إن الله - تبارك وتعالى - لم يخلق الخلق عبثًا، ولم يتركهم سدىً وهملًا، بل خلقهم لغاية عظيمة: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56)، وقد تفضل -سبحانه وتعالى- على عباده، ومنحهم لذة في العبادة لا تضاهيها لذة من لذائذ الدنيا الفانية، وهذه اللذة تتفاوت من شخص لآخر حسب قوة الإيمان وضعفه.
وهذه الراحة والطمأنينة والسعادة تكون بعبادة الله وحده، وتعلُق القلب به، ودوام ذكره، وفى هذه الدراسة يرصد الباحث عبده قايد أحمد الذريبي، كيف يحصل العبد على لذة العبادة؟ وما صور ذلك؟ وما موانعه؟
ثمة أسباب للحصول على لذة العبادة، منها:
أولًا: مجاهدة النفس على العبادة وتعويدها، مع التدرج في ذلك.
ثانيًا: الإكثار من النوافل والتنويع فيها على اختلاف صفاتها وأحوالها.
ثالثًا: التأمل في سير الصالحين.
رابعًا: قراءة القرآن وتدبر معانيه، والوقوف عند عجائبه.
خامسًا: الخلوة بالله -تعالى- والأنس به.
سادسًا: البعد عن الذنوب والمعاصي.
سابعًا: التقلل من المباحات.
صور من لذة العبادة
الأصل أن المؤمن يجد لذة وحلاوة لكل عبادة يتقرب بها إلى الله - تبارك وتعالى - ولكننا هنا سنذكر بعضًا من صور لذة العبادة، فمن ذلك:
أولًا: لذة الإيمان:
فللإيمان لذة لا تعدلها لذة من لذائذ الدنيا الفانية؛ فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ....».
ثانيًا: لذة الصلاة:
فللصلاة لذة عظيمة؛ وجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء في الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حُبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجُعلت قرة عيني في الصلاة».
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يجد لصلاته لذة وراحة؛ حيث كان يقول لبلال: «قم يا بلال فأرحنا بالصلاة»، ولم يقل أرحنا منها كما هو شأن بعضنا.
ووجدها عروة بن الزبير؛ فقد قُطعت رجله وهو في الصلاة، ولم يشعر ؛ فقد أنسته لذة الصلاة وحلاوتُها مرارة الألم.
ثالثا: لذة قيام الليل:
وقال بعض السلف: «إني لأفرح بالليل حين يقبل، لما يلذ به عيشي، وتقرُ به عيني من مناجاة منْ أحب وخلوتي بخدمته والتذلل بين يديه، وأغتم للفجر إذا طلع، لما اشتغل به بالنهار عن ذلك».
رابعًا: لذة قراءة القرآن وتلاوته:
قال عثمان بن عفان: «لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله».
قال ابن القيم: «وكيف يشبع المحب من كلام من هو غاية مطلوبه.. إلى أن قال: «فلمحبي القرآن من الوجد والذوق واللذة والحلاوة والسرور أضعاف ما لمحبي السماع الشيطاني»، وقال ابن رجب: «لا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم».
خامسًا: لذة الإنفاق في سبيل الله:
للإنفاق في سبيل الله لذة عظيمة، وجد هذه اللذة أبو طلحة - رضي الله عنه - ولما وجدها أنفق أعز ماله لديه في سبيل الله؛ كما في البخاري ومسلم.
ووجد هذه اللذة أبو الدحداح - رضي الله عنه - فجعل مزرعته كلها لله ، فأتى امرأته، فقال: يا أم الدحداح ! أخرجي من الحائط، فإني قد بعته بنخلة في الجنة، فقالت: ربح البيع. أو كلمة تشبهها.
سابعًا: لذة طلب العلم:
قال الشاطبي: «في العلم بالأشياء لذة لا توازيها لذة؛ إذ هو نوع من الاستيلاء على المعلوم والحوز له، ومحبة الاستيلاء قد جبلت عليها النفوس، وميلت إليها القلوب. وقد شهد بذلك أرباب العلم، والمشتغلين به».
موانع لذة العبادة
لذلك عدة أسباب، أهمها:
أولًا: المعاصي والذنوب: فرب شخص أطلق بصره فحُرم اعتبار بصيرته، أو لسانه فحُرم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعم فأظلم سره، وحرم قيام الليل وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك .
ثانيًا: كثرة مخالطة الناس: فذلك مما يفقد العبد لذة العبادة، فكثرة المخالطة داء، والتوسط في ذلك هو الحق والعدل.
ثالثًا: تحوُل العبادات إلى عادات: فإذا تحولت العبادة إلى عادة فُقدت لذة العبادة وحلاوتها.
رابعًا: النفاق: فإذا كان في القلب نوع من النفاق، فإن ذلك يكون ماحقًا ومانعًا لحصول لذة العبادة.
.