عطًل تفشي فيروس كورونا الدراسة في العديد من دول العالم من بينها بعض الدول العربية التي اتخذت قرارات بغلق المدارس فيها، فيما أعلنت دول أن لديها خططا بديلة تتمثل في التعليم عن بعد، ووقفت دولا أخرى حائرة لا تعرف كيف تخرج من هذا المأزق لضعف إمكانيتها وقلة خبرائها في مجال المنظومة التعليمية.
لا أحد يعلم هل ستستطيع الحكومات القضاء على فيروس كورونا خلال هاذين الأسبوعين أم تستمر الأزمة إلى أيام وشهور أخرى؟ وهل سيعود الطلاب إلى مدارسهم وجامعتهم أم ستضطر الحكومات إلى استمرار غلق أبواب المدارس والجامعات لاستمرار تفشي الوباء؟
أظهرت هذه الأزمة التي تجتاح العالم مدى إمكانيات الدول واستعداداتها لمثل هذه الأزمات خاصة في مجال التعليم، وهو ما ترجمته بإبداع «التعليم عن بعد» وتوفير الإمكانيات وتدريب الطلاب على مثل هذه الظروف، في الوقت الذي لم تهتم بعض الدول الديكتاتورية إلى التعليم والبحث العلمي وعملت على توطيد دائم أركانها بالإنفاق على المؤسسات العسكرية الحامية لها فقط.
فالتعليم عن بعد له طرق عدة لا تقتصر فقط على الإنترنت الذي يعتبر جزءًا من التعليم عن بعد، فهناك القنوات التلفزيونية وهناك الأسطونات المدمجة، وغيرها، وصل الآن أن يقوم المعلم بالشرح لطلاب في أماكن جغرافية مختلفة في أنحاء العالم في وقت واحد.
ويعتمد مفهومه الأساسي على وجود المتعلم في مكان يختلف عن المصدر الذي قد يكون الكتاب أو المعلم أو حتى مجموعة المدرسين.
وهو نقل برنامج تعليمي من موضعه في حرم مؤسسة تعليمية ما إلى أماكن متفرقة جغرافيًا. ويهدف إلى جذب طلاب لا يستطيعون تحت الظروف العادية الاستمرار في برنامج تعليمي تقليدي.
ولقد ساعد التعليم عن بعد كثيرًا من الدول المتقدمة في سد النقص في أعضاء هيئة التدريس والمدربين المؤهلين في بعض المجالات كما يعمل على تلاشي ضعف الإمكانيات، بالإضافة للعمل على توفير مصادر تعليمية متنوعة ومتعددة مما يساعد على تقليل الفروق الفردية بين المتدربين وذلك من خلال دعم المؤسسات التدريبية بوسائط وتقنيات تعليم متنوعة وتفاعلية.
تاريخ التعليم عن بعد
لم يكن التعليم عن بعد وليد الحداثة التي نقلت العالم لمستوى تقدمي عالٍ لكن الفكرة وجدت منذ زمن بعيد حيث كانت عبارة عن مراسلة بين الطلاب والمؤسسات التعليمية دون ذهاب الطلاب لقاعات التعليم، حيث ترسل المؤسسة المواد التعليمية فيرسل الطلاب واجباتهم بنفس الطريق.
وقد انتشر التعليم بالمراسلة عام 1873م بمساعدة من الكنائس المسيحية من أجل نشر التعليم بين الأمريكيين.
وفي عام 1883 م قامت كلية Chautauqua College of Liberal Art في نيويورك بإعداد درجات علمية عن طريق التعليم بالمراسلة.
وفي عام 1892م تأسست في جامعة شيكاغو أول إدارة مستقلة للتعليم بالمراسلة وبذلك صارت الجامعة الأولى على مستوى العالم التي تعتمد التعليم عن بعد.
حلول الأزمة
ففي بعض الدول لجأت وزارة التربية والتعليم إلى طرح مفهوم التعليم عن بعد مستغلة الظرف الاستثنائي من أجل أن تختبر على أقل تقدير مقدرتها على مثل هذا النوع من التعليم، وهو أمر لا يمكن إلا أن ينظر له بإيجابية، فهذا التعليم نظام قائم في العديد من دول العالم المتقدم، وهو يقدم بديلا عن التعليم التقليدي ويخفض كثيرا من كلف عملية التعليم التي تقتضي عناصر عديدة.
لكن، هناك نقطتان أساسيتان في هذا التوجه –كما تقول شروق طومار- الأولى مدى استعداد الوزارة لهذا الأمر، والثانية الآلية التي سيقدم بها التعليم عن بعد ومدى اتساقها مع المفهوم الفعلي لعملية التعليم عن بعد نفسها. وهو ما ينبغي على جميع الحكومات وضع أطر ناجحة وسديدة من أجل إنجاح هذه العملية التي تحتاج لبعض الإبداع سواء من المدرسين بصفة شخصية أو من الحكومات بصفة مؤسسية.
فعلى المعلم أن ينشأ قناة على موقع اليوتيوب ويخصص وقتًا لكل مجموعة يقوم بالشرح لهم كبث مباشر على قناته، وعلى الرغم من أن لها صعوباتها لكنها تساعد الطلاب على فهم بعض المناهج.
أيضا على الحكومات تخصيص بعض القنوات التلفزيونية وبث شرح لجميع المواد من قبل مدرسين أكفاء للمواد الدراسية، مع التأكيد على أولياء الأمور متابعة أبنائهم في متابعة شروح المناهج عبر القنوات، لتفشي آفة خطيرة في بعض مجتمعاتنا العربية وهى هروب الطلاب من حصص الشرح، وهو الأمر الذي تأكده شروق طومار بقولها: «هل تم التفكير في مسألة عدم جاهزية الطلبة وبشكل خاص طلبة المراحل الدنيا لتلقي مثل هذا النوع من التعليم، والانضباط أمام شاشة التلفاز بشكل طوعي دون مراقب، خصوصا من أبناء العاملات وهم نسبة كبيرة جدا، الذين سيمكثون في الغالب بمفردهم طيلة فترة دوام أولياء أمورهم».
ولا تكتفي الحكومات بذلك فحسب وتظن أنها بذلك أحسنت صنعا لكن يجب أن تضع في عين الاعتبار أن عملية التعليم عن بعد لا تقتصر على محاضرات مصورة تتضمن شرحا شفويا للدروس من وراء الشاشة، وإنما هي عملية مركبة تتطلب آلية خاصة في نقل المعلومة وتعتمد بشكل رئيسي على توفير جوانب تفاعلية خاصة بهذا النمط تعوض فقدان الاتصال المباشر بين المصدر والمتلقي والاحتكاك الفعلي والملموس بالبيئة التعليمية، لأن إهمال هذا الجانب تحديدا سوف يزيد من مشكلة التلقين الأصم الذي تعانيه عملية التعليم لدينا بالأساس.
ففي قطر ستقوم المدارس بتفعيل آليات التعلم عن بعد باستخدام تطبيق TEAMS و ONE NOTE المثبت على أجهزة الحاسوب لدى الطلبة، وسيقوم المعلمون برفع العروض التقديمية والفيديوهات والمواقع التفاعلية على برنامج MICROSOFT TEAMS لتتوفر لدى جميع الطلبة، وسيتضمن كل درس وعرض تقديمي مهمة تقييمية ليقوم الطالب بتنفيذها عند الانتهاء من الدرس، وسيتواجد المعلمون بصورة حية ONLINE خلال المواعيد المبينة في الجداول التي سوف تعدها المدارس، للتواصل المباشر مع الطلبة، وشرح الدرس والتفاعل المباشر مع أسئلة الطلبة واستفساراتهم من خلال صفحات المادة على ONE NOTE.
ويمكن للطلبة توجيه الأسئلة أو أداء المهام والتواصل مع المعلمين في أي وقت عبر خاصية الدردشة CHAT في برنامج MS TEAMS، وسيقوم المعلمون بالرد على استفساراتهم. وقامت وزارة التعليم والتعليم العالي صباح أمس بنشر فيديو توضيحي على منصات التواصل الاجتماعي ولأولياء الأمور على نظام LMS توضح فيه آلية استخدام برنامج TEAMS، وخطوات تسجيل الدخول وإنشاء حساب جديد.
وهو ما يجب على الحكومات في جميع الدول التعامل معه بجدية وإبداع في هذا الحدث الذي عزل العالم بل عزل المدن والبيوت عن بعضها البعض.
لا أحد ينكر أن الأزمة كبيرة وعملية إدارتها معقدة جدا، وتحتاج للكثير من التفاعل الإبداعي للأفراد والطلاب وأولياء الأمور والحكومات على حد سواء؛ حتى تنجح هذه الآلية، إضافة لأمر هام آخر أن تستعد الحكومات لأمر الامتحان الإلكتروني إذا استمرت أزمة تفشي الفيروس ولم تستطع الحكومات إجراء هذه الامتحانات في المدارس.
.