Business

تشاجر الأطفال والتعامل معه تربويًا

 

 

من المشاكل التي نواجهها لدى أبنائنا سواء كان ذلك في البيت أو المدرسة أو خارجهما، هي الميل الموجود لديهم للتشاجر والاعتداء على بعضهم البعض، والانتقام والمعاندة والمشاكسة والتحدي والاتجاه نحو التنغيص وتعكير الجو العام، وإحداث الفتن.

ويصاحب الاعتداء والتشاجر عادة حالة من نوبات الغضب بصورة ودرجات مختلفة، والغضب كما هو معروف حالة نفسية يشعر بها كل إنسان، لكنهم يختلفون في أساليب التعبير، وفي ردود أفعالهم عندما تنتابهم نوبة الغضب، فقد يلجأ أحدهم إلى الضرب أو إلى التخريب والاعتداء على الممتلكات وغيرها، وقلما يمر يوم واحد دون أن نجد العشرات من الحوادث من هذا القبيل.

وفى دراسة للباحث عبد المحسن بن محمد الملحم، بعنوان: (تشاجر الأطفال) -2011-، يرصد فيها أسباب ميل الأطفال للمشاجرة، وكيف نساعدهم ونستثمر طاقاتهم فى المفيد النافع، وكيف نغرس بداخلهم المثابرة، وأخيرًا كيف نتغلب على مشكلة الشجار.

 

أسباب الميل للمشاجرة لدى الأطفال:

  • الحالة الصحية للطفل، سوء التغذية، اختلال في إفرازات الغدة الدرقية.
  • الغيرة: يلجأ الطفل للشجار مع أخيه، أو آخرين (عندما يشعر بالغيرة منه إما لتفوقه أو لوسامته مثلًا).
  • فرض السيطرة: الطفل الأكبر يحاول فرض سيطرته على الأصغر، وإثبات مكانته.
  • الشعور بالنقص: عندما يشعر الطفل أنه أقل من أخيه يبدأ بالشجار معه حتى يثبت ذاته.
  • الشعور بالظلم من الوالدين: عندما يشعر الطفل بتفضيل أحد أخوته عليه يتشاجر مع أخيه لينتقم.
  • أساليب التربية الخاطئة في معاملة الطفل (القسوة– التمييز بين الأطفال– التسلط).
  • التقليد: قد يكون الطفل يقلد والديه أو أحدهما، أو نتيجة ما رآه على التلفاز.

 

المساعدة والتوجيه واستثمار الطاقة لدى الأطفال:

إن لدى كل إنسان استعداد فطري متأصل (غريزة المقاتلة والخصام) نحن لا يمكننا أن نقتلع هذه الغريزة مطلقًا، وإن أي محاولة من هذا النوع سيكون مصيرها ليس فقط الفشل، بل إنها سوف تؤثر تأثيرًا سلبيًا بالغًا على شخصية الطفل، بحيث يغدو جبانًا، ومنطويًا على نفسه، يتملكه الخوف، ويتسم بضعف الشخصية.

فالواجب يقتضي منها أن نعمل على توجيه هذه الغريزة نحو البناء لا الهدم، وعلينا أن نخلق جيلًا شجاعًا يعتد بشخصيته، وأن نغرس فيه  روح المحبة للإنسانية، وأن نخلق البيئة اللازمة لأبنائنا التي تستطيع إعطاءهم الأمن والاحترام والتقدير، وأن نهيئ لهم نشاطًا اجتماعيًا مفيدًا يعبرون فيه عن نوازعهم ويستخدمون طاقاتهم في مختلف المجالات الرياضية والاجتماعية والأدبية وغيرها.

وينبغي علينا ألا نقيد حرية أبنائنا بشكل قاسٍ، وطبيعي ألا نمنحهم الحرية المطلقة ليفعلوا ما يشاءون، إذ أن كلا الحالتين تؤديان إلى ضرر بالغ.

كما أن على الآباء والأمهات والمعلمين أن لا يقابلوا غضبًا بغضب، بل ينبغي معالجة المشاكل بحكمة وهدوء ودراية، وأن نوجه الأبناء الميالين للعنف والمشاجرة نحو الألعاب الرياضية والفن والرسم والمسرح، وذلك لكي يستنفذوا طاقاتهم في هذا المجال، هذا إلى جانب مهم جدًا، وهو أن المربيين لا بد من وأن يُشيعوا داخل المدرسة جوًّا مشبعًا بالود والمحبة تجاه التلاميذ؛ بحيث يشعرونهم أنهم يعيشون في جوٍّ عائلي حقيقي تسوده المحبة والتعاطف والتعاون بين أفراده، فعن طريق اللعب يتخلص الطفل من بعض التوترات التي تعصف في داخله، وكذلك فهو يتخلص من أعراض سوء التكيف الذي يكون مصابًا به، فما صَعُب عليه في عالم الواقع، يأتي به في عالم اللعب.. حتى مسألة التعبير عن العدوان يمكن أن ينفذها الطفل من خلال اللعب، فإذ عجز عن تأديب والده أو أخيه الكبر أو والدته فهو يأدب لعبته. وذلك يؤدي إلى تفريغ الشحنات الانفعالية الحبيسة داخل الطفل، من أجل ذلك اهتم علماء النفس اهتمامًا كبيرًا باللعب عند الأطفال.

 

كيف نغرس سمة المثابرة في نفوس الأطفال؟

  • نضع هدفًا قريبًا لقدرات لأطفال، ونطلب منهم الوصول إليه، شرط أن يبذل فيه بعض الجهد والتعب، وليس مناسبًا أن يكون الهدف سهل المنال بحيث لا يشعر الطفل بلذة نيله وبذل المجهود فيه.
  • تجزئة الهدف إلى أهداف، منها القريب، ومنها البعيد.. فذلك يخلق لدى الطفل حوافزَ جديدة، ورغبة في المزيد من الكسب، وتحقيق أكبر عدد من الأهداف وذلك من خلال استخدام الطاقة الكامنة.
  •  إبعاد الأهداف الجانبية التي لا علاقة لها بالموضوع والتي تعمل على تثبيت انتباهه وتبديد طاقته، وتطبيق هذه المسألة يحتاج إلى قدر من الوعي، والموضوعية، والدقة.. بالإضافة إلى الحكمة في طريقة ونوعية اختيار الأهداف التربوية الملائمة لتدريب الطفل على المثابرة وتحمل المسؤولية والعطاء والشعور بإرضاء النفس.. بالإضافة على ذلك لا بد الانتباه إلى الأمور التالية:
    • التدخل فورًا إذا كان أحد الأولاد عرضة للإصابة بأذى جسدي.
    • استمع إلى الأولاد، وتحقق منهم كيف بدأت المشكلة؛ والهدف هو أن يشعر الجميع أنك حيادي وعادل في التعامل مع المشكلة.
    • لا تسرع بمعاقبة المذنب لأن ذلك ينمي بينهم روح الغيظ والانتقام، وقد يقع عقابك على المظلوم، فيشك الطرفان في حكمك في المستقبل.
  • حافظ قدر الإمكان على هدوء أعصابك والهدوء أثناء غضب الصغار وشجارهم.
  • كن قدوة في التقليل من الغضب والثورة لأتفه الأسباب، وخفف من الرغبة في الطاعة العمياء، والسيطرة الكاملة على الطفل.

 

حتى لا يصبح شجار الأطفال انحرافًا سلوكيًا

يمكن بصورة عامة تقسيم عدوانية الأطفال إلى قسمين هما:

أولًا: الطفل ذو النزعة العدوانية:

وهو طفل لا يضطهد إخوته فقط، بل يضطهد الأطفال الآخرين أيضًا إذا وَجد أن في استطاعته أن يفعل ذلك دون عقاب، حتى إذا عوقب فإنه لا يرتدع بل يتمادى في إيذاء الآخرين، وقد يتلذذ بذلك، وعادة ما ينشأ توتر شديد بين هذا الطفل وبين والديه ومعلميه.

 

ثانيًا: الطفل ذو النزعة الاستفزازية:

وهو نوع آخر من الأطفال يدفعه شعوره بالعداء إلى البحث عن المتاعب فهو بطبيعة تكوينه يعمل على استفزاز الأطفال الآخرين فيدفعهم– مرغمين– إلى اضطهاده ومبادلته العدوان بالعدوان وغالبًا ما ينتهي به الأمر إلى الظهور بمظهر الحمل الوديع أو الضحية المجني عليها.

 

التعرض لمواقف الغيرة

يعد عامل الغيرة من أقوى العوامل التي تؤدي إلى المشاجرات بين الأطفال؛ فالطفل يريد إلى حد بعيد أن يستأثر بحب والديه له، وهو يخاف خوفًا شديدًا من أن ينتقص الحب الذي كان يمنحانه ثم يُوَجَّه نحو إخوته، ويدفعه هذا الخوف أو القلق للشعور بالشك والارتياب فيهما. غير أن درجة هذا الشعور تتفاوت تفاوتًا كبيرًا؛ فالطفل الأكبر الذي ظل وحيد والديه يستأثر بحبهما وعطفهما لمدة طويلة قد يتكدر لقدوم طفل أخر، وذلك لاعتقاده بأنه سوف ينتزع منه الحب والإيثار اللذين كان يتمتع بهما قبل مَقدِم أخيه الصغير، وعلى ذلك لا بد للوالدين أن يُراعيا قدر الإمكان أن تكون تصرفاتهما محسوبة بدقة، فلا ينبغي تدليل الطفل المولود حديثًا أثناء تواجد أخيه الأكبر.

وهناك حقيقة يجب أن ندركها وهي أن الأطفال على المدى البعيد لا يحبون أن تعقد بينهم مقارنات وبين غيرهم، حتى وإن كانت هذه المقارنات في صالحهم؛ فإن أكثر ما يرغب فيه الطفل هو أن يحبه أبواه ويستمتعان بصحبته لذاته هو فقط، فأيسر السبل التي تثير بها الأم غيرة الطفل هي أن تسعى دائمًا لتقارن بينه وبين أخيه الذي قد تؤثره عليه، وهذا المسلك يجعل الطفل يحس بأنه لا يحظى بحب أمه له، ومن ثم يشعر بالكراهية تجاه أخيه وبالتالي تحدث المشاجرات بينهما.

 

التعرض لمواقف الإحباط

المعروف أن الإحباط هو المنع أو الإعاقة فالفرد يتعرض للإحباط عندما لا يشبع حاجاته، وعلى ذلك فالاستجابة إلى المشاجرات تظهر عند الطفل كرد فعل للمواقف المُحبِطة، فقد يتنافس الإخوة على اجتذاب حب الوالدين واهتمامهما، فإذا ظهر لأحدهما أن الآخر قد حظي على مزايا أكثر مما حظي هو فقد ينقلب عليه غاضبًا ومنتقمًا، كذلك يثير الشعور بالإحباط عند الطفل تلك الالتزامات العديدة التي يفرضها عليه الوالدان؛ كإلزام الطفل بالسكون والهدوء وعدم الحركة. وعندما يحبط الوالدان فإن آثار هذا الإحباط تظهر على هيئة عدوان يوجه نحو الأطفال ونتيجة لذلك يشعر الطفل أن والده أو والدته يضطهدانه فيحاول أن يرد العدوان إلى من هو أضعف منه.

 

الأسرة ومشاجرات الأطفال

الطفل الذي يميل إلى التشاجر وهو طفل نشأ في بيئة لا يجد فيها العطف أو الحب ولم يشعر بالأمن والاطمئنان مما جعله يميل إلى اتخاذ مواقف عدوانية وإلى استغلال الآخرين وإلحاق الضرر بهم.

ويكتسب الطفل الميل للتشاجر حينما يشعر أنه غير مرغوب فيه أو عندما يسود الحياة المنزلية شجار دائم على مرأى ومسمع منه. ويلعب الآباء دورًا كبيرًا في اكتساب الأطفال السلوك العدواني الذي يسفر عنه الشجار من خلال محاكاة الأبناء للاستجابات العدوانية التي تصدر عن الآباء فالطفل الذي يشاهد أباه يحطم بعض الأشياء حوله عندما ينتابه الغضب؛ يقوم بتقليد السلوك. 

 

الأم ودور القاضي

بعض الأمهات غالبًا ما يحاولن أن يقفن من مشاجرات أطفالهن موقف القضاة فقد تسأل إحدى الأمهات: 

من هو البادئ بالشجار؟ ومن فعل هذا؟ ومن منكم المذنب الحقيقي؟ 

ويتسابق كل طفل في الإجابة، هذا يتهم وذاك يدافع، والواقع أن قيام الأم بدور القاضي هو أحد مواطن الخطأ في علاج هذه الظاهرة، لأن الطفل سيدرك بفطرته أن كل مشاجرة ما هي إلا فرصة سانحة ينبغي استثمارها كي يثبت أنه الفائز، فالمحاكمة تنتهي دائمًا باتهام أحد الأبناء وتبرئة الآخر، وبذلك يصبح للشجار هدفًا أكبر واستهواء أكثر في نظر الطفل وينتقي عن كونه شجارًا عاديًا.

مشاجرات الأطفال- وخصوصًا بين الإخوة منهم- أمر طبيعي كما تعد المنافسة أمرًا طبيعيًا أيضًا، وإن كان لكل ظاهرة ضوابطها ومعاييرها، ولكن لا ضرر منها، فالطفل الأكبر- مثلًا- وسط إخوة أصغر منه يحاول أن يسيطر عليهم فيتشاجرون، والأمر الطبيعي في كل الأسر أن الأولاد يحاولون السيطرة والتحكم في أخواتهم البنات.

وعلى الآباء أن يدركوا جيدًا أنه ما إن يجتمع أطفال في مكان واحد سواء كانوا إخوة أو غير ذلك إلا وتشاجروا ثم لا يلبث أن يعقب كل ذلك تراضٍ وعودة حميدة إلى سابق عهدهم، وكأن شيئًا لم يحدث.

 

اقتراحات للتخفيف من المشاجرات

1- ينبغي تهيئة المناخ المناسب لكي ينفس الطفل عن مشاعره المكبوتة عن طريق ممارسة هواياته المفضلة في اللعب والنشاط الذهني؛ فقد أثبتت العديد من الدراسات أن الطفل الذي يميل إلى التشاجر إنما هو طفل يعاني من الكبت والقمع ويؤرقه الإحساس بالإحباط والفشل، وقيامه بهذه الأنشطة تجعله ينفس عن إحباطاته بشكل سوي.

2- لا يجوز العبث بممتلكات الطفل الشخصية أو لعبه أو أدواته، ولا نسمح لإخوته بذلك تحت أي مبرر، كما لا يجب أن نحرمه منها في حال الغضب منه، فالسياسة الثابتة مع الأطفال التي تتسم بالحزم والمرونة معًا تمنعهم من التمادي أو الإتيان بسلوك عدواني.

3- يساعد الجو الأسري الذي يسوده الوئام والتسامح والتعاون على خلق جيل من الأطفال يتسمون بالاتزان الانفعالي والاستقرار النفسي؛ فيتعلمون من خلال ذلك الإيثار وإنكار الذات وتقدير قيم الولاء والانتماء، فيصبح نموهم نموًا طبيعيًا.

4- ولا بد أن نشير في الختام إلى أن مشاجرات الآباء والأمهات الدائمة وثورتهم العارمة لأتفه الأسباب تنعكس على أطفالهم بالعدوانية المفرطة التي تقودهم إلى المشاحنات والمشاجرات؛ لذا يجب على الوالدين مراجعة أنفسهم ما أمكن؛ ليقفوا على مواطن الضعف والقصور والإخفاق؛ ليتم تداركها؛ لأن في ذلك وقاية لأطفالهم من داء التشاجر والتناحر فيما بينهم.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم