Business

مكونات النظرية التربوية عند الكيلاني

إعداد: محمد الغنام

لما كان السلوك الشامل يولد مرتين: ولادة نظرية، وولادة عملية، فإن النظرية التربوية تتكوَّن من قسمين: قسم نظري، وقسم عملي، أما تفاصيل القسم النظري فهي كما يلي:

1- أصول النظرية التربوية:​​​​​​​

التربة التي تنبت فيها أصول النظرية - أية نظرية تربوية - تتكون من عناصر ثلاثة، هي: الحاجات الحاضرة، والتحديات المستقبلية، والخبرات الماضية.

وتتعدد الأصول التربوية بتعدُّد مظاهر الحاجات والتحديات والخبرات، فهناك الأصول الإيمانية، ومحورها: بلورة (الغايات) التي يحيا وينشأ الإنسان المتعلم من أجلها.

ومنها: الأصول النفسية، والأصول التاريخية، والأصول الاجتماعية، والأصول العلمية، والأصول الاقتصادية، ويبقى الباب مفتوحًا لإضافة أصول جديدة كلما دلفت حِقَب زمنية جديدة، وأفرزت حاجات جديدة وتحديات جديدة.

2- فلسفة التربية:

فلسفة التربية تعني: تحديد المكونات الرئيسة لشخصية الإنسان الذي تتطلَّع التربية إلى إخراجه، والمجتمع الذي تعمل على تنميته في ضوء علاقات كل منهما بالمنشأ والكون والحياة والإنسان والمصير، ولتجسيد هذه العلاقات في واقع تربوي ملموس تركز فلسفة التربية على أربعة ميادين رئيسة؛ هي: نظرية الوجود، ونظرية المعرفة، ونظرية القِيَم، وطبيعة الإنسان[1]، ويفترض في كل نظام تربوي أن تتكامل برامجه ونظمه ومؤسساته لإخراج متعلم يحمل تصورًا شاملاً مفصلاً عن هذه القضايا الأربع، ثم تكون لديه القدرة على ترجمة هذا التصور في سلوكه وشبكة علاقاته مع الكون والإنسان والحياة.

وتحتل فلسفة التربية - أية فلسفة للتربية - مركز البذرة في شجرة العملية التربوية، ومن هذه الفلسفة تنبثق أهداف التربية العامة وأهدافها الخاصة العملية، ومؤسساتها، ومناهجها، وطرقها ووسائلها في التعليم والتقويم، ومن هذه الفلسفة تنبثق كذلك أنماط السلوك في واقع الإنسان المختلفة، وفي جميع النشاطات والممارسات.

ويتم تمكين هذه الفلسفة التربوية واحتلالها مركز التوجيه من خلال ما يلي:

1- رسم سياسة تعليمية واضحة.

2- بَلْوَرة قواعد أخلاقية للعاملين في ميدان التربية بمختلف مواقعهم ومراكزهم.

3- مجلس تربية وتوجيه يضم ممثِّلين عن عناصر القوة في الأمة، وهم:

أ- رجال المعرفة.

ب- رجال التنفيذ والإدارة.

ج- رجال المال.

د- رجال التربية.

هـ-  ممثلون عن الأسرة.

و- ممثلون عن مؤسسات الإرشاد والتوجيه الإعلامي.

وتتعرض الفلسفات التربوية القائمة في الغرب لحملة كبيرة من النقد؛ من ذلك البحث الذي أصدرته (جمعية الإشراف التربوي وتطوير المناهج) في ولاية فرجينيا عام 1997م، ومما جاء في هذا ما يلي:

"لما كانت الحياة الحقيقية تدور حول المعتقدات والمقاصد والمعاني المؤثرة، فإن جواب السؤال القائل: ما هي مقاصد التربية؟ لم يعد أمرًا مسلَّمًا به، فهل هناك تعليم يتعدَّى تخريج العمال الذين جُلُّ وظيفتهم دعم الاستقرار الاقتصادي ونموه؟ وماذا نعلم أطفالنا إذا لم نرد جعلهم مجرد خدم لدنيا الأعمال؟ وكيف يمكننا أن نربط قِيَم الديمقراطية وأعمال شكسبير وأفلاطون، والشعر والأدب في قائمة تربية تقتصر على إدارة الأعمال؟ وماذا عن الحب والعاطفة والإبداع والفنون؟ ماذا عن مشاعر البهجة والتراحم بين عوالم الإنسان والحيوان والطبيعة؟ ماذا يحدث لنفوسنا كأفراد وأرواحنا كاملة؟

في قرن ما تم تنظيم الحياة حول العلوم المادية والإنتاج الصناعي، وأفرزنا الاعتقاد الذي يقول: إن الذي يستحق التقدير يقتصر على ما نلمسه ونحلله، وننتزعه ونثبته، وندفع ثمنه لله، فإلى أيِّ مدًى يصدق هذا الاعتقاد؟ إن الاعتقاد الذي يتركَّز حول الصناعة جعل كل ما هو غير محسوس ولا مادي قليل القيمة ويستحق الإهمال، فلماذا نقتصر في تعليم الناس على ما يمكن التحكم والتنبؤ به، في الوقت الذي يعيشون حياة مليئة بالغيب والمعنويات والاحتمالات؟

وإذا كان العلم المادي يعلمنا أن الكائن الذي يستحق التقدير هو الآلات وما تفرع عنها مما يحقق مزيدًا من المتع الحسية، فبماذا إذًا نجيب أبناءنا وناشئتنا حين يختارون تناول المخدرات التي تجعلهم يحسون بنشوة أكبر، ويتخيلون أنهم أجمل وأقوي؟"[2].

3- أهداف التربية:

الأهداف هي العنصر الثاني من عناصر النظرية التربوية، وهي تتولد بشكل مباشر من الفلسفة التربوية، وتقدم تفصيلات أدق وأكثر واقعية لما يرِد في هذه الفلسفة من أفكار وتصورات، وفي العادة تقسم الأهداف من حيث مكوناتها إلى: معلومات، ومهارات (عقلية وعملية)، واتجاهات، وعادات، وقِيَم، وشبكة علاقات اجتماعية.

أما من حيث مستوياتها، فتنقسم الأهداف إلى قسمين رئيسين: الأهداف الأغراض أو المقاصد العليا التي تعمل التربية لتحقيقها والأهداف الوسائل؛ أي: التي تشتمل على الوسائل والأدوات الفعالة لتحقيق الأهداف الأغراض، ولذلك يسميها البعض (المعادلات العلمية)؛ أي: الأعمال المعادلة للأفكار[3].

 

 

[1] - للوقوف على تفاصل هذه الموضوعات الأربعة راجع كتاب "فلسفة التربية الإسلامية"؛ للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، ط 2009.

[2] يجب أن لا يقعدنا هذا النقد للعلم وتطبيقاته عن البحث العلمي وتطبيقاته؛ لأنه إذا كان الغرب مصابًا بالإفراط والإسراف في تقديس العلم وإهمال القِيَم الدينية، فنحن مصابين بالتفريط وإهمال العلم، ولذلك فالمطلوب هو "فلسفة تربوية" تعالج الانشقاق القائم بين الدين والعلم وتحقق التكامل بين الاثنين.

[3] - للوقوف على تفاصل النوعين من الأهداف؛ راجع كتاب "أهداف التربية الإسلامية"، للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، ص 25-31.

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم