Business

عبده دسوقي يكتب: الرجولة في القرآن

 

إن الناظر إلى المجتمع، يرى أن هناك قيمًا ضيعت، وأخلاقًا تركت، وأصولًا هدمت وقيضت، ويرى بعض الشباب استبدلوا بالرجولة ميوعة وتأنثًا، وبالمروءة خسة وسفاهة، فقصات شعرهم وملابسهم غريبةٌ، وترى الغَيرة عند بعض الناس فقدت أو ضعفت، فتراه يترك أولاده يتسكعون، ويتركهم في أحضان صحبة السوء، ويضيع بناته وأخواته وزوجته، فلا يسأل متى يأتين ومتى يخرجن؟ ومع من يذهبن وإلى أين؟

فالرجولة صفة يمتن الله بها على من يشاء من عباده، ونحن اليوم نعاني من انعدام صفة الرجولة في كثير من المسلمين، ولقد وقف الإسلام من الرجولة الحقيقية في الإنسان موقفًا آخر، فهي ليست بالوسامة، أو انفتال السواعد، وانبساط القامة وإنما توصف بمقدار الحزم، واتزان العقل. فهذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، فالقوة إذا لم تجد لها عقلًا يسيرها تغلبت على صاحبها، فكانت عليه وبالًا كبيرًا، ومن أجل ذلك يقول الشاعر:

الرأي قبل شجاعة الشجعان            هو أول وهي المحل الثاني

إن الرجولة في حقيقتها ليست إلا قلبًا يصفو، ونفسًا تطهر، وضميرًا يستيقظ. ومصدر ذلك كله الصدق، والوفاء، والمحبة، والإخاء، وخشية الله في السر والعلن.. هذه هي الرجولة الحقة.

والرجولة كما حدَّدها القرآن تخالف ما يسبق إلى الأذهان، وما درج وغلب على فهم بني الإنسان، فقد حدَّد القرآن للرجولة شروطها، وحدَّ لها حدَّها، وعرف لها رجالها.

ومن صفات الرجولة كما جاءت فى القرآن الكريم:

        1. صدق العهد مع الله:

من صفات الرجال في الإسلام صدق العهد مع الله، فإذا عاهدوا الله على أمر التزموا وأوفوا به، قال تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأحزاب:23).

        2. الإيجابية:

من أهم صفات الرجولة، وهي تعنى عدم السلبية، وعدم الرضا بالخطأ والظلم، وإنما السعي الجاد، العمل والمتواصل المستمر، من أجل التغيير والإصلاح، فما قيمة الحياة حينما لا يسعى الإنسان لنصرة المظلوم أو الوقوف فى وجه الظالم. وهذا ما فعله مؤمن آل فرعون، ومؤمن آل يس، قال تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} (القصص:20).

وقال تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} (غافر:28).

        3. الإعانة على الخير والمعروف والفضيلة:

فالرجل المؤمن يكون عونًا لهم في هداية الناس ونصيحتهم، وظهرت تلك الصفة جلية في صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين وقفوا معه في أصعب مراحل دعوته، وتحملوا الأذى والمشقة والصد في سبيل رفع راية الإسلام، والتمكين لدين الله في الأرض، وقص علينا القرآن الكريم قصة الرجل الذي أتى قومه ينصحهم نصيحةً صادقة، معينًا الرسل والأنبياء في دعوتهم، قال تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ*اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (يس: 20-21) .

        4. ذكر الله تعالى وإقام الصلاة وترك ما يلهي عنها:

{... يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (النور: 36-37)، ففيه إشعار بِهِمَمِهِم السامية، ونياتهم وعزائمهم العالية، التي بها صاروا عمَّارًا للمساجد التي هي بيوت الله في أرضه.

        5. الثبات على المنهج الرباني:

ومن صفات الرجال: أنهم يثبتون على المنهج الرباني الذي أنزله الله عز وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} (الأحزاب:23)

وليست الرجولة في ضخامة الأجسادِ، وبهاء الصورة، يقول عليٌ رضى الله عنه: أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابن مسعود- رضي الله عنه- فصعد على شجرة من الأراك، فأمره أن يأتيه منها بسواك؛ فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله بن مسعود حين صعد الشجرة، فضحكوا من دقة ساقيه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «مم تضحكون؟»، قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه، فقال: «والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد» (أخرجه أحمد).

إذا الرجولة هي كل المعاني الساميةِ، والتصرفاتِ الطيبة، والأخلاق الرفيعة، وهي تحمُّلٌ للمسئولية ودفاعٌ عن العقيدة، ونصُحٌ لأهلها، وفطنةٌ وكياسة، وحرص على الخير، وحبٌ لأهله من المسلمين، وصمودٌ أمام المْلُهيات.

فالرجولةُ: إيمانٌ وعملٌ، جهادٌ ودعوة، إخلاصٌ وإتباع؛ فها هو أبو بكر الصديق رضى الله عنه، إيمانُه يزنُ إيمانَ الأمة بل يزيد، وأعمالُه للإسلام لا تُعدُّ ولا تُحصى، حياتُه مليئةٌ بالجهاد مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، دعوته مِن حسناتها مَن هو من الخلفاء!!، سيرته إخلاصٌ وبذلٌ وعطاءٌ، ووفاءٌ لسيد الأنبياء، وهو يدخل من أبواب الجنة أيها شاء، فرضي الله عنه وأرضاه.

    الرجولة: ثقةٌ بالله، وطمعٌ فيما عنده، واعتزازٌ بطاعته، وصبرٌ على أقداره، وإحجامٌ عن معصيته عز وجل، وتيقنٌ بنصرته للمؤمنين، هذا هو العلاء بن الحضرمي رضى الله عنه صحابيٌ جليلٌ استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم على البحرين؛ اقتحم بجيشه البحرَ بكلماتٍ قالها؛ فالرجولة الحقيقة عمل لا قول.

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم