أولت الكثير من الدول أهمية كبرى للبحوث التربوية، حيث إن كثيرا من المشكلات التربوية التي تواجه العديد من المجتمعات لا تحل إلا عن طريق معرفة أسباب حدوث تلك المشكلات، ثم معالجة هذه الأسباب، وبالتالي التغلب على هذه المشكلات التربوية، أو تخفيف حدتها وهذا هو الدور الأساسي للبحوث التربوية.
ويعد البحث التربوي من أهم الأساليب التي يعول عليها تحديث التعليم وتطويره، خاصة فيما يتعلق بمقومات العملية التربوية من جميع جوانبها وأطرافها، ومراجعة غايات التعليم وأهدافه في المراحل المختلفة لضمان استجابته للمتغيرات العصرية.
وفى دراسة للدكتور علي محيي الدين عبد الرحمن راشد، بعنوان: (التوجهات العالمية المعاصرة في مجال البحوث التربوية) -2014-، يرى أن البحوث التربوية ترتبط بنظم التعليم في المجتمع، في محاولة لتقديم كل ما هو جديد في هذا المجال للنهوض به وتطويره، والانتفاع بما تستخلصه نتائج تلك البحوث التربوية في تقدم العملية التعليمية في هذا المجتمع.
ويهتم البحث التربوي بتحليل الوضعية التربوية الحالية ومستوياتها من الجودة في المنظومة التربوية لتشخيص هذه الوضعية وتلك المستويات، للوقف على نقاط القوة والضعف في تلك المنظومة في محاولة لتلافي نقاط الضعف وبالتالي تحسين وتطوير أوضاع التعليم في المجتمع.
تعريف البحث التربوي
ويُعرَّف البحث التربوي بأنه: (طريقة منظمة ودقيقة وناقدة وموضوعية لاستخدام الأساليب والوسائل العلمية في تفسير الظواهر التربوية داخل المؤسسات التربوية وخارجها، ومحاولة حل المشكلات التي تواجه المعلمين والمتعلمين وغيرهم من المشاركين في العملية التربوية. أي أن البحث التربوي يعني تطبيق الطريقة العلمية لدراسة الظواهر في المجال التربوي والعمل على تفسيرها والتنبؤ بها، والقدرة على التحكم فيها).
ويعتمد البحث التربوي على مجموعة من الخطوات الأساسية التي يجب أن يتبعها الباحث عند دراسته لظاهرة ما، أو مشكلة تربوية معينة، وتتمثل هذه الخطوات في: الإحساس بالمشكلة والتعرف عليها، وتحديدها في سؤال أو أكثر، ثم جمع المعلومات والبيانات عن هذه المشكلة، وفرض الفروض لحلها (وهي إجابات محتملة لأسئلة المشكلة) ثم اختبار صحة تلك الفروض، والتوصل إلى الحل الصحيح، وأخيرًا تعميم هذا الحل على المشكلات المشابهة.
وعليه فإن للبحث التربوي أربعة أهداف رئيسة هي كما يلي:
- تفسير الظواهر المتعلقة بالتربية (مثل ظاهرة التسرب من التعليم).
- والعمل على إيجاد حل للمشكلات التربوية.
- والتنبؤ بحدوث هذه الظواهر إذا توافرت أسبابها.
- القدرة على التحكم في تلك الظواهر وحل المشكلات التربوية.
أنواع البحوث التربوية
يقسَّم البحث التربوي إلى أنواع متعددة وفقا لمعاييرَ مختلفة، فمن حيث معيار الهدف، تنقسم البحوث التربوية إلى:
أ. بحوث نظرية:
تهتم بالكشف عن المعرفة التربوية، وبناء القوانين والنظريات التربوية؛ ومثال لذلك تلك البحوث التي تهتم ببناء نظرية في التفاعل الاجتماعي داخل حجرة الفصل الدراسي لتساعد في تفسير ظاهرة العلاقات بين الطلاب والمعلمين.
ب. بحوث تطبيقية:
تهتم بتطبيق هذه القوانين والنظريات في حل المشكلات التي تواجه المعلمين أو الطلاب وغيرهم داخل المدرسة وخارجها.
ج. وبحوث تجريبية:
وهي التي تهتم بالدراسات العملية ومدى تأثير الأسباب على النتائج؛ أي مدى تأثير المتغيرات المستقلة في البحث التربوي على المتغيرات التابعة، ويتميز المنهج التجريبي عن غيره من المناهج أو البحوث بأنه أكثر علمية وموضوعية.
ومن حيث معيار الطريقة، فإن البحث التربوي ينقسم إلى:
أ. بحوث تاريخية: تهتم بالبحث في تطور الفكر والممارسات التربوية في الماضي حتى يمكن الإفادة منها في تفسير الحاضر والتنبؤ بالمستقبل في مجال التربية.
ب. وبحوث وصفية: وهي التي تهتم بالبحث في الظواهر والمشكلات التربوية الواقعية التي تحدث في المؤسسات التربوية المختلفة، وتحديد أسبابها وتقديم طرق وأساليب علاج تلك المشكلات.
واقع البحوث التربوية في البيئة العربية
تشير دراسات كل من (محمد سيف الدين فهمي)، (حسن مختار ومحمد طه)، (محمد منير مرسي)، إلى أن واقع البحوث التربوية في البيئة العربية يتحدد في النقاط التالية:
- ضعف الأداء البحثي للجامعات العربية بصفة عامة، فما يزال البحث التربوي يمثل نشاطا ثانويا في اهتمام الجامعات، وإتاحة ميزانيات مالية متواضعة لإجراء البحوث التربوية، مما أدى إلى ضعف استثمار الكفاءات العلمية المتخصصة بالجامعات لعلاج المشكلات التي تواجهها.
- عدم وجود استراتيجية واضحة ومرسومة لتوجيه البحث التربوي بالجامعات إلى خدمة التنمية وحل المشكلات التي تواجهها.
- الانفصال شبه التام بين ما تريده الدولة، ومؤسساتها والقطاع الخاص وبين ما تقوم به الجامعات من بحوث تربوية.
- انشغال أساتذة الجامعة بالعملية التعليمية وبأعمال الامتحانات التحريرية والشفوية والاجتماعات على مستوى القسم ومستوى الكلية، إلى غير، بحيث أصبح البحث التربوي لا يأخذ إلا نصيبا متواضعا من وقت أساتذة الجامعة، وهذا دفع بالبعض لاختيار موضوعات بحثية ضعيفة الصلة باحتياجات المجتمع ومشكلاته.
- نقص الإمكانات اللازمة لإجراء البحوث المتقدمة من ميزانيات مالية، ومكتبات، ومعامل وأجهزة إلى غير ذلك.
- ارتفاع تكاليف إجراء بعض البحوث التربوية، وعدم توفر البحوث للمجتمعات المحلية.
- عزوف مؤسسات المجتمع عن المشاركة في تمويل المشروعات البحثية للمجتمعات المحلية.
- صعوبة النشر في بعض المجلات التربوية وارتفاع تكاليف هذا النشر، وخاصة تكاليف النشر في المؤتمرات التربوية.
أهم الخبرات العالمية الحديثة للجامعات في مجال البحوث التربوية
تعد البحوث التطبيقية والتطويرية من الخدمات الخارجية التي تقدمها الجامعة للمجتمع، حيث توجه هذه البحوث مباشرة لحل مشكلات المجتمع في مجال الإنتاج والخدمات، وقد تكون هذه البحوث قصيرة المدى تحدد موضوعاتها الاحتياجات الفعلية الخاصة بالجهة التي يخدمها البحث، وقد تكون بحوث طويلة المدى تتعلق في الغالب بمشكلات رئيسة ترتبط بعملية التنمية، وقد لا يظهر عائدها إلا في المدى البعيد، وهذه البحوث تختلف في البحوث الأساسية التي تقوم به الجامعة بهدف تنمية المعرفة وخدمة العلم.
ويمكن للجامعات إجراء العديد من البحوث للمؤسسات الإنتاجية في المجتمع بحيث تأخذ شكل اتفاقية بين الجامعات ومؤسسات الإنتاج، أو تكون أبحاثًا تعاونية يشترك فيها فريق من الباحثين في الجامعة والمؤسسات الإنتاجية.
ففي الجامعات الأمريكية تقوم الجامعات بإجراء العديد من البحوث والمشروعات لخدمة المجتمع منها على سبيل المثال:
- مشروعات تسهم في تشكيل المستقبل وتقديم حلول للمشكلات الصناعية والهندسية.
- بحوث بناء على طلب قطاعات المجتمع التربوية، الاجتماعية والصناعية، وأيضا في مجال الإلكترونيات.
وفي جامعة ولاية ميتشجان برنامج للتطور التطبيقي والعلمي يهتم بالأبحاث المشتركة بين أساتذة الجامعة والباحثين في مؤسسات المجتمع، كما عين عدد من أساتذة الجامعة والباحثين في بعض المنظمات والشركات وذلك وفقًا لعقود أُبرمت معهم.
وتقوم الجامعات الأمريكية أيضا بتنظيم فرق عمل من أعضاء هيئة التدريس والطلاب لإجراء بعض المشروعات البحثية التي تسهم في خدمة المجتمع والارتقاء به وخلق فرص عمل جديدة.
وفي الجامعات البريطانية تعمل الجامعات على خدمة قطاع الصناعة من خلال المكاتب المشتركة بين أساتذة الجامعات ورجال الصناعة، والسماح لأعضاء هيئة التدريس بالعمل لدى المؤسسات الصناعية، كما عملت بعض الجامعات على تأسيس شركات تجارية. وتحرص الحكومة البريطانية من ناحيتها على تشجيع الملكية الصناعية والفكرية لتطوير الأعمال الإبداعية، وتشجيع أعضاء هيئة التدريس للقيام بالأبحاث المرتبطة بخدمة المجتمع، لذا عملت على تعديل القوانين التي تحد من تمتعهم من أي مكسب مادي يستحقونه مقابل إبداعاتهم.
وفي الجامعات الروسية عملت تلك الجامعات على تكوين معاهد للبحث تقوم بإجراء البحوث التطبيقية التي تركز على التطوير التربوي والاقتصادي والصناعي للمنطقة، كما تشارك في مشروعات المناطق، وتعمل على تحويل نتائج البحوث التي تجريها إلى تقنيات عالية، كما سعت الجامعات إلى إيجاد روابط بين البحث في الجامعات والقطاعات المختلفة، وأصبح التركيز في إجراء البحوث على قدرة البحث في تطوير المشروعات وتلبية الاحتياجات.
وفي البلدان الصناعية الجديدة قامت مؤسسات التعليم العالي بدور بارز في التنمية التربوية والتنمية الصناعية التي أحرزتها هذه البلدان، حيث أشارت مجموعة من البحوث قدمت إلى اتحاد دول جنوب شرق آسيا (آسيان ASEAN) إلى أن هناك توسعًا في الخدمات التي تقدمها الجامعة في كل من ماليزيا وتايلاند وسنغافورة، وأن لهذه الخدمات دورًا بارزًا في تطوير هذه الدول.
ففي ماليزيا تقوم الجامعات بإجراء البحوث التي تسهم في تنمية المجتمع وتقدمه في المجالات المختلفة، حيث يشهد نمو الجامعات المتخصصة في العلوم والتكنولوجيا وإنشاء معهد الدراسات العليا على تعاظم الدور الذي باتت تقوم به الجامعات في البحث الموجه نحو التنمية.
وفي سنغافورة تقوم جامعة سنغافورة الوطنية بالعديد من الأبحاث المرتبطة بالمجالات التي تدخل في أولويات الحكومة، كما يتولى معهد علم النظم التابع لها إجراء بحوث في مجال المعلوماتية، كما تتعاون الجامعة مع مؤسسات الإنتاج المحلية في إجراء البحوث المشتركة.
مما سبق يمكن تحديد أهم النقاط التي تشير إليها بعض جامعات الدول المتقدمة في مجال البحوث التربوية والعلمية فيما يلي:
1- هناك اهتماما ملحوظا للبحوث التربوية والعلمية في جامعات الدول المتقدمة، لثقة هذه الجامعات بأن البحث التربوي والبحوث العلمية بصفة عامة ذات مردود إيجابي على الجامعات نفسها من حيث زيادة مواردها بالإضافة إلى انعكاساته على المجتمع بزيادة تقدمه وتطوره.
2- حرص هذه الجامعات على ربط البحث العلمي التربوي باحتياطات المؤسسات التربوية والخدمية عن طريق:
- تشجيع أساتذة الجامعة على إجراء البحوث العلمية التي تسهم في حل مشكلات المجتمع وتطويره.
- دخول الجامعات في شراكة مع قطاعات المجتمع العام والخاص من خلال إنشاء مراكز مشتركة، وإجراء بحوث مشتركة بين أساتذة الجامعة والباحثين.
- إجراء البحوث بناء على طلب قطاعات ومؤسسات المجتمع.
- السماح لأساتذة الجامعة بالعمل لدى مؤسسات وقطاعات المجتمع.
- إعفاء بعض الأساتذة من المحاضرات، أو منحهم إجازات للتفرغ للعمل والبحث، سواء داخل الجامعة أو خارجها.
- تقديم مؤسسات وقطاعات المجتمع مكافآت مالية للأساتذة القائمين على دراسة مشكلاتها وتطوير منتجاتها.
- قيام مؤسسات وقطاعات المجتمع بتبني مجموعة من الباحثين في الجامعات، والإنفاق على أبحاثهم خاصة إذا كانت متصلة بمجال أنشطتها.
- اهتمام المؤسسات الإنتاجية في المجتمع بخبرة أساتذة الجامعة من ذوي القدرة على الإبداع والابتكار، وإبرام العقود معهم للقيام بالأبحاث التي تعالج مشكلاتها.
- نشر البحوث التي تجرى في المجالات العلمية، وتحويل نتائجها إلى تقنيات عالية.
- إنشاء العديد من المراكز البحثية بالجامعات.
- تخصيص ميزانية مالية عالية تغطي نفقات البحث العلمي.
- تشجيع الملكية الفكرية لأساتذة الجامعة.
- منح أساتذة الجامعات مكافآت سخية مقابل الأبحاث التي يقومون بها.
- عقد المنتديات التي تتناول مشكلات المجتمع، وكيفية حلها بحثيا.
التحديات والصعوبات التي تواجه القائمين بالبحوث التربوية
يُواجَه القائمون بالبحوث التربوية- في مختلف البلدان- بالعديد من التحديات الداخلية (مثل تحديات اقتصادية واجتماعية) وأيضا بتحديات خارجية (مثل العولمة، والتكتلات الاقتصادية) وأصبح لزاما عند القيام بالبحوث التربوية تعرف التوجهات العالمية المعاصرة في هذا المجال للاستفادة منها في إتمام تلك البحوث، ولأن العديد من خبراء التربية أكدوا على أهمية الأخذ بتلك التوجهات العالمية المعاصرة في مجال البحوث التربوية، حيث إن التطورات العالمية في ظل النظام العالمي الجديد كانت سببا مباشرا في وجود اتجاهات حديثة في سياسة التعليم تحتاج إلى دراسات وبحوث تربوية من بلدان متعددة لتأكيد الاتجاهات الحديثة في ظل التطورات العالمية، ومن أهم هذه الاتجاهات ما يلي:
- النظر إلى التربية على أنها استثمار، ويجب أن يكون العائد منها أكبر من المنصرف عليها.
- النظر إلى التربية على أنها سبب وعامل أساسي للتقدم الاقتصادي.
- الاتجاه إلى أن التربية هي عملية إعداد الأفراد لنوع جديد من النظم والعلاقات تعتمد السرعة في نواحي الحياة في ظل النظام العالمي.
- الاتجاه إلى أن الهدف الأساسي من التربية ليس فقط لكسب الفرد المال ليعيش الحياة، ولكن هدفها الأساسي هو مساعدة هذا الفرد على صنع الحياة، وإنتاج المعلومات وتوظيفها في حياته، وليس فقط استيعاب تلك المعلومات.
- الاتجاه إلى تحسين العملية التعليمية من خلال المشاركين فيها.
- الاتجاه إلى الارتباط المتزايد بين برامج التعليم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية من ناحية، والتخطيط التربوي من ناحية أخرى.
- الاتجاه إلى أن يشمل التعليم حياة الفرد بأكملها، ويتناول كافة النواحي في المجتمع بما فيها النواحي الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية.
أهم مجالات البحوث التربوية في ضوء التوجهات العالمية المعاصرة
يمكن تحديد أهم هذه المجالات في النقاط الآتية:
أولًا: مجال البحوث التربوية المقارنة:
يعرف البحث التربوي المقارن بأنه ذلك النوع من البحوث الذي يهتم بالتربية في كل أنحاء العالم، أي أنه ينظر للتربية من منظور عالمي، وهو أيضا يعني بالدراسات التحليلية للقوى الثقافية بهدف التوصل إلى فهم جوانب التشابه والاختلاف بين الأنظمة القومية للتعليم ومشكلاتها المختلفة، وعلاوة على ذلك فإنه يتضمن قيمة نفعية إصلاحية لتطوير نظم التعليم.
ولا تقف الدراسات المقارنة عند حد الوصف والتحليل والتفسير وعند المقارنات وإيجاد أوجه التشابه والاختلاف، بل تصل إلى درجة التنبؤ العلمي بالأحداث وبالحلول والنتائج.
وتتميز هذه البحوث التربوية المقارنة بأنها تتيح الفرص لتعرف ثقافات الشعوب وحضارتها وأبعادها المختلفة، ومن ثم فهي تساعد على التقارب بين تلك الشعوب وتفاهمها، كما أنها تهدف إلى إيجاد حلول للمشكلات التربوية المشتركة بين هذه الشعوب، وتوفر فرصا ممتازة لدراسة الكفاءة الداخلية لنظم التعليم.
ويمكن أن تتم هذه البحوث التربوية المقارنة على المستوى المحلي، وعلى المستوى القومي، وأيضا على المستوى الدولي.
ومن الملاحظ أن الدول المتقدمة تستأثر بالجانب الأكبر من الدراسات المقارنة، في حين يبقي نصيب الدول النامية- ومن بينها الدول العربية- من هذه الدراسات محدودا. فالدول المتقدمة قد استقرت فلسفاتها، وتحددت أهدافها بدقة، ولديها المؤسسات ومراكز البحوث في شتى المجالات، كما أن لديها وفرة اقتصادية تؤهلها للإنفاق بسخاء على البحث المقارن، كما أن لديها الكفاءات البشرية المؤهلة والمدربة للقيام بمثل هذه الدراسات، في حين تواجه الدول النامية العديد من المشكلات مثل: تخلف نظم التعليم بها، وقلة المؤسسات ومراكز البحث التربوي المقارن، وعدم توافر الإمكانات المادية والبشرية، ومن ثم تبقي الدول النامية غير مؤهلة- في المستقبل القريب على الأقل- للمنافسة في مجال الدراسات المقارنة.
ثانيًا: مجال البحوث التربوية الخاصة بإعداد المعلم وتدريبه:
فرضت التحولات العالمية الجديدة في ظل النظام العالمي الجديد اتجاهات تربوية خاصة بإعداد المعلم وتدريبه في جوانب متعددة، فالمعلم هو حجر الزاوية في عملية التعليم والتعلم؛ لأن مهماته تتعلق بمختلف جوانب العملية التعليمية من: تدريس، وإدارة وإرشاد تعليمي وفني، ومعالجة مشكلات المتعلم، بالإضافة إلى التعامل مع المنهج الدراسي، والتواصل مع أولياء الأمور، والمجتمع المحيط بالمدرسة، لذلك فإن التوجهات العالمية المعاصرة تهتم بإعداد المعلم وتدريبه حيث ظهرت اتجاهات حديثة في مجال البحوث التربوية في ظل النظام العالمي الجديد، ومن أهمها ما يلي:
- بحوث تخص إصلاح التعليم وتطويره في ضوء قومية لهذا التعليم ترتكز على فلسفة المجتمع وآماله وطموحاته، ودور المعلم في تحقيق غايات هذا التعليم.
- بحوث تخص تعريف المعلم باستراتيجيات تطوير التعليم وملامحه، وأدوات تطبيق هذه الاستراتيجيات.
- بحوث تخص تعريف المعلم الرؤية المستقبلية للتعليم، وأهمية تطويره وإصلاحه، وأدوار المعلم في هذا التطوير، وذاك الإصلاح.
- بحوث تخص إكساب المعلم للمهارات اللازمة لعملية تربية المتعلمين تربية صحيحة ومتزنة.
- بحوث تخص بالتثقيف العام للمعلم عن طريق تزويده بأنواع الثقافات المختلفة، وأدوار هذا المعلم في توظيف تلك الثقافات لدى تلامذته.
- بحوث تخص بكيفية تعامل المعلم مع تكنولوجيا الوسائط المتعددة، وتوظيفها في تحقيق الأهداف التربوية المنشودة.
- بحوث تخص الاتجاه نحو جعل البحث التربوي من عناصر إعداد المعلم وتدريبه، وهكذا يتكامل البحث العلمي مع كل من نظام قبول وإعداد معلم المستقبل، وجعله أيضا من عناصر تدريب المعلم في أثناء الخدمة.
- بحوث تخص الاتجاه نحو جعل المعلم عاملا أساسيا من عوامل النهضة في المجتمع، وأيضا جعل المدرسة مركزا مهما من مراكز الإصلاح العام في هذا المجتمع.
- بحوث تخص الاتجاهات العالمية في تدريب المعلم ومن أهم هذه الاتجاهات:
*استخدام مراكز المعلمين Teachers Center.
*وهي مراكز توجد في الأحياء تغذي المعلمين بالمعلومات الجديدة والخبرات حول المناهج والكتب والوسائل التعليمية وأساليب التدريس، وأساليب التقويم وتنميتهم في مجال تخصصاتهم الأكاديمية.
*وبوجه خاص، تغذية المعلمين الذين يحتاجون إلى مواد تعليمية في صفوفهم لاستخدامها مع التلاميذ عامة، والتلاميذ الذين لديهم مشكلات تتصل بتأخرهم الدراسي.
*استخدام شبكة المعلومات Online Formation: ويُعرّف التدريب على الشبكة على أنه شكل جديد من التدريب في أثناء الخدمة للمعلمين عن بعد، بحيث يتم اتصال الكمبيوتر الرئيسي بالعديد والعديد من المعلمين الذين يتم تدريبهم على مهارات التدريس. وشبكة المعلومات هذه تحقق الأغراض التالية:
-زيادة عدد المعلمين المتدربين.
-إزالة حواجز الزمان والمكان.
-توفير فرص التدريب بتكلفة زهيدة.
*استغلال مواهب المعلمين المحليين؛ فهناك داخل المدارس مواهب وقدرات معلمين محليين يمكن الاستفادة من هذه المواهب وتلك القدرات في تدريب زملاء لهم، وإكسابهم خبرات ومعارف ومهارات، وفي ذلك توفير في النفقات والوقف، وفيه أيضا تنمية للمعلمين من ناحية مهاراتهم القيادية وخبراتهم العملية.
*التدريب الموجه ذاتيا Self-Training: وذلك أن يقوم المعلم بالتدريب على المهارات المهنية واكتساب المعلومات التخصصية والتربوية معتمدا على نفسه، لا على مدرب متخصص، ويتم ذلك التدريب عندما يصل المعلم إلى درجة من الوعي والنضج تسمح له بالتدريب ذاتيا، ويعني ذلك أن المعلم يستطيع القيام بما يلي:
-أن يأخذ المبادأة بالتدريب.
-أن يوفر الموارد اللازمة له.
-أن يختار الوسائل التي تروق له.
-أن يقوم بالتخطيط والتنفيذ والتقويم لهذا التدريب.
ثالثًا: مجال البحوث التربوية الخاصة بالتعلم واستراتيجياته:
وتشمل هذه البحوث استراتيجيات التعلم النشط Active Learning، وكيفية تغيير حياة المتعلم التقليدية إلى حياة مثيرة من الاكتشافات والاستقصاءات والتجارب التي يقوم بها بنفسه، وكيفية إثراء بيئة تعلمه باستخدام الشبكات الإلكترونية، التي تعني: أن كثيرا من التعلم الذي يكتسبه التلميذ يمكن أن يحدث خارج حجرات الدراسة التقليدية وذلك في أماكن عديدة داخل المدرسة وخارجها.
- استخدام استراتيجيات تعلم حديثة مثل:
- استراتيجية: كتب- تبادل- تعلم.
- استراتيجية: تقديم النموذج.
- استراتيجية تحليل المهمة.
- استراتيجية الترديد الجماعي (الكورال).
- استراتيجية الألعاب التعليمية.
- إثراء بيئة التعلم الصفي باستخدام استراتيجيات تعزيزيه، ومن مثل هذه الاستراتيجيات ما يلي:
- استراتيجية التعاقدات؛ حيث يتم فيها عقد اتفاقية بين المعلم والتلميذ، يتعهد فيه التلميذ بإنجاز مهمة معينة مقابل مكافأة معينة. وهذا العقد مكتوب فيه أربعة عناصر هي:
-السلوك المتوقع إنجازه.
-الشروط التي يتم من خلالها التعلم.
-معيار إنجاز العمل.
-نوعية المكافأة.
- استراتيجية كروت تعزيز التعلم؛ وهي كروت تشبه الأوراق المالية الورقية، حيث يكافئ كل تلميذ شارك بأي نشاط تعليمي داخل الصف بقدر من هذه الكروت حسب مجهوده المبذول في تلك المشاركة، ومدى تعلمه ونموه: معرفيا، ووجدانيا، ومهاريا.
- استراتيجية إحاطة التلميذ باهتمام وانتباه؛ فعندما يجد التلميذ أن معلمه يوليه اهتماما ويحيطه بانتباهه، فإن ذلك يشجع هذا التلميذ، ويقوي دافعيته للتعلم، وذلك دون الحاجة إلى كلمات مدح أو ثناء فيكفي أن يستمع له بانتباه وتركيز.
- استخدام استراتيجيات تقويم حديثة، ومن مثل هذه الاستراتيجيات ما يلي:
-استراتيجية استخدام مَحَافِظ التقدير؛ التي يسجل فيها كل أداءات التلميذ ومشاركته وأنشطته الصفية واللاصفية، ويمكن معرفة كل شيء عن هذا التلميذ من خلال هذه المحفظة: سماته وصفاته، قدراته واستعداداته، حالته الصحية، وظروفه الأسرية، ومدى تحصيله، وسلوكياته وعلاقته مع الآخرين. ويمكن أن تكون هذه المحافظ: محافظ إلكترونية، حيث يتم تجميع كل أعمال ومجهودات التلميذ على قرص مدمج CD.
- تعلم عادات العقل:
- حيث يؤدي تنمية قدرات التفكير ومهاراته واتجاهاته الإيجابية لدى التلميذ إلى تنمية عادات العقل لدية مثل: المثابرة، وعدم التسرع في إصدار الأحكام، والتفكير بمرونة، والتفكير حول التفكير، وغير ذلك.
- تعلم التفكير عن طريق استراتيجيات ديبونو- De Bono- مثل استراتيجية قبعات التفكير الست، وبرنامج (كورت Cort) المشتق من اسم مؤسسته المعنية بنشر وتطوير هذا البرنامج (مؤسسة البحث المعرفي).
- تصميم التعليم وفق المدخل البنائي الذي يؤكد على نشاط المتعلم وتفاعله مع أقرانه لتحقيق التعلم ذي المعنى (حمدان محمد إسماعيل)، ونظرية التعلم المستند إلى المخ.
رابعًا: مجال البحوث التربوية الخاصة بالمناهج:
وتشمل هذه البحوث التربوية ما يلي:
- الاتجاه إلى البحوث التربوية في الكشف عن واقع المجتمع والبيئة المحلية والعوامل المؤثرة فيها، وتحليلها إلى عناصر، والكشف عن الإيجابيات والسلبيات.
- الاتجاه إلى المناهج المتكاملة.
- الاتجاه إلى مفهوم (البنية المعرفية) وتكوينها لدى المتعلم من خلال إطار مرجعي يوفره المنهج الدراسي.
- الاتجاهات التربوية في المناهج في ظل النظام العالمي الجديد فيما يتعلق بالدراسات المستقبلية للمناهج وتنقسم إلى:
- الدراسات التأملية للتوصل إلى تصورات عن مستقبل المناهج في ضوء تصورات للتغيرات العالمية والإقليمية.
- الدراسات التقنية التي تستند إلى (أسلوب دلفاي) حيث يعتمد هذا الأسلوب على إجراء حوار بين عدد من المتخصصين في المجال (دون أن يعرفوا بعضهم البعض) على عدة جولات بحيث يمكن التوصل إلى أكبر قدر ممكن من نقاط الاتفاق بينهم في مجال الدراسة.
