لم تتشرب الدعوة بعد، واهتمام هؤلاء بالنواحي الإدارية والشكلية دون الاهتمام بالتربية والتكوين؛ مما أدى إلى استنفاد حيوية أفراد الجماعة في مظاهر العمل من محافل ومناسبات.
- ضعف العناية بالتكوين الفردي.
- صنفان من الإخوان: الأول: صنف بَهَرَتْه المحافل والمؤتمرات والحديث عن الإخاء والحب في الله والاجتماع عليه، فاعتبر بقاءه مع إخوانه غاية ما بعدها غاية؛ ولم يعمل على التربية العملية. عاش هذا الصنف محسوبًا في عداد الإخوان، يلتقط معلوماته من المحافل، ودينه من الخطباء.
الثاني: صنف آخر عاش يحمل أمانة الإسلام، ويبذل من ذات نفسه، وقوت أولاده، وعصارة حياته، يعمل جاهدًا في تكوين نفسه، وصياغة بيته على أساس دينه، ويتحرى وجه الحق ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، نوره من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعمله مُوَجَّهٌ إلى خالقه، لا يبتغى به عند الناس جاهًا، ولا في الأرض مقامًا، ولا بين الإخوان منصبًا، يعيش بين العاملين تقيًا خفيًا، يطلع الله من عمله على أكرم مما يطلع عليه الناس، ويُضَحِّي ويجاهد في طمأنينة الذاكرين وسكينة المؤمنين.
- القيادات: أمر آخر كان نتيجة للأوضاع السابقة؛ هو عدم الانتظام الدقيق لسلسلة القيادة من القاهرة إلى كل أطراف القطر؛ فهناك رؤساء شعب لم يكونوا على المستوى الطيب العميق من الفهم، وأعضاء مجالس إدارات دخلوها على أنها جماعة خيرية عامة، ليس وراء هذا تغيير في القيم والمعايير ([1]).
كانت الأوضاع سالفة الذكر تحتم على الإخوان أن يتخذوا لهم أسلوبًا دقيقًا للعمل لتلافى هذه العقبات، واتخذ الإخوان عدة خطوات، كان منها محاولة إصلاح الخلل في افتتاح الشعب، والعناية بالأسر، وتقسيم الأفراد حسب مستوياتهم، وإنشاء نظام الأسر التعاونية.
ولقد كتب الأستاذ البنا رسالة بعنوان: نظام الأسر، حيث جاء فيها: يحرص الإسلام على تكوين أسر من أهله يوجههم إلى المثل العليا ويقوى رابطتهم، ويرفع أخوتهم من مستوى الكلام والنظريات إلى مستوى الأفعال والعمليات، فاحرص- يا أخي- أن تكون لَبِنَةً صالحة في هذا البناء الكريم- الإسلام-.
وأركان هذا الرباط ثلاثة، فاحفظها واهتم بتحقيقها حتى لا يكون هذا تكليفًا لا روح فيه:
- التعارف: هو أول هذه الأركان، فتعارفوا وتحابوا بروح الله، واستشعروا معنى الأخوة الصحيحة الكاملة فيما بينكم، واجتهدوا ألا يعكر صفو علاقتكم شيء.
- التفاهم: وهو الركن الثاني من أركان هذا النظام، فاستقيموا على منهج الحق، وافعلوا ما أمركم الله به، واتركوا ما نهاكم عنه، وحاسبوا أنفسكم حسابًا دقيقًا على الطاعة والمعصية، ثم بعد ذلك لينصح كل منكم أخاه متى رأى فيه عيبًا، وليقبل الأخ نصح أخيه بسرور وفرح، وليشكر له ذلك، وليحذر الناصح أن يتغير قلبه على أخيه المنصوح بمقدار شعرة، وليحذر أن يشعره بانتقاصه، أو بتفضيل نفسه عليه.
- التكافل: هو الركن الثالث، فتكافلوا، وليحمل بعضكم عبء بعض، وذلك صريح الإيمان، ولُبُّ الأخوة، فليتعهد بعضكم بعضًا بالسؤال والزيارة والبِر، وليبادر إلى مساعدته ما وجد إلى ذلك سبيلًا ([2]).
تقسيم الأفراد حسب مستوياتهم
قُسِّم أفراد الشعب إلى ثلاثة أقسام هي: شَرَفِيُّونَ ومُنْتَسِبُونَ وعَامِلُونَ، ووُضِعت مواصفات لكل قسم من تلك الأقسام:
- الأعضاء الشرفيون: وهم ذَوُو الحيثيات الاجتماعية والأدبية الذين يعطفون على الدعوة في محيط الشعبة، ويقدمون لها بعض المساعدات المادية أو الأدبية.
- الأعضاء المنتسبون: وهم الإخوان المعجبون بالدعوة، والذين يقدمون لها مساعدات مادية أو أدبية، ولكنهم لم يتقيدوا بَعدُ بتوجيهاتها الروحية والعملية، ولم يشتركوا اشتراكًا فعليًا في ميادين نشاطها العملي.
- الأعضاء العاملون: وهم الإخوان الذين بايعوا الله على العمل بتوجيهات الدعوة والتمسك بتعاليمها والجهاد في سبيلها، واشتركوا اشتراكًا منظمًا في نواحي نشاطها مهما كانت حيثياتهم الاجتماعية ومؤهلاتهم العلمية، وقد التزم الأعضاء العاملون بنظام الأسر ([3]).
ويعتبر الأعضاء العاملون هم عماد الدعوة وسنادها وهم الذين يحملون على كواهلهم أعباء العمل والكفاح ولقد حَثَّ مكتبُ الإرشاد جميعَ الشعب العناية بهم وإلزامهم جميعًا نظام الأسر؛ حتى تتقوى وتتحقق أخوتهم.
ولقد كتب الأستاذ عبد العزيز كامل مقالات ورسائل تحت عنوان (إلى الإخوان العاملين)، تحدث فيها عن الدعوة وعن صفات العاملين فيها وعن طبيعة الطريق والمرحلة، ومما جاء بها:
- أن البلاء الذي ينزل على أهل الدعوات لا يقتصر فحسب على ما يقع من أعدائهم، ولكن يشمل ما يصيبهم من أنفسهم، وبسبب أعمالهم وبعدهم عن الله وعن المنهج.
- أن كل قائد لا بد أن يتعرف على جنوده، وأن يدرك إخلاصهم فيتقى الله فيهم كما أنهم يدركون إخلاصه فلا يتغافلون إن دُعُوا ولا يبخلون في مواطن البذل والفداء ([4]).
الأهداف العامة لنظام الأسر
- تكوين شخصية المسلم تكوينًا متكاملُا يلبي مطالب الدين ومطالب الدنيا (العقيدة الصحيحة، والعبادة الصحيحة).
- الخلق والسلوك الملتزم بأوامر الإسلام ونواهيه ومستحباته ومكروهاته.
- العمل والتطبيق لكل ما عَلِمَهُ المسلم من أمور دينه.
- العناية بالبدن وذلك بالأخذ بكل أسباب القوة.
- توثيق الروابط بين أفراد الجماعة اجتماعيًا وتنظيميًا؛ وذلك عن طريق تحقيق أركان الأسرة من تعارف وتفاهم وتكافل.
- العمل على زيادة الوعي بالتيارات الموالية للعمل الإسلامي أو المعادية له.
- الإسهام في إطلاق قوى الخير والصلاح الكامنة في شخصية المسلم، وتوظيفها لخدمة الدين وتحقيق أهدافه.
- مقاومة عناصر التخاذل والسلبية في شخصية الفرد.
- تحقيق معنى الاعتزاز بالإسلام، والالتزام بآدابه وأخلاقه في كل مناشط الحياة ومكارهها.
- تحقيق معنى الانتماء للجماعة والالتزام بأهدافها ورسائلها وحركها ونظمها وآدابها.
- تدارس المشكلات والمعوقات التي تعترض عمل الفرد من أجل الإسلام تدارسًا يشخصها بدقة، ويرسم خطوط علاجها بوضوح.
- تعميق مفهوم الدعوة والحركة في الفرد المسلم.
- تعميق مفهوم الإدارة والتنظيم في مجال العمل الإسلامي ([5]).
الأسس التي قام عليها قسم الأسر
1- الفهم الجيد للدين: أهدافه ووسائله.
2- الإيمان العميق بهذا الدين، والاعتزاز بالانتماء إليه.
3- تنظيم صفوف الجماعة وتقوية العلاقة بين أفرادها.
4-التعاون بين الأفراد في كل أمر يخدم الإسلام.
5-التعارف الكامل بين الأفراد.
6- التناصح والتواصي بالحق والصبر.
7-تطبيق الإسلام تطبيقًا عمليًا في العبادة والمعاملة والسلوك والأخلاق.
8- تطبيق الإيمان تطبيقا عمليًا في العقيدة ([6]).
ثمارٌ آتَتْ أُكُلَهَا
لقد كانت هذه الأسر عاملًا قويًا في توثيق الروابط بين الأفراد وتدعيم أواصر الأُخُوَّةِ بينهم، كما كانت عاملًا في تربيتهم وتثقيفهم ثقافة متطورة. ولقد اتسع نطاق الأسر فشمل كل قطاعات الجماعة، فوُجِدَتْ أسرٌ للعمال وأخرى للطلاب وغيرها من باقي القطاعات.
ولقد كان الأستاذ حسين بدر مسئول قسم الأسر منذ نشأته عام 1943م، كما ورد في نشرات الإخوان، غير أن الأستاذ عبد الحي سليمان ذكر أن مسئول القسم في هذه المرحلة الأستاذ عبد العزيز كامل ([7]).
ولنستمع لبعض مَنْ كَتَبَ عن الثمار التي تحققت من جراء هذا النظام التربوي الذي حافظ على أفراد وجسد الجماعة، وكان اللبنة الأولى في قواعدها التي بُنِيَ عليها البيت المسلم فالمجتمع المسلم.
يقول أحمد عادل كمال: «لقد أنشأت هذه الأسرة فيما بيننا من الحب والعاطفة ما زلت أُحِسُّه حتى الآن، وبعد أن انقضى على ذلك قرابة خمسة وثلاثين عامًا، ولو أقسم عليّ أحدهم بهذا الإخاء لأبررته» ([8]).
ويقول حسن دوح: «كنت أشعر مع نهاية كل كتيبة أنني ولدت من جديد، وهذا الشعور كان يشاركني فيه جميع زملائي، والذين عاشوا هذه الكتائب ما أظنهم ينسون أنهم قضوا أجمل أيام عمرهم.. كانت كتيبتنا تضم ثلاثين شابًّا من خيرة شباب الإخوان، ولو تتبعت تاريخ هؤلاء الرجال الآن وأين هم من المجتمع لاستوقفك الأمر كثيرًا» ([9]).
ويقول الدكتور العلامة أحمد شلبي: إن هذه الجماعة لعبت دورًا إسلاميًّا رائعًا في حياة الصبيان والشباب والرجال، وغرست أخلاق الإسلام في الملايين، وجعلت الانتساب للإسلام مفخرةً يعتز بها الكثيرون، ودفعت إلى المكاتب والمصانع والوظائف جماعاتٍ تعرف اللهَ وتخافه، وبالتالي تنتج بجد، وتعمل دون رقيب من الناس ولا تمتد لها الشبهات ولا يمسها الانحراف، وكانت كلمة من «الإخوان المسلمين» طابعًا للتنزه عن الصغائر، والبُعد عن الرشوة وعن الإهمال، والحرص على أداء الواجب، وحيثما رأيت الآن رجلًا يبرز به هذا الطابع فاعرف أنه غالبًا كان منتسبًا إلى جماعة الإخوان المسلمين([10]).
وفي بحث بعنوان: «حركة الشبيبة الإسلامية والصناعة الأدبية الحالية في مصر» أشارت الدكتورة كاري ردزنيسكي الباحثة في جامعة هارفارد الأمريكية إلى أن الإمام البنا استطاع أن ينتشل الآلاف من شباب مصر من المقاهي ومواخير المخدرات والمسكرات؛ ليصنع منهم دعاةً للإسلام، ويحولهم من حالة الضياع إلى قوة شبابية تخوض غمار السياسة مزاحمةً أقوى الأحزاب العريقة في مصر ([11]).
