Business

أبو العربي مصطفى يكتب: دور الصداقة في صناعة المستحيل التربوي!

تعتبر الصداقة أحد أعذب المناهل التي تساعد الإنسان على الاستمتاع بالحياة، فهي لا تقف على مرحلة من المراحل العمرية، لأنها تعتبر من أهم العلاقات الإنسانية التي تأخذ صدىً كبيرًا في مجالات الحياة المختلفة.

فالصحبة من المؤثرات الأساسية والمهمة في تكوين الشخصية ورسم معالم الطريق.. فإن كانت صحبة أخيار أفاضت على الأصحاب كل خير، وإن كانت صحبة أشرار- والعياذ بالله تعالى- فمن المحتوم أنها ستترك بصمات الشر في حياة هؤلاء جميعًا.

كل إنسان جبل على اختيار رفيق له في الحياة، سواء رفيق يكمل معه العمر (وهو شريك حياته)، أو صديق يعينه على نوائب الدهر، أو صديق جمع الصداقة والإخوة في الله، أو صديق كل ما يريده منك المنفعة فإذا زالت أو انقضت انفض عنك، وهو ما وصفه الله بقوله: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} (الزخرف: 67).

إلا أنه مع ضعف دين الناس وتدهور الأخلاق لديهم تظهر ظواهر مرَضية على معاني جميلة كالصداقة تتمثل فى زيادة الخيانة بين الأصدقاء والتي تصل لقتل الصديق صديقه، أو خيانته في أهله وماله ونفسه إذا غابت التربية الحقيقة، ومعاني الصداقة التي تؤدي بالإنسان للتضحية من أجل صديقه، والعمل على الحفاظ على هذه الصداقة، ولذا وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم أسس تربية الصداقة بقوله: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» ( رواه أحمد وأبو داود والترمذي).

ويقول الشاعر:

مَا أَكْثَر الأَصْحَـابَ حِينَ تَعُـدُّهُمْ            ولَكِنَّهُـمْ فِـي النَّـائِبَـاتِ قَلِيـلُ

 

إشارات إنذار

إن مجتمعاتنا تعيش حالة من التخبط الاجتماعي؛ وذلك لانهيار أركان الصحبة الحقيقية، بعدما حل محلها صحبة السوء الذين يعملون جاهدين أن يدمروا كل معاني الصداقة ويدفعون الإنسان لفعل ما حرمه الله وما هو مخالف لأعراف المجتمعات كتجربة أو جنون، كما أنهم– رغم ثقة الفرد فيهم– يعمدون لطعن ظهره دون أن يدري.

 ولذا كانت الصحبة الصالحة من سبل نهضة الأمم، ففيها يتنافسون الجميع للرقي بالذات والمجتمع والأمة والنهوض بها، فهي كالبيئة، إما أن تكون ملوثة أو تكون نظيفة.. فمن عاش في بيئة ملوثة ناله نصيب وافر من الأمراض والأوبئة المهلكة، أما من حرص على العيش في بيئة نظيفة فسيبقى في منأى عن كل ذلك، والغريب هذه الأيام أن يختار الإنسان ما يهلكه ويشقيه.

والصاحب أشبه ما يكون بمرآة النفس، تكشف محاسنها ومساوئها، قبحها وجمالها، وبقدر ما تكون نظيفة صافية بقدر ما تعكس صورة صاحبها نقية من غير غش أو رتوش، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه» (رواه البخاري).

يقول طرفة بن العبد:

إذَا كُنْتَ في قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُم         وَلاَ تَصْحبِ الأردى فتردى مَعَ الرَّدِي

عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِه        فَكُلُّ قَرِينٍ بالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي.

ولنا فيما قاله الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه العبرة حينما قال: «ما أعطي العبد بعد الإسلام نعمة خيرًا من أخ صالح، فإذا وجد أحدكم ودًا من أخيه فليتمسك به».

فالصديق الحقيقي يشعر بوحشة إذا غاب عن إخوانه أو إذا اضطرته الظروف أن يكون بعيدًا عنهم ويضرب بعضهم المثل: «إن الجو الإخواني بالنسبة للأخ كالماء بالنسبة للسمك».

 

على الطريق

طريق الحياة طويل ويحتاج الزاد الذي يعين كل إنسان، وخير زاد يتحقق في الصاحب المؤمن لأن:

  1. جميع الطرق محفوفة بالمخاطر والفتن والمكاره والعقبات والمزالق، ولذا يحتاج الإنسان إلى من يأخذ بيده إلى بر الأمان والخروج من هذا المعترك على خير.
  2. إن الصاحب الصالح مجرد رؤيتك له تذكرك بالله وبطاعة الله، وهذا على النقيض من صاحب السوء.
  3. المرء كثير بإخوانه، ذو شأن بارتباطه بهم، وتعاونهم على البر والتقوى على خلاف لو كان وحده، فأهل السوء يتوحدون على غايتهم السيئة، فما بالنا بأهل الحق.
  4. الصحبة الصالحة تضاعف من قدرات الفرد وطاقاته، فحينما يفكر في أمر فكأنما يفكر بعقول إخوانه جميعًا لأنه يسترشد بآرائهم، كما تضاعف سعادته، وتخفف عنه متاعبه وآلامه إذا أصابه ضرر أو مصيبة.

 

كيف نحقق الصحبة الحقيقية؟

العنصر الرئيسي في الصحبة الحقيقية الصالحة هي القلوب الطائعة لربها، المحافظة على حقوق غيرها، ومن ثم فالصحبة الحقيقية تتحقق بالتربية الحقيقية للإنسان، ويتحقق ذلك عن طريق:

  1. أن تكون الصحبة والأخوة في الله عز وجل، وليس لغاية أخرى.
  2. أن يتحرى الصاحب في اختيار صاحبه أن يكون صاحب خلق ودين، وذو عقل راجح.
  3. أن يكون الصاحب عادلًا، ذو مروءة وعفيف النفس.
  4. أن تختار من يسأل عنك إذا غبت، ويتفقد عيالك إذا سافرت، والذي يعودك إذا مرضت، وينصحك إذا احتجت للنصيحة.
  5. اختيار من يتذكر محاسنك وينشر فضائلك، ويرد عنك غيبتك.

 

الصديق الحقيقي

وللصداقة الحقيقية دلائل وقرائن ومنها:

  1. المساندة: حيث ستجد الصديق الحقيقي جاهزًا للمساعدة في أي وقتٍ وبغضّ النظر عن المسافة التي تفصل بينكما أو الفترة التي مرّت دون أن تتكلّما، لأنّ الصداقة الحقيقيّة لا تعرف حدودًا ولا حواجز.
  2. المنافسة في الخير: الصديق الحقيقي يفرح لسعادتك ولا وقت لديه أبدًا للشعور بالغيرة من نجاحاتك لأنّه سيكون منهمكًا بالاحتفال معك بإنجازاتك.
  3. الدفاع عنك: الصديق الحقيقي لن يسمح لأحدٍ بالتقليل من احترامك في وجوده، وسيدافع عنك حين لا تستطيع أن تدافع عن نفسك أمام الآخرين.
  4. الدعم: الصديق الحقيقي يدعمك ويقف بجانبك حتى حين يتخلّى عنك الجميع، ويمكنك أن تعتمد عليه في الوقت الذي يتفاداك جميع مَن حولك.
  5. الوفاء: الصديق الحقيقي ليس بحاجة أن يكون بالقرب منك كي يكون وفيًّا؛ لأنّ شخصه الذي تراه في حضورك سيكون هو نفسه في غيابك.

الصداقة حديقة ورودها الإخاء، ورحيقها التعاون، فلتكن صحبتك للأخيار، فالصحبة الصالحة صمام أمان المتصاحبين، يعين بعضهم بعضًا على شؤون الدنيا والدين.

 

للمزيد:

  1. مصطفى مشهور: وفي الصحبة الصالحة زاد، زاد على الطريق، دار التوزيع والنشر الإسلامية; 1995م.
  2. جسيكا داموني: 7 علامات تثبت أنّ الصداقة حقيقية وليست علاقة مصلحة، https://bit.ly/2CZZVar.
  3. إلهام الجعفر الشمري: أبجديات الصداقة الحقيقية، أبجديات الحب، سيبويه للنشر الإلكتروني، 2012م،  صـ25.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم