مرحلة الطفولة هي المرحلة الأولى في عمر الإنسان، تبدأ بالولادة وتنتهي بالبلوغ، قال الله تعالى: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُم} (الحج: 5)، وقال أيضًا: {وإذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} (النور: 59)، والطفل: الولد حتى البلوغ، والجمع أطفال، وقد يستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع.
وفى دراسة بعنوان «أدب الأطفال في ضوء الإسلام والمناهج التربوية الحديثة» -2010-، للدكتور الريدي عبد الحفيظ عبد الرحمن حمدان، مدرس الأدب والنقد في كلية البنات الإسلامية بأسيوط جامعة الأزهر الشريف، يرى أن أهمية وخطورة مرحلة الطفولة تكمن في أنها المرحلة التي تتفتق فيها مواهب الإنسان، وتنمو مداركه، وتحدد ميوله واتجاهاته نحو الخير أو الشر، وفيها تأخذ شخصيته بالبناء والتكوين؛ ليصبح فيما بعد متميزًا عن غيره.
كما يرى أن البحث في أدب الطفولة ووضع تصور له يستلزم أولًا البحث في مناهج التربية، والتصور الذي تقدمه لتربية الطفل؛ إذ إن كلًا منهما- أدب الأطفال والتربية- يهدف إلى غاية واحدة، هي الأخذ بيد النشء، وتنمية مهاراته العقلية والعاطفية والاجتماعية والمعرفية، وإعداده لتحمل المسئولية التي ستلقى على عاتقه في مستقبل أيامه.
أسس التربية القويمة للطفل
وعي المربين بالمسئولية أمام الله في التربية
يعتمد المنهج التربوي في الإسلام على مبدأ المسئولية أمام الله- عز وجل- فلقد حرص الدين الحنيف على إعلام المربي وتوعيته بهذه المسئولية، فمن يقوم بتربية الأطفال- ومنهم الأدباء- مسئول ومحاسب أمام الله- عز وجل- عن هذه الأمانة، عملًا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَارًا وقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6)، وقيل في تفسيرها: «أن يؤدب المسلم نفسه وأهله، فيأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر».
ولقد وعى تلك المسئولية علماء الأمة وعملوا على نشرها، فهذا الإمام الغزالي يقول: «والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نُقش، ومائل إلى كل ما يُمال به إليه، فإن عُود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب، وإن عُود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي».
وهذا هو الفارق بين منهج التربية الإسلامية للأطفال والمناهج التربوية الحديثة التي تجعل فلسفاتها وتصوراتها في التربية مجرد توصيات، حتى إن لجنة حقوق الطفل التي أنشأتها اتفاقية حقوق الطفل للرقابة على احترام حقوق الطفل الواردة في الاتفاقية من قبل الدول التي صدقت أو انضمت إلى هذه الاتفاقية- يقتصر دورها على دراسة التقارير والشكاوى الواردة إليها بشأن انتهاكات حقوق الطفل وتقديم تقارير بذلك، ولا يمتد اختصاصها وسلطتها إلى بيان التدابير التي يمكن للجنة اتخاذها عند انتهاك إحدى الدول لأحكام هذه الاتفاقية أو عند تقاعسها عن الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاقية.
أما منهج التربية في الإسلام فيقوم على مبدأ المسئولية أمام الله في كل قول وعمل، فمن يقوم بتربية الأطفال محاسب أن قصر وأهمل، وله الثواب الجزيل إن أداها خير أداء، حتى إنه ليستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر.
ترسيخ العقيدة وتوضيحها للطفل
إن الحرص على ترسيخ العقيدة وتوضيحها بكافة الوسائل والأساليب المناسبة لعقل الطفل أساس مهم في بناء شخصية الطفل وتحليته بالفضائل، وأساس أهم في حمايته من عوامل الانحراف والفساد.
وتتحقق العقيدة وترسخ في قلب الطفل بطرق عدة منها:
- تعليم الطفل أصول الإيمان وأركان العقيدة، وهي كل ما ثبت عن طريق الخبر الصادق من الحقائق الإيمانية والأمور الغيبية، كالإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقضاء والقدر.
ومشكلة الطفل في سِنِيِّهِ الأولى أنه يريد بعض المعنويات مجسدة، وهذا أمر راعاه القرآن الكريم حين وضح عظمة الله، وقدرته، وعلمه، بطريقة ممثلة وبصورة مجسمة تناسب عقل الطفل حين قال على لسان لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ إنَّهَا إن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (لقمان: 16)، وقد استطاع التربويون وعلماء النفس أن يعالجوا هذه النقطة بغير قليل من الحكمة والدراسة طبقًا لمراحل العمر المتتالية عند الطفل، ومن الضروري لكاتب أدب الأطفال أن يستنير بهذه الدراسات، كيما يحمي التصور العقيدي لدى الطفل من الخلط أو الغموض.
- تعويده العبادات وارتياد المساجد، وتلاوة القرآن، وحب الرسول ﷺ وآل بيته، وفعل الخيرات واجتناب المنكرات، وهذا كثير في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ففي القرآن الكريم ما جاء في وصية لقمان لابنه وهو يعظه {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ المُنكَرِ واصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (17) ولا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ولا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) واقْصِدْ فِي مَشْيِكَ واغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِير} (لقمان: 17-19)، وفي السنة النبوية منها قول الرسول ﷺ: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع».
- تعليم الطفل مراقبة الله في السر والعلن، وفتح بصره على آثار قدرة الله في الكون وفي الإنسان، وبيان الصفات التي تصور الله في حالة قريبة من الإنسان بحيث يراه ويرعاه في كل أحواله، فلا يحق أن يغفل عن الله طرفة عين، وهذا ما علمه سيدنا لقمان لأبنه حين قال له: {يَا بُنَيَّ إنَّهَا إن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (لقمان: 16)، فبين له علم الله وقدرته وإطلاعه على دقائق الأشياء بصورة مجسمة يستطيع عقل طفله إدراكها.
- تخليق الطفل على مراقبة الله وتعليمه أن الله يرقبه ويراه ويعلم سره ونجواه كان ديدن السلف الصالح في تربيتهم لمن يعلمونهم، فقد حُكي أنه كان لبعض المشايخ تلميذ أثير لديه، فشق ذلك على أقرانه، فأراد الشيخ أن يعلمهم سبب ذلك، فدعا بعدة طيور، وناول كل واحد منهم طائرًا وسكينًا وقال: ليذبح كل واحد منكم طائره في موضع لا يراه فيه أحد، فرجع كل واحد بطائره مذبوحًا إلا الأثير لديه رجع وطائره حي في يده، فقال له شيخه: مالك لم تذبح كما ذبح أصحابك؟ فقال: لم أجد موضعًا لا يراني فيه أحد؛ إذ الله مطلع عليّ في كل مكان، فاستحسن أقرانه منه هذه المراقبة، وقالوا حُق لك أن تكرم. هكذا كان منهج السلف في تربية الأولاد.
- تعليم الطفل الالتجاء إلى الله في الملمات والصبر عند البلايا، والإيمان بالقدر خيره وشره، قال تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} (التوبة: 51)، وقال كذلك: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ ولا فِي أَنفُسِكُمْ إلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ولا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ واللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (الحديد: 22).
الربط بين العقيدة والسلوك:
حتى لا يكون الاهتمام بترسيخ العقيدة فلسفة من الفلسفات أو نظرية من النظريات ربط الإسلام بين ما نؤمن به ونعتقد وبين ما نعمل، بل إن من المسلم به في الإسلام أن الإيمان يقوى بالسلوك والتطبيق العملي، فإن ما نفعل ثمرة من ثمرات العقيدة الصحيحة، وهذا ما أكده القرآن والسنة النبوية في غير موضع، قال تعالى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحْسَانِ وإيتَاءِ ذِي القُرْبَى ويَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والْمُنكَرِ والْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90)، وقوله ﷺ: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا».
على هذا النحو من الشمول في التربية، والترابط بين العبادات وتطهير النفس من الرذائل وتحليتها بالفضائل، تقوم التربية الإسلامية للأطفال، فليس في منهج التربية الإسلامية فصل بين العقيدة والسلوك، بل إن الدين منهج حياة عقيدة وسلوكًا، عبادة ومعاملة، وهذا أساس من أسس الدين، فالدين المعاملة، ومن أسس العقيدة كذلك أن الأخلاق والقيم مصدرها الدين، فهي ثابتة لا تتغير من زمان إلى زمان، ولا تختلف من بيئة إلى أخرى؛ لأن مصدرها ثابت ومعصوم، وهذا هو الفارق بين مفهوم التربية الأخلاقية والسلوكية في الإسلام والمناهج التربوية الحديثة التي تجعل الأخلاق مصدرها الضمير، وأنها نسبية ودائمة التغير، وهذا سر اختلاف الفلاسفة الغربيين على أنفسهم، فليس بينهم فيلسوف واحد اتفق مع الآخر، وإلا لما كان في حاجة إلى أن ينشئ فلسفة جديدة لو اتفق مع زميله.
وهذا يفسر الإباحية والشذوذ والتعدي على حقوق الشعوب في المجتمعات الغربية؛ لأن مفهوم الأخلاق عندهم متغير ومتطور لأن مصدره العقل والضمير، وهو أمر يدلل على فساد التصور الذي بنيت عليه التربية الحديثة في الغرب حتى مسخ الإنسان وانطمرت قيمه الخلقية، وهذه النتيجة التي انتهت إليها التربيات الحديثة دعت بعض علماء التربية إلى الاستناد إلى الدين في أمور الفضائل والأخلاق.
إذن القيم السلوكية والفضائل الأخلاقية لابد أن يكون مصدرها الدين المعصوم الذي لا يتغير ولا يتبدل حتى تؤتي ثمارها، وتؤسس جيلا متزن الشخصية، متكاملا من الناحية الروحية والسلوكية.
مراعاة حاجات الطفل واهتماماته والرفق في تعليمه:
لا شك أن تلبية احتياجات الطفل ومراعاة اهتماماته هي الوسيلة المثلى لتحقيق التربية القويمة له، فشعور الطفل باحترامنا لاهتماماته وتلبيتنا لاحتياجاته يجعله يستجيب لتربيتنا له، ويحقق له التوازن النفسي، ويمكننا من تربية جيل قادر على تحقيق التنمية البشرية والقومية بوعي وإيجابية.
وأولى هذه الاحتياجات وأهمها اللعب، واللعب ليس وسيلة ترفيه وحسب، وإنما وسيلة تعليمية وتثقيفية وتربوية، وتوظيف لعب الأطفال في تنمية مهاراتهم وقدراتهم العقلية والابتكارية، خاصة لطفل ما قبل سن المدرسة، بشرط ألا نغفل الوظيفة الأساسية للعب، وهي الترفيه والترويح عن النفس.
ولقد راعى الإسلام حاجة الطفل إلى اللعب والمرح، ووظفها التوظيف الأمثل، ولقد كان رسول الله ﷺ المثل والقدوة في هذا الميدان، فكان ﷺ يلاعب الأطفال ويمازحهم، ويعقد لهم المسابقات، فروي أنه ﷺ كان يصف عبد الله وعبيد الله وكثير من بني العباس- رضي الله عنهم- ثم يقول: «من سبق إليّ فله كذا وكذا»، فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره، فيقبلهم ويلزمهم.
ويراعى في لعب الأطفال ألا يؤدي إلى الإرهاق الزائد، أو يكون على حساب واجبات أخرى؛ لأنه بذلك يكون مضيعة للوقت وقتلًا للفائدة.
وقد توصل علماء نفس الطفل إلى أن لعب الأطفال يحقق لهم السعادة والاستمتاع، ويجعلهم يعيشون جوًا من الأحلام تمزج فيه الحقيقة بالخيال، وينمي فيهم الذكاء الحسي والرمزي والعملي والتأملي، كما أنه وسيلة لتنفيس الطاقة الزائدة عند الطفل.
ويمكن للأدباء أن يستفيدوا من هذه الدراسات ويقدموا نصوصًا أدبية للأطفال يلهون بها ويمرحون، وتتضمن قيمًا تربوية سامية، كالألغاز والأحاجي والتمثليات الشعرية والنثرية، ليمثلها الأطفال مع بعضهم فيلهون ويمرحون ويتثقفون.
ولا تقف احتياجات الأطفال عند اللعب فقط، بل هناك أمور أخرى يجب مراعاتها عند تربيتنا لأولادنا، كاختيار الوقت المناسب للتوجيه والإرشاد، كوقت النزهة أو الصحبة في الطريق كما مرَّ في تعليم النبي ﷺ لسيدنا عبد الله بن عباس حين كان خلف رسول الله يصحبه وهو غلام، فإن اختيار الوقت المناسب للتوجيه والإرشاد له أثر إيجابي في تعليم الطفل.
كذلك استخدام أسلوب الإعادة والتكرار، فقد أثبتت التجارب الحديثة أن التكرار أسلوب ناجح ومُجد في المساعدة على التعلم وتقويته، وهذا الأسلوب في التربية كان ديدن رسول الله ﷺ فعن أنس- رضي الله عنه-: «أن النبي ﷺ كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم عنه».
كذلك معاملة الأطفال برفق ورحمة لحديث: «إن الله يحب الرفق في الأمر كله»، فنمدحهم إذا أصابوا أو أحسنوا، كما نوجه إليهم اللوم والعتاب برفق إذا أساءوا أو قاموا بسلوكيات غير محبذة.
أيضا يراعى التدرج في تأديب الطفل، وهو أمر أكده رسول الله واتبعه في تربية الصغار والكبار، فعنه ﷺ أنه قال: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع».
إذن الأصل أن يعلم الطفل الأمر الشرعي، ويطالب به مرة تلو مرة، ويصحح خطؤه الفكري أو العملي، فإن أبى وأصر على ترك المأمور به، أو فعل المنهي عنه، كان التأديب لازمًا بحقه، وبما يتناسب مع حاله ويقاس على ذلك سائر الأمور.
على أن يؤخذ في الاعتبار أن عقوبة الطفل وسيلة وليست غاية، والهدف منها الإصلاح وليس الانتقام، فهي زواجر وجوابر في الوقت ذاته، فتستخدم في أضيق الحدود، وليس أمام الآخرين، وبعد توجيهه وزجره مرات، وبذلك تؤتي العقوبة ثمارها، وتصبح وسيلة مجدية في التربية.
وهذا الأسلوب في تربية الأولاد ومراعاة احتياجاتها والرفق في تأديبهم أكده علماء التربية المسلمون، يقول الإمام الغزالي: «ثم مهما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه ويجازى عليه بما يفرح به ويمدح بين أظهر الناس، فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك ستره ولا يكاشفه، فإن عاد ثانيًا فينبغي أن يعاتب سرًا، ويعظم الأمر فيه».
أما وقد فرغ الكلام عن المضمون أو المحتوى، يأتي الكلام عن الشكل أو الصياغة التي عليها المعول الأكبر في نجاح النص الأدبي، فلا يكفي أن يكون المضمون وحده جيدًا، بل ينبغي أن يكون الشكل كذلك جيدًا، حتى يستحق النص أن يوصف بأنه عمل فني.
أدب الأطفال: مفهومه، أهدافه، أهم فنونه
أولًا: مفهومه:
أدب الأطفال الإسلامي هو: التعبير الأدبي الجميل المؤثر الصادق في إيحاءاته ودلالاته، والذي يستلهم قيم الإسلام ومبادئه وعقيدته، ويجعل منها أساسًا لبناء كيان الطفل عقليًا ونفسيًا ووجدانيًا وسلوكيًا وبدنيًا، ويساهم في تنمية مداركه وإطلاق مواهبه الفطرية وقدراته المختلفة، وفق الأصول التربوية الإسلامية، وبذلك ينمو ويتدرج الطفل بصورة صحيحة تؤهله لأداء الرسالة المنوطة به في الأرض فيسعد في حياته ويسعد به ومعه مجتمعه، على أن يراعى ذلك الأدب وضوح الرؤية، وقوة الإقناع والمنطق.
ثانيًا: أهدافه:
مهما يكن نوع النص الأدبي المقدم للطفل فلا بد أن يحقق جملة من الأهداف يضعها الكاتب نصب عينيه حين يقوم بإعداد النص، وبمقدار ما يتضمن النص الأدبي من الأهداف، وبمقدار ما يتمثل الطفل تلك الأهداف، يكون نموه باتجاهات النمو المختلفة: العقلي والتربوي والمسلكي والمعرفي واللغوي، فلا خير في نص لا يسهم في تنمية الطفل في هذه الجوانب أو بعضها على الأقل.
ولا يشترط أن يتضمن النص الواحد جميع الأهداف، وربما توصل كاتب النص إلى تحقيق أهدافه بجملة من النصوص تتكامل وتتضافر في تحقيق جملة من الأهداف المرسومة، ويمكن إجمال الأهداف فيما يلي:
1- الهدف العقدي، ويهدف إلى ترسيخ العقيدة الصحيحة في نفس الطفل، وتعميق هذا الهدف في نفس الطفل يتم بإدخال مضامينه- التي ذكرت آنفا في الأساس الثاني من المبحث الأول- في النص الأدبي؛ لإعداد الطفل شخصية مسلمة مؤمنة ملتزمة متزنة.
2- الهدف التربوي، ومن خلاله يعمل كاتب الأطفال على إكساب الطفل قيمًا وسلوكيات وأخلاقيات تساعد في تكوين شخصية للطفل متوازنة متفاعلة إيجابيًا مع الحياة والناس، وتقوده نحو الأفضل، ولابد أن تكون هذه القيم والأخلاقيات ذات صلة وثيقة بالعقيدة والدين.
3- الهدف المعرفي، ويرمي إلى تنمية قدرات الطفل العقلية، بحيث تكسبه أنماطًا من التفكير العقلي السديد الذي يمكنه من مواجهة المواقف المختلفة بآراء سديدة وفكر حصيف. كما يرمي إلى إمداد الطفل بالمعلومات والخبرات والحقائق الكونية والأعراف والعادات الاجتماعية والتجارب البشرية التي تمكن الطفل من فهم الحياة وعيشها. كما يرمي إلى إثراء الطفل لُغويًا حتى يفهم ما يقرؤه ويسمعه، ويستطيع التعبير عن نفسه ونقل أفكاره إلى الآخرين، وعلى أديب الأطفال أن يضع في اعتباره وهو يثري قاموس الأطفال اللغوي أن ينمي فيهم الإحساس بجمال الكلمة وقوة تأثيرها.
4- الهدف الجمالي، الجمال في الإسلام ينبثق من مفهوم الإحسان في كل عمل، ومن مفهوم «إن الله جميل يحب الجمال»، والجمال الذي يحبه الله يقع على المظهر والجوهر، فلا يطغى أحدهما على الآخر، فكما دعا الإسلام إلى النظافة والطهور، دعا إلى الإتقان والإحسان وحسن الخلق، فالجمال في الإسلام متكامل ومتوافق مع الفطرة الإنسانية، ومنسجم مع نواميس الكون.
ثالثًا: أهم فنونه:
إن غناء الأطفال وإنشادهم وهم يمرحون ويقفزون في لعبهم، وكذلك تمثيلهم في لعبهم الجماعي ومحاكاتهم للكبار، ما هي إلا البذور الأولى لأرقى الأنواع الأدبية المعروفة وهي: الشعر، والمسرحية، والقصة، فهناك عناصر مشتركة بين ما يقوم به الأطفال وبين تلك الأنواع الأدبية التي ذكرت.
1- الشعر:
استعداد الطفل لتلقي الشعر وتقبله مبكر، وربما سبق استعداده لتلقي أي لون آخر من ألوان الفن والأدب؛ لأن الطفل بطبيعته يعشق الألحان والأنغام، وتلذ له الإيقاعات الموسيقية، لذلك ينبغي استغلال هذه الظاهرة في تحقيق الأهداف العقدية والتربوية والمعرفية والجمالية المناسبة لكل مرحلة من مراحل الطفل العمرية، فكلما كان الشعر المقدم للأطفال ملائمًا لمراحل نموهم المختلفة كان إقبالهم عليه أكثر، واستمتاعهم به أشد.
ولكي يكون الشعر المقدم للأطفال ملائما لهم، فإن التربويون ينصحون بما يأتي:
- تحقيق الانسجام بين الألفاظ والمعاني، بحيث تكون الألفاظ شديدة الإيحاء، قوية الدلالة على المراد.
- توفير عنصر الخيال؛ لتنمية مدارك الطفل، وتوسيع دائرة معارفه.
- تضمين الشعر أفكارًا وقيمًا مناسبة للأطفال، تضيف لبنة في بنائهم المعرفي.
- تجنب المبالغة في استثارة العواطف عن طريق المبالغة في تصوير مواقف الحزن والقلق والمرض وغيرها.
- توفير عناصر الجذب، بإشاعة الصور الشعرية، وتوفير عنصر الحركة، والتنوع في أساليب التعبير من أمر ونهي واستفهام ونداء.
- مراعاة خصائص نمو الطفل عقليًا واجتماعيًا ووجدانيًا.
- الاتكاء على الأوزان القصيرة، فهي أنسب لقدرات الطفل، وميله إلى الإيقاع السريع.
- التقليل من عدد الأبيات ما أمكن، مع ملاحظة المرحلة العمرية، فأطفال المراحل الأولى تكون الأبيات التي تخصهم أقل عددًا، وتزداد بالتدرج مع ازدياد عمر الطفل ومستواه الإدراكي، فيقدم الشعر في مرحلة الروضة على صورة أغنية خفيفة، وبعدها تطور إلى أنشودة بسيطة، ويأخذ شكل الأنشودة بالتطور في المعاني والألفاظ والحجم ليتناسب مع نمو الطفل واستعداداته وخبراته، ثم تقدم إليه القصيدة ويراعى فيها مستوى الطفل النمائي والتعليمي.
وأنواع الشعر المقدم للأطفال هي: المنظومة، والأوبريت أو المسرحية الشعرية، والقصة الشعرية.
أما المنظومة: فهي القصائد التي لا توظف القصة في بنيتها، ويكشف الشاعر فيها عن مشاعر ذاتية إنسانية تجاه ما يتحدث عنه، وهي ذات أوزان خفيفة كمجزءات البحور.
أما الأوبريت، والقصة الشعرية فيرجأ الحديث عنهما في موضعهما إن شاء الله.
وتعتمد المنظومة- نشيدًا كانت أو أغنية- في جذب اهتمام الطفل على خفة الوزن، ورشاقة العبارة، وجاذبية الصورة، وتحليق الخيال، فإذا ما تعاضدت الفكرة القريبة، والصورة المحببة، والخيال المحلق، والإيقاع المنغم، لاقت عند الطفل استعدادًا للقبول، واستجابة للقيم المضمنة في النص.
2- المسرحية والأوبريت:
تعني المسرحية: تمثيل حدث ما أمام جمهور المشاهدين، والتمثيل يعني لعبة محاكاة، وهي من الألعاب المفضلة عند الأطفال، فهناك ارتباط وثيق بين اللعب والتمثيل.
أما الأوبريت: فهو نوع من المسرحيات الشعرية الغنائية يمتزج فيه الهدف والقيمة بالنشيد والأغنية والرقصة أحيانًا، ويقتصر على الحوار الشعري أحيانًا أخرى، وقد كان في الأصل هو المسرحية الشعرية شيئًا واحدًا، ولكن التطور النهائي قد انتهى إلى الفصل بين المسرحيات الغنائية، والمسرحيات التمثيلية فصلًا نهائيًا، وخصت المسرحية الغنائية بالأوبرا والأوبريت.
وتبدو قيمة المسرحية والأوبريت في أنهما ينقلان عالم الخيال إلى الطفل مجسمًا حاضرًا أمام عينيه على خشبة المسرح يمور بالحوار والحركة والحياة، إلى جانب ما تضفيه المناظر الخلفية والديكورات والغناء أحيانًا من السحر والجاذبية، التي تصل بالطفل إلى قمة المتعة والتأثر والانفعال، وهذا يجعلنا نؤمن بأهمية المسرحية في تشكيل عقل ووجدان الطفل، ويفرض على الكاتب فهم عالم الأطفال وحاجاتهم، ومقومات وعناصر العمل المسرحي المقدم إليهم؛ ليكتب لعمله المسرحي النجاح والتأثير في وجدان وعقل الطفل.
وتتمثل مقومات العمل المسرحي المقدم للأطفال فيما يلي:
- الفكرة: وينبغي أن تكون شائقة ومناسبة للإعداد المسرحي وجمهور الأطفال، ومتفقة مع التصور الإسلامي، وأهداف أدب الأطفال.
- الشخصيات: عند رسم الشخصيات يلزم الحرص على إيضاح ملامحها وطباعها أو صفاتها الجسمية والنفسية والاجتماعية في إطار فني جذاب؛ لأن الطفل إذا أدرك أبعاد الشخصية وفهمها تعاطف معها، وهذا التعاطف والتوحد بين الطفل المتلقي وشخصيات العمل المسرحي- أو أي عمل روائي عامة- يوجب على الكاتب أن يبين ملامح وطباع الشخصيات الخيرة بعناية فائقة بحيث تستهوي الطفل وتعجبه، ويبين ملامح وطباع الشخصيات الشريرة بحيث ينفر منها الطفل ويبغضها.
- الصراع: ويكون داخليًا في نفس البطل بين المنفعة والواجب، والشهوة والضمير، ويكون خارجيًا بين شخصية وأخرى، وهذا الصراع هو الذي يولد الحركة في المسرحية.
- البناء الدرامي أو الحبكة: وهي مجموعة من الأحداث الجزئية مرتبطة ومنظمة على وجه خاص، بحيث يؤدي كل حدث إلى الذي بعده بطريقة مقنعة لا تكلف فيها، حتى يصل إلى الذروة الدرامية التي تمثل نهاية طبعية لتطور الأحداث وتناميها.
- لغة المسرحية والحوار: ينبغي أن تكون لغة المسرحية سهلة تتماشى مع القاموس اللغوي للطفل، بشرط ألا تكون ساذجة وسطحية، وتقوم بدورها في إبراز الفكرة، ورسم الشخصيات، وتصوير الأحداث، وأن يكون الحوار منسجمًا مع شخوص المسرحية من حيث اللغة ومستوى التفكير والمستوى الاجتماعي، ويفضل أن يكون الحوار قصيرًا مشفوعًا بحركات يقوم بها الممثلون.
- وضوح الزمان والمكان وسهولة إدراك الطفل لهما.
- التقليل ما أمكن من فصول المسرحية.
- تلاءم المسرحية مع المرحلة العمرية المستهدفة، وأن تكون مراعية حاجات ورغبات وقدرات الطفل في تلك المرحلة.
وعادة فالذي يحدد ملائمة المسرحية للمرحلة العمرية للطفل هي: طبيعة الحدث، وحجم المسرحية، وعدد الشخصيات، ولغة المسرحية. فالمسرحية التي تتكون من حدث أو فصل أو موقف واحد له بداية ووسط ونهاية، وتكون شخصياتها قليلة، ولغتها سهلة وكلماتها مألوفة لقاموس الطفل أنسب لمرحلة الطفولة المتوسطة.
والمسرحية ذات المواقف المترابطة ترابطًا سببيًا منطقيًا، وحجمها أطول وشخصياتها متعددة، ولغتها تحتاج إلى مقدرة أكبر وتمكن في القراءة والكتابة تناسب مرحلة الطفولة المتأخرة؛ لقدرتهم على الاستيعاب والربط بين الأحداث والانتقال من موقف لآخر.
ويمكن تقسيم مراحل الطفولة إلى ما يلي:
- مرحلة الطفولة المبكرة أي ما قبل سن الكتابة والقراءة من 3: 6 سنوات.
- مرحلة الطفولة المتوسطة أي مرحلة الكتابة والقراءة المبكرة من 6: 9 سنوات.
- مرحلة الطفولة المتأخرة أي مرحلة التمكن من القراءة والكتابة من 9: 12 سنة.
- مرحلة المراهقة أو الكتابة الناضجة وتمتد حتى سن البلوغ وهي ما بين 12: 18 سنة.
وينبغي الإشارة إلى أن هذه المقومات والعناصر الأساسية للعمل المسرحي تؤتي ثمارها التربوية والتعليمية إذا كان الكاتب المبدع صاحب الموهبة الخلاقة يتمتع بروح المخرج، وفهم عالم الأطفال، وما يستثيرهم ويسترعي انتباههم.
.