Business

أدوات الفكر التربوى عند ابن رجب الحنبلى

الإسلام دين يرفع من شأن العلماء، وقد أشرق على هذه الأرض معلم الأمة وقائدها ومربيها بعدما طغت الظلمة وعاثت الوثنية، فعاش الناس متمسكون بالكتاب والسنة، وظهر منهم علماء أهل فكر وتدبر، فأعانوا الناس على أمور دينهم، وأوضحوا آيات الإسلام بفكرهم، فأصبحوا أعلامًا للتربية الإسلامية، لهم رأي فيها، ونظريات تجاهها، فاتفقوا في أصول الإسلام، واختلفوا في فروعه، فكان ذلك رحمة للناس.

وقد قام الباحث عبد الله محي عبدالله، بمحاولة للبحث في فكر بعض هؤلاء العلماء وما توجوا به تربيتنا الإسلامية من فكر تربوي، وقام باستنباط المضامين التربوية عند ابن رجب الحنبلي،  لما لهذا العالم الجليل من أفكار تربوية نافعة.

التعريف بابن رجب الحنبلى

هو الإمام الحافظ المحدث الواعظ زين الدين عبدالرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن بن محمد بن سعود السلامي البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي.

ولد في بغداد في ربيع الأول سنة 736هـ، وقدم دمشق مع والده وهو صغير سنة 744هـ. تلقى العلم منذ نعومة أظفاره، حيث نشأ في أسرة علمية، وقد حرص أبوه على اصطحابه معه إلى حلقات العلم التي كانت تغض بها المساجد آنذاك، والتي يدرس بها فطاحل العلماء.

 وكان يتنقل في الأمصار ويرحل في البلدان بقصد طلب العلم، ويحضر مجالس العلماء ويستمع منهم، وأكثر من المسموع وأكثر الاشتغال بالعلم دراسة وتحصيلاً وتأليفاً، فكان يدرس ويملي ويكتب ويعظ ويقوم بمسؤولية التربية والتلعيم خير قيام.

 لقد كان ابن رجب رحمه الله محبوباً في كافة الأوساط العلمية في عصره، اجتمعت عليه الفرق ومالت القلوب بالمحبة إليه، وهكذا المربي ينبغي أن يكون في منزلة عالية من المحبة وأن يتربع على سويداء القلوب فينال بذلك الاحترام والإجلال والتقدير، ويحظى بسلطة علمية والتي هي أقوى من سلطة العصا والسوط، لأن هذه السلطة على البدن، أما سلطة المعلم فهي على القلوب والأرواح، فإذا حظي المعلم بهذه السلطة نججح في رسالته، وأفاد الناس بعلمه وأدبه وخلقه، فما أحوجنا اليوم إلى معلمين ومربين من هذا الطراز.

كان ورعاً زاهداً مشتغلاً بالعلم منصرفاً لسماع الحديث وتعلم العلم وتعليمه للناس، وكان لا يشغله عنه شيء من أمور الدنيا، له مصنفات مفيدة ومؤلفات عديدة.

توفي رحمه الله في شهر رجب سنة 795 هـ، بعد أن خلف للمكتبة الإسلامية تراثاً علمياً أصيلاً وفكراً تربوياً متميزاً، فرحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وأثابه أعظم مثوبة على ما قدم من خدمات جليلة للتربية الإسلامية.

الغاية من خلق الإنسان

في تحديد النظرة إلى الإنسان تحديد لفلسفة التربية التي يؤمن بها ابن رجب رحمه الله فالإنسان هو ذاك المخلوق الذي خلقه الله من قبضة من طين الأرض ونفخ فيه من روحه وجعل نسله سلالة من ماء مهين فالإنسان يتكون من مادة وروح وعقل، وفي تقرير هذا المفهوم تحديد لنوعية التربية التي تعده لغايته، ولقد اهتم الإسلام بهذا الإنسان من قبل أن يوجد بتهيئة المناخ الملائم له، وبعد أن وجد في عالم الأجنة وبعد خروجه إلى الدنيا وتنقله في مراحل العمر.

والإسلام يعتبر هذا الإنسان مخلوقاً مكرماً كرمه الله عز وجل على جميع المخلوقات بما وهبه من عقل وما ركب فيه من وسائل كسب العلم والمعرفة، ولا يتحقق تكريم الإنسان إلا بأن يكون عابداً لله، مطيعاً له محارباً لهواه، حذراً من نفسه الأمارة بالسوء، وحذراً من الشيطان عدوه اللدود، والحياة الدنيا بالنسبة للإنسان وبالذات المسلم، فهي مرحلة في مشواره الطويل وليست هي نهاية المطاف لرحلته في عالم الوجود.

والدنيا مزرعة الآخرة وفيها يحصل الابتلاء بالخير والشر، ولقد زود الله هذا الإنسان بجملة من الغرائز والدوافع وجه الإسلام إلى تلبيتها بالطرق المباحة والمشروعة، وحرم كل طريق غير مشروع لتلبيتها.

والإنسان بفطرته لا بد أن يكون عابداً إما أن يعبد الله حق عبادته أو يعبد هواه والشيطان، والإنسان يتجاذبه داعيان: داع إلى الخير، وداع إلى الشر.

يعيش بين شدة ورخاء، بين نعمة ونقمة، بين شكر وصبر، بين ذنب واستغفار، ولا تتحقق السعادة لهذا الإنسان إلا بالعلم النافع والعمل الصالح والإيمان والتقوى وخير الناس أنفعهم للناس، الذي يوصل خيره لغيره ويكف شره عن غيره، خيرهم الرجل التقي الذي يعمل الصالحات ويتقي السيئات، الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، هذا الإنسان هو الذي تحرص التربية الإسلامية على تربيته وتكوينه وإبرازه نموذجاً يتحذى وقدوة صالحة.

مفهوم المجتمع عند ابن رجب

من أهم أهداف التربية في الإسلام تكوين المجتمع الصالح الذي يحمل هذا الدين واقعاً يعيش به وسلوكاً يلتزمه، ثم يحمل هذا الخير للناس، يدعوهم إلى دين الله عز وجل ويرشدهم إليه، وابن رجب الذي يستمد فكره التربوي من الإسلام يرى أن صلاح المجتمع في طاعة الله واتباع أوامره وأداء ما فرضه عليه من شعائر، وإذا قام هذا المجتمع بذلك فيكون خير البشرية على الإطلاق.

ربى الإسلام الفرد على حسن التعامل في المجتمع والشفقة والرحمة لكل أحد، ومراعاة حالهم حتى في ممارسة عبادته، يروي ابن رجب حال  بعض أصحابه وكان يصلي بهم في رمضان: هؤلاء قوم ضعفاء، اقرأ خمساً ستاً سبعاً، قال: فقرأت فختمت ليلة سبع وعشرين، ثم علق على هذا بقوله: وكلام الإمام أحمد يدل على أنه يراعي في القراءة حال المأمومين فلا يشق عليهم، وقال أيضاً غيره من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم.

ومن حرص الإسلام على سلامة المجتمع من الهلاك أن الرسول أوصى بالبعد عن غشيان أماكن هلاك القوم العاصين، فإذا مر أحد بديارهم فليهرول وليمر باكياً خوفاً من الله وخشية منه سبحانه واتعاظاً بما حل بهم.

يقول ابن رجب: وكذلك أماكن المعاصي وعقوباتها يتعين البعد عنها والهروب منها خشية نزول العذاب كما قال النبي لأصحابه لما مروا على ديار ثمود بالحجر: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم ما أصابهم".

من هذا يتضح أن خير الناس هو الذي ينفع الناس ويصبر على أذاهم، يقول ابن رجب: فخير الناس أنفعهم للناس وأصبرهم على أذى الناس كما وصف الله المتقين بذلك: "الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين".

إن الذي يتحاشاه الناس لشره ذو الوجهين، يقول ابن رجب في وصفه : شر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه، قال ص : ( إن من أشر الناس يوم القيامة منزلة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه).

وهذا توجيه تربوي من ابن رجب ينفر فيه عن الفحش والبذاء ويحث على الصراحة والصدق، إنه تبصير للأفراد أن يكونوا مفاتيح خير في مجتمعهم.

وكما أن للفرد الصالح دور في المجتمع يتمثل بالشفقة والرحمة بالأفراد فكذلك للمجتمع دور هام في استقامة سلوك الفرد أو الانحراف به عن الصراط المستقيم، فالنفوس تتأسى بما تشهده من أحوال أبناء الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر اهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات، وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس فيشق على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها، ولهذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (للعامل منهم أجر خمسين منكم، إنكم تجدون على الخير أعواناً ولا يجدون).

كما أن الطفل شديد الملاحظة سريع التأثر بمن يشاهد من أفراد الأسرة والمجتمع، فإن رأى حالة حسنة ووضعاً مستقيما تأثر به إيجاباً وإن رأى حالة سيئة ووضعاً منحرفاً تأثر به سلباً. يروي ابن رجب حال أحد أطفال السلف: قال أبو التياج: أدركت أبي ومشيخة الحي إذا صام أحدهم أدهن ولبس صالح ثيابه.

وإشاعة روح المواساة بين أفراده، غلبه خلق الإيثار الذي هو من صفات الجيل الفريد في تاريخ الأمة. قال تعالى: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة". كان كثير من السلف إذا كان صائماً وجاءهم محتاج يؤثرونهم بإفطارهم ويباتون دون عشاء.

أهداف التربية عند ابن رجب

  1. النمو الروحي

وقد تحدث ابن رجب عن الإيمان، والإيمان والفتن، وثمار الإيمان، وأنواع القلوب، وأدوية القلوب:

فأولها الإيمان: يقول ابن رجب رحمه الله مخاطباً المؤمن ومحذراً له من إشغال قلبه بما يكرهه الله عز وجل: (يا أيها المؤمن إن لله بن جنبيك بيتاً لو طهرته لأشرق ذلك البيت بنور ربه وانشر وانفسح).  

وثانيها الإيمان والفتن: قال تعالى: "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"، وهذه المعية هي الخاصة بالمؤمنين فمن كان الله معه فأنى له أن يخاف أو يحزن أو يذل أو يُظلم، ومن الأمور التي يدفع بها البلاء الدعاء، جاء في: الحديث أن البلاء والدعاء يلتقيان بين السماء والأرض فيعتلجان إلى يوم القيامة خرجه البزار والحاكم. إن ما قدره الله عز وجل فإنه واقع لا محالة لكن الدعاء يخففه عن المؤمن، (قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر).

وثالثها ثمار الإيمان: الإيمان الصادق هو الذي لا يتناقض فيه القول مع العمل ولا يخالفان الاعتقاد، فليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، فمن ترك (ما تدعوه نفسه إليه لله عز وجل حيث لا يطلع عليه غير من أمره أو نهاه دل على صحة إيمانه)، ويقول ابن رجب: (ما قدم أحد حق الله على هوى نفسه وراحتها إلا ورأى سعادة الدنيا والآخرة، ولا عكس أحد ذلك وقدم حظ نفسه على حق ربه إلا ورأى الشقاوة في الدنيا والآخرة).

ورابعها أنواع القلوب: إن قلوب البشر أنواع منها قلب سليم ومنها قلب لين رقيق ومنها قلب قاس مريض.

2-  النمو الأخلاقي

تحدث ابن رجب عن خلق الرسول، وعن حسن الخلق، وعن معاني البر، والأخلاق الفاضلة، والأخلاق الذميمة، منها:

أولاً: خلق الرسول: من أراد أن يرى هدي هذا الدين واقعاً يعاش فليدرس سيرة رسول الله دراسة فهم وتأمل وتدبر.

ثانياً: حسن الخلق: قالت عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن)، يعني أنه يتأدب بآدابه فيعمل بأوامره ويجتنب نواهيه، فصار العمل بالقرآن له خلقاً كاجلبة والطبيعة لا يفارقه، وهذا من أحسن الأخلاق وأشرفها وأجملها، وقد قيل إن الدين كله خلق.

ثالثاً: معاني البر: يقول ابن رجب: (يراد بالبر فعل الطاعات كلها وضده الإثم. وقد فسر الله تعالى البر بذلك في قوله: "ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب"، وتضمنت الآيه أنواع البر، وهي ستة أنواع من استكملها فقد استكمل البر:

أولها: الإيمان بأصول الإيمان الخمسة، وإيتاء المال المحبوب لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والوفاء بالعهد، والصبر على البأساء والضراء وحين البأس.

رابعاً: من الأخلاق الفاضلة : الصبر، الشكر، الإيثار، الحياء.

