كان للثقافة والحضارة والفكر والمفكرين المسلمين عظيم الأثر في علماء الغرب في أوربا منذ القدم، فكان دور الثقافة العربية في إطار الثقافة العالمية على الدوام دور إبداع وإضافة وعطاء، وكما أن العالمية تحقق التوازن بين الفرد والجماعة، فإن العولمة تكرس الأنانية، وتعزز المصلحة الشخصية على الجماعة، كما أن العالمية دعوة للتعاون الدولي، والعولمة تدعو إلى خلق عالم أحادي تحت سيطرة وهيمنة الدول الكبرى.
وفى دراسة بعنوان «العلاقة التربوية بين الإسلام والغرب» -2009-، للأستاذة الدكتورة سوزان المهدي، عرضت لبعض القضايا التربوية من منظور الفكر الإسلامي والفكر الغربي، ومن هذه القضايا: العولمة في الحياة الإسلامية والحياة الغربية، وحقوق الإنسان بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي، ومكانة المرأة من المنظور الإسلامي والثقافة الغربية.
القضية الأولى: قضية العولمة في الحياة الإسلامية والحياة الغربية
في مطلع القرن الحادي والعشرين، ظهرت على مسرح العالم أحداث فرضت نفسها على الثقافة والتربية، وانعكست بدورها على الإنسان في طريقة تفكيره وأسلوب تعامله مع الآخر، وفي سلوكه اليومي، مما يجعلنا نتأمل ما جاء به القرن الحادي والعشرين، ليمهد الدخول في الألفية الثالثة التي نشاهد إرهاصاتها في صور شتى، لعل من أبرزها «العولمة» بمظاهرها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعسكرية؛ فضلًا عن تأثيراتها على الإنسان الذي يتفاعل معها.
ولقد كان لتأثير آراء علماء المسلمين في الغرب الدور الكبير في نقل الفكر العلمي والفكر الفلسفي، مثل فلسفة ابن رشد، والتي أثرت تأثيرًا كبيرًا في أوروبا في العصر الوسيط، وكذلك الآراء العلمية للعلماء المسلمين.
وقد اعترف المنصفون من علماء الغرب أمثال «روجر بيكون» وغيره من العلماء، بتأثرهم بعلماء المسلمين؛ وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الحضارة الإسلامية بعلمائها ومفكريها كانت المشعل والمقدمة الضرورية لعصر النهضة في أوروبا.
كما أن دور الثقافة العربية في إطار الثقافة العالمية على الدوام، دور إبداع وإضافة وعطاء، وظلت رغم خصوصيتها ثقافة إنسانية شاملة لا بتراثها الإسلامي فقط- وهو ذروة عطائها- ولكن بما تمثلته وبما تجاوزته من عناصر الحضارات الأخرى أيضا، وبلغتها العربية التي ظلت لغة العالم فكرًا وعلمًا واقتصادًا وسياسةً وحضارةً على مدى قرون عديدة، وبفنونها الأثرية والفنية والأدبية التي ما تزال تشكل ثروة جمالية لأبنائها وللعالم على أقوى أواصر الوحدة والتماسك بين أجيالها، وهذا يعني أنها بالإضافة إلى دورها القومي ذات دور عالمي أيضا، هذا الدور رغم كل ما لحق به من تراجع خلال القرون الخمسة الأخيرة، فإنه ما يزال حيًّا قائما لدى الأمة العربية، ومن ورائها جميع الشعوب الإسلامية في آسيا وأفريقيا خاصة، وهذا وحده كافٍ لكي يجعل من الثقافة العربية رسالة حضارية، وركنًا ركينًا في ثقافات العالم.
إن العولمة تعد من أهم وأبرز الظواهر العالمية المعاصرة والمتعددة الأبعاد، والتي امتد نطاقها إلى مجالات الحياة الإنسانية المختلفة، والتي تسعى إلى الهيمنة والسيطرة الشاملة على كل مناحي الحياة بمختلف الصور والأشكال والأساليب المباشرة و غير المباشرة، لفرض نموذج الحياة الأمريكي على العالم.
ولكن يوجد فرق كبير بين مضمون ومفهوم «العالمية» الذي جاء به الإسلام ومفهوم «العولمة» الذي يدعو إليه الغرب عامة، وأمريكا خاص، فثمة فرق بين عالمية الإسلام والعولمة، فللعولمة تصورات ومظاهر و تجليات وآليات عالمية، وللإسلام رؤى وتصورات عالمية تتعلق بالإنسان والكون والحياة، ولا تتطابق التوجهات في الحالتين، بل إن هناك خلافًا بين منطلقات العولمة ومنطلقات عالمية الإسلام، حيث أن الحضارة الإسلامية قامت على العالم المشترك بين حضارات العالم، فقبلت الآخر وتفاعلت معه أخذًا وعطاء، بخلاف العولمة التي تعني الهيمنة، بل إلغاء الآخر وخصوصياته الدينية والثقافية والخلقية والتشريعية.
والعولمة تسيرها وتسيطر عليها المادة في كل شأن من شئونها؛ ولذا فأهلها يعيشون في حالة تيه وضياع، وتشتت وانحلال؛ بينما عالمية الإسلام نظام شامل للحياة والآخرة، والدليل قوله تعالى: {وابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ولا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (القصص: 77).
والعولمة تكرس الأنانية وتعزز المصلحة الشخصية، وهي تعمل على تنمية الحرية الفردية، دون مصلحة الجماعة كما هو الفكر الرأسمالي، كما أنها لا تجحد حقوق الفرد وتكتفي به فقط كما هو في الفكر الشيوعي، وعالمية الإسلام تقوم على تحصيل المصلحتين معًا، مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، فهو نظام وسط في تحقيق التوازن بين الطبقات والأفراد.
كما أن العولمة ليست دعوة للتعاون الدولي، على قدم الندية والمساواة بين كافة الشعوب وكافة الثقافات، ولكنها دعوه إلى خلق عالم أحادي في كل شيء تحت سيطرة وهيمنة دول الاستكبار: الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.
إن مقاومة العولمة ومجابهتها لا يعني أبدا الانعزال عن مجرى الأحداث العالمية أو التقوقع داخل الإطار القومي أو القطري، ولذا يجب محاربتها من داخل منظومة العولمة نفسها من محاور متعددة، وهي: التعليم والسياسة والإعلام والاقتصاد والدراسات الأمنية والعسكرية، والأعمال الاستخبارية والمعلوماتية، والاقتصاد والتنمية البشرية، وبناء القدرات والأسرة والمرأة والمجتمع، ومحور مجال الثقافة والهوية.
القضية الثانية: قضية حقوق الإنسان بين الفكر الإسلامي والفكر العربي
قبل عرض قضية حقوق الإنسان بين الإسلام والغرب، فإنه يمكن تعريف الحقوق بأنها: «جملة المصالح أو المزايا، التي يحصل عليها الفرد أو الجماعة في مجتمع ما، وبحسب ما يقره المشرع، وهناك وثائق وطنية ووثائق عالمية تنص على هذه الحقوق».
ومن الحقوق التي تنادي بها الوثائق الوطنية التي هي دستور الدولة والقوانين والتشريعات، واللوائح والاستراتيجيات التنفيذية، والوثائق الدولية التي هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، واتفاقية القضاء على جميع أشكاك التمييز ضد المرأة، والمعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
فقد حرصت الوثائق السابقة والمتعلقة بحقوق الإنسان على الاعتراف بالحقوق التالية للإنسان: الحق في الحياة مثل الحق في الجنسية؛ والحق في الأمن والأمان؛ الحق في التنقل وحرية الإقامة؛ والحق في الزواج وفي تأسيس عائلة؛ والحق في الملكية؛ والحق في الحرية؛ والحقوق السياسية المتمثلة في حق المشاركة السياسية، وفي الانتخابات، والترشيح، ومخاطبة السلطات العامة؛ والحقوق الثقافية المتمثلة في الحق في التعليم.
ويمكن توضيح الفارق بين النظرة الإسلامية والنظرة الغربية لحقوق الإنسان؛ فليس الفارق فقط زمنيًا ولا كميًا، وإنما بالدرجة الأولى نوعيًا وكيفيًا، حيث إن ما عرفته الحضارة الغربية في باب حقوق الإنسان قد عرفته الحضارة الإسلامية ومارسته قديمًا، لا كمجرد حقوق الإنسان، وإنما كفرائض إلهية وتكاليف وواجبات شرعية لا يجوز لصاحبها أن يتنازل عنها أو يفرط فيها حتى بمحض اختياره إن هو أراد، وتلك زاوية القضية، ودرجة في تناولها لا شك أنها إضافة نوعية وكيفية تزيد هذا الفكر غنى وأصالة وعمقًا، وتوفر له المزيد من الفعالية وقوة التأثير.
إن حقوق الإنسان في الإسلام منحة يمنحها الخالق- جل شأنه- للأفراد وفقًا لما تقتضيه مصلحة الجماعة، وعدم الإضرار بالغير، والحق بهذا المعنى يستلزم واجبين: واجب على الناس أن يحترموا حق الفرد، وأن لا يتعرضوا له أثناء تمتعه به واستعماله، وواجب على صاحب الحق نفسه وهو أن يستعمل حقه بحيث لا يضر بالجماعة.
وكذلك تبرز سمتان أساسيتان لحقوق الإنسان، هما: أنها حقوق تعبر عن حاجات إنسانية، كما أنها تتوقف على مسئولية الناس بعضهم تجاه بعض.
وحقوق الإنسان في الإسلام فرائض وضرورات لا مجرد حقوق، وأعظم ما امتازت به شريعة الإسلام في تكريمها للإنسان ولم تشاركها فيه تشريعات ولا فلسفات ولا قوانين وضعية، هو ارتقائها بالإنسان، إلى حد أن أمر الله تعالى ملائكته بالسجود له على نحو ما ورد في القرآن في قوله تعالي: {إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإذَا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إلاَّ إبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} (ص: 71- 74)، وموجبات هذا التمييز للإنسان أن الحق تبارك وتعالى قد اصطفاه من بين جميع خلقه ليكون خليفةً في الأرض، يعمرها ويحميها من الفساد.
ولهذا لم يكن تمييز الله للإنسان «آدم» بالشكل أو اللون، وإنما كان بالعلم، وهذا التمييز بالعلم الذي اعتمده الإسلام كان معيارًا للتفاضل بين «آدم الإنسان»، وبين الملائكة هو في المنظور الإسلامي المعيار الموضوعي الصحيح لنهضة الشعوب، وأساس تقدمها كما هو في الوقت ذاته ميّز أن خيرية الأمة الإسلامية هو الأمر الذي يهيئ لها التمكين في الأرض لكل ما هو حق وعدل.
وقرر الإسلام كثيرًا من الحقوق للإنسان منها حق الإنسان في الحياة، وفي الحرية، وفي المساواة، وفي المحاكمة العادلة، وفي حماية عرضه وسمعته، وحق التدبر والتفكير فيما ينفع، والحق في كفالة حد الكفاية من المعيشة، وغير ذلك الكثير من الحقوق.
أما إذا نظرنا لحقوق الإنسان عند الغرب، فسوف نجد أن الإحصائيات التي أجرتها منظمة «الرقابة على حقوق الإنسان» تبين أنواعًا عديدة من انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة كل يوم، وحسب لغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان- الذي صدر منذ ما يقرب من 60 سنة- ولد كافة البشر أحرارًا ومتساويين في الكرامة والحقوق، وأي انتهاك لحقوق الإنسان في أي مكان يعد انتهاكا شرعيا يخص العالم بأسره.
ولكن للأسف لا يترجم القول إلى عمل بالضرورة، فهناك العديد من الانتهاكات التي يقوم بها الغرب نحو الإنسان في معظم الدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص.
ولقد تميز الفكر الإسلامي في ميدان حقوق الإنسان في مجال التنظير والتطبيق لحقوق الإنسان، وخير مثال على ذلك ما شهده عصر الرسالة وعصر الخلفاء الراشدين في العصور الزاهرة للإسلام في ميادين الفكر والممارسة، أما ما يحدث في العالم الآن فيؤكد على النظرة الازدواجية للإنسان في العالم الغربي؛ فالكيل بمكيالين أصبح سمة مميزة للتعامل مع الشعوب، فما يحدث في فلسطين والعراق والبوسنة والهرسك وأفغانستان، وغيرها من دول العالم الإسلامي الذي لا تنسجم سياسته مع سياسة الغرب من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، ومن استخدام العالم الغربي لشعار حقوق الإنسان ضد الأنظمة التي يضعها الغرب في موضع خصومه ورفض لهيمنته، في حين يسكت الإعلام الغربي عن دول تنتهك فيها حقوق الإنسان انتهاكًا صارخًا متكررًا ومتعمدًا، حتى صارت الانتهاكات من ثوابت سياسة تلك الدول مثل ما يحدث من أجهزة الدولة الصهيونية ضد المواطنين العُزَّل في الأراضي العربية المحتلة على مرأى ومسمع من العالم كله، ومن تشويه الإعلام الغربي وقلبِه للحقائق، ومن تصوير العرب على أنهم هم المعتدون والإرهابيون، وأعداء السلام؛ وهذا ما يدعو إلى إعادة النظر في عالمية حقوق الإنسان كما يراها الغرب، وكما يصورها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبث الروح من جديد في المنظور الإسلامي لحقوق الإنسان.
ولا يقتصر الخلاف بين الشريعة الإسلامية والفكر الغربي فيما يتعلق بحقوق الإنسان على التصور والتنظير لدى كل منهما، بل أن هناك تضادًا واختلافًا أيضًا في جوانب شاملة تتركز فيما يلي:
- الآثار الناجمة عن تصور حقوق الإنسان في المنهج الشرعي مقارنة بالفكر الغربي حيث أن حقوق الإنسان في الإسلام تنبع من العقيدة، وخاصة عقيدة التوحيد، لأن الله تبارك وتعالى الواحد الأحد الفرد الصمد خلق الناس أحرارًا، ويريدهم أن يكونوا أحرارًا، ويأمرهم بالمحافظة على الحقوق التي شرعها والحرص على الالتزام بها ثم كلفهم شرعًا بالجهـاد في سبيلها والدفاع عنها ومنع الاعتداء عليها.
- من خصائص ومميزات الحقوق في الإسلام، أنها حقوق شاملة لكل أنواع الحقوق، سواء الحقوق السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية، كما أن هذه الحقوق عامة لكل الأفراد الخاضعين للنظام الإسلامي دون تمييز بينهم في تلك الحقوق بسبب اللون أو الجنس أو اللغة، ومن خصائص الحقوق في الإسلام أيضًا أنها كاملة وغير قابلة للإلغاء، لأنها جزء من الشريعة الإسلامية.
- أفرز التصور والتنظير لحقوق الإنسان في الفكر الغربي آثارًا ورؤًى تشكل خطرًا على الحضارة الإنسانية في مجملها، فحين تكون الحقوق نابعة من الطبيعة فإن الحكم في فصل النزاع عند تضارب الحقوق الطبيعية للأفراد أو الأمم يكون حينئذ للقوى المادية التي يختص بها الفرد أو الأمة، ما دامت الطبيعة هي أصل الحقوق الإنسانية يكون في غاية المشروعية هلاك الأفراد الذين خُلقوا ضعفاء أو لم يمتلكوا القوة أو القدرة المادية اللي تمكنهم من نيل حقوقهم الطبيعية.
ولهذا فمن السائد في المجتمعات الرأسمالية تركز البؤس والفقر والتخلف لدى الأقليات، بينما يتحكم الرأسماليون في السلطة والسياسة واستغلال الطبقات الضعيفة في المجتمع، كما تضفي تلك النظرة المشروعية على إبادة شعوب كاملة بالحروب والأسلحة المبيدة، لأن الشعب ذا السيادة، والقوة المادية أقدر على نيل تلك الحقوق الطبيعية من أعدائه، مما جعل للمجتمعات الغربية القوية الحق في نهب خيرات الشعوب الأخرى، واستعمارها بهدف تمكين الشعوب الغربية من الاستمتاع بحقوقها الطبيعية بأقصى ما يمكنها.
القضية الثالثة: قضية مكانة المرأة من المنظور الإسلامي والثقافة الغربية
إن قضية المرأة وتمكينها من القيام بدور أوسع في المجتمع من القضايا التي اختلفت أشكالها من فترة لأخرى، حيث اختلفت مكانة المرأة في المجتمعات وفي الشرائع القديمة اختلافًا كبيرًا عن مكانتها في الدين الإسلامي؛ فلكل شريعة أسلوبها الخاص في التعامل مع المرأة ووضع حقوقها.
ومن أمثلة ذلك ما يلي:
- عند كونفوشيوس كانت المرأة متاعًا تُباع وتشترى، كما أن الأب إذا بشر بمولود أنثى حملها فورًا إلى السوق ليبيعها بأبخس الأثمان، وكان من حق الزوج أن يطلب من زوجته ألا تتزوج بعده وأن تحرق نفسها عند موته تكريمًا له، وظلت حوادث حرق الزوجات تقع في الصين إلى أواخر القرن التاسع عشر.
- والأمر نفسه عند اليابانيين الذين منحوا الأب حق بيع ابنته في سوق النخاسة أو الدعارة. وعند الهنود كانت الزوجة حتى القرن التاسع عشر تحرق إذا ما زوجها، حسبما تقضي بذلك شرائعهم.
- وفي فارس لم يكن للمرأة حق في اختيار الزوج، وللزوج أن يتنازل عن زوجته لرجل آخر وقع في الفقر ليستعين بعملها، وذلك من قبيل الإحسان على أخ محتاج.
- ومكانه المرأة عند الإغريق من وجهه نظر سقراط الذي قال: «أن المرأة هي أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار في العالم».
- ولم يختلف الوضع كثيرًا عند اليهود، فقد ظلت المرأة في مرتبة الخدم، وكان لأبيها الحق في بيعها وهي قاصرة أو يزوجها لمن يشاء.
أما الإسلام فقد ربى المرأة على أنها مساوية للرجل في كل شيء، إلا الاختلافات التي اقتضتها الطبيعة الخِلقية لكل منهما، فظهرت الأسرة المسلمة وهي لبنة متينة في بناء المجتمع الجديد، وخرج من الأسرة رجال علماء وشباب مجاهدون وأفراد يبنون ولا يهدمون، ورباها على أن تكون نموذجًا وقدوةً لغيرها، وأعطاها حريتها فسمت مكانتها، وعلمها الإسلام فأصبحت فقيهة وعالمة ومحدثة، وفتح أمامها باب العلم والعمل والاجتهاد على مصراعيه، فأخذت من كل ذلك بحظٍّ عظيمٍ، وصارت نموذجًا يُحتذى به بين نساء العالمين.
ولم يقتصر أمر المرأة المسلمة في التميز في المجالات الأدبية والمعرفية فحسب، بل جاوزت ذلك إلى مجالات رسمية بالغة الأهمية، فبرزت في سوق العمل كمحتسبة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورئيسة محكمة مثل أم الخليفة المقتدر، ولم يكن هناك ثمة اعتراض على الوجود الفاعل للمرأة في المجتمع الإسلامي ومشاركتها الرجل في هموم النهوض بالمجتمع، ولولا ذلك ما استطاعت المرأة في المجتمعات الإسلامية أن تصل إلى الحكم فتغدو ملكة مثل شجرة الدر، وتصل في عصرنا الحديث إلى منصب رئيسة وزراء في بلدان إسلامية مثل باكستان وتركيا، فضلًا عن بقية المناصب المعاصرة، ابتداءً من منصب الوزيرة أو السفيرة أو المديرة، وليس انتهاءً بمناصب الطبيبة والأستاذة والمهندسة والعالمة.
ولم تكن دعوه الغرب إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق بأمر جديد لم ينوه له الإسلام، بل أكدها الإسلام وأرسى دعائمها منذ أربعة عشر قرنًا قبل أن ينادى بها، واليوم أصبحت من الشعارات الرئيسية في التسعينيات من القرن العشرين التي ينادى بها الغرب، ويأتي هذا الاهتمام نتيجة طبيعة للاهتمام العالمي المتزايد منذ ما يزيد عن خمسة عقود، تبلور خلالها رؤًى وأفكار تدعو إلى بذل المزيد من الحريات ومزيد من المساواة بين الرجل والمرأة ليتساويان في الحقوق والواجبات والأدوار في السياسة والقانون والاقتصاد، وغير ذلك.
وقد استطاعت المرأة العربية خلال العقود الثلاثة من أواخر القرن العشرين أن تزيد من تواجدها في المراكز الإدارية العليا والاقتصادية والسياسية، كما استطاعت أن تنافس الرجل في الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي، وأن تخفض الفارق بينها وبين الرجل في مجال التعليم، وأن تحسن من دخلها، وأن تتقلد المناصب الوزارية، وأن تدخل مجالات عمل كانت في السابق محرمة عليها، وإلى غير ذلك من المكاسب.
إن طرح قضية المرأة وتحسين أوضاعها هو توجه أصيل في الدين الإسلامي الحنيف، وينبغي الالتفات إليه من هذه الزاوية شريطة أن تنبثق هذه الالتفاتة من وقفة جادة وتحليل متعمق وطرح موضوعي لهذه المسالة حتى تتبلور الصورة بشكل يتناغم مع روح العصر وطبيعته دون الانجراف حول المرجعيات الغربية ذات الرؤى والتصورات والثقافة المختلفة عن رؤانا وخصوصياتنا، حيث أن قضية المساواة بين الرجل والمرأة تختلف فيها الآراء بين المنظور الإسلامي والثقافة الغربية، فكل منهما ينادي بالمساواة طبقًا للمبادئ والأسس التي تقوم عليها ثقافة كل منهما.
وقد لاقت قضية المرأة ودورها في المجتمع اهتمامًا بالغًا على مستوى جميع الجهات والهيئات؛ ففي الفترة ما بين 1976- 1985 سُمى بعِقد المرأة، حيث أصبحت قضية المرأة تحتل مكانًا بارزًا في جدول أعمال الأمم المتحدة، وركزت على إيجاد نظام اقتصادي وسياسي يحقق مشاركة أكبر للمرأة في العملية السياسية والمشاركة في عملية التنمية العالمية، وتشجيع نزول المرأة إلى سوق العمل.
ولكن مع هذه الطفرة في تزايد مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية والمدنية، فإنهن ما زلن يمثلن نسبة ضئيلة في المراتب العليا والقيادية، والتي تساعد في التأثير على عملية سن القوانين والتشريعات في صالح المرأة ومساواتها في المجتمع.
إن حق المشاركة السياسية في الفكر الغربي، سواء بالنسبة للمرأة أو الرجل، مكفول بموجب المواطنة، ولا يختلف هذا الأمر عنه بالنسبة للنظرة الإسلامية، حيث زخر الإسلام بالكثير من الآيات التي تمجد مكانه المرأة المسلمة، بعد أن كانت تلك المكانة شبه معدومة قبل ظهور الإسلام في فترة العصر الجاهلي، وليس أدل على هذا- في ذلك الوقت- من انتشار عادة وأد البنات التي حرمها الله- عز وجل- وقد أعطى الإسلام للمرأة حق التملك والتعاقد والاحتفاظ باسم أسرتها، وحق العمل.
والإسلام منذ البدايات الأولى لبعثة النبي ﷺ أرسى مبدأين أساسين تقوم عليهما الحقوق السياسية للرجل والمرأة على السواء، هما: وحدة النفس الإنسانية، ووحدة العمل الإنساني، وبهذين المبدأين سقط التمييز بين الرجل والمرأة، سواء كان تمييزًا عنصريًا، أو تمييزًا في قيمة ونوعية العمل الذي يصدر عن كل من الرجل والمرأة.
وعلى ضوء ما سبق من عرض للقضايا الثلاث السابقة، فنجد أن هناك اختلافًا بين الإسلام والغرب يمكن توضيحه على النحو التالي:
- بالنسبة لقضية العولمة، نجد الآتي:
- كان للثقافة والحضارة والفكر والمفكرين المسلمين عظيم الأثر في علماء الغرب في أوربا منذ القدم، فكان دور الثقافة العربية في إطار الثقافة العالمية على الدوام دور إبداع وإضافة وعطاء.
- الإسلام جاء بمفهوم العالمية- وآتى الغرب بمفهوم العولمة.
- فعالية الإسلام قلبت الآخر وتفاعلت معه أخذا وعطاء، والعولمة تعنى الهيمنة وإلغاء الآخر.
- العالمية تحقق التوازن بين الفرد والجماعة، والعولمة تكرس الأنانية، وتعزز المصلحة الشخصية على الجماعة.
- العالمية دعوة للتعاون الدولي- والعولمة تدعو إلى خلق عالم أحادي تحت سيطرة وهيمنة الدول الكبرى.
- بالنسبة لقضية حقوق الإنسان، نجد الآتي:
- في الإسلام منهج شرعي ينبع من العقيدة: وهي فرائض إلهية، وتكاليف وواجبات شرعية لا يجوز التنازل عنها، وهي حقوق شاملة لكل أنوع الحقوق: السياسة والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وهي عامة للجميع دون تمييز بسبب اللون أو الجنس أو اللغة، وهي كاملة وغير قابلة للإلغاء.
- الحقوق الخاصة بالإنسان في الغرب مجرد شعار، وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، والحقوق لديهم نابعة من الطبيعة وتعطى القوى المشروعية في هلاك الضعفاء والفقراء.
- بالنسبة لقضية مكانة المرأة، نجد الآتي:
- الإسلام ساوى بين المرأة والرجل في كل شيء من خلال مبدأين، هما: وحدة النفس الإنسانية، ووحدة العمل الإنساني؛ فصارت نموذجًا يحتذى به بين نساء العالمين.
- تميزت المرأة في المجالات الأدبية والمعرفية، وفى سوق العمل، والمحاكم، وأصبحت وزيرة وسفيرة وطبيبة وأستاذة ومهندسة وعالمة.
- تواجدت المرأة في المراكز الإدارية العليا والسياسية.
- المرأة في الغرب مكانتها محفوظة بحكم المواطنة.
.