كثير من الآباء والأمهات والمربين يسألون عن الطرق التي تحفز أبنائنا على أداء الصلاة في أوقاتها بهمة ونشاط واهتمام.. لكن في الحقيقة إننا كمربين عندما يكون هدفنا منخفضا في طموحاته.. تأتي النتائج أقل من المرجو.. إذ يجب أن تكون الطموحات أعلى من مجرد الأداء، منتقلة إلى سقف أعلى وهي كيف نجعل أبناءنا يحبون الصلاة؟! وربما أسمى من ذلك فنتساءل ونعمل لكي نرتقي لمستوي ما كان عليه الحبيب المصطفى في علاقته بالصلاة لنصل إلى درجة قوله -صلى الله عليه وسلم-: «وجُعلت قرة عيني في الصلاة».
من منا من لم يهمه السؤال ويقض مضجعه؟! من منا لم يبتهل إلى الله داعيا أن يجعله الله مقيما للصلاة هو وذريته؟! من منا لم يتوجع قلبه وهو ينادي على أولاده عشرات المرات في الفجر.. فيقوم الأبناء وهم كارهون، ينقرونها سواء وعوها أم لم يعوها ويهرعون إلى فرشهم ليستكملوا نومهم فرحين بأن قد انتهوا من المهمة الفجرية الثقيلة والمتكررة كل يوم؟! وهل نكون مرتاحين وهم يؤدون عماد الدين بهذه الروح البائسة؟!
لكن، قبل أن نلومهم علينا أن نسأل أنفسنا هل نحن نؤديها بحب أم لأنها لابد أن تؤدى وفقط؟! وبغض النظر عن الإجابة.. سؤال آخر لابد أن نسأله لأنفسنا، وهو لماذا يحب أولادنا رمضان؟ ويسارعون إلى صومه وهم فرحين؟!
لا شك أن أجواء الاحتفال والطقوس والبهجة وأنواع الحلوى الخاصة التي تغمر الشوارع والبيوت والمساجد العامرة، وكل هذه المظاهر السعيدة تقدم العبادة في صورة جميلة تجعل عبادة مثل الصوم تسكن الفؤاد الذي يدعم الجسد كي يتقوى على أداء النسك بسعادة وصبر، لدرجة أننا عند انتهاء رمضان نجد الصغار محزونين لقرب انصراف الشهر الكريم !
فهل قدمنا الصلاة في جو مفعم بالاحتفالات الخاصة والطقوس المميزة والاستعدادات التي لا تنسي ولا تفارق الذاكرة مثلما فعلنا مع شعيرة الصوم؟!
هل استثمر الأب حب ابنه للخروج من البيت واصطحبه إلى المسجد لأداء الصلاة؟ وأسمعه دعاء دخول المسجد ودعاء الخروج منه، وصلى أمامه ركعتي تحية المسجد، ثم دعاه إلى تأدية الصلاة جماعة خلف الإمام، وعند العودة من المنزل أخبره فضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد، راويا عليه الأحاديث الذاكرة لذلك؟!
وهل صلت الأم صلواتها جماعة مع بناتها؟ مخبرة إياهن فضل صلاة الجماعة، وهل قامت بشراء ملابس خاصة للصلاة للفتيات الصغار كما هو شأن الفتيات الكبار؟!
هل عندما بلغ أبناؤنا عمر تعلم الصلاة، ومن بعده سن الإلزام بالصلاة، هل أقمنا لهم احتفالية الصلاة، وأفهمناهم أن احتفال ميلادهم في تلك المرحلتين هو أكثر تميزا من كل مرة لأنه سن تزيين الحياة بعبادة إسلامية تمثل عماد الدين وأساسه، ولا مانع من أن تكون كعكة الاحتفال على شكل مسجد، وأن تكون الهدايا دالة على التكليف الجديد في حياة الطفل؟!
من السابعة إلى العاشرة، ثلاث سنوات لبذر بذرة الصلاة وسقيها والاعتناء بها حتى إذ بلغ الطفل العاشرة يصبح الإلزام صارما بعد سنوات البذر والسقي .
لعل بعضنا يظن أن عليه تعليم أركان الصلاة ودعائم إقامتها للطفل ومعرفة مواقيتها، ولكن هل يمكن أن تكون مهلة الثلاثة سنوات بين السابعة والعاشرة هي فقط لتعليم الأداء، أم أنها لزرع شجرة الإيمان والحب والفهم لأهم شعيرة من شعائر الإسلام .
إن مرحلة الثلاث سنوات إنما هي مهلة لخلق الوعي المؤمن، وإنضاج الفهم المدرك لقيمة تلك العبادة الخاصة التي لم يتركها نبي أو عابد قصد رضى الله. لذا يتوجب علينا أن نقرأ القصص التي توضح قيمة تلك العبادة وأثرها وبركتها في حياة الصالحين، وكيف أن التقصير فيها من شأنه أن يؤخر نصرا أو يعطل فرجا.
لا يغادر الطفل السنوات الثلاث دون أن يكون قد حفظ كل الآيات والأحاديث وما تيسر من فقه الصلاة، وفقه تنزيلها ووجوبها وروحانياتها وقصتها في الأولين والآخرين فتتشكل علاقته الوجدانية والمعرفية بأهم شعيرة في الإسلام كما يليق بقدسيتها ومكانتها الرفيعة.
هكذا تبني العلاقة مع الصلاة.. خوف ورجاء.. وَجَلٌ وحب.. طاعة وشوق.. فائدة وعبادة.. وصال وخشوع.. فهم وعمل
.