حينما تجلت رحمة الله على هذا العالم، وأراد الله له الهداية، بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم بخير كتاب كريم، يهدي إلى أقوم سبيل، وبذلك استنارت الدنيا بهذا المصباح السماوي المبارك، وسطعت شمس الهداية الربانية، على يد هادي البشرية، ومنقذها من الضلال، صلى الله عليه وسلم، الذي كانت رسالته رحمة عامة.
وبذلك شهدت الإنسانية نورا عاما في مناحي الحياة، نورًا في العقيدة، وحكمة في التشريع، وعظمة في الأخلاق، وضياء في المعرفة الكونية، وهداية لأقوم السبل، هداية عامة مباركة للحياتين الدنيا والآخرة، بأسلوب في أعلى مراتب البلاغة والفصاحة، مع إعجاز عام في كل أنواع المعرفة، فالقرآن بحر لا ساحل له، وتقدم العلوم والمعارف يكشف عن بعض ما في القرآن من معان تتحدى أساطين الكشف والاختراع.
وفى دراسة بمجلة الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، بعنوان (أثر الاستعمار في مناهج التربية والتعليم في بعض البلاد العربية)، يرى الباحث محمد المهدى، أن المسلمين ظلوا على خير حال إلى أن ابتعدوا عن مصدر عزهم ومجدهم، وأهملوا كتاب ربهم، وفقدوا صلتهم بأخلاق القرآن وآدابه وهديه.
درج المسلمون في عصورهم الزاهية الأولى؛ أيام مجدهم، وعظمتهم، وعزتهم، على العناية بكتاب الله؛ مصدر الهداية الحقة، ومصدر الخير والحق والنور، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد كان الهادي الأمين صلوات الله وسلامه عليه يوجه عنايته التامة إلى كتاب الله عز وجل، لقد أنس بكتاب الله، رأى نور الله في التنزيل الرباني. الذي أحكمه مبدع السماوات والأرض، فعكف على ترتيل كلام الحق جل شأنه، متدبرا ما توحي به الآيات المباركة من فيض المعاني الربانية وما فيها من أسرار قدسية، ويجد أسعد أوقاته في رياض القرآن تاليا ومستمعا ومتدبرا لما ترشد إليه آيات الذكر الحكيم، ويقوم صلوات الله وسلامه عليه، يقوم الليل الطويل مرتلا للقرآن الكريم، ترتيلا لم تشهد الدنيا أجمل منه، يناجي المولى بحديث اختاره الله بعلمه، وأحكمه بقدرته، يتلو كتاب الله في السحر فتسيل عبراته على وجناته، مبللة لحيته الشريفة المباركة يرجو الله، ويستمطر رحمته، ويطلب عفوه، ويستعيذ من عقوبته، يطلب رضوان الله، ويسأله الجنة، واللطف بأمته.
ويأتي السلف الصالح رضوان الله عليهم فينهج سنة سيد القائمين والقانتين في العناية بكتاب الله تلاوة وعملا، ويحكمون كتاب الله في كل شيء من أمور دينهم ودنياهم، فكانت لهم السعادة، وتكونت الأمة الإسلامية في أوج عظمتها وسيادتها، فقهرت الفرس والروم، وزلزلت عروش الأكاسرة والقياصرة، ودانت لهم البلاد بالنصر والفتح المبين وصحبهم نصر الله، ونصر الله للمؤمنين الصادقين المجاهدين في ظل راية القرآن وهداية القرآن الكريم؛ وصدق تبارك وتعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}.
إن هذا النور الإلهي يهدي ويوصل للتي هي أحكم وأقوم وأعدل، يهدي لأقوم الطرق وأرشدها وأكملها.
ساد المسلمون العالم بعلمهم وأخلاقهم ورقيهم المستمد من الكتاب والسنة.
ثم ضعف المسلمون وانهال عليهم المستعمر في قوة وعنف عن طريق الغزو الفكري والثقافي، ويبدو في وضوح في الأمور الآتية: الإرساليات التبشيرية، المدارس الأجنبية، البعثات التعليمية، والسيطرة على التعليم والتحكم في مناهجه وتوجيهها وجهة رسمها المستعمرون لتحقيق أهدافهم وأغراضهم.
ومنها المدارس التي أنشأتها زاعمة أنها للعلم والتهذيب وهي لصبغ أبناء المسلمين بصيغة إلحادية، وإبعادهم عن فهم الإسلام وتعالميه، وإخراج جيل بعيد عن الإسلام عقيدة وروحا وشعورا.
ومنها البعثات التعليمية التي تختار من بين المعروفين بميولهم الإلحادية. هذه لمحات سريعة عن خطر الإرساليات التبشيرية والمستشفيات التبشيرية، والمدارس الأجنبية التي تغزو بعض بلاد المسلمين خاصة في أفريقيا.
وأخطر شيء في هذا الغزو إنما هو الاستعمار الثقافي أو الغزو الفكري الذي يحطم العقيدة والأخلاق، ويمحو شخصية الفرد والأسرة والمجتمع فيصبح الفرد منتميا للإسلام بالاسم فحسب، وتتعرض الأسرة لعوامل التحلل والتفكك ويفقد المجتمع أهم مقوماته كمجتمع مسلم ينتمي إلى الإسلام ويهتدي بهداه، ويصبح المجتمع مسلما اسما فقط بعد أن تلاشت منه مبادئ الإسلام وأركانه وأخلاقه وآدابه وعاداته وتقاليده، ومما يتوسل به الاستعمار إلى هذه الأهداف دور الخيالة (السينما) والإذاعة والصحافة، وأجهزة الإعلام عامة، فيشجع عرض الروايات الخليعة الفاجرة، وترسل الإذاعة الأغاني التي تنافي الفضيلة والحياة، وتسير الصحافة الخليعة في هذا التيار المنحرف.
ولقد تحدث الكثير من الكتاب المصلحين وقادة الرأي الإسلامي عن خطر هذه التيارات المنحلة التي هي من آثار الاستعمار والطغيان، وأوضحوا للعالم الإسلامي خطورتها على المجتمع الإسلامي.
- الحرب على الإسلام والعربية:
من هذه المقدمة يظهر لنا في وضوح جانبا من الحرب الاستعمارية الفكرية ضد المسلمين، بيد أن أخطرها وأعنفها إنما يتمثل في السيطرة على التعليم والتحكم في مناهجه، وتوجيهها وجهة تحقق أهداف المستعمر وتنفذ أغراضه ومراميه.
إن القرآن هو سبب سيادة المسلمين وعزتهم ومجدهم، والاستعمار يريدهم دويلات مفككة ضعيفة، بل يريد لها المحو والفناء إن استطاع، فبعد أن حطم مركز الخلافة الإسلامية قام على الأمم الإسلامية ينشر فيها الفساد العام في كل نواحي الحياة: في السياسة والثقافة والقانون والأخلاق والاقتصاد والدفاع.
لقد كتب الاستعمار صفحة سوداء من الخسة والنذالة والاستبداد والعدوان والإجرام الوحشي، ويوم يكتب تاريخ الاستعمار في أفريقية وآسيا سيسجل على المستعمرين أفظع ما عرفته الإنسانية من إجرام.
جاء دنلوب إلى مصر موجها لمدارس الحكومة، منفذا لسياسة الاستعمار العدوانية، وقد ذكر الدكتور محمد البهي في محاضرة له بعنوان (مستوى الكفاية الفنية للتعليم في مصر) ما يلي: «الإسلام واللغة العربية عاملان مقومان لشخصية الشعب العربي والشعب المصري على السواء، اتجه الغرب المستعمر في مصر إلى إضعاف اللغة العربية والإسلام، ونفذ إلى ذلك عن طريق التربية والتعليم، فقد عمد أولا إلى إخلاء مناهج التعليم في الابتدائي والثانوي إذ ذاك من الدين الإسلامي فضلا عن التعليم العالي، ثم جعل لغة التعليم هي اللغة الإنجليزية عدا دروس اللغة العربية، وهذه هي الخطوة الثانية.
وأضاف إلى هاتين التقليل من دروس اللغة العربية في مناهج التعليم. ثم يقول فضيلته: «والاستعمار في مصر كشف في سياسته الاستعمارية للتعليم المصري عن هذا الهدف، فاللورد كرومر، ينص في كتابه (مصر الحديثة) على الصلة بين إضعاف اللغة العربية وخلخلة الإسلام في نفوس المصريين وبين استقرار الاحتلال البريطاني والتقدم المدني في التعليم في مصر الذي يساعد على التعاون بين الشرق والغرب، فكلما ضعف مستوى اللغة العربية وتخلخل الإسلام سنحت الفرصة لثبات الاحتلال من جانب، وللتقدم المدني من جانب آخر، الأمر الذي يجعل الشعب يقبل على الاتصال بالغرب على أنه سيد وموجه، وأصبحت السياسة التعليمية في عهد الاستعمار ترتكز على دعامتين:
الدعامة الأولى: إضعاف الأزهر بعزله عن الحياة التعليمية العامة.
الدعامة الثانية: رعاية التقدم المدني في التعليم، وهذا التقدم يرتكز بدوره على إبعاد الثقافة الإسلامية إبعادا تاما عن مناهج التعليم وعلى تشويه تاريخ العرب والمسلمين وفي الوقت نفسه إحلال تاريخ أوروبا والشعوب الأوروبية محل التاريخ العربي ولإسلامي.
ثم يورد هنا مقترحات المستر (بول اشميد) في كتابه (الإسلام قوة الغد) وتتلخص في أن يتضامن الغرب المسيحي شعوبا وحكومات، ويعيدوا الحرب الصليبية في صورة أخرى ملائمة للعصر الحديث، ولكن في أسلوب نافذ وحاسم، ويثني على سياسة البريطانيين في مصر بالنسبة للجانب التعليمي، ولكنه يأخذ عليهم أن الأزهر لم يزل بابه مفتوحا لأبناء مصر والوافدين عليه من أبناء العالم الإسلامي ويناشد البريطانيين أن يفعلوا بالأزهر كما فعل الفرنسيون بجامعة الزيتونة في تونس، وبالقيروان في الجزائر، وتثني على موسوليني في منعه طلاب ليبيا من الالتحاق بالأزهر في مصر بإنشائه في الحبشة معهدا إسلاميا يلتحق به أبناء المستعمرات الإيطالية في أفريقية له مظهر الأزهر وجوهر التعليم فيه إيطالي النزعة، وهي نزعة الاستعمار الغربي القائم على تفكيك الشخصية الإسلامية... ثم ترك الاستعمار تلاميذه يوجهون القيادة التربوية.
هذه لمحات خاطفة ومرور عابر، وصورة سريعة عن جانب من تاريخ الاستعمار في المجال التربوي بمصر في فترة من الزمن انقضت إلى غير رجعة، وكان الحال في المستعمرات الفرنسية والإيطالية والهولندية وغيرها أسوأ حالا، فالاستعمار هو الاستعمار في كل زمان ومكان.. وشاءت إرادة الله أن يكون مصرع الاستعمار على أيدي رجال الأزهر، كما كان مصرعه في البلاد الأخرى على أيدي العلماء الذين يجاهدون في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله، فنصرهم الله: «إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ».
من النصوص السابقة نرى في وضوح كيف بنى التعليم المدني، وكيف أسس وكيف غذى بتوجيهات معادية للإسلام.
وعلى الرغم من المحاولات التي بذلت في هذا الموضوع من أجل التقريب بين التعليم المدني وبين الصيغة الدينية وذلك بإدخال بعض المذكرات والمختصرات في العلوم الدينية والعربية هل وصلنا إلى الهدف الذي ننشده من التربية الإسلامية؟ هل وجدنا جيلا صالحا؟ هل رأينا شبابا قويا في إيمانه وعقيدته، قويا في أخلاقه وسلوكه، قويا في رأيه وعمله في الحياة من أجل الإسلام والمسلمين؟ هل رأينا شبابا يهتدي بنور القرآن وهدي الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم ويقتدي بالسلف الصالح رضوان الله عليه؟
إن الحكم على التعليم المدني إنما يكون بحسب النتيجة والمشاهدة، وقديما قيل: «إنما تعرف الشجرة بثمرها».
وسنضع الآن الثمرة على بساط البحث والمشاهدة، ولنشترك جميعا في رؤيتها بالمنظار المكبر.
إننا الآن أمام مرحلتين من أجل بناء المجد الإسلامي، وإعادة تكوين الأمة الإسلامية الخالدة ذات التاريخ المجيد، المرحلة الأولى مرحلة التطهير والتصفية من آثار الاستعمار عامة، والمرحلة الثانية مرحلة البناء الجديد على أساس من الكتاب والسنة وعمل الصحابة رضوان الله عليهم على أساس من التقوى وحسن الصلة بالله على أساس من القوة العامة قوة الإيمان، وقوة العمل، قوة العلم، وقوة الاختراع والابتكار.
فالمسلم يرى الكون كله مجالا للعمل لما يرضى الله تبارك وتعالى، فهو خليفة الله في أرضه، فلا بد أن يمسك مقاليد الخلافة بعزم، يأخذ الكتاب بقوة، حتى يصدق عليه قول الله تبارك وتعالى: «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ».
المرحلة الأولى وهي مرحلة التصفية والتطهير من آثار الاستعمار عامة وفي مناهج التعليم خاصة.
لقد خلف الاستعمار تركة خبيثة في كثير من المجالات وأهمها:
أولا: الناحية التشريعية والقضائية.
ثانيا: الناحية النسائية وبعدها عن الدين، وعدم تمسكها بالآداب الإسلامية.
ثالثا: بعد الشباب عن التمسك بالأخلاق الكريمة.
رابعا: أجهزة الإعلام.
خامسا: تشويه الثقافة الإسلامية.
سادسا: ثنائية التعليم، وتمزيقه، وعدم وحدته.
- الناحية التشريعية والقضائية:
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن هداية ونورا لكل ما يسعد الإنسان في دنياه وأخراه، ومن ثمار هذه الهداية الربانية الهداية في الأحكام، ولقد سعدت الأمة الإسلامية في عصورها الزاهية المباركة بنعمة العمل بكتاب الله سبحانه وتعالى، فعرف الناس نعمة الهدوء والأمن والاستقرار، وعاشوا في ظلال حياة وارفة الظلال طيبة الثمار الحياة السعيدة، الحياة الحقة الهادئة الطيبة المباركة، وصدق الله سبحانه وتعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ».
ثم جاءت عصور الضعف، وجاء تلاميذ المدارس الاستعمارية، جاءوا حاكمين وموجهين، فأبعدوا الناس عن كتاب الله وعن نور الله وعن هداية الله، واستعاضوا عنها بالقوانين الوضعية التي هي من صنع البشر وتركوا قوانين السماء المعصومة عن الخطأ، أعرضوا عن هدي الله وعن نوره، فماذا كانت النتيجة؟! لقد كثرت حوادث السرقة وتعددت جرائم السلب والنهي، واجترأ اللصوص على القتل من أجل المال ومن أجل السرقة.
أعرض أصحاب القوانين الوضعية عن هدي الله ونوره، لأنهم أغرموا بثقافات أجنبية، بعيدة عن الإسلام، على أن هذه القوانين الوضعية أضلت أهلها، وكانت سببا في شقائهم ثم أنها في تغير وتبدل مستمرين.
لقد رسم القرآن طريقا لسعادة المرأة، رسم لها طريق الهداية، وأوصى بها خيرا، وأمر بمعاملتها بالمعروف والرفق بها والرحمة والشفقة، ولين الجانب في معاملتها.
والمصطفى صلى الله عليه وسلم ضرب أعلى مثل قولا وعملا في سلوكه مع أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن ومن أحاديثه الطيبة المباركة صلوات الله عليه وسلامه: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».
ويعلنها المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم صريحة واضحة قوية مجلجلة تسير مع الزمن، وقد سجلت في سجل الخلود يعلن الوصية بالنساء في حجة الوداع في خطبته المباركة التي هي أعظم قانون يسير عليه البشر، يقول الهادي الأمين صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله في نسائكم أخذتموهن بأمانة الله»، وهل هناك شيء أعظم من الأمانة، الأمانة في أدق صورها وأكملها، وأجملها وأسماها؟ ولكن الاستعمار حاول اللعب بقضايا المرأة وجعلها سلعة للجمال الرخيص المدنس.
ما أسعد المرأة في ظل الإسلام، وما أسعد الإنسان بالمرأة الصالحة التقية النقية، وما أسعد المجتمع بالنساء المؤمنات الفاضلات اللاتي يوجهن النشء إلى الآداب الإسلامية المباركة، ويربين الجيل على الفضيلة ومكارم الأخلاق، لأنهن مصدر خير ومنبع فضل، ومشرق نور وهداية.
والإسلام غني بالمثل العليا للسيدات المسلمات اللاتي تربين على مأدبة القرآن ونشأن في ظلال الإسلام، وفي مقدمتهن السيدة الفاضلة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، التي حباها الله عقلا راجحا، وحكمة بالغة، فسعدت برسول الله وسعد بها الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه.
والفضل والمنة لله جل جلاله الذي أنزل الكتاب نورا وهداية يرسم للبشرية طريق السعادة في الدنيا والآخرة: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».
- بعد الشباب عن التمسك بالأخلاق الكريمة:
من المسلم به أن سلوك الشباب يرجع إلى أمرين:
أ- البيئة التي يعيش فيها.
ب- والثقافة التي ينهل منها، ويغذى روحه بها.
فإذا ما صلحت البيئة، وصفت الثقافة التي ينهل منها كان هناك شباب طاهر تسعد به الأمة الإسلامية.
رسالة أجهزة الإعلام رسالة توجيه، فإن وجهت إلى الخير كان الخير سائدا، وإن وجهت إلى الشر أصبح الشر مستطيرا، وحينما ننظر إلى أجهزة الإعلام في غالب الدول نرى طابع الانحراف يغلب على كثير من مناهجها، ونرى تلاميذ المدرسة الاستعمارية يحاولون السيطرة على هذه الأجهزة الهامة.
إذن فهذه الأجهزة الإعلامية تحتاج إلى تطهير على أيدي علماء عرفوا سعة الاطلاع واليقظة للدسائس.
فقد حدث على مرحلتين:
المرحلة الأولى: يوم أن ترجمت ثقافة اليونانيين وهي ثقافة إلحادية واعتبارها أساس التنوير، فانهال على المسلمين صراع جدلي عنيف، ونشأت فرق كلامية وعكف فريق على هذه الدراسات، وتشعبت بمرور الزمن، لقد كان المسلمون في عصورهم الأولى ينهلون من ينابيع صافية. فيها شفاء للناس، كانوا ينهلون من مصادر معصومة عن الخطأ، من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمرحلة الثانية من العدوان على الثقافة الإسلامية يوم أن جاء المستعمرون، ويوم أن جاء المستشرقون. ومُكن العبث بالتراث الإسلامي، ونشرت الآراء الإلحادية المارقة، وبُثت الشبهات والضلالات بين أبناء الجامعات الشرقية، ودسوا كثيرا من الكذب والزور والبهتان في التاريخ الإسلامي وفي السيرة النبوية المطهرة، وكان لهم أذناب من كبار رجال السياسة والأدب والفلسفة هذا هو الطابع العام لأغلب المستشرقين إذ كانوا عملاء لدى وزارت الخارجية للدول المستعمرة.
على أن البعض منهم قد خلت نفسه من التعصب والحقد والكراهية فقدم خدمات علمية، على أنه يجب قراءتها بحذر.
- الحديث عن ثنائية التعليم وتمزيقه وعدم وحدته:
ساهم المستعمر إنشاء التعليم المدني وتقويته وخطط له ووجهه بحسب أغراضه وأهدافه ومراميه التي منها الطعن في الإسلام، والحرب على اللغة العربية وفي الوقت نفسه يعمل على إضعاف التعليم الديني، ويعمل على عزل المتعلمين تعليما دينيا عن الحياة وعن القيادات أيا كانت، على هذا الأساس قام التعليم المدني، ومن ثم تظهر لنا في وضوح الأمور التالية، وهي أمور تنذر بأخطر العواقب وقد برزت بنتيجتها المحزنة في كثير من البلاد الشرقية، وعلى الغيورين على الإسلام أن يبادروا إلى دراستها على نطاق واسع ومعالجتها، والله المستعان.. أهم مظاهر ذلك:
أولا: تقسيم التعليم امتداد لإضعاف التنشئة على مبادئ الدين الإسلامي رويدًا رويدًا.
ثانيا: تقسيم التعليم تطبيق عمليا لمبدأ فصل الدين عن الدولة وتنفيذ لمبدأ (دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله) .
ثالثا: تقسيم التعليم تطبيق لمبدأ العلمانية.
رابعًا: تقسيم العلوم معول هدام في صرح وحدة الأمة.
خامسا: تقسيم التعليم حرب على الثقافة الإسلامية.
سادسا: تقسيم التعليم يسبب انزواء التعليم الديني.
سابعا: تقسيم التعليم خرج جيلا ضعيفا متهافتا غير أمين على مقدسات الإسلام.
العلماء عليهم أن يبلغوا وأن يوضحوا، عليهم أن يتعاونوا ويتحدوا، وأن يقوموا بنشاط هائل في المنظمات الإسلامية، وفي أجهزة الإعلام عامة، وفي نشر الرسائل، وفي كل ميدان يتأتى فيه التبليغ، وهذا واجب العلماء الذين يريدون الله والدار الآخرة.
إن العلاج يقتضي إعادة التخطيط لمناهج التعليم من جديد، لتكون مرجعيتها إسلامية صافية مشرقة نيرة واضحة.
إن العلاج يتطلب وضع نظام تربوي جديد، يهدف إلى تكوين الشباب المسلم القوي في دينه، القوي في خلقه، القوي في علمه وتخصصه في علمه بالحياة وما يجري فيها، وكيف يملك زمام الاختراع والابتكار والكشف والعمل والصنع.
إن الإسلام يبحث العلم الكوني بطابع الرحمة والخلق والنفع العام، لا من أجل التدمير والإهلاك.
فلماذا ينعزل علماء الدين في جانب آخر؟ إن هذا الانعزال إنما هو نتيجة لتوجيهات خاطئة.
إن بحوث علماء الإسلام في العصور السابقة انتفع بها الغربيون في نهضتهم وفي أبحاثهم في الكيمياء والرياضيات والفلك والطب والأخلاق ومعرفة البلدان. فلماذا نتخلى عن هذا المجد العظيم؟
تتلخص هذه الطريقة في وضع جوهر التربية إسلامية الأصلية في إطار حديث فنجمع بين صفاء الجوهر وجمال العرض.
أولا: نبقى على مراحل التعليم في وضعها الحالي: المرحلة الابتدائية – المرحلة المتوسطة – المرحلة الثانوية – المرحلة الجامعية – مرحلة الأستاذية، ثم نأخذ جوهر التعليم والتربية الإسلامية ونضعها في هذا الإطار، وتكون المواد والمناهج كالآتي:
المرحلة الابتدائية: مدتها ست سنوات تبدأ في السادسة أو الخامسة والهدف منها أولا حفظ القرآن جيدا، وحفظ الأحاديث النبوية، ودراسة السيرة النبوية في صورة مبسطة، وضرورة من حياة الصحابة رضوان الله عيهم، العبادات عمليا مع الشرح المبسط، غرس مكارم الأخلاق والحديث عن أمهات الفضائل، تحسين وإجادة الخط، إجادة مادة الإملاء، بسائط مادة الحساب، تضاف مواد أخرى تراها اللجان الفنية النقية المؤمنة بحيث لا تقلل من الأهداف السامية السابقة ولا تعتدي على الوقت المخصص لها ولا يتسبب عنها إرهاق عقلية الطفل، وتنبني هذه الطريقة على أساس من علم النفس والتربية إذ من المعلوم أن الإنسان في حداثة سنة تقوى فيه ملكة الحفظ، وتثبت عنده الفضائل التي شب عليها.
وينبغي أن تكون المدرسة الابتدائية وسط حديقة مبسطة، فيها الزهور والثمار، وفيها أيضا بعض الطيور الألفية، فيتذوق الطفل معاني الحياة الطيبة، وينشأ بين جمال الخلق وجمال الطبيعة وينبغي أن يمرن الطفل على بعض الأعمال التي تناسب قوته وميوله من أجل أن ينشأ عصاميا، ومن أجل أن ينشأ رجل الحياة والمستقبل.
المرحلة الإعدادية:
يتعلم فيها التلميذ بسائط من المواد الهامة التي تراها اللجان الفنية مع العناية بدروس الدين واللغة العربية.
المرحلة الثانوية:
وهي حلقة الاتصال بين التعليم المتوسط وبين الجامعة، وتنبني المرحلة الثانوية على التخصص المبكر وهي طريقة نهضت بها بعض الدول من كبوتها، وامتلكت بها زمام التقدم العلمي والصناعي.
أما خلفاء الاستعمار وتلاميذهم فيتخمون هذه المرحلة بمناهج كاملة في مواد مختلفة فيرهقون أعصاب التلاميذ، ويتخمون عقولهم بعلوم لا يحتاجون إليها في التعليم الجامعي، وسريعا ما ينساها التلميذ على أنه لم يأخذ المقدار الكافي ولم يتخصص في العلوم التي تعده لأن يكون قويا في الجامعة، وكثيرا ما شكا أساتذة الجامعات العلمية من ضعف المستوى الجامعي الناتج عن عدم الإعداد الفني في المرحلة الثانوية، وهذا من عيوب الوضع الحالي، أما الطريقة الحديثة والنظرية التي ينادي بها رجال التربية، فهي نظام التخصص المبكر.
تعتمد هذه الطريقة على التخصص المبكر، فتقسم المدارس بحسب حاجة الوطن والبيئة، فمثلا: ثانوي طب، ثانوي زراعة، ثانوي هندسة، ثانوي ميكانيكا، وتسترسل في الأقسام بحسب حاجة البيئة وإمكانياتها.
فالمدرسة الثانوية للطب تدرس علوم الدين واللغة، ومبادئ ومقدمات وعلوم تتصل اتصالا وثيقا بتخصصه في الجامعة.
والمدرسة الثانوية للزراعة تدرس علوم الدين واللغة، وعلوما تتصل بتخصصه في الجامعة.
وهكذا الثانوية في الهندسة والطيران والملاحة وأبحاث البترول والمعادن إلى نهاية هذه الفروع، وبذلك نضمن تخريج علماء في الناحية الدينية والمدنية، ونفهم هذه العلوم فهم عبادة وتفكير في ظل تعاليم القرآن وهدي القرآن وتوجيهاته، ثم تكون المرحلة الجامعية متممة للمرحلة الثانوية، وتتلاقى معها تلاقي الزهور اليانعة بالثمار الحلوة الشهية وبذلك نقضي على ما نحن فيه الآن.
.