الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد ..
بعد أن تحدثنا عن الغاية وأهميتها وسماتها ودورها في عمل المربي نتحدث الآن عن أهداف الدعوة فنقول وبالله التوفيق :
إن دعوة الإخوان المسلمين لها من الأهداف العظمية، والتي تسعى إلى تحقيقها، وتقدِّم في سبيلها الكثير من التضحيات والبذل والعطاء، وإن أصحاب الدعوات والأهداف والمبادئ لديهم مهمةٌ عظيمةٌ وأمانةٌ ثقيلةٌ تحتاج إلى همم الرجال وصدق المخلصين وعزائم المجاهدين والدعاة المصلحين من أبناء هذه الأمة.
ولذا حرص الإمام البنا- رحمه الله- أن يوضِّح لجميع أبناء الأمة الإسلامية والعالم أجمع حقيقةَ هذه الأهداف، وما ينبغي السعي لتحقيقه، وكان- رحمه الله- موفَّقًا في هذا، لا يدعُ هناك مجالًا للبسٍ أو لشكٍّ حول ماذا نريد وكيف نسعى إليه؟!
وعندما نتناول ما ذكره الإمام البنا في رسائله نستطيع أن نستخلص هذه الأهداف من بين هذه العبارات المحددة والدقيقة، فيقول الإمام البنا- رحمه الله- في رسالة بين الأمس واليوم: «ماذا نريد أيها الإخوان؟!.. أنريد جمعَ المال وهو ظلٌ زائلٌ؟! أم سعةَ الجاه وهو عرضٌ حائلٌ؟! أم نريد الجبروت في الأرض ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ (الأعراف: من الآية 128) ونحن نقرأ قول الله- تبارك وتعالى-: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)﴾ (سورة القصص)؟!
شهد الله أننا لا نريد شيئًا من هذا، وما لهذا عَمِلنا، ولا إليه دعونا، ولكن اذكروا دائمًا أن لكم هدفين أساسيين: «أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطانٍ أجنبيٍّ، وذلك حقٌّ طبيعيٌّ لكل إنسان لا ينكره إلا ظالمٌ جائرٌ أو مستبدٌ قاهرٌ. أن تقوم في هذا الوطن دولةٌ إسلاميةٌ حرةٌ تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعي، وتعلن مبادئه القويمة وتبلِّغ دعوته الحكيمة الناس، وما لم تقم هذه الدولة فإن المسلمين جميعًا آثمون مسئولون بين يدي الله العلي الكبير عن تقصيرهم في إقامتها وقعودهم عن إيجادها، ومن العقوق للإنسانية في هذه الظروف الحائرة أن تقوم فيها دولةٌ تهتف بالمبادئ الظالمة، وتنادي بالدعوات الغاشمة، ولا يكون في الناس من يعمل لتقوم دولة الحق والعدالة والسلام».
وخلاصة القول في ذلك أن أهدافنا العامة التي نسعى لتحقيقها تتلخَّص في: «تحرير الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي، وتكوين دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام، ومن ثم لا ينبغي لأحد- مهما كان شأنه ومكانته- أن يصرف وجهةَ هذه الدعوة المباركة عن تحقيق هذه الأهداف الكلية التي هي مناط التكليف لكل المسلمين والدعاة والمصلحين، وربما قد نتعرض في سبيل تحقيق ذلك إلى مِحَن شديدة وابتلاءات عظيمة وتضحيات جِسَام، فلا يقف ذلك أمامنا؛ لأن الهدف والغاية الأسمى هي إرضاء الله- عز وجل- وابتغاء مثوبته وجنته».
«كل نعيمٍ دون الجنة حقير، وكل ابتلاء دون النار عافية، وربما تظهر بعض الدعوات التي تتنازل شيئًا فشيئًا عن الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف السامية بُغيَة الوصول إلى نعيم دنيوي أو منصب حياتي، والكل يعلم أن الأيام دُوَلٌ، ولن تبقى الأمور على حالها، ولكن المهم أن يثبت أصحاب الدعوات على مواقفهم ومبادئهم وأهدافهم، دون نظر لمغنم أو جاه».
ولعل في بداية حديث الإمام البنا في العبارة السابقة يقول: «أنريد جمعَ المال وهو ظل زائل؟!، أم سَعَةَ الجاه وهو عرض حائل؟!.. فنحن لا نريد إلا ما أراده الله لنا: "لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جَوْر الأديان إلى عدالة الإسلام».
أولًا، تحديد الاهداف:
ولتحقيق هذه الأهداف العامة أو الكلية هناك أهداف تفصيلية أو فرعية، بتحقيقها تحقق الأهداف العامة التي ننشدها، ولقد حدد ذلك الإمام البنا في رسالة التعاليم في مراتب ركن العمل، فيقول- رحمه الله-: «ومراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق:
1- إصلاح نفسه: حتى يكون قويَّ الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظَّمًا في شئونه، نافعًا لغيره، وذلك واجب كل أخ على حدته.
2- وتكوين بيت مسلم: بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام في كل مظاهر الحياة المنزلية، وحسن اختيار الزوجة، وتوقيفها على حقها وواجباتها، وحسن تربية الأولاد والخدم وتنشئتهم على مبادئ الإسلام، وذلك واجب كل أخٍ على حدته.
3- وإرشاد المجتمع: بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائمًا، وذلك واجب كل أخ على حدته، وواجب الجماعة كهيئة عامة.
4- وتحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي غير إسلامي سياسي أو اقتصادي أو روحي.
5- وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلاميةً بحق، وبذلك تؤدِّي مهمتها كخادمٍ للأمة وأجيرٍ عندها وعاملٍ على مصلحتها، والحكومة إسلاميةٌ ما كان أعضاؤها مسلمين مؤيدين لفرائض الإسلام، غير متجاهرين بعصيان، وكانت منفذةً لأحكام الإسلام وتعاليمه، ولا بأس بأن تستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة ولا عبر بالشكل الذي تتخذه ولا بالنوع، ما دام موافقًا للقواعد العامة في نظام الحكم الإسلامي.
6- إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية: بتحرير أوطانها وإحياء مجدها، وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها حتى يؤديَ ذلك كلُّه إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة.
7- وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه.
وهذه المراتب الأربعة الأخيرة تجب على الجماعة متحدةً، وعلى كل أخٍ باعتباره عضوًا في الجماعة، وما أثقلها تبعاتٍ!! وما أعظمها مهماتٍ!!، يراها الناس خيالًا ويراها الأخ المسلم حقيقةً، ولن نيأس أبدًا، ولنا في الله أعظم الأمل: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)﴾ (سورة يوسف).
إن هذه الأهداف التي حدَّدها الإمام البنا في ركن العمل تمثِّل المرجعية الفكرية والحركية والدعوية والتربوية لجماعة الإخوان المسلمين والتي يعمل على أساسها الدعاة والمربون ، كما تمثِّل الإطار الحاكم للعمل من أجل تحقيق الغاية والأهداف العامة التي تسعى الجماعة لتحقيقها .
ثانيًا، سمات الأهداف:
1ــ تكامل الأهداف:
فبداية الإصلاح هو الفرد والبيت والمجتمع، ولا يمكن بناء مجتمع دون بيوت مسلمة، ولا نستطيع تكوين بيوت مسلمة إلا بوجود الفرد المسلم (الزوج والزوجة) أساسًا للبناء والنهضة والتغيير، وهذه المراتب الثلاثة تسير جنبًا إلى جنب بصورةٍ مترابطةٍ ومتكاملةٍ، كما أنها تسلِّم بعضها بعضًا.
2ــ شمول الأهداف:
فمراتب ركن العمل التي ذكرها الإمام البنا تناولت كل عناصر النهضة؛ فلم يكتفِ الإمام بمرتبة إصلاح الفرد وتكوين البيت وإرشاد المجتمع، بل كان حريصًا على تحرير الأوطان، وإصلاح الحكومة، وإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية وأستاذية العالم، فتصبح هذه الأهداف الشاملة لجميع جوانب الإصلاح المنشود تمثِّل الإطار العام لجهود المصلحين والدعاة والمخلصين من أبناء الأمة.
3ــ واقعية الأهداف:
لأن هذه الأهداف تسعى إلى إحداث تغيير تدريجي وليس فوريًّا.. تغيير جذري لا فوقي، وعميق لا سطحي، تشارك فيه الأمة ولا ننوب عنها، ولقد تحققت هذه الأهداف بنسبٍ متفاوتة، ولكن إجمالًا لا يمكن تحقيقُها وتطبيقُها، وليست خيالًا وآمالًا صعبةَ المنال.
4ـ دقة الأهداف:
فصياغة كل هدف مُحكَمةٌ ودقيقة ومُعبِّرة عن المقصود، فعندما تحدَّث الإمام عن مرتبة الفرد وصفها بـ(إصلاح الفرد نفسه)؛ لأن بناء الفرد وشخصيته تحتاج إلى إصلاح تنمية الجوانب الإيجابية وعلاج جوانب القصور والضعف.
وعندما تكلم عن مرتبة البيت وضع تكوين البيت المسلم الذي يتكون من الزوج المسلم والأخت المسلمة، وهما أساسا تكوين هذا البيت المسلم.
وعندما تحدث عن مرتبة المجتمع وصفها إرشاد المجتمع؛ لأن المجتمع يحتاج إلى الإرشاد والتوجيه حتى يتصف بالمجتمع المسلم الراشد.
ثم يتبع ذلك مرتبة تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي غير إسلامي، سياسي أو اقتصادي أو ثقافي، وهو وصفٌ مُعبِّر عن تحرر الأوطان والشعوب من الهيمنة بكل صورها السياسية والعسكرية، والاقتصادية والثقافية.
وعندما تناول مرتبة الحكومة وصفها بإصلاح الحكومة حتى تكون إسلاميةً بحق، وهذا يحدد طبيعة هذه الدعوة بأنها تسعى للإصلاح من أجل تكوين حكومة إسلامية بحق، بغض النظر من يحكم؛ لأن العبرة بتطبيق المنهاج والنظام، وليس بالأشخاص والدعوات.
ثم يصف الإمام الخلافة الإسلامية بإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، وهذا تعبير دقيق عن واقع الأمة التي كانت لها خلافة واحدة وخليفة واحد، تمزقت بعد ذلك إلى دول ودويلات صغيرة، فكان الهدف هو إعادة هذا الكيان الدولي لهذه الأمة، ثم مرتبة أستاذية العالم، وهو تعبير حضاري راقٍ عن أمة وحضارة إنسانية رائعة تنطلق من سموِّ دعوتها وصلتها بالله- عز وجل- حتى يسود الحب والوئام في العالم أجمع.
5 ــ معيارية الأهداف:
فنجد أن الإمام البنا في كل مرتبة من مراتب ركن العمل يحدد لكل مرتبة أو هدف مظاهرَ تُحقِّقه والتي يمكن القياس عليها في مدى تحقق الهدف؛ ففي مرتبة الفرد المسلم يحدد صفات المسلم العشر- مثقف الفكر، متين الخلف...إلخ- كمظاهر تحقُّقٍ لها.
وفي مرتبة البيت المسلم يحدِّد الإمام البنا مواصفات هذا البيت بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على الأبواب الإسلامية، وفي مرتبة إرشاد المجتمع يحدِّد مظاهر تحقق ذلك بنشر دعوة الخير ومحاربة الرذائل والمنكرات، وكسبه الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وهكذا في باقي الأهداف.
6 ــ مستويات تحقيق الأهداف:
فمرتبة إصلاح الفرد لنفسه وتكوين البيت المسلم مهمةُ كل أخٍ على حدته، ومرتبة إرشاد المجتمع مهمة كل أخٍ على حدته ومهمة الجماعة كهيئة عامة، ثم باقي المراتب الأربع تجب على الجماعة متحدةً وعلى كل أخ باعتباره عضوٍ فيها.
وبالتالي يستطيع الفرد- كل فرد- أن يحدِّد دوره ومهمته في تحقيق هذه الأهداف بصورةٍ متكاملةٍ ومتوازنةٍ بين الدور الفردي والجماعي.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين
.