3-  النمو الإرادي

ونحددها في ثلاث نقاط: تعريف الإرادة، وارتباط العمل بالنية، والهمة العالية:

أولا: تعريف ابن رجب للإرادة: يقول ابن رجب رحمه الله : (واعلم أن النية في اللغة نوع من القصد والإرادة).

ثانياً: ارتباط العمل بالنية: إنما يحدد مكانة العمل الصلاح والفساد هو النية و(حظ العامل من العمل نيته فإن كانت صالحة فعمله صالح ومأجور، وإن كانت فاسدة فعمله فاسد مأزور)، (والله سبحانه يريد من عباده صدق النية والتوجه إليه بالعمل)، ( والنية تحتاج إلى معالجة )، ولقد أكد سلفنا الصالح رحمهم الله على إخلاص النية وتوجيه الإرادة إليه، (قال ابن عجلان: لا يصلح العمل إلا بثلاث: التقوى، والنية الحسنة، والإصابة).

ثالثاً: الهمة العالية: (قال الحسن: المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، له شأن وللناس شأن )، (وفي الحقيقة فالمؤمن في الدنيا غريب، لأن أباه لما كان في دار البقا فهمه الرجوع إلى مسكنه الأول).

4- النمو العاطفي

تعريف المحبة: لقد سُئل بعض العارفين عن المحبة فقال: (الموافقة في جميع الأحوال...) لإتباع المحبوب فإذا أمر أطيع أمره وإذا نهى اجتنب نهيه، وهذا الالتزام يورث الحب الحقيقي، قال الحسن البصري: (إنما أحباء الله هم الذين ورثوا طيب الحياة وذاقوا نعيمها بما وصلو إليه من منجاة حبيبهم وبما وجدوا من لذة حبه في قلوبهم).                                                                              مال المحب سوى إرادة حبه     إن المحب بكل بر يصرع.

غاية المحبة: غاية المحبة توجيه كل الأعمال إلى الله تعالى وطلب مرضاته، (فالمحبون لله غاية مقاصدهم من الخلق أن يحبوا الله ويطيعوه ويفردوه بالعبودية  والألوهية). والذي يفعل هذا (لا يريد من الخلق جزاء ولا شكوراً وإنما يرجو ثواب عمله من الله).

أنواع المحبة: ومحبة الله على درجتين: إحداهما: واجبة، وهي المحبة التي توجب للعبد محبة ما يحبه الله من الواجبات وكراهة ما يكرهه من المحرمات، الدرجة الثانية من المحبة: درجة المقربين، وهي أن يمتلأ القلب بمحبة الله تعالى حتى توجب له محبة النوافل والاجتهاد فيها، وكراهة المكروهات والانفكاك عنها، والرضى بالأقضية والأقدار المؤلمة لصدورها عن المحبوب)، وتحمل الصعاب في سبيل ذلك لأن (من عرف ما يطلب هان عليه كل ما يبذل).

مقتضى محبة الله: إن المحبة الحقيقية تردع العبد عن فعل ما حرمه الله عليه وعن ترك ما أمره بفعله، فـ (المحبة بالقلب موجبة لفعل الخيرات بالجوارح ولترك المنكرات بالجوارح)، ومن مقتضى محبة الله عز وجل حب أوليائه، فلقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( به تنال ولاية الله وبه يُوجد طعم الإيمان)، ومن مقتضى محبة الله كثرة التردد إلى بيته الحرام لعمرة أو لحج أو زيارة.

وسائل تربية عاطفة الحب

تحصل محبة الله عز وجل بكثرة العبادة من النوافل والفرائض واجتناب المحرمات، إن (أفضل ما تستجلب به محبة الله عز وجل فعل الواجبات وترك المحرمات)، وأعظم ما تحصل به محبة الله تعالى من النوافل: تلاوة القرآن وخاصة بتدبر، ومما تحصل به المحبة أيضاً: حب الخلوة بمناجاة الله عز وجل، وحب أوليائه وبغض أعدائه، وتفريغ القلب من محبة غير الله وملئه بحبه عز وجل، وحب المساكين يورث حب الله عز وجل.

الخوف: ينبغي للمؤمن أن يوجه كل عواطفه ومشاعره وأحاسيسه وجهة إيمانية، فلا يخاف إلا الله عز وجل، ولا يخاف إلا على نفسه إن فرطت في حق من حقوق الله أو فرطت في واجب من الواجبات الشرعية أو ضاع جزء من وقته في غير طاعة الله عز وجل. وهناك تلازم بين معرفة الله عز وجل والخوف منه (فمن كان بالله أعرف فله أخوف، وفيما عنده أرغب فهو أفضل ممكن دونه في ذلك وإن كثر صومه وصلاته).

الحزن: يرى ابن رجب رحمه الله تعالى أن (الحزن والأسى والبكاء يكون على فوات الدرجات العلى والنعيم المقيم). فالمؤمن ينبغي أن يشتاق إلى لقاء ربه ويفرح بقدومه عليه، ويحزن إذا صد عن سبيل الله وما يوصل إلى مرضاته.

الفرح: للمؤمن مواسم أفراح يفرح فيها، ومنها العيد. وقد ورد في الحديث: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطرة، وفرحة عند لقاء ربه).                                         

 لكن الفرح الذي لا يعدله شيء هو الفرح بطاعة الله عز وجل ورضاه، لأن أفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم إذا فازوا بكمال طاعته وحازا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته كما قال الله تعالى : "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون".

وسائط التربية عند ابن رجب

الأسرة: إن التربية الأسرية التي تسعى التربية الإسلامية إلى تأسيسها وبنائها تستمد مبادئها من سيرة المصطفى الذي كان قمة في التواضع واللطف ولين الجانب والشفقة والرحمة على الأطفال الصغار، ففي حديث مسلم عن عبدالله ابن جابر قال: (كان النبي ص إذا قدم من سفر تلقى بصبيان أهل المدينة، وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه ثم جيئ ابني فاطمة فأردفه خلفه، فأدخلنا المدينة ثلاثة على دابة، وفي المسند وصحيح الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أقبلنا من مكة في حج أو عمرة فتلقانا غلمان من الأنصار كانوا يستقبلون أهليهم إذا قدموا).

المسجد: يقول ابن رجب: عن الجلوس في المساجد: ( هذا يدل على استحباب الجلوس في المساجد لتلاوة القرآن ومدارسته)، ويقول ابن رجب : ( وقد كان النبي أحياناً يأمر من يقرأ القرآن ليسمع قراءته كما كان ابن مسعود يقرأ عليه، وقال: ( إني أحب أن أسمعه من غيري ).

مجالس العلماء: مجالس العلماء من أهم وسائط التربية لأنها مجالس ذكر لله وتعليم وتربية فهي شبيهة بمجالس الأنبياء: (قال سهل بن عبدالله: من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء)، ويقول ابن رجب: (ومن مجالس الذكر مجالس العلم التي يذكر فيها تفسير القرآن وتروى فيها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم).

الكتاب: يقول ابن رجب في كتابه القيم أسباب المغفرة تحت عنوان: طلب الاستغفار ممن قلت ذنوبهم حيث قال رحمه الله: ( كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول لغلمان الكتاب: قولوا: اللهم اغفرلأبي هريرة ) فيؤمن على دعائهم ).

مجالس الذكر: مجالس الذكر تورث من ارتادها رقة في القلب وانكسارًا للنفس وزهداً في الدنيا (.. كان كثير من السلف إذا خرجوا وعليهم السكينة والوقار، فمنهم من كان لا يستطيع أن يأكل طعاماً عقب ذلك، ومنهم من كان يعمل بما سمعه مدة).

المحتوى العلمي والمعرفي عند ابن رجب

أهمية العلم: يقول ابن رجب: إن العلم يدل على الله من أقرب الطرق وأسهلها، فمن سلك طريقه ولم يعرج عنه وصل إلى الله وإلى الجنة  من أقرب الطرق وأسهلها، فتسهلت عليه الطرق الموصلة إلى الجنة كلها في الدنيا والآخرة، ويقول : إن الله وملائكته يصلون على أهل الذكر. والعلم من أفضل أنواع الذكر.

أنواع العلوم والمعارف: لقد قسم العلماء العلم إلى (علم باطن وعلم ظاهر، فالعلم الباطن ما باشر القلب، فأثمر الخشية والخشوع والتعظيم لله والإجلال له والمحبة والأنس والشوق إليه، والظاهر ما كان على اللسان فبه تقوم حجة الله على الإنسان).

إن ابن رجب رحمه الله وهو يشير إلى أنواع العلوم والمعارف قد أوضح في فكره التربوي أن أفضل العلوم وأشرفها: العلم بالله وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله التي توجب لصاحبها معرفة الله وخشية محبته وهيبته وإجلاله وعظمته والتبتل إليه والتوكل عليه والصبر والرضا عنه، ويتبع ذلك العلم بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتفاصيل ذلك. والعلم بأوامر الله ونواهيه وشرائعه وأحكامه وما يحبه من عباده من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة وما يكرهه من عباده من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة). وهذا هو علم العقائد وهو من أجل العلوم وأفضلها وعلم الفقه وأصوله. 

العلماء الربانيون: يقول ابن رجب: (من عرف أنه أراد برده على العلماء النصية لله ولرسوله فإنه يجب أن يعامل بالإكرام والاحترام والتعظيم كسائر أئمة المسلمين ومن عرف أنه أراد برده عليهم التنقص والذم وإظهار العيب فإنه يستحق أن يقابل بالعقوبة ليرتدع هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة).

طرق التعلم: ينهى ابن رجب عن الخوض في أقوال المتكلمين المتكلمين أو الفلاسفة فشر محض وكل من دخل في شئ من ذلك تلطخ ببعض أوضاعهم.

مصادر العلم: يقول ابن رجب: (إن القمر إنما يستفيد نوره من ضوء الشمس، كما أن العالم مقتبس من نور الرسالة، فذلك شبه بالقمر ولم يشبه بالشمس).

الطريقة التي يقدم بها المحتوى كما يراها ابن رجب:

مكانة العلماء: (العالم الذي هو وارث الرسول حقيقة كما أنه ورث عمله ينبغي أن يورث العلم  كما ورث الرسول العلم، وتوريث العالم العلم هو أن يخلفه بعده بتعليم أو تصنيف ونحو ذلك مما ينتفع به بعد، ومن كمال ميراث العالم للرسول أن لا يخلف الدنيا كما لم يخلفها الرسول ص، وهذا من جملة الإقتداء بالرسول وبسنته في الزهد في الدنيا وتقلله منها واجتزائه منها باليسير).

مسؤولية العلماء: من مسؤولية العالم أن يعلم كتاب الله ويعمل بما جاء فيه ثم يعلم الناس بقوله وبفعله، لأن (الفقيه العالم حقاً هو من فهم كتاب الله واتبع ما فيه).

أنواع العلماء: للعلماء ثلاثة أقسام ذكرها ابن رجب حيث قال: (.. كان السلف يقولون: إن العلماء ثلاثة: عالم بالله عالم بأمر الله، وعالم بالله ليس عالماً بأمره، وعالم بأمر الله  ليس عالماً بالله، وأكملهم الأول، وهو الذي يخشى الله ويعرف أحكامه).

صفات طالب العالم مع طلاب العلم: من صفات العالم مع طلابه أنه يحبهم ويرحب بهم، ويحثهم على العلم والعمل والجد، يقول ابن رجب: ( .. وينبغي للعالم أن يرحب بطلبة العلم ويوصيهم بالعمل..)، ويراعي الحالة النفسية لهم، ويخاطبهم على قدر عقولهم ويعطيهم من العلم ما تستطيع عقوله ما استيعابه "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله".

صفات طالب العلم مع عامة الناس: يقول ابن رجب (كانت الرسل وأتباعهم يصبرون على الأذى في الدعوة إلى الله، ويتحملون في تنفيذ أوامر الله من الخلق غاية المشقه وهم صابرون بها رضوان بذلك. فإن المحب ربما يتلذذ بما يصيبه من الأذى في رضى محبوبه).

تيسير العلم لطالبه: إن من توفيق الله وفضله ومنه أن: (ييسر لطالب العلم إذا قصد بطلبه وجه الله تعالى والانتفاع به والعمل بمقتضاه فيكون سبباً لهدايته ولدخول الجنه بذلك).

يقول ابن رجب: (هؤلاء الذين وقفوا مع ظاهر العلم ولم يصل العلم النافع إلى قلوبهم ولا شموا له رائحة، غلبت عليهم الغفلة والقسوة والإعراض عن الآخرة والتنافس في الدنيا ومحبة العلو فيها والتقدم بين أهلها).

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم