الداعية الناجح لا ينسى أن الدعوة بالقدوة، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والدعوة بالأمل من وسائله الدعوية الأساسية للوصول إلى الجماهير.
فالدعوة إلى الله هي مهمة الرسل والأنبياء الذين هم خيرة الناس من عباده وسفرائه إلى الأرض، وهي مهمة خلفاء الرسل وورثتهم من العلماء العالمين والربانيين الصادقين. والدعوة بحاجةٍ إلى داعية رحَّالة يحمل دعوته ورسالته فوق ظهره؛ يتحرَّك بها في أرجاء الكرة الأرضية، شعاره {وجاء رجل مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} (القصص: من الآية 20)؛ فهو ساعٍ إلى الخير دائمًا في حركةٍ دائبةٍ وترحالٍ لا يتوقف، وهو فارس لا يترجَّل، يجوب الأقطار والأمصار شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه.
والدعوة إلى الله بحاجةٍ إلى رجلٍ له من ميراث يحيى- عليه السلام- نصيب؛ فقد أمره الله بقوله: {يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ} (مريم: من الآية 12)، فأخذه بهمةٍ وعزيمة.
والدعوة إلى الله بحاجةٍ إلى داعيةٍ له في هدهد سليمان العبرة والمثل، في تحرُّكه وانطلاقه وذاتيته وإيجابيته التي كانت سببًا في إسلام أهل اليمن.. فأين الرجل الهدهد في دعاة اليوم الذي يكون سببًا في إسلام أمة أو دولة أو قرية كما فعل الهدهد، قال- صلى الله عليه وسلم-: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمُرِ النعم).
والداعية الناجح لا ينسى أن الدعوة بالقدوة، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والدعوة بالأمل من وسائله الدعوية الأساسية للوصول إلى الجماهير.
وعلى الداعية أن يكون له معالم أساسية تتماشى مع ما توصَّل إليه العالم من تطوّر وتقدُّم؛ فالداعية الناجح لا يترك وسيلةً لعرض دعوته وكسب الأنصار لها إلا استعملها، وهو يستفيد من كل ما أتيح له من وسائل حديثة ومن مستجدات العصر في الدعوة إلى الله؛ فهو يدعو عبر القنوات الفضائية، وعن طريق شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، وكل ما يُستجدُّ من وسائل وتقنيات حديثة، ولا يحصر نفسه في دائرةٍ ضيقة من الوسائل، مع الحفاظ على ثوابت الدعوة وأصولها.
والداعية الناجح يأخذ بالتنوع في وسائله الدعوية وبما يتناسب مع الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، وشعاره: (أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم).
فقد أدَّى انتشار (الإنترنت) والفضائيات سريعًا في جميع أنحاء العالم إلى تعظيم دورها في نقل المعلومة، وعرض وجهات النظر المختلفة، ومع تنامي هذا الدور صار لهذه الوسائل الجديدة أهمية إعلامية تُعد في المرتبة الأولى عالميًّا، حتى أصبحت أداةً رئيسيةً من أدوات الحياة في عصرنا.
ومنذ دخول المسلمين إلى هذا المجال وجدت الدعوة آفاقًا جديدةً لتنطلق من خلالها في الفضاء الإعلامي، وهذا ما قام به عددٌ من الدعاة بنجاحٍ ملحوظ، خصوصًا في الفترة الأخيرة.
والداعية الناجح يهتمُّ بالأهداف العامة للدعوة؛ وهي تحقيق “الإيمان العميق، والتكوين الدقيق، والعمل المتواصل”، ثم يأخذ بالوسائل الأخرى الرئيسة منها والفرعية، ومن ذلك:
1- وسائل الدعوة المسجدية:
والتي تشمل الخطب والدروس، والمحاضرات والندوات، والمواعظ والرقائق، والخواطر والمؤتمرات، وكل ما يندرج تحت المسجد من وسائل وأنشطة دعوية.
2- وسائل الدعوة الخدمية:
وهي من أقوى الوسائل تأثيرًا في الناس؛ ولذلك فإن شعار الداعية الناجح: “نحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب”، والداعية الناجح لا ينسى أن الدعوة الخدمية من أوجب الواجبات وأفضل العبادات؛ لأنها عبادة متعدية بالنفع للغير، وهي الأثر الباقي للداعية بعد موته.
3- وسائل الدعوة المرئية والمسموعة والمقروءة:
وتندرج تحتها وسائل الإعلام الحديثة كلها؛ من صحافةٍ وإذاعةٍ وتلفاز وقنوات فضائية وأجهزة حاسوب وشبكة معلومات، ولعل أثر الشيخ الدكتور “يوسف القرضاوي” وغيره من العلماء على الجماهير المسلمة من خلال القنوات الفضائية يؤكد ذلك.
4- وسائل الدعوة بالجوارح:
وهي وسائل الداعية المتميز؛ فالنظرة الحانية دعوة، واللمسة الرقيقة دعوة، والبسمة المشرقة دعوة، والكلمة الطيبة دعوة، والاستماع الجيد للآخرين دعوة، ودعاء القلب بظهر الغيب دعوة، وما أقوى أثر الجوارح حين يسخرها الداعية ويستخدمها كوسائل لدعوته.
والدعاة إلى الله مطالبون بأن يقدِّموا دعوتهم للناس كافةً على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأوطانهم، وقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعرض دعوته على الناس كافة، ويراسل الملوك ولم يترك أحدًا إلا وبلَّغه رسالة الله، وهاجر إلى الطائف ثم إلى المدينة ليبلِّغ رسالة الله، والداعية حتى يحقق ذلك لا بد له من أمور، منها:
1- الانطلاقة المزدوجة:
فالداعية لا يحقق الانتشار لدعوته إلا من خلال اتصاله المتعدد والمزدوج؛ فهو يبلِّغ دعوته للعامة من الناس والملأ في آنٍ واحد، ويتوجَّه بدعوته إلى الغني والفقير، والحاكم والمحكوم، والمؤيد والمعارض، كما أنه يسير بدعوته على محورَين اثنين: الدعوة الجماهيرية العامة، والدعوة الفردية الخاصة؛ فهي انطلاقة مزدوجة.
2- مسافات منتصف الطريق:
فالداعية إلى الله لا يغلق بابًا ولا يسد طريقًا، فإن عجز عن إتمام دعوته فلا أقل من أن يقيم جسورًا ممتدةً مع المخالفين، ويقطع معهم مسافات منتصف الطريق؛ وذلك بأن تكون هناك نقاط التقاء يتفق عليها الداعية مع مَن يدعوهم فيما يشبه “دائرة الثوابت والمتفق عليه”، وشعاره في ذلك “نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه”، وذلك يجنِّب الداعية نفسه معارك جانبية كثيرة وصراعات، ويقطع مسافات كبيرة في طريق الاتفاق مع المخالفين.
3- مراعاة أصناف الناس:
فالداعية يجد الناس أمامه أصنافًا عدة؛ منهم المؤمن بدعوته ورسالته، ومنهم المتحامل عليها، ومنهم المتردد في الإقبال عليها لما يقال عنها من شبهات، ومنهم النفعي الذي ينتظر مغنمًا، ولكل صنف من هؤلاء جهد ودعوة خاصة، ولكن يبقى حرص الداعية على أن يبلغ دعوته إلى هؤلاء جميعًا.
ولا بد للداعية أن يكون على دراية ومعرفة أساسية بعوامل نجاح رسالته الإعلامية؛ حتى يحقق هدفه السامي، وهو وصول دعوته إلى الناس كافة، وهو ما تقرؤونه في الجزء الثاني من هذا المقال.
الجزء الثاني: توظيف الطاقات البشرية في الدعوة.. خطوات عملية
.