يقوم منهج الأدب الإسلامي؛ على التوازن بين الشكل والمضمون، والوسائل والغايات؛ رغبة في استثمار هذا المجال استثمارًا أمثل، يرتقي بنفوس أبنائنا ويسمو بعقولهم، ويسهم في الدعوة والتربية، ويعين الأديب المسلم ليعرف المدى الذي يسمح فيه بالتعامل مع الخيال الذي يعد من ركائز العمل الفني، لا يكاد ينهض جنس من الأجناس الفنية بدونه.
وفى دراسة بعنوان «الخيال في قصص الأطفال في ضوء منهج الأدب الإسلامي»، للدكتور أحمد بن صالح السديس الأستاذ المشارك في قسم البلاغة والنقد في كلية اللغة العربية بالرياض، يسعى إلى الإجابة على سؤال ملح: هل الخيال في العمل الفني مقبول تربويًا وشرعيًا؟ وما الحدود التي ينبغي ألا يتجاوزها، دون مساس بطبيعة العمل الفني وأسسه.
أولًا: أهمية الخيال بالنسبة للأطفال
خيال الطفل لا تحده الحدود التي تحيط بخيال الكبير؛ لأن عقله مفتوح لا تحده قوانين أو ضوابط، وهو جزء من حياة الطفل وتفكيره، فكثيرًا ما تراه مندمجًا في فكرة خيالية، فيتكلم بلسانها ويتقمص شخصيتها وتذوب شخصيته تمامًا فيها؛ ذلك أن الطفل لا يرى الأشياء بعينه، بل يراها بخياله. إن الحقيقة عنده ليست في الإطار الخارجي للأشياء، بل في المعنى الذي ترمز له! ليس يعني الصبي أن يكون سيفه من صفيح أو حديد أو خشب، إنه سيف وكفى! وإنه ليعطي هذا المعنى المجرد قوة أصلب من قوة المادة، وإنه ليس يعني الصبية أن تكون عروسها من قطن أو ليف أو طين، وإنما هي معنى يثير فيها غرائز الأمومة، فهي تحتضنها، وتضفي عليها من الأسماء والصفات ما يخيل إليها أنها جسم حي؛ لذلك كانت حياة الطفولة أخصب من حياة الكبر؛ لأن الطفل- ذلك الساحر أو الفنان- يستطيع أن يقلب الصفيح حديدًا، والقطن جسدًا نابضًا، والزجاج ماسًا لامعًا، لا قيمة عنده لحقيقة المادة، يكفي أن يمسها بيده لتصبح لها الحقيقة التي يريدها.
والواقع الذي لا ينكر أن للخيال أهمية في عدد من الجوانب التربوية والعقلية المهمة للطفل، وحين سئل الشيخ محمد المنجد عن حكم الرسوم المتحركة- وهي مبنية على قصص خيالية- ذكر من إيجابياتها: تنمية خيال الطفل، وتغذية قدراته، وتنمية الخيال من أكثر ما يساعد على نمو العقل، وتهيئته للإبداع، ويعلمه أساليب مبتكرة، ومتعددة في التفكير والسلوك.
ويمكن إيجاز أهمية الخيال وأثره على الأطفال في النقاط التالية:
- إثارة قدرته على التفكير، وتحريك ذهنه وعقله، حتى لا يقف جامدًا أمام ما يراه ويمر به؛ ولهذا فإن اتهام الخيال بأنه يقود إلى الكسل الذهني اتهام غير صحيح، بل هو على العكس تمامًا، ولكنه في المقابل قد يكون مدعاةً إلى الكسل البدني، وهذا إذا استسلم الطفل لخيالاته، واقتصر عليها دون أن يستثمرها في أعمال إنتاجية أو إبداعية. إن الخيال بالنسبة لعقل الطفل كالهواء بالنسبة للبالون، فالخيال يوسع من عقله، ويدفع إلى الإبداع وتنمية المهارات المختلفة.
- إعادة تشكيل الحياة على نحو أفضل، فالخيال لا يقتصر على الماضي والحاضر، وإنما يتجاوزه إلى المستقبل، فيتم من خلاله طرح بدائل للواقع السلبي، أو طرح أسباب لتعزيز الواقع الإيجابي.
- تحقيق التوازن النفسي؛ لما فيه من بعد عن أعباء الواقع وقيوده، وانطلاق لأجواء من التفكير الخلاق والمبدع.
- تقريب الفكرة إلى نفسه وجذبه إلى مضمونها؛ لأن ما يحمله الخيال من أفكار لم تمر بالأطفال مصدر جذب إلى اكتساب ما في العمل الأدبي من قيم.
- مساعدته على تقدير الأحكام على الأشياء: ما الخطأ؟ وما الصواب؟
- مساعدته على التصرف في المواقف التي قد تواجهه في الحياة، ومعرفة عواقب الأمور والتصرفات بأسلوب محبب.
ثانيًا: مراحل الطفولة وعلاقتها بالخيال
يشكل الخيال حيزًا كبيرًا من عقل الطفل وتفكيره منذ سنواته الأولى في هذه الحياة، ولكن هذا الخيال يختلف من مرحلة إلى أخرى؛ تبعًا لتغير الخصائص النفسية والعقلية للطفل في هذه المرحلة، ويمكن الإشارة إلى أبرز صفات الخيال في المراحل المختلفة على النحو التالي:
المرحلة الأولى: مرحلة الخيال الوهمي المحدود بالبيئة «3-5 سنوات»:
يكون الطفل فيها ذا خيالٍ حادٍ، وهو خيال محدود بأسرته وبيئته الضيقة. وخيال الطفل في هذه المرحلة يخلط بين الخيال والواقع، فقد يكذب في رواية واقعة من غير أن يتعمد الكذب، ولكن ذلك يكون استنادًا إلى خياله، أو استنادًا إلى ما سمعه. والطفل في هذه المرحلة يميل إلى قصص الحيوانات التي تتحدث، والأحداث التي تمر به شخصيًا.
وبناءً على هذه الخصائص يُنصح أن تكون القصة قصيرة، بعيدة عن إثارة الفزع والرعب والخوف. كما ينصح أن تكون من بيئة الطفل، فتكون شخصياتها مألوفة لديه كشخصية الأب أو الأم أو الأسرة، أو كشخصية الطبيب، أو الشرطي، وإن كانت من قصص الحيوانات فتكون حيواناتها من الحيوانات التي يعرفها كالقط، والكلب، والخروف، والعصفور، والنملة، عندئذ يجد الطفل بين يديه عالمه الصغير، يراه بعيني رأسه، ويعيشه، وتكون تجربته أكثر وعيًا وأكثر صدقًا ويكون أكثر تفاعلًا معها، وأشد اندماجًا مع شخصياتها وأحداثها.
وتسمية هذه المرحلة بمرحلة الخيال الوهمي بسبب أن خيال الطفل- وإن كان محدودًا في بيئته- إلا أنه خيال مجنح؛ حيث يصبح العصا حصانًا يركبه، وقد يصهل عليه صهيلًا يحاكي فيه صهيل الخيل، ويصير الكرسي وقد جلس عليه مقعدًا في سيارة مرة ومقعدًا في طائرة أو قطار مرة أخرى، وهذا مبني على ما استعمله ورآه من هذه الوسائل، وينطلق خياله مع كثير من التجارب التي تمر به محاولًا أن يجد لها نظيًرا، أو يكررها.
المرحلة الثانية: مرحلة الخيال المنطلق «6-8 سنوات»:
وفيها تتجاوز خيالات الطفل نطاق البيئة التي يعيش فيها، ويتسم خيال الطفل بالإبداع التركيبي الموجه نحو غاية عملية محددة، ويبدأ الطفل بالتطلع بصورة أشد إلى العوالم الخيالية، وتصبح القصص الخيالية وقصص الحيوان مصدرًا من مصادر المتعة لديه.
وبناء على ذلك يُنصح أن تكون القصة قصيرة، وإن كانت أطول من القصة المقدمة لطفل المرحلة السابقة، وألا تحوي ما يثير في نفس الطفل والخوف والهلع. ومن المناسب أن يكون «جو الحكاية هادئًا، والمشاعر فيها مسيطرة، مع اشتمالها على روح الفكاهة التي يحبها الطفل». ولا بأس في هذه المرحلة من خروج الخيال خارج نطاق بيئة الطفل، والتوسع قليلًا فيه، واستثماره في تقريب بعض المعاني المجردة كالتعاون، والصبر، والصدق، حيث يتميز طفل هذه المرحلة بكون خياله إبداعيًا، يستطيع أن يميز فيه بين الحقيقة والخيال.
المرحلة الثالثة: مرحلة الخيال المثالي «9-12 سنة»:
ويتجه خيال الأطفال فيها إلى المثالية، حيث يكونون قد انتقلوا إلى دور هو أقرب إلى الواقع، فيتخيلون صورًا واقعيةً أو مرتكزة على الواقع.
في هذه المرحلة تزداد أوجه الاختلاف بين البنين والبنات؛ فأما البنون فتبرز لديهم غريزة حب السيطرة والغلبة؛ ولذا فإن الذكر في هذه المرحلة تستهويه قصص الشجاعة والمغامرة. وينبغي الحرص على أن يتوافر في هذه القصص ما يعزز القيم النبيلة والخيرة؛ كالسعي للدفاع عن الحق، أو استثمار القوة في مساعدة الضعفاء والمحتاجين، وأن يتوافر فيها ما ينفر من أخلاق اللصوصية والاعتداء والتخريب والإفساد والتهور.
وأما البنت فإن قصص الأسرة هي التي تستهويها، ألا ترى أنها تحتضن عروستها الصغيرة وتلبسها ثيابها، وتنميها بجوارها، وتخلع عليها أحب الأسماء إليها، وتفيض عليها غرائز الأمومة والحنان، في امتزاج بديع بين الحقيقة والخيال؟ ولذا فينبغي غرس العادات والقيم الأسرية الصالحة، وترسيخ مبادئ المجتمع الفاضل فيها، وإشعارها- من خلال القصة- بأثر الأسرة، وأهمية العناية بها ورعايتها.
إن هذه المرحلة تمثل مرحلةً خصبةً للقاص؛ حيث نما المستوى العقلي واللغوي للطفل بصورة تحرر القاص وتسمح له بمزيد من الإبداع والرقي في البناء الفني للقصة، وتتيح له فرصة في عرض المزيد من الأحداث، كما أنها تهيئ له أرضية خصبة وصالحة ليضع فيها بذور الإصلاح والإرشاد بطريق غير مباشر، يلقى كل ترحيب واستمتاع من الطفل.
ثالثًا: أنواع القصص الخيالية:
قصص الخيال هي أحد الأجناس الأدبية الفنية المرتكزة على الخيال، فهي تعتمد «على استثارة ملكة الخيال عند الأطفال، فيحلق بخيالهم في أجواء خيالية، وينطلق بهم في فضاءات واسعة تتجاوز الواقع، وتخترق حدود المنطق، فتنسب إلى الشخصيات أعمالًا خارقةً، وتشخص الجوامد، وتستنطق الحيوانات والطيور والكائنات الأخرى، ولا تتعامل الأحداث مع الزمان أو المكان بصورهما المنطقية، وتسعى إلى تنمية طاقات الطفل الإبداعية؛ تأكيدًا للعلاقة الوثيقة بين الخيال والإبداع.
وقد عرف بكتابة هذا اللون من القصص عدد من الأدباء الذين تخصصوا بأدب الطفل، وجمع بعضهم بين التنظير والتطبيق، مثل: عبد التواب يوسف، وكامل كيلاني، ومحمد عطية الإبراشي، وأحمد نجيب، ومحمد شفيق عطا، ويعقوب الشاروني، وغيرهم، ولا يزال الأدب الإسلامي بحاجة إلى من يسد هذا الفراغ بين أدباء العالم.
ومن أبرز أنواع القصص التي تعتمد على الخيال، وأكثرها شيوعًا ما يلي:
قصص الحيوان:
قصص الحيوان هي القصص التي يكون الحيوان فيها هو الشخصية الرئيسة، التي تدور الأحداث حولها. وقد أثبتت الدراسات التي أجريت لتحديد الكتب المفضلة عند الأطفال أن قصص الحيوانات أكثرها رواجًا وأشدها حبًا بين الصغار.
ومما جُبل الأطفال عليه حبهم للحيوانات، واندهاشهم بها، ورغبتهم في التعرف على عالمها، وفرحهم عند رؤيتها، ومن هنا يحسن استثمار هذه الغريزة بصياغة قصص على ألسنة الحيوانات المختلفة تشبع رغباتهم وميولهم، وتنمي القيم الإيجابية في نفوسهم.
ويرى بعض الباحثين أن قصص الحيوان تصلح للطفل في المرحلة الأولى، وهي مرحلة الواقعية والخيال المحدود التي يتراوح عمر الطفل فيها بين 3-5 سنوات، ويرون أن الحيوانات المناسبة لقصص هذه المرحلة هي الحيوانات المألوفة، ذات الصفات الجسمية السهلة الإدراك، كالدجاجة الحمراء، والقط الأسود، وغيرها.
وهذا النوع من الحيوانات المألوفة قد يكون مناسبًا لجميع مراحل الطفولة، إلا أن الطفولة الأولى لا تحتمل غيره، بينما تحتمل المرحلتان التاليتان مزيدًا من أنواع الحيوانات، لأن الطفل في هذه المراحل يتميز بسعة خياله، وقصص الحيوانات- وخاصة المألوفة- تنمي فيه هذه القدرة، وقد يفاد منها في توجيهه وتعليمه. وأظن أنه ليس من المناسب أن تستعمل الحيوانات الخيالية والغريبة للأطفال في المراحل التالية للأولى، كما مال إلى ذلك أحد النقاد؛ لأن هذه الحيوانات المستعملة في القصص ينبغي ألا تكون مخيفة أو مرعبة، كما ينبغي ألا تكون هي نفسها خيالية، وإنما يقتصر الجانب الخيالي فيها على الأحداث، ولا يدخل في الشخصيات.
ولقد أشار بعض الباحثين إلى أن الحيوانات تمثل حالات مختلفة من الطبيعة الإنسانية، فالأسد يصور أخلاق الملوك والعنف والقوة، والذئب يصور القسوة والجشع، والثعلب يصور المكر والخديعة والنفاق، والطاووس يصور التيه والعجب والغرور، والحمار يصور الغباء والعناد، والأغنام لتصوير السذاجة والضعف، وصرصار الليل يصور الكسل، وهكذا، وبهذه الطريقة يمكن رؤية الجوانب المختلفة من الطباع الإنسانية وهي في صراعها مع بعضها. وهذا جانب إيجابي وبَنّاء في قصص الحيوان؛ لإمكانية الإفادة الثرية منها في التربية والتوجيه.
قصص الخوارق:
قصص الخوارق قصص تقدم أنماطًا من البطولة الخارقة للعادة، فالبطل في هذه القصص لا يغلب، ويقوم بأعمال تستعصي على غيره. وتعتمد هذه القصص على صراع لا تخبو ناره بين الخير والشر، بين الساحرة الشريرة والرجل الطيب، بين الرجل المحتال والرجل الصادق. ومن الملاحظ أن البطل في هذه القصص يكون غالبًا مدافعًا عن الخير وأهله، محاربًا للشر والأشرار؛ ولذا فإن الغلبة تكون له.
وقيام هذه القصص على هذا الصراع بين الطائفتين يمنحها ازدواجًا يعطي لعالم الخرافة الخيالي أساسًا واقعيًا؛ إذ إن الحياة اليومية ما هي إلا سلسلة متصلة من الأفراح والأتراح، كما أن حياة الإنسان بها السلب والإيجاب؛ ومن ثم تروق القصة الخيالية الخرافية للطفل كثيرًا؛ إذ إنها بالنسبة له مغامرة خيالية وساحرة لها نهاية سعيدة، فالطفل غالبًا ما يشعر بالخوف، ولكنه يريد التخلص منه فيجد نفسه أعزل من الوسيلة فيبادر بالبحث عن الأمن والأمان، وكلما ذاق الطفل طعم الألم أكثر ازداد شوقه إلى السعادة والهناء، ولكنه يدرك سريعًا ضعفه المتأصل فيه، فيتمنى أن يصبح قويًا بأن يركن إلى شخص قوي، ومن ثم فهو يجد في الخرافة انعكاسًا خياليًا لعالمه الداخلي ولوجدانه.
ويرى بعض الباحثين أن لهذه القصص آثارًا إيجابية على الطفل؛ لأنها تساعده على تمييز الخبيث من الطيب والحق من الباطل، وتغرس فيه حب الفضيلة، عندما يكون سعي الأبطال لتحقيق غاية سامية، وكذا بغض الرذيلة، إذا ما كان أبطالها من الأشرار الذين يقدمون له بصورة منفرة وكريهة، ومن ثم فهي تأخذ بيد الطفل إلى عالم الواقع، وأيضا تفتح شهيته على ما هو غامض وعجيب.
وفي المقابل فإن هذا اللون من القصص يتميز بخصائص سلبية، لها أثر مباشر على وجدان الطفل وعقله، وهي خصائص، كثيرًا ما تطغى على خصائصه الإيجابية؛ فهي خارجة على النظام الاجتماعي والكوني والبشري، تعتد بمبدأ القوة والعنف، وتجسد وقائع الحروب، والفواجع التي تثير القلق والخوف. ولهذا فإن لهذه القصص آثارًا سلبية في عقول الناشئة؛ إذ تؤثر على سلوك الأطفال، فيحاولون محاكاتها، وفي هذا ضرر بالغ قد ينتج عنه أخطار جسيمة، كما أنها تقدم لهم حلولًا غير واقعية لمشكلاتهم، وتقوى النزعة العدوانية فيهم، وتغرس القيم النفسية الهروبية.
ولذا فإن هذه القصص تحتاج إلى مزيد من الحذر في عرضها للأطفال؛ إذ لا بد أن يكون الكاتب واعيًا بمخاطرها، حريصًا على إيجابياتها، وأن يكون ولي أمر الطفل مدركًا لذلك حتى ينتقي لابنه ما يمتعه وينفعه في آن واحد. وينبني الحكم على صلاحية مثل هذه القصص للأطفال على غلبة جانب من هذين الجانبين على الآخر.
ومن أبرز الشخصيات والأنماط التي تقدم للأطفال «السوبرمان» وهو مثال القوة، و«طرزان» وهي شخصية حرة الحركة، وتمثل طريقًا للهروب من الواقع، وراعي البقر ذو القدرة الفائقة على تخطي العقبات. وهذه الشخصيات غير مقبولة في الأدب الإسلامي؛ لتجاوزها حدود المنطق، ولغلبة النتائج السلبية التي سبق ذكرها عليها. ولا أزال أذكر أن إحدى الصحف ذكرت أن أحد الأطفال قد مات بعد أن ألقى نفسه من النافذة، متقمصا لشخصية «السوبرمان» الذي بإمكانه أن يقفز ويطير في الهواء!
لقد كان هذا النوع من القصص ميدانًا لحرب تجارية بين منتجي الأفلام للأطفال، جعلت عقول الأطفال في خطر، وهم ينتظرون بطولة خارقة تنقذهم من مصاعب الحياة، وتحقق لهم أمانيهم، بعيدًا عن العمل البناء والبذل المثمر. وهو الأمر الذي تَنَبّه إليه عدد من مفكري الغرب وعقلائه، فهذا بيير طفيه يقول: «خيال الأطفال أصيب بالمرض بسبب الإعلانات، وحلقات الإذاعة والتلفزيون، ومغامرات السوبرمان، وبسبب تزييف الكبار للخيال وتحويله إلى الإثارة».
قصص الجن والعفاريت والسحرة:
وهذا النوع من القصص يلحقه كثير من الكتاب والنقاد بقصص الخوارق؛ إذ تصورهم القصص على أنهم كائنات ذات قدرات خاصة، لا يستطيع البشر مجاراتها. لكنها تتميز عن ذلك النوع من القصص في أنها عوالم حقيقية، ويبقى الخيال فيها في صياغة أحداثها، وهذا ما يدعو إلى استقلال هذا النوع عن بقية الأنواع.
ولمزيد من التوضيح لحقيقة العفاريت والسحرة، ينبغي أن نتذكر أن العفاريت طائفة من الجن حقيقية تتميز بقدرات خاصة، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم في حكاية الله عز وجل قصة سليمان مع سبأ، فقال الله سبحانه: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} (النمل: 39). وأما السحرة فهم أناس لهم اتصال بالجن، ويعتمدون عليهم في القيام بأعمالهم.
ولقصص الجن ملامح خاصة، فأحداثها تدور في أماكن ضيقة، وشخوصها نماذج عامة تحمل ألقابًا ولا تحمل أسماءً إلا في النادر، وأحداثها خارقة للعادة، وبعض عباراتها غامضة نسبيًا، وشخصياتها قليلة العدد، وتظهر هذه القصص الجن بخاصية حقيقية فيهم وهي قدرتهم على التخفي والظهور بأشكال مختلفة، والعلاقة بين الجن والإنس تأخذ طابع الاستدراج، كما أن حياة الجن تجري على شاكلة الحياة العادية المألوفة لدى البشر.
إن قصص الجن بالرغم مما فيها من خيال، إلا أنها قد تكون مقبولة، إذا التزمت بالضوابط التي تمنع حدوث الآثار السلبية لقصص الخوارق. وهي تختلف عن قصص الخوارق في أن الجن عالم حقيقي، إلا أن الخيال يدخل في صياغة بعض الأحداث التفصيلية. ولست مع من يرى أن هذه القصص تثير في نفس الطفل الخوف والهلع، ولكن بشرط أن تبتعد عن تصوير قدرة الجن على القيام بأي شيء مهما كان غريبًا، وأن تصورهم بوصفهم عالمًا فيه ما في عالم الإنس من خير وشر، وهو الأمر الثابت بنص القرآن الكريم: {وأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ ومِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (الجن: 11). فإذا ما تجاوزت ذلك انتقلت إلى الجانب السلبي والمحذور، ومثل ذلك يقال على قصص السحرة.
وقد تثير قصص العفاريت في نفوس الأطفال والخوف والرعب؛ بسبب طبيعتها، وطبيعة الأحداث والشخصيات وأشكالها فيها، وحين يصل الخيال فيها إلى حد إثارة الرعب، فإنها تصبح من النماذج المرفوضة.
قصص الخيال العلمي:
قصص الخيال العلمي هي قصص تحمل تصورًا للأفكار والمعاني ومجريات الأمور في ضوء حقائق العلم الثابتة. فهو ضرب من القصص يوظف فيه الأدب منجزات العلم، أو يستشرف ما يمكن أن يأتي به المستقبل من تكنولوجيا، عندما يطوع العقل الطبيعة لخدمة الإنسان وتقدمه، بعد فهمه لقوانينها، ومن ثم تتخذ هذه القصص بيئتها في أماكن غير تقليدية كالكواكب، وأعماق البحار، وباطن الأرض، ويصبح السفر في القضاء، والغوص في البحار، واختراق جوف الأرض، والمغامرات وسائل لإقامة هيكل الحكاية في هذه البيئات لتلك القصص. وتتميز تلك القصص بأنها ليست خيالًا محضًا، ولا أوهامًا خالصةً، وإنما هي مبينة على معطيات العلم ومنجزاته، وما يمكن أن تصل إليه الاكتشافات العلمية في قادم الأيام.
ولذا فإن أهمية هذا اللون من القصص تكمن في أنه يمثل طلائع الاكتشافات الأولى؛ لأن كل اكتشاف علمي قد بني- ابتداء- على فرض معين. ومن هنا كان أدب قصص الخيال العلمي ليس مقتصرًا على عالم الطفولة؛ لأنه يقوم على توقعات العلماء، وأحلام الكتاب لما يمكن أن يصل إليه التقدم العلمي في المستقبل، مع تباين مستوى ما يناسب الأطفال عما يناسب الكبار.
ومن أهم مزايا قصص الخيال العلمي للأطفال وأهدافها: إسهامها في تنمية القدرة على استحضار صورة جديدة، مما ينمي خيال الطفل، ويُكَوِّن اتجاهًا نحو البحث وافتراض الفروض واختبار صدقها. ومن ذلك: إثراء إحساس الأطفال بالقدرة على حل المشكلات التي يعجز الواقع عن حلها. ومنها: تكوين اتجاه إيجابي نحو قبول التغيير. ومن أبرز هذه المزايا والأهداف أن هذه القصص تنمي ثقافة الأطفال، وتلقنهم حقائق علمية بأسلوب ممتع، بعيد عن جفاف المعلومات، وإجهاد الحقائق، من خلال العلوم والمعارف التي تأتي عرضًا من خلال القصص، مما يجعلها أكثر قبولًا. وكل ذلك يتصل بما يدعو إليه ديننا من صور إتقان العمل والإخلاص فيه.
وبالرغم من هذا فإن تجاوز الحد المعقول، والإغراق في اصطناع التطلعات الزائفة قد يشكل قصصًا مفعمةً بالوهم لا التخيل، وثمة فرق، وتقديم نماذج للتفوق الزائد عن الحد، والجري وراء أحلام القدرات الخارقة الوهمية مما ليس له علاقة بالعلم ومعطياته، مما يبعد الأطفال عن واقعهم، وينفرهم منه، ويغرقهم في الوهم. كما أن من هذه القصص ما يثير الخوف والرعب والهلع في نفوس الأطفال، من خلال تصوير الكواكب والفضاء وهي حافلة بالكائنات والمخلوقات الشريرة التي تهدد أمن البشرية وسلامتها، وبدلًا من أن يكون الأدب مصدر راحة وسعادة لهم، يتحول إلى مثيرات للفزع والخوف تفسد حياتهم، وتقضي على شخصياتهم، وتملأ نفوسهم بالكآبة والضيق والاضطراب، وهذا ما يجب أن ينأى عنه الأدب.
وأخيرًا فإني اتفق مع من قال: «وربما اختلف مع من يرى أنه من الممكن استثمار قصص الإسراء والمعراج وغيرها من معجزات الرسول ﷺ في هذا المجال، وتقريبها من مستوى الأطفال؛ ذلك أن هذه القصص واقعية حقيقية، وليست من الخيال في شيء، فضلًا عن أنه لا علاقة بينها وبين قصص الخيال العلمي أبدًا». كما أن شخصية الرسول ﷺ ومعتقدات المؤمن ينبغي أن تنزه عن كل ما من شأنه أن يجعلها ملتبسة بالخيال، ولاسيما إذا تعلق الأمر بنفوس الناشئة.
رابعًا: حدود الخيال المقبول ومعاييره
من المهم جدا بعد هذه الجولة السريعة في عالم الخيال في قصص الأطفال، أن أشير إلى بعض الضوابط والمعايير للخيال، حتى يكون إيجابيًا بناء مقبولًا، ومن أهم هذه المعايير:
- عدم التعارض مع عقيدة المسلم، وأحكام الشريعة. كالذي نجده في الأساطير اليونانية التي تعدد الآلهة، وتنزلهم منزلة البشر، فيتآمرون ويرتشون ويحقدون، ففي هذه الأساطير خطر محقق على عقيدة أطفالنا.
ومن هذه النماذج أنموذجان عُرِضَا- للأسف- على مرآي أبنائنا مئات المرات، من خلال أفلام الكرتون. أحدهما: تلك القصة الخيالية التي يرمي فيها شخص حبة في الأرض لتنبت شجرة عملاقة تخترق السماء، لتصل إلى شخص آخر عملاق وجبار يسكن السماء، ولديه دجاجة تبيض ذهبًا! فمثل هذه القصة قد تسبب خللًا في إيمان الطفل بالله عز جلاله من نواح عديدة.
والأنموذج الثاني من القصص المرفوضة تلك الصراع الذي يحدث بين رجلين على امرأة ويكون لأحدهما قوة خارقة تؤدي إلى انتصاره على خصمه في كل المواضع. ووجه رفض هذه القصة أن علاقة الرجل بالمرأة لا ينبغي أن تصور بهذه الطريقة، كما أن جعل القتال مستمرًا ودائمًا لهدف واحد وهو كسب رضا هذه المرأة وحبها مما يتنافى مع القواعد التربوية للطفل.
ولا يخفى على ذي لب أن اهتمام الإسلام بالتربية المثلى للطفل اهتمام لا يعدله اهتمام، فعند قول الباري تبارك تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَارًا ...} (التحريم: 6)، قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: «علموا بعضكم بعضًا ما تقون به من تعلمونه النار، وتدفعونها عنه».
ويكفينا في هذا السياق الحديث العظيم الذي رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: « ألا كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِه ، فالإمامُ الذي على الناسِ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه ، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِه وهو مسؤولٌ عن رعيتِه ، والمرأةُ راعيةٌ على أهلِ بيتِ زوجِها وولدِه وهي مسؤولةٌ عنهم ، وعبدُ الرجلِ راعٍ على مالِ سيدِه وهو مسؤولٌ عنه ، ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِه»؛ قال الإمام النووي رحمه الله: قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته.
- الاهتمام باستبعاد ما يتنافى مع أسباب التربية القويمة للطفل، فهذا أمر مُسَلَّم يدعو إليه الجميع، فهذا سرجيو سبيني يرى أنه من أجل أن يكتمل الدور الفاعل لأدب الأطفال يجب أن نستبعد الأعمال التي: «تحوي بين طياتها أشخاصًا غير مناسبين من الناحية التربوية، بمعنى أن أبطال هذه الأعمال يقدمون إلى الأطفال القدوة السيئة».
وقد سأل بعضهم عن حد الخيال الذي يمكن أن يعرض للطفل من باب التشويق، فكانت الإجابة: «وأما حد الخيال الذي يمكن أن يعرض للطفل من باب التشويق فهو يختلف باختلاف البيئات والوسائل المتاحة، وعلى أية حال، فكل ما يمكن أن يُنمي فيه ملكات البحث والابتكار، ولم يكن يتنافى مع الشرع فهو مما يحسن أن يقدم إليه».
- مراعاة حاجات الطفل النفسية ومراحل نموه المختلفة، والنتائج المترتبة عن قصص الرعب والخوف، فيجب أن ننفي القصص من كل ما من شأنه أن يثير في نفس الطفل الخوف والرعب، وأن نجنبهم الخيالات المفزعة. فمن الخطأ البَيّن أن تشتمل هذه القصص على تصوير الكواكب والفضاء وهي مليئة بالكائنات والمخلوقات الشريرة التي تهدد أمن البشرية وسلامتها، وعلى حوادث الغيلان، أو قتل الأطفال، أو مسخهم إلى أحجار أو حيوانات، لأن ذلك يؤثر في مشاعرهم، ويربيهم على الخوف والفزع، ويسبب لهم الكثير من الأمراض النفسية والاجتماعية، ويؤدي بهم إلى فقدان الشعور بالأمن والطمأنينة.
ومن الأمثلة على ما يمكن أن يحدث بسبب اختلال هذا المعيار أن «طفلة في التاسعة من عمرها، كانت شديدة الذكاء، دائمة النجاح، تدهورت صحتها فجأة، بعد أن أصيبت بحالة قلق نفسي، تبين أنها كانت ناجمة عن خوفها من أن تتحول إلى تفاحة بأكلها الناس، وبعد طول التقصي والبحث تبين أن الطفلة قرأت قصة عن ساحر سحر طفلًا فحوله إلى قط، وسحر طفلًا آخر فحوله إلى تفاح، ولأن الأطفال يتقمصون ما يقرأون وما يسمعون، فقد وضعت الطفلة نفسها مكان الطفل، فعاشت في رعب دائم».
ومن النماذج التي لم تستوف هذا الشرط قصة أقتطع منها المقاطع التالية: «... فبعد أن جاذبهم أطراف الحديث، سألهم عن خبر تلك القبة من الشوك التي تلوح للنظر، فقال له شاب من بينهم: حذار يا سيدي أن تقترب منها، إنه قصر تأوي إليه الأرواح الشريرة... فانبرت فتاة من الجماعة تفند رأي الشاب وتقول: بل إنه منزل تجتمع فيه سحرة البلد، يتشاورون فيه ويضعون خططهم الشيطانية، ولا يعوقهم الشوك عن دخوله... فقاطعتها سيدة في مقتبل العمر، وقالت وهي تضم طفليها إلى صدرها كأنها تخشى عليهم خطرًا من الأخطار: كلا، إنه منزل غول من الأغوال، يخطف الأطفال ويأتي بهم إلى ذلك المنزل من منفذ سري لا يعرفه غيرهم، فيشويهم ويأكلهم ويرمي بعظامهم في إحدى الغرف، ولا بد أن تكون الآن مملوءة بعظام هؤلاء الأبرياء».
وبمثل هذه النماذج يتحول الأدب من مصدر لمتعة الأطفال وراحتهم وتربيتهم إلى «مثيرات للفزع والخوف تفسد حياتهم، وتقضي على شخصياتهم، وتملأ نفوسهم بالكآبة والضيق والاضطراب، وهذا ما يجب أن ينأى عنه الأدب».
يقول ابن القيم رحمه الله: «وينبغي أن يُوقى الطفل كل أمر يفزعه؛ من الأصوات الشديدة الشنيعة، والمناظر الفظيعة، والحركات المزعجة، فإن ذلك ربما أدى إلى فساد قوته العاقلة لضعفها، فلا ينتفع بها بعد كبره».
وحين نمعن النظر في سنة الرسول الكريم ﷺ نجد فيها ما يؤيد مثل هذا التوجيه، فقد نهى عليه السلام عن ترويع المؤمن، ولا ريب أن ترويع الطفل أشد وقعًا وأسوأ أثرًا. حدث أصحابه أنهم كانوا يسيرون معه ﷺ في مسير، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع، فضحك القوم، فقال: ما يضحككم؟، فقالوا: لا، إلا أنا أخذنا نبل هذا، ففزع. فقال رسول الله ﷺ: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا».
- ارتباط الخيال بما هو صحيح في سنن الكون، أو على الأقل بما هو ممكن أو جائز أو نسبي إن قصص الأطفال الخيالية بحاجة إلى الصدق الفني والموضوعي، وذلك بأن تؤدي «بطريقة منطقية مقنعة، بحيث يصبح الخيال وكأنه حقيقة، فالطفل سرعان ما يهرب من قراءة القصص الذي يشم فيه شيئًا من الخداع وفرض أشياء بعينها، ولهذا فإن بعض النقاد يعتقد أن الطفل هو أذكى ناقد لما يقرأ».
- إن قصص الحيوان مقبولة؛ لأن للحيوانات خصائص خاصة، ولغات مشتركة، ويبقى دور الخيال في تحدثها بلغة البشر، وفي وصف بعض الأحداث التفصيلية، والطفل يمكن أن يستوعب أن لغة البشر وُضعت على لسان الحيوانات لتقريب الأحداث وتوضيحها. والرجل «السوبرمان» غير مقبول؛ لأنه لا يمكن تصور رجل يتحول بمجرد أن يستبدل ثيابه إلى تلك القوة الخارقة التي لا يقف في طريقها شيء. وهكذا فإن كثيرًا من قصص الخوارق مرفوضة لاختلال هذا المعيار وعدم تحققه.
ويضاف إلى ذلك أن الطفل معرض حين تختلط الحقيقة بالخيال إلى تقليد هذه الشخصيات، وحينذاك يصبح الخطر محدقًا به وحقيقة واقعية. يقول أحد الباحثين في علم النفس تعليقًا على تقديم أمثال هذه الشخصيات إلى الأطفال: «إن خطر تقليد هذه الشخصيات- دون حرص- أمر وارد باستمرار لدى أطفال هذه المرحلة».
وبعض هذه الروايات والأفلام يتضمن أيضا مصادمة واضحة لحقائق تاريخية مذكورة في القرآن والسنة عن خلق الإنسان وحياته على الأرض، فلماذا يورط المسلم نفسه بقراءة ومشاهد ما قد يزعزع عقيدته، أو على الأقل يضيع وقته ويشغله بما لا ينفع، حتى وإن زعم بعض الناس أن هذا من قبيل التسلية والترفيه؛ فإن الترفيه لا يجوز أن يكون بحرام، ووقت المسلم أَجَلّ من أن يضيع في هذه الترهات».
- الأمن من حدوث بلبلة ناتجة عن المزج بين الخيال والحقيقة، وعدم اضطراب المفاهيم، أو اختلاط الحقيقة بالخيال. وهذا يؤكد على قضية مهمة، وهي أن الخيال يجب أن يكون متصلًا بالواقع، فلا يتناقض معه، ولا ينفصل عنه انفصالًا تامًا. فالخيال المطلوب هو الذي يمتزج بالواقع بقدر مناسب، فيقيم علاقات بين خبرات القصة والخبرات الإنسانية العامة.
ومن هنا فإن من النماذج القصصية الخيالية المرفوضة قصة «أطفال الغابة» التي صورت العمة بأنها شريرة قاسية تحاول الخلاص من أبناء أخيها، مما قد يترتب عليه نفور الأطفال من عمتهم، وهذا بالإضافة إلى أنه يؤدي إلى اضطراب المفاهيم فإنه يتعارض مع أصل عظيم من أصول شريعة الإسلام، وهو صلة الأرحام.
ومن النماذج المرفوضة أيضا قصة «الأميرة والثعبان» لمحمد الإبراشي، والتي صورت الثعبان في صورة مناقضة لحقيقته، مما قد يجعل الأطفال يتعرضون للخطر بسبب نظرهم إليه بوصفه حيوانًا أليفا مستأنسًا؛ لأنه قد رأى أن الثعبان في القصة قد تحول إلى شاب جميل تظهر عليه القوة والشجاعة، وأنه أمير سحرته ساحرة شريرة فصار على هيئة ثعبان.
- عدم الإسراف أو الإيغال في الخيال؛ لأن من شأن هذا الإغراق أن يبدد طاقة الطفل الواقعية، وأن يؤدي إلى هروب الطفل الدائم من مواجهة الواقع، والتكيف معه. فمثل هذا الإفراط قد يشكل قصصًا للأطفال مفعمة بالوهم لا التخيل، وتقديم نماذج للبطولة الزائفة، والتفوق الزائد عن الحد، والقدرات التي تتجاوز المستحيل إيهامًا لا حقيقة، مما يبعد الأطفال عن الواقع، وينفرهم منه، ويغرقهم في الوهم والخداع.
ومما سبق ندرك أن هذه الضوابط والمعايير تفصيلية، وأن هناك ضابطًا أو معيارًا واحدًا عامًا، وهو: إيجابية نتيجة هذه القصة وسلامة ثمرتها في نفس الطفل المتلقي؛ ذلك أن هذه القصة موجهة أصلًا لهذا الطفل، فلا يجوز أن يخرج منها بنتيجة خاطئة، أو فاسدة، أو تكون حصيلته منها تصورات باطلة أو منحرفة.
وختامًا يجدر أن نفرق بين الخيال المقبول والخيال المطلوب، فالخيال المقبول ما توفرت فيه المعايير السابقة، أما الخيال المطلوب الذي ينبغي أن يتوخاه الأديب المسلم فهو الخيال الذي تتوافر فيه المعايير السابقة بالإضافة إلى معيار آخر، وهو: ربط الخيال بهدف عالٍ وَسَامٍ يُثري خبرة الطفل، ويوسع آفاق تفكيره، وينمي قدراته الإبداعية.
.