Business

منهج الشريعة في تربية الشباب

ربما كان موقع الشباب وسطا بين جيلي الطفولة والرجولة، هو السبب الذي يجعلهم منسيين، أو أن يتم التعامل معهم- على الأقل- بنسق التعامل مع الشريحة التي قدموا منها وليس وفقا لاستحقاقات الشريحة التي هم متجهون إليها، هذا بالرغم من أن ديننا كان وما يزال يشدد على الاهتمام بالشباب، تربية وتوجيها وإعدادا.

وفي هذه الدراسة، يرى محمد مكين صافي، أن الإسلام عبر الكتاب المبين، وفي توجيهات النبي الأمين، يسعى نحو تقديم التوجيهات المصلحة لشأنهم، سواء على مستوى العقيدة والفكر، أو على الصعيد النفسي أو السلوك أو حتى على مستوى البدن، في تكامل سها عنه المربون والممسكون بالزمام إلى زمن قريب، يوم تبين لهم ماذا يمكن أن يؤدي إليه إهمالهم، وأي أياد معوجة سوف تتلقفهم وتزج بهم في نهاية مؤلمة في كثير من الأحيان.

 

مسئوليات أبعد

ولا يفوتنا هنا التأكيد على أن مجرد تبني الشاب لعقيدة هي في مستوى نصاعة وسلامة العقيدة الإسلامية سوف ينقلهم إلى مستوى أبعد بكثير مما يعيش فيه أقرانهم من الذين لم يؤمنوا، أو ممن في قناعتهم غموض أو ارتباك، وذلك بما تخلقه لهم هذه العقيدة من قضية جدية ومهمة ثقيلة سيجاهدون كثيرا لجذب الناس إليها وهدايتهم لنورها، وسيتعرضون جراءها لأذى يأمرهم دينهم بالصبر عليه، ويعدهم متى صبروا بأن لهم الجنة.

 

التربية النفسية

من المهم هنا أن نلتفت إلى ما يتميز به الشباب من الحيوية والاندفاع، والامتلاء بذلك الكم الهائل من الرغبات والطموحات والتطلعات التي قد تخلق في مجموعها عالما نفسيا متناقضا يجعله مضطربا شيئا ما وبعيدا عن أن يفهم من هم حوله، بينما ينمحي هذا كله فيما لو وجد من ينسقها لهم ويحميهم من أن تخربهم، بل أن تفيدهم.

 

تنقية الأجواء

إذا استعرضنا نهج الشريعة في الخطوة الأولى من تربية الشباب نفسيا فلابد أن نذكر شيئا عن الخطوة الأخرى العملية التي لن يقوم بها الشباب أنفسهم، بل يقوم بها من أجلهم المجتمع أو النظام الذي يخضعون له، ونعني بها تنقية الأجواء.. فحين يحرم ديننا فاحشة مثلا ينقي الأجواء من كل ما يحرض عليها أو يزينها، بل ويعاقب بالجلد أو بالرجم وعلى الملأ أولئك المخالفين هذا على صعيد المجتمع، وعلى صعيد الفرد يدعو الشاب بذلك النداء المحبب إلى قلبه: «يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج» و ينصحهم وهو بهم رؤوف رحيم: «ومن لم يستطع فعليه بالصوم» كعلاج مؤقت ريثما يمتثل الكبار لنداء الكريم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه...» (سنن الترمذي) وما ذلك إلا ليفوت على شياطينهم – من الجن والأنس – فرصة استغلال حاجاتهم لتصريفها فيما لا يرضاه الله ورسوله والمؤمنون.

إن سعي الكبار الجاد نحو الالتزام بما أتى به التشريع من القيم الأخلاقية النبيلة، ومبادرتهم– هم أولا– إلى الامتثال لها سوف يخلق ذلك المجتمع النظيف الذي بينا أهميته، وسوف يمنح الشاب القدوة المناسبة، كما يمنحه اليقين بنفاسة تلك القيم التي هو مدعو إليها، هذا بالإضافة إلى أن ما يلمسه الشاب من رعاية من هم أكبر منه، وعنايتهم بحاجاته وأنهم يمهدون له ما استطاعوا طريقه الأخلاقي، إن هذا سوف يتولد عنه تلقائيا حب من الشاب لمجتمعه وطاعة وسلوك قويم لأولي الأمر منهم، هذا على العكس مما ينشأ في الصورة المقابلة، حين يدعون الشاب إلى شيء نظيف، ثم يتركونه ليتمزق ما بين مثل رفيعة وواقع فاسد.

 

تربية للسلوك

إن المرء أكثر ما يكون عرضة للنزوع نحو الانفلات والضيق بالانضباط وهو في سن الشباب، ومن هنا كثرت التوجيهات الكريمة التي تسعى نحو ضبط سلوك الشباب، وتنزع نحو تدريبهم على الطاعة والانقياد لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والتوجه فقط حيث يشير، وذلك في محاولة ذكية لجعل طاقاتهم طوعا لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فها هو يأمرهم: «إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم واحدا منكم...» (البيهقي) ، تأكيدا على أولوية الانضباط.

ثم هو يتدرج في تربية سلوكهم منطلقا من نقطة الآداب العامة البسيطة، وليس كالبر بالوالدين أدبا يحرص عليه دين رفيع مثل ديننا، ثم يعرج على آداب الملبس والمأكل: «يا غلام: سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»، مع التأكيد التام على النظافة في كل مناحيها حين يعيب على ذلك الأشعث الأغبر فيقول: «أما كان يجد هذا ما يغسل به ثيابه؟» مرورا بصلة الأرحام واحترام الأكبر سنا ورأيا، وأهمية ترتيب الصفوف في الصلاة– وفي غير الصلاة– وفقا لترتيب أولى الأحلام، وهنا نجد السيرة زاخرة بجملة كريمة من تلك التوجيهات الرفيعة التي كان من آثارها ذلك الحياء الذي أدرك شابا مثل عبد الله بن عمر، فتوانى عن إجابة نبيه صلى الله عليه وسلم عن الشجرة التي لا يسقط ورقها– مع درايته بالإجابة– خجلا أن يتكلم وهو الغلام في سؤال سكت عنه الشيوخ.

 

تربية للبدن

إن ديننا دين توازن، ولو تجسد التوازن في منهج لتجسد في منهجنا، فمثلما أنه يبني العقيدة الناصعة السليمة عن الله والكون والحياة، ومثلما يربي الفرد المسلم على الطاعة والالتزام والانقياد للحق، كذلك هو يحضه على العناية بصحته وبنيته الجسمية لتكون على الدوام في عافية، ولتكتمل صورة الشاب وضاءة جوهرا وشكلا.

ديننا يحث على تعلم الرماية والفروسية بكل ما تهب الفروسية للشاب من فتوة وحيوية واستقامة، وينهى عن فرط التنسك الذي يضعف البدن، بل ينهى عن التوالي في الصيام لنفس الحكمة، ويقول: «إن لجسدك عليك حقا» ويريهم كيف أن للبدن قيمته لما يؤديه من دور حيوي في مدافعة الباطل ونشر الحق، حين يؤكد: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز...».

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم