إعداد: عبده مصطفى دسوقي
الشاشة الصماء القاتلة
{وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
ما يتميّز به العصر الحديث هو التقدم الهائل في (تكنولوجيا) الاتصال، وصفحات التواصل الاجتماعيّ المتعددة الأنواع والأشكال، وقد ظهرت هذه الوسائل كمنجز حضاريّ أفرزته العقول العملاقة المبدعة، عبر (التكنولوجيا) المتطوّرة الفذّة، ووسائل الاتصال هذه لها آثار إيجابيّة عظيمة، وأخرى سلبيَّة.
ومع ذلك يتسارع وقع خطى الأيام، وتتسابق لحظات المرء، نحو ساعات يشبه بعضها بعضا، وتشتد غفلة الإنسان مع متطلبات شئونه الحياتية، فلا يفيق إلا بعد ما طويت مراحل من عمره مهمة، فيندم عندئذ ندما كبيرا، ويتمنى أن لو أيقظه موقظ أو صرخ في وجهه ناصح.
وهذا في الواقع يحدث لكل واحد، فلا أحد ينجو من الغفلة، ولا أحد يهرب من التأثر بدوامة الحياة، ولكن ثمة لحظات صدق تائبة، ونوبات خشوع صادقة تتلمس شغاف القلب المنيب إلى ربه، يحاسب فيها نفسه، ويجدد فيها العهد.
وفي دراسة خاصة (للمنتدى الإسلامي العالمي للتربية) للباحث عبده دسوقي حول (أثر الشاشة الصماء القاتلة على تفكك الأسرة والمجتمع) تناول فيها هذه الآثار وبين أسبابها وطرق علاجها.
أسس بيتك على التقوى
إن حياة القلوب هي من أهم عوامل التربية الحقيقية للإنسان والتي من أجلها يستطيع أن يرسم الإنسان طريقه، ويحدد غايته وأهدافه، ولذا لابد من تفاعل التربية مع قلب الإنسان لتجعل منه شخصا ربانيا، حتى تستطيع أركان القلب أن تستقيم مع استقامة البيوت التي أصبحت أركانها تهتز بعنف مما يحدث فيها من غربة.
والأسرة المسلمة هي المحيط الحيوي الذي يجري من خلاله توارث القيم الدينية بين الأجيال. ولذلك صارت الأسرة المسلمة الآن هي بؤرة الاستهداف ونقطة الاختراق، وبصورة مباشرة مؤثرة، وقد تـحول المخطط التخريبـي ذي الوجه الإصلاحي الخادع إلى تغييـر شريعة الأسرة بصكوك دولية.
ولقد اهتمَّ الإسلام بالأسرة والبيت المسلم؛ لأنها نواة المجتمع الإسلامي، والمحضن التربوي الأصيل، والخليَّة الأولى التي يَفتح الطفل عينيه عليها؛ وفيها تعيش الأسرة جزءًا كبيرًا من حياتها.
فإذا صلحَت الأسرة صلح المجتمع الإسلامي؛ ولذا يجِب الاعتناء بالبيت المسلم بتهيئته لحياة سعيدة، يملؤها الإيمان والمحبَّة، وجعلها مسجدًا للعبادة، ومعهدًا للعلم، وملتقًى للفرح والسعادة.
إن الإسلام قد اعتنى بالأسرة منذ بدء تكوينها، فوضع الأسس والقواعد التي يعتلي عليها البناء الشَّامخ القوي الذي لا يهتز أمامَ رياح المشاكل، وعواصف الأزمات.
فما من زواجٍ يبنى على طاعة الله ولو افتقر إلى معظم مقومات نجاحه، إلا ويتولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، وما من زواجٍ يبنى على معصية الله ولو توافرت له كل أسباب النجاح، إلا ويتولى الشيطان التفريق بينهما.
ولهذا قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21).
فقواعد البيت المسلم التي قام عليها هي السكن والمودة والرحمة وهي نعم وهبات يهبها الله لعبادة ويثبتهم عليهم إذا أحسنوا استعمالها، وتزول عنهم إذا أساؤا التصرف فيها.
لقد جعل الله تعالى البيوت سكنا يأوي إليها أهلُها، تطمئنُّ فيها النفوس، وتأمن فيها الحرمات، وتستر فيها الأعراض، ويتربَّى في كنفها الأجيال، وهو -سبحانه وتعالى- يريد بذلك من البيوت أن تكون قلاعَ خير ومحبة ووئام، وحصون بر وحنان وأمان، وديارَ خير وفضيلة وإحسان.
لمبة حمراء
انطلقت لمبات حمراء تضرب في جنبات البيوت معلنة بصراخها العالي جرس إنذار محذرة من عوامل الهدم التي تنخر فيها والتي للأسف أدت لانهيار العديد من هذه البيوت وتزحف لالتهام البقية بسبب انتشار وتوغل داء الغربة الذي انتشر في البيوت بسبب ما خلفه فضاء خيالي هو فضاء التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية.
فترى الزوج والزوجة في نفس الغرفة ويمكن على نفس الأريكة، لكن كل منهما مشغول إما (باللاب توب) أو (الموبايل)، يتصفح الإنترنت وتستوقفه الرسائل والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، هذا هو المشهد الآن داخل البيوت بعد اقتحام عالم الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مجتمعاتنا، فبدلا من أن تثار النقاشات والقضايا ويبدأ كل طرف في سرد تفاصيل يومه للآخر، أصبح الصمت هو سيد الموقف وتوفير الوقت والمجهود للهواتف ومواقع التواصل مع الآخرين هو الهدف الأعظم والأسمى من التواصل فيما بينهما، ويقال: إن وسائل التواصل ألغت التواصل.
حتى وصل الحال بمن يقول: «النقاش بيني وبين زوجتي على أي تفاصيل في حياتنا عادة ما ينتهي بالنزاع والخناق، في حين أنني أجد سعادتي بمتابعة أصدقائي والتويتات الخاصة بهم».
وللأسف إن الكثير من النساء بتن يكشفن أمورهن المنزلية وحياتهن الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، فتقوم بتصوير كل شيء في بيتها، ومتى غضبت من زوجها، ومتى آخر مشكلة مع حماتها أو سلفتها؟!.
إن سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي باتت تطغى على إيجابياته، نظرًا لسوء استخدام الأفراد لها، فنتج عنها أضرار صحية ونفسية واجتماعية وغربة منزلية.
مظاهر وسلبيات خطيرة
يشير د. محمد بن عبدالعزيز الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود إلى أن هذه الوسائل والتطبيقات تحمل نذر الخلافات لمن يسمح لها بالاستحواذ على حياته، من جهة كونها تشغل الشخص عن شريك حياته، ولاسيما حينما يدمن عليها ويقضي فيها وقتًا طويلًا ينافس الوقت الذي ينبغي أن يقضيه الزوجان مع بعضهما، مضيفًا أنه قد يجد أحد الزوجين في تلك الوسائل مهربًا من قضاء الوقت مع الطرف الآخر بسبب وجود بعض المشكلات في التحاور وتبادل الرأي، مما يوسع الهوة بينهما بدلًا من السعي للتقارب وإزالة أسباب الخلاف.
- لقد أصبح عدم توفر نت أو تعذر الوصول لمواقع التواصل الاجتماعي يسبب لدى الأفراد الإحباط والضيق الذي ينعكس على تصرفاتهم سواء الزوج أو الزوجة والأولاد أو الناس مما زاد من رقعة الغربة.
- كما أنه يؤدى لانسحاب الإنسان عن المجتمع المحيط به، مما يؤدي إلى عزلته عن محيطه، فيؤدي ذلك لإصابته بالاكتئاب وأحيانًا الكذب واللامبالاة فضلًا عن انخفاض المستوى الدراسي خاصةً للطلاب.
- كما ساهمت مواقع التواصل في ظهور سلوكيات ومصطلحات تبدو غريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وأصبح من السهل على الرجال والنساء التحدث إلى بعضهم البعض بلا حواجز أو وسائط أو خشية من أحد.
- قطع الأرحام؛ حيث أن الإسلام حث على صلة التراحم والتزاور لكن هذه الوسائل الجديدة قطعت أواصر هذه العلاقات واكتفى كل إنسان بإرسال رسالة SMS أو أيميل أو بوست أو تغريده.
- الانعزال الشعوري عن المجتمع القريب؛ للاندماج مع المجتمع الافتراضيّ البعيد، فنجد الواحد أحيانًا وفي حضرة ضيوفه منشغلًا مع أصدقائه على (الفيس بوك) على حساب واجب الضيافة.
- تحولت المنازل إلى ما يشبه الفنادق بالنسبة إلى الأبناء الذين لم يعتادوا على وقت اجتماع عائلي، ولم يعد هناك قوانين داخل المنزل لتنظيم هذه الأمور. وساعد على ذلك أن غالبية الأسر تحكمها عواطف التدليل المبالغ فيها، ولم يعتد الأبناء على نظام أسري يكرس وقتًا للحديث والحوار مع الوالدين، مشيرًا إلى أن دخول الحياة المادية من أوسع أبوابها جعل العلاقات الاجتماعية بين الجيران وزملاء العمل تقوم على الشكّ والتنافس.
- نشر ثقافة الانحلال الخلقي والفساد؛ لانَّ هذه الوسائل ولا سيَّما (الفيس بوك) عبارة عن مجتمع مفتوح، أمام كل الثقافات والتي من ضمنها ما يتعلق بترويج قيم الفساد والانحلال.
- يستغلها البعض في نشر الرذيلة بين الناس، والتشهير والفضيحة والابتزاز.
خطر على الطريق السريع
ربما نظرنا للسلبيات السابقة وما تحمله هذه المواقع بين طياتها من سلبيات قاتلة ربما نشعر بها لكن هناك سلبيات خفية ربما تغزوك أو تسرقك دون أن تشعر بها وتقوم وأنت لا تدري كم مضى.
- عدم شعور بعض المستخدمين بالمسؤولية.
- كثرة الإشاعات والمبالغة في نقل الأحداث.
- بعض النقاشات التي تبتعد عن الاحترام المتبادل وعدم تقبل الرأي الآخر.
- إضاعة الوقت في التنقل بين الصفحات والملفات دون فائدة.
- تصفح المواقع يؤدي إلى عزل الشباب والمراهقين عن واقعهم الأسري وعن مشاركتهم في الفعاليات التي يقيمها المجتمع.
- ظهور لغة جديدة بين الشباب بين العربية والإنجليزية (لغة الفرانكو) من شأنها أن تضعف لغتنا العربية وإضاعة هويتها.
- انعدام الخصوصية الذي يؤدي إلى أضرار معنوية ونفسية ومادية.
كبسولة علاج
لكل داء دواء.. هذا من نواميس الكون لكن إذا أحسنا التوكل على الله وتوفرت القناعة لدى كافة الأطراف بأن لكل استخدام إيجابيات وسلبيات.
- العمل علي وضع ضوابط لاستخدام الفيس بوك وتكون متناسبة مع الشريعة الإسلامية والعادات والتقاليد.
- توفير مساحات حوار بناء داخل الأسرة، حيث أن البعض يلجأ للحوار على العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي نظرًا لعدم إمكانية حديثه للأهل والفضفضة لهم لعدم وجود مساحة ووقت للأهل.
- وليس ذلك فحسب بل يجب التقليل من قضاء الأوقات في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لأن الإفراط في استخدامها يؤدي إلى الشعور بعدم الاكتفاء الزوجي؛ الأمر الذي قد يزيد وتيرة المشاكل ويرفع من احتمالات الطلاق الأزواج والإدمان لدى الجميع.
- لابد أن يراعي كلا الزوجين شريكه، ويحرص على نزع فتيل أي شك أو استياء بإعادة بث روح الثقة، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بتقليص حجم وأهمية هذه الوسائط في حياتنا أولًا، ثم بالالتزام بالضوابط الشرعية والحياء ثانيًا.
- الخوف من الله عز وجل واستحضار رقابته في كل لحظة ودقيقة يكون فيها الإنسان متصلًا بالشبكة، مؤكدًا ضرورة وضوح الهدف من الدخول والمشاركة والالتزام بالضوابط الشرعية.
- التعرف علي مدي التزام هيئة الشباب في استخدام ضوابط الفيس بوك.
- التعرف علي مدي تأثير الفيس بوك علي المجتمعات.
- الدعوة لإنشاء مجموعات شباب تتبنى قضايا اجتماعية وثقافيـة هادفة على مواقع التواصل الاجتماعي لتبادل المعرفة وتعميم الفائدة.
لقد صرخ بها الدكتور فيل-الطبيب النفسي الأمريكي الشهير- حينما قال: «اعملوا على استعادة التواصل بين الأشخاص الحقيقيين». فهل من مجيب؟!
فوائد مخفية
لا شك أنّ الفيسبوك بات اليوم وسيلة إرشادية وتوجيهية، خاصة إذا أحسنّا استخدامه. حيث يمكننا استغلال العدد الهائل من المشتركين فيه لإطلاق حملات التوعية والتوجيه.
- إنه وسيلة تربوية، ودائمًا بحسب مزهر، نستطيع من خلالها تسليط الضوء على الآفات الاجتماعية كالتدخين والمخدرات والانحرافات وغيرها، وذلك عبر تخصيص صفحات إرشادية علمية تتناول مثل تلك المواضيع.
- يعمل على تعزّيز الأواصر بين الناس ويفتح لهم المجال لإيجاد فرص تواصل وإنشاء علاقات اجتماعية واسعة، إذ نرى اليوم الكثير من الصداقات تنعقد على صفحات الفايسبوك لكن إذا كانت في إطارها الشرعي ورُوعِيَ فيها الالتزام بالأخلاق الإسلامية والضوابط الشرعية.
- لقد أدى التطور المتسارع لوسائل الإعلام والاتصال إلى إحداث ثورة حقيقية وتغيرات جوهرية مست جميع مجالات الحياة. وبدأت آثار هذه التغيرات على مستوى الجماعات والأفراد ليس على المستوى المحلي فقط بل تعدى ذلك إلى المستوى العالمي. محدثة ظواهر جديدة وتأثيرات مباشرة على مختلف التنظيمات والبنى الاجتماعية. وقد ساهم في كل ذلك ما بات يعرف بشبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت وسيلة الاتصال المؤثرة في الأحداث اليومية بحيث أتاحت الفرصة للجميع شبابًا، وسياسيين، وباحثين لنقل أفكارهم ومناقشة قضاياهم السياسية والاجتماعية وما يرغبون في نقله متجاوزين في ذلك الحدود الطبيعية إلى فضاءات جديدة قليلة الرقابة عليها. وحتى الحكومات والمنظمات غير الحكومية أصبحت تستعمل هذه الشبكات من أجل إيصال أفكارها وتحقيق أهدافها المختلفة.
للمزيد:
- محمد منير حجاب، نظريات الاتصال، ط1، القاهرة: دار الفجر للنشر والتوزيع، 2010.
- أثر مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات الأسرية، الباحثة أمل معروف، دمشق، 2015.
- أروى الموسى، تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمع، كلية المعرفة للعلوم و التقنية، مادة مهارات الاتصال، 2013م- 1435هـ.
- عماد إبراهيم، أثر استخدام الفيس بوك على طلبة الجامعة، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية جامعة عين شمس، القاهرة، 2009م.
.