Business

الحرية في الفكر التربوي الإسلامي لعلماء المسلمين

الحرية مبدأ من مبادئ الإسلام، ولا تقوم حياة الأفراد الدينية ولا الشخصية إلا به؛ فلا يُتصوّر أن يُكلّف الإنسان بتكاليف دينية أو حياتية وهو غير حرّ.

وفي كلمة الشيخ سامح الجبة بعنوان (الحرية في الفكر التربوي الإسلامي لعلماء المسلمين) في ندوة (الإسلام والحرية) التي عقدها موقع (المنتدى الإسلامي العالمي للتربية) عرض فيها مفهوم الحرية، وضروريتها الشرعية والحياتية؛ وعرض نماذج لمواقف من علماء المسلمين في هذا الصدد.

 

مفهوم الحرية

الحرية هي: الإرادة الكاملة في الاختيار دون قهرٍ أو جبر.

وهذه الإرادة لا تعنى أنها غير مقيدة أو تسير لا ضوابط؛ بل هي مقيدة بالعبودية لله سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ...} (آل عمران: 64).

 

الحرية ضرورة إنسانية وفريضة شرعية

جعل الله للحرية مقامًا يعدل مقام الحياة نفسها: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (النساء: 92)؛ فمن اعتدى على نفس بالقتل؛ أوجب عليه الله سبحانه وتعالى أن يحرر نفسًا أخرى من الرق؛ وكأن تحريرها إحياء لها من موت كانت فيه، وهي العبودية؛ لذا الحرية في الإسلام تعدل الحياة.

 

الحرية مقصد من مقاصد الشريعة

فطر الله تعالى الناس على الحرية: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ...} (الأعراف: 157)؛ فالإصر والأغلال تفرض على الضعفاء من قِبل الأقوياء الظالمين، وقد جاء الدين ليحرر الناس ويعيدهم إلى الفطرة التي فطرهم الله تعالى عليهم.

ولما سأل رستم الصحابيَّ الجليل ربعي بن عامر: ما الذي جاء بكم؟ قال ربعي: جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

 

الحرية في الفكر التربوي الإسلامي لعلماء المسلمين

الفكر التربوي عند علماء المسلمين تجاه الحرية قائم على فهمهم لكتاب الله وسنة نبيه؛ ومنهجهم في الحرية يقوم على عدة محاور:

1- تقديم القدوة من أنفسهم في الصدع بالحق والتمسك بالحرية؛ فهذا الإمام أبو حنيفة يرفض ولاية القضاء في عهد الأمويين مرتين، ويُضرب بالسياط حتى يرضخ لكنه ظل رافضًا للأمر، وحين سُئل عن ذلك قال: إنني لا أستطيع أن أقيم العدل على الخليفة وعلى أهله وأعوانه، والله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ...} (النحل: 90)، فلا بد أن أوفي أمر الله بالعدل على الجميع وهذا غير مستطاع؛ وكان يقول حين يُضرب بالسياط: لسياط الدنيا أهون من مقامع الحديد في الآخرة.

وكذلك في فتنة خلق القرآن؛ فقد رفض الإمام أحمد بن حنبل أن يترخص في الأمر كما فعل علماء عصره وأجابوا المأمون إلى ما يريد؛ ولما جاؤوا لزيارته في السجن حتى يثنوه عن رأيه بالترخص، قال لهم: انظروا ماذا في خارج السجن؟ فوجدوا مئات الطلاب، كلٌ يمسك بورقته ومحبرته ينتظر ما سيقوله الإمام. فقال الإمام للعلماء: لو قلت أن القرآن مخلوق؛ لطاروا بها في كل الدنيا. وقد حفظ الله الأمة من شر الفكر الاعتزالي بفضل ثبات الإمام أحمد بن حنبل وبذلك استحق لقب إمام أهل السنة والجماعة.

والأمر كذلك عند الإمام مالك حين رفض بيعة أبي جعفر المنصوريّ، وقال أن المُكره لا ينعقد له عقد، وبالتالي لا ينعقد له بيعة ولا يقع له طلاق. 

وحين طلب الأمراء من العز بن عبد السلام أن يحث الرعية على البذل، أفتى بأن على الأمراء أن يعطوا الحقوق ويبذلوا أولًا قبل أن يجمعوا الضرائب من الرعية.

ومن العلماء الجدد الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر في وقته، ورفضه أن يعطي رخصة لمبارك في مؤتمر القاهرة للسكان، ورفض التبرير لوضع مبارك كما طلب منه، وأن عليه ضغوط ولا بأس بجواز الإجهاض وزواج المثلين وغيرها من الأمور التي قام عليها المؤتمر، فرفض الشيخ جاد الحق كل هذه الأمور وأصدر بيانه الذي يوضح رفضه لتلك الأمور، وجهز استقالته جنبًا إلى جنب مع بيانه تحسبًا إذا ما أجبروه على القبول بما جاء في المؤتمر.

2- التربية على تعدد الآراء، وقبول الرأي الآخر، وعدم التعصب لإحدى الآراء الصائبة؛ وعدم اتهام المجتهدين الآخرين بفساد الدين، أو اتباع الهوى والزيغ عن طريق الحق؛ فإن من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد.  وليس أدلّ على رحابة صدر المسلمين العقلاء تجاه الاختلاف من تنوع المذاهب الفقهية وعدم إنكار إمام على آخر اجتهاده، فالأمر المختلف فيه، لا إنكار فيه طالما يندرج تحت إطار الشريعة وما يجوز الاجتهاد فيه. حتى أن العالم كان يقول لمن يرى أن اجتهاده خطأ: أرى أن اجتهاده أصاب أجرًا. وذلك لأن من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم