يقول الدكتور عبدالكريم زيدان فى كتابه القيم أصول الدعوة: "من الوسائل المهمة جدا فى الدعوة إلى الله، وجذب الناس إلى الاسلام، السيرة الطيبة للداعى، وأفعاله الحميدة وصفاته العالية، وأخلاقه الزاكية، مما يجعله قدوة طيبة، وأسوة حسنة لغيره، ويكون بها كالكتاب المفتوح، يقرأ فيه الناس معانى الاسلام".

كان الشيخ عبد العزيز البدرى، مجاهداً قوياً فى بيان الحق، ضارباً على أيدى الظالمين، يكره الاستبداد والطغيان، ويتعرّض للفاسدين باليد واللسان، وقد انبرى للدفاع عن الإسلام أمام هجمات الأفكار المستوردة من الخاج، وأمام الحكام العرب.

ولد الشيخ بمدينة سامراء بالعراق عام 1929، ونشأ فى بيئة علمية وتلقى العلم على يد علماء بغداد، وقام بالوعظ والارشاد فى مساجد بغداد وغيرها، وكان خطيباً مفوهًا، متحمساً فى الدفاع عن الاسلام، متصيداً للمذاهب الوافدة والأفكار الهدّامة.

وقد انبرى الشيخ البدرى لعبد الكريم قاسم، أحد عسكر العراق، والذى أطلق على نفسه لقب "الزعيم الواحد"، فهاجمه فى الخطب والمحاضرات، وقد بلغ التحدي مداه حين أصدر عبد الكريم أحكام الإعدام بحق بعض قادة الجيش المخلصين، فقاد مظاهرات يقدر عددها بعشرات الألآف.

فما كان من عبد الكريم قاسم إلا أن فرض عليه الإقامة الجبرية فى بيته عام كامل "1959"، ثم رفع الحظر عنه فلم يهدأ ولم يتوقف عن الخطب، فأصدر قاسم أوامره بتجديد إقامته وأوقفه عن وظيفته، ثم تكررت أيام سجنه واعتقاله فى عصر عبدالكريم قاسم وبعده.

وقد لقى من البلاء الشديد داخل المعتقلات ما يشيب لهوله الولدان، ولكنه مع ذلك ظل ثابتاً صامداً محتسباً، رافضاً لكل العروض والمغريات، التى عُرضت عليه ليسير فى ركاب الحكام، ولم تنفع معه كل تلك الأساليب حتى لقى ربه شهيداً من التعذيب وهو لم يبلغ الأربعين من عمره عام 1969.

يروى بعض المعتقلين مع الشيخ البدرى الذين أطلق سراحهم فيما بعد: "أن الشيخ البدرى عُذّب عذاباً شديداً، وأنه واجه هذا التعذيب بثبات وصمود فاق كل التوقعات، وأن الشيخ كان شامخاً بإيمانه وثباته على الحق، وكلما أشتد الجلادون فى تعذيبه لم يطأطئ لهم رأساً، ولم يعترف لهم بشرعية".

وكان الشيخ البدرى دائماً ما يصر فى التحقيق على أنهم عملاء وخونة، حتى أنه رفع يده فى أحد الأيام الأولى للتحقيق معه، وضرب رئيس المباحث على وجهه، بعد أن شتمه، فانهالوا عليه بالضرب فى كل مكان فى جسده.