ويقول المستشار حسن الهضيبي: «وصلنا إلى إحدى المحطَّات ولعلَّها (إدفو) فقال آخر: إن الأستاذ الإمام بات على كرسي أمام هذه الخمَّارة، وذلك أن أحد الأشخاص دعَاه لافتتاح شُعبة، فكتب إليه بأنه حاضر في قطار كذا، وكأن الخطاب لم يصله ولم يجد في المكان من المستيقظين إلا صاحب الحانة يهمُّ بإغلاقها فرقَّ له وأعطاه كرسيًّا يبيت عليه حتى الصباح وأغلق حانتَه وانصرف، وفي الصباح ذهب الأستاذ إلى القرية يدعو أهلها إلى كلمة الله وكتاب الله وسنة رسول الله.
وانتقلنا إلى الوجه البحري، وجُبْنَا قرى إحدى المديريات في أسبوع، فما وجدنا قريةً إلا وصل إليها الأستاذ على غير ما وصلنا، فقد وصلنا في سيارات تنقلنا من مكان إلى مكان نختصر الوقت ونقرِّب المسافات، ومهما لقينا في ذلك من مشقة فإنها لا تقاس بالمشقة التي لقيها الأستاذ الإمام؛ حيث كان يصل إلى هذه القرى سيرًا على الأقدام أو يركب الدوابّ، قرى سحيقة بعيدة عن العمران، نسِيَها الناس ونسيتها الحكومات حتى طاف بها طائفٌ من رحمة الله ونورِه، فدعاها الداعيةُ إلى كلمة الله وكتاب الله وسنة رسول الله» ([12]).
وعن أخلاقهم وسلوكهم يحدثك أساتذتهم بالمدارس والجامعات، فيقول د. أحمد الحوفي ([13]). الأستاذ بكلية دار العلوم: «درَّست بالمدرسة السعيدية ست سنوات وبكلية دار العلوم خمسًا، شهدت فيهن عن كثب وتجربة ويقين عِظَم أثر الشهيد في مريديه من الطلاب.. جرأة في الحق، واستقامة في الخلق، واعتزاز بالدين، وجدّ في الدرس، ورجولةٌ مبكرة، وثقافة إسلامية متنورة، ومقدرة بيانية واعية».
ويوافقه د. عثمان خليل ([14]) عميد كلية الحقوق بجامعة عين شمس فيقول: «وقد كان مريدوه من طلبتي خير عنوان لرسالته، فقد ازدادت معرفتي به في أشخاصهم، وازددت تقديرًا لجهاده بما خَلَّفَتْهُ تعاليمه فيهم من قوة الإيمان وكمال الرجولة وقويم الخلق».
لقد بلغ التأثير حتى قال خالد محمد خالد: «كان من العسير أن تجد بيتًا واحدًا في مصر ليس فيه واحدٌ منهم؟!» ([15]).
وفي المؤتمر الختامي لطلاب الإخوان المسلمين بالمركز العام وقف الأستاذ سيد قطب بعدما رأى هذه الجموع الحاشدة من الطلاب وقال: «ما أثر التربية الإسلامية في تكوين الشباب؟ هو أنتم أثرها، هو أن تُحيل ذلك الحطام الآدمي إلى شباب مثلكم، شباب متماسك قوي خَشِن مكافح مؤمن، باع نفسه لله، فأنتم المدلول الحي للتربية الإسلامية، أنتم كلمة الله لأن المسلم الحي هو كلمة الله في الأرض، لنرجع عشرين عامًا إلى الوراء لنرى كيف كان الشباب مائعًا مستهترًا، لقد شهدت شبابًّا يُحمِّر خديه وشفتيه سنة 1920م، فمن هذا الحطام الآدمي كوَّن الإسلام أبطالًا هم أنتم، لقد استطاعت التربية الإسلامية أن تخلق جيلًا لا يستحي من الإسلام كما كان يستحي الجيل الذي قبله، واستطاعت التربية الإسلامية في جملةً واحدةً أن تُفسِد على الاستعمار ما تعب في عمله طويلًا، وقالت لدنلوب: «منذ اليوم لن تستطيعوا استعبادنا»([16]).
وكتب مصطفى النجار: «تكتفي كثير من القوى السياسية بالهجوم المستمر على جماعة الإخوان المسلمين وحزبها دون أن تبذل نفس الجهد للتعرف على طبيعة الإخوان وسر تميزهم التنظيمي، الذي انعكس على نتائجهم الإيجابية في كل الانتخابات التي يخوضونها حتى تَنَدَّرَ أحدهم قائلًا: الطريق الذي في بدايته انتخابات يكون في نهايته الإخوان!»
تبدأ عملية إعداد الفرد في الإخوان بمحو الأنا الشخصية أو ما يعرف بالـ ego، وتحويل هذا الأنا الشخصي إلى أنا جماعي يقدس قيمة العمل في جماعة ويُعلي قيمة فريق العمل، بحيث يقتنع الفرد أنه من غير العمل الجماعي لن يستطيع فعل أي شيء. ويتم ذلك من خلال الرقائق الإيمانية التي تعني بالتواضع والإخلاص وعدم الرياء وكراهية التصدر أو التطلع لأي مسئولية أو منصب.
حتى نظام الانتخابات الداخلية بجماعة الإخوان لا يصح فيه أن يرشح شخص نفسه لأي منصب، لأن طالب الإمارة لا يُوَلَّى، ويتم عمل الانتخابات بقاعدة الكل مرشح والكل منتخب، بحيث تقوم كل مجموعة بكتابة اسم الشخص الذي ترشحه من تلقاء نفسها بتزكيتها له دون معرفته بذلك إلا بعد إعلان النتيجة ([17]).
إن مما يهم المركز العام كل الأهمية العناية التامة بنظام الأسر؛ إذ إنه سيكون أساسًا لكل نواحي النشاط المقبلة، وسيترتب عليه كثير من المشروعات النافعة للإخوان، وسيُبنى عليه كذلك تركيز الإخوان في الدعوة.
المصادر
([1]) المركز العام – قسم الأسر – الرسالة الأولى – نظام الأسر نشأته وأهدافه.
([2]) رسالة نظام الأسر بمجموعة رسائل البنا، ومجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية، العدد (17)، السنة الأولى، 11جمادى الأولى 1362ﻫ- 15مايو 1943م، ص (3-4).
([3]) المركز العام – قسم المراقبة العامة – نشرة إدارية عامة رقم (2) غرة رجب 1363هـ / يونيو 1944م.
[4] - مجلة الإخوان الأسبوعية 161سنة 5/ 1 رمضان 1366، 19/7/1947 ص4، 5
[5]- أهداف الأسرة في الإخوان، موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)، http://cutt.us/dndhi
[6]- على عبد الحليم: وسائل التربية عند الإخوان المسلمين، الطبعة الأولى، دار الوفاء،1989، 1409هـ ص124/123
[7] - حسن دوح: آلام وآمال على طريق الإخوان، دار ال إعتصام1989 ص5. وحوار للحاج علي نويتو على إخوان ويكي.
[8] - النقط فوق الحروف: أحمد عادل كمال، الزهراء للإعلام العربي، صـ 73.
[9] - حسن دوح: مرجع سابق، صـ 31
([10]) أحمد شلبي: موسوعة التاريخ الإسلامي، مكتبة النهضة المصرية، 1999م، ج 9
([11]) زياد أبو غنيمة: الإخوان المسلمون في كتابات الغربيين، ص 12
([12]) مجلة الدعوة- سنة 3- العدد 104- 10/ 2/ 1953).
([13]) الدكتور أحمد محمد الحوفي حصل على ليسانس كلية دار العلوم، عام 1936م، وحصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة القاهرة تقدير ممتاز، هو من أبرز أساتذة الإعلام في مجال الدراسات الأدبية واللغوية، وعضو مجمع اللغة العربية عام 1970، وعضو مجمع إحياء التراث بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضو اتحاد الكتاب بمصر، وعضو مجلس الشورى.
([14]) الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل عثمان.. أستاذ بكلية الحقوق في جامعه القاهرة وشغل منصب أول عميد لكلية الحقوق في جامعه عين شمس، واختير عضو في لجنة الدستور التي شكلتها الثورة في سنه 1952. وساهم في إعداد دستور الكويت.
([15]) محمود فوزي: خالد محمد خالد في مواجهة عبد الناصر والسادات وصدام، خالد محمد خالد- في مواجهة عبد الناصر والسادات، مصر، 1991م- صـ 41).
([16]) عبد الحليم الكناني: الشجرة الطيبة (2) في ميدان التربية، نافذة مصر، http://cutt.us/dkZ01
([17]) مصطفى النجار: لماذا ينجح الإخوان.. بناء الفرد، الشروق، الجمعة 21 سبتمبر 2012
.