يقول بياجيه: «إن الهدف الأساسي من التربية هو خلق رجال قادرين على صنع أشياء جديدة، ولا يقومون فقط بتكرار ما صنعته الأجيال السابقة، رجال مبدعين، مبتكرين، ومكتشفين».
ومما لا شك فيه أن هذا النوع من الرجال الذي ذكره بياجيه، يحتاج إلى تربية من نوع خاص؛ ألا وهي التربية الإبداعية، والتى تهدف إلى خلق الأفراد المبدعين في المجتمع، من خلال الكشف عن طاقاتهم الإبداعية وتنميتها وتطويرها. وهذه التربية توجه اهتمامها وأساليبها وأنشطتها إلى الإبداع.
وفى دراسة تربوية بعنوان (أدب الأطفال والتربية الإبداعية) -2006م-، للباحثة السورية سناء العطارى، ترصد أهمية وجود الأفراد المبدعين في المجتمع، وتعتبر العمليات الابتكارية والإبداعية صاحبة الفضل في تقدم الحياة وتطورها على مر العصور والأجيال، ولهذا فإن أصحاب القدرات الابتكارية والإبداعية يكونون رأس مال قوميٍّ وإنسانيٍّ، يسهم في إثراء التراث البشري، وتقدم الإنسانية وازدهارها.
وتنبع قيمة التفكير الإبداعي من كونه يؤدي إلى مرونة الاختيار، فما ينقصه في السرعة يكسبه في نوعية القرار، فهو قادر على تحطيم المفاهيم والعادات المألوفة، وجعل العقل يفكر باتجاه أفكار واحتمالات جديدة.
لقد كشفت الكثير من الدراسات التي تحدثت عن نمو الطفل وتطوره المعرفي، أن الطفل يولد ولديه الميل الفطري للاكتشاف والاستقصاء والتساؤل والتخمين، ولكن عادة ما يحصل تغيير سلبي في عملية التعليم في عمر ثلاث أو أربع سنوات، ويمكن تسمية هذا التغيير (هدمًا)، حيث يتعلم الطفل أن يتوقف عن الإجابات التي تتضمن التخمين والإبداع عندما تواجه جهوده بالرفض لعدد من المرات، وبدلًا منها يصبح يوجه الأسئلة مباشرة إلى الكبار، فهو يتعلم أن الإجابات لا تعتمد على ما يفكر ويؤمن به الطفل، بل على ما يفكر ويؤمن به أحد الوالدين أو المعلم. فالطفل هنا يبدأ بالتصرف بسلبية، ويبدأ بالاعتماد على سلطة الآخرين بدلًا من الاستمرار في التدرب على إيجاد الروابط والتخمين والإبداع، وبدلًا من زيادة مهاراته في الاكتشاف، والربط، والمقارنة، وربط المعلومات. فإذا لم يكن يعرف الإجابة الدقيقة، أو لم يكن قد فهم ما رآه بشكل كامل، فإنه ينتظر شرح الآخرين (Fisher, 2001).
إن بيئة الطفل قد تكون بيئة مساندة تعمل على الكشف عن طاقاته الإبداعية ورعايتها، وقد تكون بيئة غير مساندة، تعمل على تجاهل هذه الطاقات وتدميرها أيضًا. وما نقصده هنا بالبيئة البيت والمدرسة بشكل خاص.
والأدب أحد المجالات التي تسعى التربية الإبداعية إلى توجيه الطفل نحوها إذا ما لوحظ وجود ميول أدبية لديه مثل: كتابة القصة والشعر وغيرهما. وللأدب تأثير كبير على لغة الأطفال وتفكيرهم وسماتهم النفسية والشخصية.
ومن الأهمية بمكان أن يتعرض الطفل منذ الطفولة المبكرة للنماذج الأدبية المختلفة؛ لكي يتشكل لديه الحس والذوق الأدبي الفني. ففي البداية يسمع الطفل الأنشودة والقصة من الوالدين ومعلمة الروضة، وبعد أن يتعلم القراءة، يقرأ بنفسه ما يختار من القصص والأناشيد والمجلات وغيرها.
وتلعب المدرسة بما فيها من إدارة ومعلمين ومرشدين تربويين ونفسيين دورًا مهمًا في الكشف عن طاقات الطفل الإبداعية، وتشكيلها، وتنميتها، ويمكننا أن نقول في هذا السياق إن الإبداع من أنواع السلوك التي يمكن أن يتعلمها الفرد. وهنا يجب أن نؤكد أهمية وجود المعلم المبدع (أو على الأقل المقدر للإبداع)، فإذا لم يكن المعلم نفسه مفكرًا مبدعًا مجددًا، فكيف نتأمل منه الكشف عن الطلاب المبدعين ورعايتهم؟
وهناك الكثير من الممارسات والنشاطات التي يمكن أن يقوم بها المعلم داخل غرفة الصف بالاشتراك مع طلابه، والتي تؤدي إلى تنمية مواهبهم وقدراتهم الأدبية الإبداعية، وهي ما سيتم تفصيله في سياق هذه الدراسة.
- أدب الأطفال والتربية الإبداعية:
مفهوم التربية الإبداعية: يقصد بالتربية الإبداعية أن توجه التربية اهتمامها وأساليبها وأنشطتها ونتائجها إلى مجال الإبداع، مع مراعاة خصائص وإمكانيات ومقومات كل من التربية وعمليات الإبداع ودورها بالنسبة للفرد والمجتمع. أي أنها هي التربية في مجال الإبداع، وما يمكن أن يحدث بينهما من تفاعل ونشاط إيجابي متميز، مع توظيف خصائص الإبداع ومقوماته لإثراء حياة الفرد والمجتمع الحاضرة والمستقبلية، وتنميتها، وتطويرها لمواجهة ما يطرأ عليها من متغيرات ومواقف ومتطلبات، بأفضل صورة ممكنة (نجيب، 1994).
يمكن تعريف أدب الأطفال بأنه: «خبرة لغوية في شكل فني، يبدعه الفنان، وبخاصة للأطفال فيما بين الثانية والثانية عشرة أو أكثر قليلًا، يعيشونه ويتفاعلون معه، فيمنحهم المتعة والتسلية، ويدخل على قلوبهم البهجة والمرح، وينمي فيهم الإحساس بالجمال وتذوقه، ويقوي تقديرهم للخير ومحبته، ويطلق العنان لخيالاتهم وطاقاتهم الإبداعية، ويبني فيهم الإنسان. كما يعرف أدب الأطفال بأنه شكل من أشكال التعبير الأدبي، له قواعده ومناهجه، سواء منها ما يتصل بلغته وتوافقها مع قاموسه الطفل، ومع الحصيلة الأسلوبية للسن التي يؤلف لها، أم ما يتصل بمضمونه ومناسبته لكل مرحلة من مراحل الطفولة، أم يتصل بقضايا الذوق وطرائق التكنيك في صوغ القصة، أو في فن الحكاية للقصة المسموعة» (يحيى، 2001: 18).
ويعرف أدب الأطفال بأنه في مجموعه هو: «الآثار الفنية التي تصور أفكارًا وأحاسيس وأخيلة تتفق ومدارك الأطفال وتتخذ أشكال القصة والمسرحية والمقالة والأغنية» (الهيتي، 1979) في (أبو فنة، 2001).
والقول عن الأدب بأنه (الآثار الفنية التي تصور أفكارًا وأحاسيس وأخيلة) قد ينطبق على الأدب عامة- الموجه للصغار والكبار على السواء- ولكن قول الهيتي بوجوب ملاءمة تلك الآثار الفنية لمدارك الأطفال، أو ضرورة ملاءمة مضامين تلك الآثار مع (قدرات الأطفال العقلية والخيالية والعاطفية)، هذا التحديد يشير إلى اختلاف أدب الأطفال وتميزه عن أدب الكبار بسبب اختلاف جمهور المتلقين الصغار وخصائصهم.
وكتبت الأديبة الناقدة ليئة غولدبرغ (أبو فنة، 2001) عن أدب الأطفال بشيء من التفصيل، مضيفة عناصر ومقومات أخرى، فهي تعرف أدب الأطفال بأنه: «ذلك النوع من الأدب- نثرًا أو شعرًا- الذي يلائم في مضمونه وأسلوبه إدراك الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة حتى الثالثة عشرة تقريبًا، أما أسلوب هذا الأدب فيكون سهلًا واضحًا خاليًا من التعقيد وحشد المشاكل، ولا يتجاوز المفاهيم المفهومة للطفل حسب نموه وقدرة استيعابه».
وكما أن هنالك اختلافًا في تحديد مفهوم أدب الأطفال، فإن هنالك أيضًا اختلافًا حول تحديد مرحلة الطفولة، وحول تقسيماتها المختلفة، فمن الباحثين من ينتهي بها عند الثانية عشرة، ومنهم من يمتد بها حتى سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، ومنهم من يصل بها إلى أكثر من ذلك.
وقسم رافع يحيى الأدب إلى نوعين رئيسيين:
أدب بمعناه العام: وهو يدل على النتاج العقلي عامةً مدونًا في كتب.
أدب بمعناه الخاص: وهو يدل على الكلام الجيد الذي يحدث لمتلقيه متعةً فنية (يحيى، 2001).
وفي ضوء ما سبق، يمكن أن نجد لأدب الأطفال في المرحلة العمرية التي يدور حديثنا حولها، مفهومين رئيسيين:
أدب الأطفال بمعناه العام: وهو يعني الإنتاج العقلي المدون في كتب موجهة لهؤلاء الأطفال في شتى فروع المعرفة؛ مثل: كتب الأطفال العلمية المبسطة، والمصورة، وكتبهم الإعلامية، ودوائر المعارف الموجهة إلى الأطفال.
أدب الأطفال بمعناه الخاص: وهو يعني الكلام الجيد الذي يحدث في نفوس هؤلاء الأطفال متعة فنية سواء أكان شعرًا أم نثرًا، وسواء أكان شفويًا بالكلام، أم تحريريًا بالكتابة؛ مثل قصص الأطفال ومسرحياتهم وأناشيدهم وأغانيهم وما إلى ذلك.
ومما تجدر الإشارة إليه أننا عندما نتحدث عن الكتب، إنما نقصد إلى معناها الواسع، بحيث تضم: المقروء، والمسموع، والمرئي، تمشيًا مع مقومات التقدم التقني المعاصر.
(ويرى بعض الباحثين، أهمية التمييز بين النتاج الفكري عن الطفولة والنتاج الأدبي الموجه لهم. وينادون بإعادة النظر بين هذين النتاجين. ويرون أن أدب الأطفال له آثاره الإيجابية في تكوينهم، وبناء شخصياتهم وإعدادهم ليكونوا رواد الحياة. والطفل هو الإنسان في أدق مراحله وأخطر أطواره، ومن ثم فإن الاهتمام بالجانب الوجداني من حياة الطفل يتعين ألا يعلوه أي اهتمام آخر، ويقوم أدب الطفل بوظائف التربية الجمالية والأخلاقية والنمو اللغوي ... إلخ) (يحيى، 2001).
اللغة والأسلوب في أدب الأطفال:
يمكن القول إن غالبية الأدباء والباحثين الذين تطرقوا لقضية اللغة والأسلوب في أدب الأطفال، يجمعون على ضرورة مراعاة لغة الطفل وقاموسه حسب مراحل العمر والنمو، مع محاولة الارتقاء التدريجي لهذه اللغة، وهذا بدوره ينعكس في الأمور التالية:
(على صعيد الألفاظ والتراكيب اللغوية: الدعوة لاستخدام الألفاظ والتراكيب السهلة، وتجنب الغريبة غير المألوفة منها، والإقلال من المفردات والتراكيب المجازية إلا ما جاء منها عفو الخاطر، واللجوء إلى التكرار في الألفاظ والتعابير.
وعلى صعيد الجملة، تركيبها ونحوها: استخدام الجمل القصيرة أو المتوسطة الطول، وتجنب الجمل الطويلة المعقدة. استخدام الجمل والألفاظ الدالة على المعاني الحسية وتجنب المجرد المعنوي.
وعلى صعيد الأساليب– تحري الوضوح والجمال والدقة وتجنب الإسراف في الزركشة والزخرف والثراء اللغوي المتكلف، وتجنب أسلوب التلميح والمجازات الغامضة الصعبة، والاقتراب من خصائص (لغة الكلام) والاستفادة من أسلوب الراوي في الحكاية الشعبية الشفهية) (أبو فنة، 2001).
ويعتقد البعض أن الكتابة للأطفال أكثر مشقة من الكتابة للكبار، بسبب الاشتراطات التربوية والثقافية التي يلتزم بها كاتب الأطفال، وبسبب مراعاته للمستوى العقلي والنفسي للمتلقين.
ويمكن القول إن أدب الأطفال قد يكون كل عمل أدبي يكتب ابتداءً وخصيصًا للأطفال، وقد يكون كذلك كل عملٍ أدبي يكتب ثم يقرأه الأطفال فيستسيغونه، ويجدونه مادة أدبية مشوقة ومحببة لهم حتى ولو لم يقصد مؤلف ذلك العمل توجيهه أصلًا للأطفال.
وبالفعل، هناك الكثير من الأعمال الأدبية التي لم تكتب خصيصًا للأطفال، ولكنها أصبحت مع مرور الزمن، بعد تعديلها وملاءمتها، من المواد الأدبية الشائقة والمحببة لدى القراء الصغار، من بين تلك الأعمال نذكر رواية (روبنسون كروزو) للكاتب دانيال ديفو (1660-1731)، والرواية الساخرة (رحلات جلفر) لجوناثان سويفت (1667-1745). كذلك يدخل ضمن هذا الإنتاج الأدبي الذي أصبح جزءًا من أدب الأطفال، الأساطير والحكايات الشعبية بعد تعديلها وملاءمتها للأطفال، كحكايات وقصص (ألف ليلة وليلة) و(سيرة عنترة) وغيرهما (أبو فنة، 2001: 18).
- الكتب المدرسية وأدب الأطفال:
عند الحديث عن موقف الكتب المدرسية من أدب الأطفال يشار إلى أبعاد ثلاثة:
البعد الأول: يتعلق بتعريف أدب الأطفال، وفيه نرى أن الكتب المدرسية تدخل ضمن أدب الأطفال بمعناه العام، إذ أنها نتاج عقلي مدون في كتب موجهة إلى الأطفال.
البعد الثاني: يتعلق بجمهور القراء، ذلك أن كتب الأطفال هي ببساطة، كتب موجهة للأطفال (التلاميذ)، ولهذا لا بد للكتب المدرسية الناجحة من أن تراعي خصائص الأطفال وقدراتهم واهتماماتهم فيما تقدمه لهم من مواد دراسية منهجية.
البعد الثالث: يتعلق بالاتجاهات المعاصرة ومنها الأدبي الواضح نحو تذويب الفوارق بين الكتب المدرسية وكتب الأطفال الإعلامية، بحيث أصبحت كلها كتب أطفال مشوقة (يحيى، 2001: 19).
وفي ضوء هذه الأبعاد الثلاثة نستطيع أن نرى بوضوح أن الكتب المدرسية هي جزء من صميم كتب الأطفال وأدب الأطفال، وهذه حقيقة– على الرغم من بساطتها– تغيب عن الأذهان، وهي على قدر كبير من الأهمية؛ لأن الكتب المدرسية تمثل أهم قطاع من قطاعات الكتب التي يتعامل معها الأطفال، في كل مراحل نموهم، وفي جميع مراحلهم التعليمية.
يقتصر عمل الكثير من المدارس على تزويد الأطفال بالمعلومات المنهجية في نواحي العلوم والفنون والآداب المختلفة، وهذا يمثل قصورًا كبيرًا في قيام هذه المدارس بدورها في تنشئة الصغار؛ لأنها تغفل أمرًا على درجة قصوى من الأهمية هو: تعلم واكتساب طريقة التفكير الصحيحة، بحيث يكون تفكير الفرد علميًا منطقيًا سديدًا، موضوعيًا بعيدًا عن التعصب، أو المصلحة الشخصية والعوامل الذاتية.
وطريقة التفكير الصحيحة هي عادة معرفية لها قيمة كبيرة في التقدم البشري، وهي من أهم ما يجب أن يركز عليه المشتغلون في ميادين التربية والتعليم.
أما الاقتصار على الحفظ والاستظهار، والاعتماد على الذاكرة وحدها، فإنه لا ينجح في إعداد الفرد المفكر الناقد المستنير، الذي يحسن الحكم على الأمور، وتقدير العواقب، وابتكار الحلول، والذي يستطيع أن يسير بمجتمعه خطوات إلى الأمام.
هناك صلة وثيقة بين اللغة والتفكير، ويتوقف التفكير إلى حد كبير على الصورة اللفظية البصرية والسمعية، وكذلك على الكلام الباطن، ولهذا فإن اللغة تمثل عونًا كبيرًا على التفكير، وعلى تنظيمه وتيسيره وتوضيحه.