خامسًا: مجال البحوث التربوية الخاصة بتكنولوجيا الوسائط المتعددة:
وتشمل هذه البحوث التربوية ما يلي:
- التعليم عن بعد، والذي لا يتم إلا بوجود تكنولوجيا التعليم فهما مرتبطان تماما.
- مفهوم تكنولوجيا التعليم في ضوء نظرية الاتصال.
- تكنولوجيا المؤتمرات عن بعد باستخدام الفيديو.
- تكنولوجيا الواقع الافتراضي، وتكنولوجيا الفيديوتكس.
- البرمجيات في تكنولوجيا الوسائط المتعددة، ونماذج التدريس بواسطتها.
- متطلبات التحول من التعليم التقليدي إلى التعلم عبر الإنترنت.
- معوقات استخدام الإنترنت في التعليم.
- مشكلات استخدام الإنترنت في مؤسسات التعليم.
- المدرسة الإلكترونية.
- أدوار المعلم في التعليم الإلكتروني.
- المكتبة الإلكترونية.
- الكتاب الإلكتروني كبديل للكتاب المدرسي.
توصيات الدراسة:
من خلال ما تناولته ورقة العمل من واقع البحوث التربوية في البيئة العربية، وأهم الخبرات العالمية الحديثة للجامعات في مجال البحوث التربوية، والتحديات والصعوبات التي تواجه القائمين بالبحوث التربوية، وأهم مجالات البحوث التربوية في ضوء التوجهات العالمية الحديثة، نوصي بضرورة القيام بما يلي:
- وضع خطة واضحة للبحث التربوي ترتبط بخطط التنمية الشاملة في البلاد.
- توفير الإمكانات اللازمة لإجراء البحوث التربوية والعمل على نشرها.
- تدعيم المكتبات الجامعية بالمراجع العلمية الحديثة والدوريات العربية والأجنبية بالإضافة إلى شبكات الاتصال الإلكترونية.
- توفير بنوك المقاييس والاختبارات اللازمة لقيام الباحثين بتقييم نتائج بحوثهم التربوية، وتدريبهم على التعامل مع البيانات التي يحصلون عليها إحصائيًا.
- نشر بحوث أعضاء هيئة التدريس في المجلات العلمية المحلية والعالمية، وتسويق نتائجها لمؤسسات وقطاعات المجتمع ذات العلاقة بالبحث التربوي.
- توسيع إيرادات صناديق البحوث التربوية الموجودة في بعض الجامعات وتشجيع المؤسسات التربوية المختلفة على تدعيم هذه الصناديق.
- زيادة ميزانية الدولة المخصصة للجامعات بصفة عامة، والمخصصة للبحوث التربوية لصفة خاصة.
- فرض ضريبة على القطاع الخاص لتمويل البحوث التربوية بالجامعات لدعم صناديق البحوث التربوية.
- إنشاء مراكز بحثية مشتركة بين الجامعة وقطاعات المجتمع التربوية من مدارس ومؤسسات تربوية.
- توجيه أبحاث أساتذة الجامعات وطلاب الدراسات العليا لتناول مشكلات المجتمع ذات الصلة بالجوانب التربوية لإيجاد الحلول المناسبة لها.
- توعية الباحثين وطلاب الدراسات العليا بأهم الأخطاء الشائعة في البحوث التربوية وكيفية تلافيها، والتي من أهمها:
- أخطاء في اختيار مشكلة البحث.
- أخطاء في كتابة خطة البحث: صياغة أسئلة البحث- صياغة فروض البحث- توضيح حدود البحث.
- أخطاء صياغة مصطلحات البحث.
- أخطاء في اختيار وتصميم منهج البحث
- أخطاء في تجميع المعلومات والدراسات السابقة.
- أخطاء في اختيار عينة البحث.
- أخطاء في تصميم وإعداد أدوات جمع البيانات.
- أخطاء في تحليل البيانات واستخلاص النتائج.
- أخطاء في المعالجات الإحصائية للبيانات وتفسيرها.
- أخطاء لغوية، وتوثيق المراجع.
.