وكذلك نجد أن اللغة هي وسيلة تمثيل الأفكار، ونقلها بين أفراد الجنس البشري، وكلما زاد الثراء اللغوي، وتوفرت الكلمات المعبرة عن مختلف الأشياء والمفاهيم، زادت قدرة الفرد على التفكير والتعبير ونقل الأفكار، وأصبحت أكثر فعالية ودقة، ومن ثم فإن تقدم الفكر مرتبط أشد الارتباط بثراء اللغة، كما أن ضحالة اللغة وتخلفها، والفقر في الألفاظ، هي من العقبات الرئيسية في طريق التفكير ونموه ورقيه وتطوره (نجيب، 1994).
واستيعاب هذا الارتباط الوثيق بين اللغة والتفكير يوضح عمق أثر أدب الأطفال وتأثيره على كل من اللغة التي يقوم الأدب بدور أساسي في غناها وثرائها، والتفكير الذي يمكن أن يقوم أدب الأطفال أيضًا بدور مهم في تنميته وتطويره، ودعم أسلوبه الصحيح بين الأطفال.
- تنمية التفكير الابتكاري والإبداعي:
-
تقوم التربية الإبداعية بدور مهم في تنمية التفكير الابتكاري والإبداعي عند الأطفال بوسائل مختلفة:
1. إتاحة الفرص أمام الطفل للإسهام في حل مشكلاته الخاصة، وقيامه بدور إيجابي في هذا السبيل، بدلًا من أن نقدم له الحلول الجاهزة، مع تدريبه على إدراك المشكلة من جميع جوانبها، وافتراض الحلول، وتقييم هذه الحلول بطريقة موضوعية، ومحاولة وضعها موضع التنفيذ، وما إلى ذلك، ما ينمي التفكير العلمي والإبداعي عند الأطفال.
2. تنمية خيال الطفل بطريقة سليمة، والطفل لديه استعداد قوي لهذا، والخيال الإنساني مسؤول عن كل الأعمال الابتكارية في حياة البشر.
3. إتاحة الفرص أمام الأطفال للتجريب واكتشاف الأشياء واستطلاع البيئة المحيطة بهم، والكشف عن خواص الأشياء وتجريبها، وممارسة ألعاب البناء والتركيب، والرسم والقص والتكوين.
4. الاهتمام بالفروق الفردية بين الأطفال، والعمل على تنمية استعدادات الفرد وقدراته إلى أقصى حدودها وإمكانياتها.
5. إثارة اهتمام الأطفال بالمشكلات المختلفة، والإحساس بها، وإثارة حماستهم للبحث في هذه المشكلات، والتماس الحلول المبتكرة المناسبة لها.
6. الاهتمام بممارسة الأنشطة الإبداعية وتذوقها، مثل الرسم، والتصوير، والأشغال الفنية، والهوايات، والابتكارات التقنية، والتصميم، وكتابة الشعر والقصة ... الخ. وهنا يجد الطفل نفسه مبتكرًا، يبدأ إنتاجه الفني بمعارفه السابقة، ثم يضيف إليها من ذاته وأحاسيسه وعواطفه وأفكاره، فيخرج إبداعاته الأولى التي تمهد لإعداده ليكون فردًا مبدعًا.
7. تنمية قدرة الأطفال على الملاحظة الدقيقة، والتقاط الظواهر ذات القيمة، التي تبدو كأنها حدثت مصادفة (مثل سقوط التفاحة عن الشجرة)، وتشجيعهم على تفسير هذه الظواهر، واختبار التفسيرات المختلفة، والتحقق من صحتها.
8. تدريب الأطفال على الصبر والمثابرة وبذل الجهد المتصل، فالمبدعون يتميزون دائمًا بالقدرة الفائقة على تحمل العناء.
9. تدريب الأطفال على التفكير الناقد الذي يحسن التعليل والتحليل وربط الأسباب بالنتائج، وتقييم الأمور بطريقة موضوعية (نجيب، 1994).
* البيئة المساندة للإبداع
مهما كانت قدرات الأطفال الإبداعية الكامنة، فإنها لن تؤتي أكلها ما لم تكن محاطة ببيئة مساندة دافئة، تكشف عن هذه القدرات وتوجهها وتساعدها على النمو والتطور. فكل الأطفال يولدون ولديهم قدرات إبداعية، ولكن الأمر يعود إلينا لتوفير البيئة المساندة لجهود الطفل الإبداعية.
وعالم النفس كارل روجرز يقول: «إن الناس يحتاجون إلى شرطين إذا أرادوا أن يقوموا بعمل مبدع: الأمن النفسي، والحرية النفسية. وإحساس الطفل بالأمن النفسي ينتج من ثلاث عمليات مترابطة:
1. تقبل الطفل كفرد ذي قيمة غير مشروطة، والإيمان بالطفل بصرف النظر عن وضعه الحالي.
2. تجنب التقييم الخارجي، ودعم تقييم الذات.
3. التعاطف مع الطفل، ومحاولة رؤية العالم من وجهة نظره، وتفهمه وتقبله» (Fisher.2001: 35).
وبإمكان الشخص البالغ الذي يرشد الطفل، سواء أكان أحد الوالدين، أو المعلم أن يقول للطفل (لا يعجبني تصرفك)، ولكن عليه أن يكون حذرًا في استخدام بعض الألفاظ التي تقيم الطفل ذاته مثل (أنت سيئ، مخطئ، كسول). ومع أن الفرق بين الأسلوبين دقيق، وقد لا يتنبه له البعض، إلا أنه مركزي لبيئة الإبداع، فهناك فرق بين أن نقيم أو ننتقد سلوك الطفل، وبين أن ننتقده أو نقيمه هو ذاته، فقد سبق أن ذكرنا أنه يجب علينا أن نتقبل الطفل كما هو دون شروط.
وقدرة الطفل الإبداعية تُغذّى بالاستحسان الإيجابي والدافئ من قبل البالغين المهمين في حياته. فالأطفال يميلون للخلق من أجل من يحبون.
أما الحرية النفسية فإنها تقوي الإبداع بإتاحة حرية التعبير لدى الأطفال. ويجب أن يشعر الأطفال بدرجة كافية من الأمان تتيح لهم تجربة الأشياء الجديدة، وأن يعطوا الحرية للقيام بذلك ضمن حدود، ولكن بحيث لا تكون حريتهم عائقًا أمام حرية الآخرين. وفي ظل مناخ مساند للإبداع يُقَدِّر الراشدون والأطفال عاليًا الأصالة وليس المسايرة لأفكار الآخرين، ويُقَدِّرون كذلك اختلاف الأفكار وليس التشابه. ومن الممارسات التي تساند الإبداع تشجيع الذات الساعية إلى التجريب وليس الذات الساعية إلى حماية نفسها (Fisher, 2001).
وللتعابير والألفاظ التي نقولها للأطفال أهمية في إضعاف ثقتهم بأنفسهم، وتدمير تقدير الذات لديهم، أو على العكس دعم التفكير الإبداعي لديهم، ودعم ثقتهم بأنفسهم. وهذه بعض الأمثلة على التعابير المحبطة:
من أين أتيت بهذه الفكرة السخيفة؟
لا تسأل مثل هذا السؤال الغبي.
ألا تستطيع أبدًا أن تفكر بطريقة صحيحة.
ألا تفكر أبدًا.
هل هذا كل ما تستطيع قوله/عمله/التفكير به؟
ومن الأمثلة على التعابير التي تدعم التفكير الإبداعي:
هذه فكرة رائعة.
أخبرني المزيد عن ذلك.
كيف توصلت إلى هذه النتيجة؟
هل فكرت ببدائل أخرى؟
جرب ذلك بنفسك، وإن احتجت إلى مساعدة أخبرني.
هذا سؤال جيد.
أنا واثق أنك تفهم بشكل صحيح.
وعلينا أن نتقرب من الأطفال بتفهم كبير، هادفين إلى تقليل أخطائهم، ومكافأة جهودهم. (والدراسات البحثية أظهرت أهمية وجود توقعات كبيرة من الأطفال. فتوقعات البالغين من الطفل، سواء الإيجابية أو السلبية تؤثر على استجابات الطفل إلى التفكير والتعليم. ويذكرنا تورانس أن الإبداع يتطلب الجرأة؛ فبمجرد أن يمتلك الفرد فكرة جديدة، يصبح أقلية مكونة من فرد واحد) (Fisher, 2001: 37).
ومن المهم أن نذكر أن البيئة المساندة للإبداع، هي بيئة تقدم الدعم والمساندة والتشجيع للإناث كما تقدمها للذكور، فكما يستطيع الطفل الذكر أن يبدع، تستطيع الأنثى كذلك.
(وفي إطار البحث عن العوامل التي تساعد في تنمية الإبداع وتطوره، وجد أن آباء وأمهات الأطفال المبدعين أقل ميلًا إلى التسلط، ويتيحون لهم الحرية الكاملة لاتخاذ القرار الذي يراه الطفل المبدع مناسبًا، كما يتيحون لأطفالهم فرصة اكتشاف البيئة من حولهم. أضف إلى ذلك قيام الآباء والأمهات باصطحاب أطفالهم إلى المكتبات، وكثيرًا ما يقرأون الكتب والقصص أمام أطفالهم، فهؤلاء الآباء والأمهات يفضلون أسلوب التوجيه، ونادرًا ما يلجأون إلى العقاب الجسدي) (قطامي وقطامي، 2001: 510).
(وتؤثر العوامل الثقافية تأثيرًا كبيرًا على سير تطور الإبداع، ومستوى وظائفه، ونمطه. ويحصل الطلبة الذين يعيشون في بيئات مدعمة وغنية ثقافيًا على درجات إبداع أعلى من الدرجات التي يحصل عليها الطلبة الذين يعيشون في بيئات محبطة ومحرومة، أو فقيرة ثقافيًا) (قطامي وقطامي، 2001: 511).
- دور أدب الأطفال في تشجيع الإبداع:
يمكن لأدب الأطفال أن يدعم بقوة تربية الأطفال التربية الروحية الصحيحة، التي تدعم بدورها بناء شخصية الفرد السوي، الذي يتسم بالصفات التي تدعم الفكر والابتكار والإبداع، فهو الإنسان القارئ، المفكر المتأمل، العامل الجاد، الصابر المثابر، المدقق الذي يتقن عمله، الذي يطلب العلم طوال الحياة، والذي يعيد النظر في أفكاره وأعماله بهدف تقييمها وتطويرها، والذي يهتم بشؤون مجتمعه ومشكلاته، والذي تتسم تصرفاته بالموضوعية بعيدًا عن الأهواء الشخصية.
ويمكن لأدب الأطفال أن يعدهم للحياة في عالم الغد، بمتغيراته وتكنولوجياته المتقدمة. وأدب الأطفال العام والخاص بألوانه المختلفة، يقدم هنا لخدمة الحياة في مناخ المستقبل: المادة المعرفية والمعلومات والمهارات والقيم، ما يعين الأطفال على التكيف مع المستقبل، والتحلي بالمرونة، والتفكير العلمي، والقدرات الابتكارية والإبداعية اللازمة لمواجهة المتغيرات الجديدة.
كما يقوم أدب الأطفال بدور مهم في إثراء لغة الطفل، واللغة- كما رأينا- وثيقة الصلة بالتفكير. وتقوم القصص والمسرحيات والأغاني والأناشيد، وغيرها من ألوان الإنتاج الأدبي، بدعم القيم والصفات اللازمة لعمليات التفكير الإبداعي والابتكاري، مثل: دقة الملاحظة، والصبر والمثابرة، والتفكير الجاد المستمر، وتنمية الخيال، والتفكير الناقد ...الخ. وألوان الإنتاج الأدبي المقدم للأطفال تصل إلى دعم هذه الصفات والقيم الإيجابية بوسائل شديدة الفعالية، مثل: التقليد والقدوة، الاستهواء (وهو تقبل آراء الآخرين ممن يعجب بهم الطفل ويقدرهم من غير نقد أو مناقشة)، والانطباعات، والاندماج ، والتعاطف الدرامي، والتقمص، وغيرها.
ويقدم أدب الأطفال قصص العلماء والمخترعين، وأهل الإبداع، ليتخذ الأطفال من حياتهم وسيرهم وتصرفاتهم نماذج وأمثلة تحتذى. كما يقدم أدب الأطفال أنماطًا للتفكير المستهدف، ونماذج للتصرف السليم في مختلف المواقف، ومن خلال تصرفات الأبطال الذين يعجب بهم الطفل ويقدرهم، فيقلد تصرفاتهم ويتبنى أساليبهم من غير تردد، على أن يكون هذا مما يخدم أساليب التفكير العلمي، والتفكير الابتكاري والإبداعي.
وكتب الأطفال التي تقدم لهم أنشطة عملية وفكرية، تقوم بدور مهم في القيام بعمليات التصنيف، واكتشاف المختلف والمتشابه، والتدرب على دقة الملاحظة، وابتكار الحلول، والخروج من المتاهة، وإكمال الصور والرسوم، وحل الأحاجي والألغاز وما إلى ذلك.
وأدب الأطفال في قصصه وبرامجه التلفزيونية والإذاعية وغيرها، يتيح مواقف تستدعي من الأطفال: دقة الملاحظة والتأمل، والربط والتعليل، والاستنتاج، وحسن إدراك الأمور، وتشجع الرغبة في تفسير المسائل وحل المشاكل، وللقصص البوليسية دور في تنمية مهارات التفكير السابقة.
(وتستطيع الكتب المدرسية- باعتبارها من أهم قطاعات كتب الأطفال- أن تنمي قدرتهم على الإبداع إذا راعت أمورًا منها:
1- عرض المادة بتسلسل منطقي.
2- عرض بعض المادة عن طريق أسئلة ومشكلات تثير قدرات الطالب على الحل والبحث والدراسة.
3- ألا تقتصر التمارين على أسئلة الاستدعاء والتذكر، بل يجب أن تتضمن أسئلة عن تحليل المواقف وإعمال الفكر، وأسئلة تقتضي من الطالب أن يعرض رأيه، ويدافع عنه ويبرره، ويبرهن على صحته.
4- أن تتضمن المادة– كلما أمكن– عرضًا لبعض المواقف التي يتضح فيها إبداع العلماء وقدرتهم على الابتكار، وأساليبهم في حل المشكلات، وفي التفكير العلمي وما إلى ذلك.
5- أن تصاحب المادة المكتوبة الصور والخرائط التوضيحية الجذابة المناسبة.
6- أن تشجع الكتب المدرسية الطالب على التعلم الذاتي.
7- أن تتضمن المستحدثات العصرية المناسبة في مجال المادة الدراسية) (نجيب، 1994).
وأدب الأطفال الناجح يحبب الأطفال في الكتب والقراءة، وكل أوعية العلم والمعرفة الحديثة، ويحقق الألفة بينها وبين الأطفال.
(يقصد بالكتابة الإبداعية قيام التلاميذ بالتعبير عن أحاسيسهم، وخلجات نفوسهم، وانطباعاتهم، عما رأوه، أو سمعوه، أو اتصلوا به، تعبيرًا نابعًا من الوجدان، وأهدافها:
تنمية قدرات التلاميذ التفكيرية.
تعويد التلاميذ على الطلاقة في التعبير.
تنمية الخيال لدى التلاميذ، وإفساح المجال لخيالهم في التعبير الهادف.
توسيع خبرات التلاميذ ومعلوماتهم، وتنمية ثروتهم اللغوية.
تدريب التلاميذ على جمع الأفكار، وترتيبها ترتيبًا مترابط العبارات.
تدريب التلاميذ على الكتابة) (الحسن، 1990: 115).
وإذا كان الطفل لا يستطيع الكتابة بنفسه (طفل الروضة مثلًا) بسبب عدم امتلاكه مهارة الكتابة بعد، فإنه يلجأ للتعبير عن أفكاره ومشاعره شفويًا، ويقوم المعلم أو المعلمة بكتابة ما يمليه الطفل.
ويمكن للمعلم أن يشجع كتابة الطالب الإبداعية بوسائل عدة، منها:
1- الدفتر الشخصي:
يتمثل الإبداع أصلًا في الكتابة الحرة خارج الصف، وبدوافع ذاتية داخلية، يكتب التلميذ إبداعه في دفتر شخصي، قد يُطلع معلمه أو زملاءه على محتواه وقد لا يطلعهم. وفي هذا الدفتر يكتب التلميذ النوع الأدبي الذي يستهويه، كقصة واقعية عاشها، أو خيالية نسج أحداثها بنفسه، أو قصيدة نظمها، أو خلجات وخواطر يجد متنفسًا في البوح بها.
2- فرص الكتابة الإبداعية في الصف:
على الرغم من أن الكتابة الإبداعية تتم أساسًا خارج الصف، فإنه قد تتوفر بعض الفرص في الصف لتشجيع الإبداع، كوقوع حادثة مؤثرة، أو مرور الصف بتجربة جمالية معينة، كمشاهدة منظر يثير الإعجاب أو فيلم أو رسم أو سماع قصة أو قصيدة وغيرها. وعلى المعلم أن يكون عونًا للتلاميذ إذا طلبوا الكتابة في أحد هذه المواضيع.
3- منابر لتشجيع الإبداع:
- حلقات للكتابة الإبداعية وأخرى للتمثيل (تشجيع الحواريات والمسرحيات، وتمثيل الملائم منها).
- صندوق البريد المدرسي لتشجيع الكتابة الشخصية المغفلة (غير الموقعة).
- قراءة نتاج التلاميذ في الصف أو في اللقاءات (بموافقتهم).
- جريدة الصف أو المدرسة.
- الإذاعة المدرسية.
- ساعات الإرشاد:
من الضروري تخصيص أوقات محددة يتلقى فيها التلاميذ الراغبون إرشادًا شخصيًا من المعلم، فيتباحث معهم في سبل رفع مستوى كتابتهم، دون أن يُملي على التلميذ ذوقه في النوع الأدبي أو الأسلوب. كما يستطيع المعلم اختيار بعض هذا النتاج، بشرط موافقة أصحابه، لإفادة تلاميذ آخرين في الصف، أو في ساعات الإرشاد (أبو خضرة وآخرون، 1995).
كتابة القصة كمثال على الكتابة الإبداعية:
لقد ذكرنا سابقًا أن من المجالات التي يمكن أن يكتب فيها الطفل: المذكرات الشخصية، والقصة، والشعر، والرسائل الشخصية، وغيرها. وسنتناول هنا بشيء من التفصيل كتابة القصة، وكيف يمكن للمعلم أن يدرب طلابه عليها.
وقد ذكر (Tompkin, 1982) في (Essex, 1996) سبعة أسباب توضح لنا أهمية أن يكتب الأطفال القصص، وهذه الأسباب نفسها تنطبق على كتابة الشعر، وفيما يلي هذه الأسباب:
1- للمتعة.
2- لتقوية التعبير الفني.
3- للكشف عن قيمة ووظائف الكتابة.
4- إثارة الخيال.
5- تنقية التفكير.
6- البحث عن الهوية.
7- لتعلم القراءة والكتابة.
والأسباب السابقة تبين مدى أهمية جعل الكتابة الإبداعية جزءًا مهمًا من البرنامج اليومي للصفوف الابتدائية. ومن المهم توضيح هذه الأسباب للإداريين والآباء، الذين قد يعتبرون الكتابة مجرد لعب عابث لا يفيد أطفالهم.
ويجب أن يستمتع الأطفال بالكتابة الإبداعية، ويجب أن تتاح لهم فرصة اختيار مواضيع وطرق الكتابة. وعلى المعلمين أن يؤكدوا للطلاب أن القصة الجيدة تتطلب تتابعًا منطقيًا وتسلسلًا حقيقيًا؛ لذلك يجب أن يكون كاتب القصة عالمًا بتفاصيل الأشياء التي يكتب عنها، وكذلك مدركًا وملمًا بكثير من الأشياء التي حوله، وفي عالمه.
قد يكون من الصعب على الطالب أن يدرك معنى (قصة)، فهو قد تعرض للعديد من القصص منذ الصغر، سواء بالاستماع إليها أولًا، ثم بقراءتها بنفسه ثانيًا. وهو قد يدرك معنى القصة بطريقة حدسية في البداية. وبعد ذلك ينمو مفهوم القصة لديه من خلال قراءة القصص في الصف، وبعد ذلك مناقشتها، وهو أمر مهم جدًا، فإذا تمت عملية مناقشة القصة بطريق ناجحة، فإن الطالب يبدأ بملاحظة أوجه الشبه والاختلاف بين الكتب ذات أساليب الكتابة المختلفة، وكذلك ذات المحتوى المختلف، ويبدأ بتشكيل فكرة عن الأساليب وأنماط البناء التي تتبعها القصة عادة.
ومناقشة القصة تكون من خلال تحليل عناصرها (الشخصيات، الزمان، المكان، الأحداث، الفكرة المركزية والمغزى، الأسلوب والألفاظ) وكل ذلك بطريقة مبسطة تناسب المرحلة العمرية للطفل.
وقد يكتب القصة طالب واحد، وقد يكتبها مجموعة من الطلاب، أو طلاب الصف جميعهم، وتسمى القصة في هذه الحالة (القصة الجماعية).
مفهوم القصة الجماعية: هي القصة التي يقوم بتأليفها مجموعة من طلاب الصف أو جميعهم بمساعدة المعلم وإرشاده غير المباشر، معتمدين في ذلك توارد الأفكار، وقصف الأذهان وابتكار الكلمات، التي تتم في بيئة اجتماعية تخلق فيها فعاليات التعلم والأنشطة المتنوعة داخل الصف بشكل جماعي وتعاوني مكمل.
ويتم تأليف القصة الجماعية بإحدى الطريقتين التاليتين:
1- يؤلف طلاب الصف القصة كاملة.
2- يقسم الصف إلى مجموعات، وتؤلف كل مجموعة قصة مختلفة عن الأخرى.
خطوات كتابة القصة من قبل جميع طلاب الصف:
تبدأ القصة بجملة من المعلم أو الطالب.
يكوِّن الطلاب جملًا مفيدةً وذات صلة بالجمل الأخرى لإكمال القصة.
يكتب المعلم الجمل على السبورة بعد سماعها من الطلاب.
يقوم الطلاب بمساعدة المعلم بالتصحيح بالحذف أو الإضافة، مع الاهتمام بعلامات الترقيم.
بعد الانتهاء من كتابتها، تقرأ من قبل المعلم ثم الطلاب.
يختار الطلاب عنوانًا مناسبًا للقصة، وتوقع باسمهم.
يمكن كتابة القصة على لوحة كرتونية تعلق على الحائط داخل الصف.
تتم قراءة القصة عدة أيام متتالية من قبل الطلاب وبمساعدة المعلم، وتجري خلال هذه الأيام فعاليات متنوعة حول القصة نفسها.
تأليف القصة ضمن المجموعات:
كل مجموعة تؤلف قصة باتباع الطريقة السابقة في تكوين الجمل.
طريقة أخرى أن يوزع المعلم على كل مجموعة عدة صور، وتقوم المجموعة بتأليف قصة حولها حسبما يراها أفراد المجموعة نفسها، أو حسبما توحي هذه الصور لهم.
وعندما يكتب الأطفال القصة، لا نتدخل في رؤيتهم الخاصة للأمور، فلا نتدخل في سير الأحداث مثلًا، أو في اختيارهم لأسماء الشخصيات، ونشجعهم على إضافة الرسومات لكتاباتهم؛ فقد يعبر الطفل بالرسم عما لا يستطيع التعبير عنه بالكلمات، كما أن استخدام الألوان يبهج نفسه، ويضفي قيمة جمالية على عمله الإبداعي.
قد يخشى بعض المعلمين من إبداء الملاحظات حول كتابات الطلاب الإبداعية، لأن ذلك حسب اعتقادهم قد يكون عملًا غير موضوعي وغير عادل؛ ولذلك يمكن جعل الطلاب يقومون بقراءة أعمال بعضهم البعض وإبداء الملاحظات حولها، وذلك يكون مفيدًا لكل من القارئ والكاتب. والكثير من الأطفال يتقبلون الملاحظات من زملائهم أكثر من تقبلهم لملاحظات معلميهم.
كما ذكر سابقًا، فإن الكثير من المعلمين يرون أن الكتابة الإبداعية أمر مستحيل تقييمه، وأن أي شكل من أشكال التقييم هو بالضرورة ذاتي، وبالتالي غير عادل. وبناءً على ذلك، فإنهم يعتقدون أنه إذا لم يكن بالإمكان الحكم على عمل الطالب بعدالة، فإنه لا توجد هناك طريقة للمراقبة الدقيقة لنموهم وتطورهم.
وقد أدركت (Glazer, 1994) في (Essex, 1996) هذه المخاوف، ولكنها تقول إن التقييم يمكن أن يكون عمليًا، ومفيدًا، وعادلًا، وذلك بأن يضع المعلم معايير تقييم واضحة وثابتة للعمل الذي سيتم تقييمه. وتركز هذه المعايير على مهارات الكتابة مثل: الوصف، والتنظيم، وعلامات الترقيم، بالإضافة إلى انطباع المعلم العام عن جودة العمل، أو المقارنة بأعمال الطلاب الأخرى. وهذه المعايير قد توضع بناءً على قوة أو ضعف التلاميذ، وقد تعدل حسب تطور قدرات الطفل.
نشر عمل الطالب الإبداعي أمر مهم جدًا، ويمكن نشر عمل الطالب في عدة مواقع مثل: النشرات الشهرية أو السنوية التي تصدر عن المدرسة ونشاطاتها، أو في مجلة الحائط. ويمكن تشجيع الطالب على نشر عمله في مجلات الأطفال، أو الصفحة الخاصة بالأطفال في الصحف. وعندما يرى الطالب عمله منشورًا، فإن ذلك يكون مصدر فخر له، وطريقة لمشاركة كتابته الإبداعية مع عائلته وزملائه. والنشر يزود الطالب بدافعية للقيام بالمزيد من مراجعة العمل والتصحيح اللازمة في الطباعة.
وقد يتم استبدال النشر بتقديم عمل الطالب للجمهور من خلال مسابقة كتابية مثلًا، أو بقراءة عمل الطالب الإبداعي في الاحتفالات المدرسية، أو في الإذاعة الصباحية.
إن الكشف عن الأطفال المبدعين ورعايتهم، ليس بالأمر السهل، بل أمر يحتاج إلى تخطيط تربوي، وحشد هائل للطاقات المادية والبشرية.
وتقع على عاتق الأسرة والمدرسة كمؤسستين تربويتين مسؤولية احتضان الأطفال ورعايتهم، والبحث باستمرار عن القدرات الكامنة فيهم، وجعلها تظهر في أعمال إبداعية تعبر عن أفكارهم ومشاعرهم.
ويجب أن تتوفر للطفل البيئة المساندة للإبداع، ومن ميزات هذه البيئة أنها داعمة لشخصية الطفل، فهي تقدره لذاته وتوفر له الأمن النفسي الذي يستطيع في ظله أن يعبر عن أفكاره بحرية، وأن يظهر أعماله الإبداعية. ومن ميزات البيئة المساندة أيضًا أنها داعمة للقراءة، والمقصود هنا قراءة أدب الأطفال الذي يقوم بوظائف التربية الجمالية والأخلاقية والنمو اللغوي.
وهناك علاقة جدلية بين القراءة ومفهوم الإبداع، فالقراءة تدفع الأطفال للإبداع، الذي بدوره يزودهم بالثقة بالنفس، وبطرق ذات معنى لاستخدام اللغة، وأخيرًا يشجعهم على القراءة أكثر، وهكذا تبدأ الدائرة من جديد.
والكتب المدرسية جزء من أدب الأطفال، فهي نتاج عقلي مدون في كتب موجهة للأطفال، ولذلك عليها أن تراعي الخصائص العقلية والنفسية لهم. ويجب أن تشتمل الكتب المدرسية على الكثير من النماذج الأدبية الشائقة والجميلة (القديمة والحديثة) التي تمتع نفس الطفل بقراءتها، وتنمي ثروته اللغوية، وتوسع آفاقه الفكرية، وتجعله يتصل فكريًا وعاطفيًا بأفراد الشعوب الأخرى، فيخلق لنفسه أصدقاء من الكتاب، وأصدقاء خياليين من شخصيات القصص.
وعندما يقرأ الطفل كثيرًا، ويتذوق فنيًا النصوص التي يقرأها، تتغذى ميوله وقدراته الإبداعية، وقد يصبح راغبًا في الكتابة بنفسه، وهنا يأتي دور الوالدين لتشجيعه، ودور المعلم في المدرسة ليأخذ بيده ويدربه على الكتابة. وعلى المدرسة أن تضع خططًا لتدريب الطلاب على الكتابة الإبداعية، فلا يبقى الأمر خاضعًا للصدفة، ومزاج المعلم، وفسحة الوقت.
.