القرآن الكريم كتاب هداية تربية وتهذيب وتطوير وتجديد لكل أمور المرء في حياته إن أراد الدنيا أو أراد الآخرة، إذ قال الله تعالى عن النبي الأمي: " يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة " [ الجمعة:2] وهذا الكتاب يؤدي مهمتين اثنتين في وقت واحد، مهمة تعليمية تثقيفية، ومهمة أخلاقية تربوية، وهكذا كانت المدرسة المحمدية النبوية الأولى على هذا الأساس من التعليم وتهذيب النفس وتربية القلوب والعقول.
فى دراسة أعدّها الباحث حسام العيسوي إبراهيم، بعنوان: "التربية في القصص القرآني" لبيان خصائص التربية القرآنية وما يتميز به المنهج القرآنى الفريد. والمقصود بالتربية القرآنية: ما تحدثه تعاليم هذا القرآن الكريم في نفس المرء تحولاً إلى أن يصل إلى أعلى القمة في الامتثال والاقتداء والتعايش والتعامل.
خصائص التربية القرآنية
يتميز المنهج التربوي في القرآن الكريم بخصائص متعددة منها:
إلهية المصدر والمصير
التربية القرآنية هي من وضع الله تعالى، العالم بكل شيء، والخالق لكل شيء، وبعبارة أخرى فإن المنهج التربوي في القرآن غير قابل للتدخل من قبل الإنسان لعدم قدرته على وضع منهج عام وشامل، فهو يجهل نتائج تصرفاته، ومصائر أعماله الآنية، فكيف يضع منهجاً عاماً للتربية غير قابل للتجربة والخطأ، وهل يصدر الكامل من الناقص، فالإنسان مخلوق حادث، محكوم بالظروف والشروط التي تحيط به.
والفكر البشري له دور كبير في إدراك هذا المنهج وفي استقائه من منابعه، وتطبيقه بشكل لا يستلزم النقص، ولا يتم ذلك إلا من خلال التأمل في دقة الكون وأنظمته ليخلص بذلك إلى الإيمان بالله خالق الكون وواهب الحياة، إيمان عن تدبر واعتقاد عن حجة، قال تعالى: "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ " [الجاثية: 18].
فالمنهج التربوي في القرآن خاطب الإنسان بفطرته، ووازن بين روحه وجسده، ولم يهمل الظروف والشروط الزمانية التي تحكمه.
وأما إلهية المصير: فالتربية ليس لها هدف إلا السعادة الدنيوية والأخروية، قال تعالى: "يا أيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ " [ الإنشقاق: 6 ].
عالمية المنهج
تتميز التربية القرآنية بعالمية المنهج، فهي لا تخاطب المواطن المحبوس في حدود جغرافية اصطنعها لنفسه، ولا تخاطب طائفة معينة بل تخاطب الإنسان بغض النظر عن قوميته أو مذهبه أو جنسه أو طائفته أو لونه، فالإنسان هو المخاطب لا المواطن، وما زرعه الاستعمار في كل بقعة من بقاع الأرض من الشعور بالحدود الجغرافية، الذي أدى إلى خلق الطائفية والعرقية ومن ثم التفرق، ما هو إلا حلقة من حلقات القضاء على المنهج الإسلامي العالمي في التربية.
الشمولية
نبعت شمولية التربية القرآنية من قدرة الواضع لها على إدراك ومعرفة صغائر الأمور وكبائرها، فلم تتخلف قابلية المنهج في التطبيق على زمان دون آخر، فالشمولية بمعنى الاستيعاب لكل ما يتطلبه المنهج التربوي في القرآن من تغيرات زمانية، وهذا إن دل على شي إنما يدل على احتواء هذا النظام على عناصر ثابتة قادرة على التفاعل بشكل مستمر تتخطى المحدودية، وعلى عناصر متغيرة تراعي تغيرات الظروف، فهو نظام يتجاوز فكرة العدل في تشريعاته التوازنية.
الثبات
المنهج التربوي في القرآن احتوى على عناصر ثابتة هي بمثابة المحور الذي تدور حوله الصور المتغيرة لهذا المنهج، والعناصر الثابتة هي المنطلقات الأساسية لهذا المنهج، كحقيقة الألوهية، وحقيقة الإنسان، وحقيقة الكون، وما عدا ذلك فهي صور متغيرة تبعاً لتطورات الظروف.
التعادلية والتوازن
يمكن وصف هذه الخصيصة بالوسطية في التعامل، فلا إفراط ولا تفريط في المنهج القرآني العام، فهو منهج قائم على أساس التوازن بين الروحي والمادي، وبين الفردي والجماعي، وبين الواقعي والمثالي، وبين الثابت والمتغير. أما في الفلسفات الأخرى فقد انعدم التوازن في اعتبار المصادر العلمية للمعرفة انعداماً كاملاً، فبينما ركزت الفلسفة التي سادت أوربا على اتخاذ الوحي مصدراً وحيداً للمعرفة، وقننت إجراءات جزائية صارمة لمن يتجاوز ذلك في عصورها الوسطى، انتقلت إلى العقل بشكل كامل واتخذته مصدراً أساسياً، ونبذت الوحي وراءها، ولم تقف عند هذا الحد بل جاء دور النبذ للعقل ليتجه التطرف إلى الطبيعة التي اتخذوها إلهاً للمعرفة وما عداها تخيلات وأوهام.
أما القرآن فقد اتسم بالتوازن في طرحه، فاتخذ الوحي مصدراً أساسياً غير قابل للخطأ، وركز على العقل وإدراكاته في منظومة متكاملة بين هداية العقل وهداية الوحي.
وسائل التربية القرآنية
طريقة القدوة
الهدف من هذه الطريقة تحويل المنهج النظري إلى واقع عملي متجسد أمام الجميع، يتحرك على الأرض لينفتح باب واسع للتأثير على السلوكيات المراد تغييرها، فالحق تبارك وتعالى أراد لمنهجه هذه الطريقة، فكان محمد -صلى الله عليه وسلم- هو التطبيق الصادق والحقيقي لهذا المنهج فهو «القدوة الحسنة والمثل الأعلى الذي لا ينتهي حديث عظمته ولا تزيده الدهور إلا سناء وعلوا»، قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " [ الأحزاب:21 ]، فأصبح طريقاً للآخرين كي يصلوا إلى المراد.
فالطفل والشاب والكبير لديه استعداداً كبيراً لمحاكاة الغير وتقليده بمجرد أن يتأثر به، فإن كان هذا الغير خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، ومن هنا ركز الإسلام على نصب القدوة، وحث الأب على أن يكون قدوة لأولاده، ولهذا قيل: «إن القدوة هي دائماً قيمة موجبة، يحذف بإزائها قدر مساوٍ من الجهد الذي يجب بذله».
فالأب والمعلم لابدّ أن يكونوا قدوة للأبناء والمتعلمين، ولا يكونوا كذلك إلا أن يتمثلوا بالمنهج الإسلامي الحق. وتدخل الصحبة للطفل في هذه الطريقة، فقد دلت الدراسات على أن لها أثراً بالغاً في نمو الطفل النفسي والاجتماعي، فهي تؤثر في قيمه وعاداته واتجاهاته.
فالإنسان له قدرة على محاكاة الآخرين، مما يسهل عملية التعلم بهذه الطريقة ما دام الإعجاب باقياً، ولا يحتاج إلى كثير جهد، فهي طريقة عملية ناجعة تفوق التعلم النظري للقيم، بالإضافة إلى الاستفادة من دافع الغيرة في الإنسان على تطبيق ما وصل إليه الآخرين من مدارج سلوكية وعملية.
طريقة الوعظ والإرشاد
والموعظة هي التذكير بالخير مما يرق له القلب، وأما مادة الموعظة فتستند إلى الإيمان بالله، وعدم الشرك به، الذي هي أهم القضايا، كما هو الحال في موعظة لقمان لابنه، فالوعظ يُحدِث تأثيره إذا ما كان الواعظ أقرب إلى قلب المتعظ سواء كان أباً أو معلماً أو صديقاً.
طريقة الأشباه والنظائر والأمثال
من الطرق الأساسية التي ركز عليها علماء التربية، هي طريقة إلفات النظر إلى العواقب والنتائج المسماة بطريقة الاشباه والنظائر، واتخاذ مواقف سلوكية أو عقلية أو وجدانية منها، وهذه الطريقة كانت مرجوة ومقصودة من خلال ضرب المثل في القرآن الكريم؛ لأن المثل يهدف إلى تركيز وإلفات سامعه إلى النتائج والعواقب التي تؤدي إليها السلوكيات المتبعة في المثل، فمثلاً عندما نقف أمام أي مثل من أمثال القرآن نجد أن هناك تركيز واضح على العلاقة بين عناصر المثل ونتائجه المترتبة على السلوكيات المتبعة فيه.
هناك أهداف سلوكية ركز عليها القرآن من خلال المثل، منها:
- الترغيب في بذل المال في سبيل الله تعالى: قال تعالى: "مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [البقرة: الآية 261].
- الإخلاص في العمل، قال تعالى: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ "[ النور: الآية 39].
- التربية على إشفاع العلم بالعمل، قال تعالى: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " [الجمعة: الآية 5].
- طريقة الحدث: لم يترك القرآن الكريم وسيلة تؤدي إلى إحداث هزة في وجدان الإنسان وتهيئته لتقبل ما يُعرض عليه إلا وعمل بها، ومن أهم هذه الوسائل، التربية عن طريق الأحداث التي يتم التخطيط لها، أو الأحداث التي لا مدخلية للإنسان في إيجادها، فالحدث تتفاعل النفوس معه وتتعاطى، بحيث تصبح جاهزة للتقبل، والمربي الناجح هو الذي يستغل الحدث لتوظيفه للمنهج التربوي الذي يتبعه، ولهذا نجد القرآن الكريم ألقى دروساً تربوية هامة عند الأحداث، فمثلاً في يوم حنين عندما اغتر المسلمون بكثرتهم ودخلوا المعركة وخرجوا منها بالشكل الذي نعرفه استغل القرآن هذا الحدث وركَّز على أسباب الفشل وأعطى درساً تربوياً رائعاً في ذلك، فقال تعالى: "وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ، ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " [التوبة: الآية 25 ـ 27].
- التربية عن طريق خلق العادات: كل فلسفة تحاول أن تجعل قيمها عادات يتصف بها المجتمع المحكوم من قبلها، الأمر الذي يؤدي إلى سهولة تقبل كل ما يلقى إليه إذا أصبحت أصول تلك الفلسفة عادات حاكمة، وهذه الطريقة تسهّل عمل المربي كثيراً، وتجعل عمله أكثر مرونة في إلقاء القيم التي يريد تثبيتها، وأكد القرآن على هذا الطريقة، فهو لم يستخدم هذه الطريقة لتثبيت القيم وتحويلها إلى عادات ابتداءً بل عالج أولاً العادات السابقة، ومن ثم بذر القيم التي يريدها، واتبع طريقة المراحل في قلع جذور العادات القديمة، ولنأخذ مثال تحريم الخمر.
- طريقة الثواب والعقاب: من الطرق الناجعة تربوياً هي طريقة الثواب والعقاب النابعة من رحم الترغيب والترهيب وهذه الصفات متلازمة في الايات القرانية. فالثواب هو مكافأة، والعقاب ليست نتيجة بل هو وسيلة فلابدّ أن تحدد بحدودها، ومن هنا جعل القرآن الكريم هذه الوسيلة آخر الوسائل.
- النماذج القرآنية: ومن هذه النماذج القرآنية:
( أ ) نموذج الغني الشاكر في قصة سليمان الذي قال عندما سمع كلام النملة وفهم عنها "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه" كما قال عندما أحضر له عرش بلقيس "هذا من فضل ربي ليبلوني أءشكر أم أكفر، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن ربي غني كريم" القصة مفصلة في سورة النمل: [ 16-44 ].
وهناك أساليب كثيرة جداً للتربية ركَّز عليها القرآن أيضاً، تنضوي تحت هذه الطرق ومن هذه الأساليب على سبيل المثال لا الحصر:
- أسلوب اللين والتلطف، فالقول اللين هو الذي لا خشونة فيه ، قال تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ" [آل عمران: الآية 159].
2- أسلوب العقاب، قال تعالى:" أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ" [ الحديد: 16].
3- أسلوب التوبيخ، قال تعالى: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ" [ البقرة: الآية 44 ].
4- أسلوب التساؤل: "فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُون " [الأنبياء: 63].
5- أسلوب المقارنة: "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ " [ التوبة: الآية 19 ].
القصة وأغراضها في القرآن الكريم
سيقت القصة في القرآن لتحقيق أغراض دينية؛ وفي القرآن من هذه الأغراض عدد وفير من الصعب استقصاؤه، لأنه يكاد يتسرب إلى جميع الأغراض القرآنية؛ فإثبات الوحي والرسالة، وإثبات وحدانية الله، وتوحد الأديان في أساسها، والإنذار والتبشير، ومظاهر القدرة الإلهية، وعاقبة الخير والشر، والعجلة والتريث، والصبر والجزع، والشكر والبطر، وكثير غيرها من الأغراض الدينية، والمرامي الخلقية، قد تناولته القصة، وكانت أداة له وسبيلاً إليه.
ومن أهم هذه الأغراض وأوضحها:
- كان من أغراض القصة إثبات الوحي والرسالة.فمحمد – صلى الله عليه وسلم – لم يكن كاتباً ولا قارئاً، ولا عُرِف عنه أنه يجلس إلى أحبار اليهود والنصارى؛ ثم جاءت هذه القصص في القرآن – وبعضها جاء في دقة وإسهاب – كقصص إبراهيم وموسى وعيسى. فورودها في القرآن اتخذ دليلاً على وحي يوحى.
- بيان أن الدين كله من عند الله، من عهد نوح إلى عهد محمد. وأن المؤمنين كلهم أمة واحدة، والله الواحد رب الجميع ؛ وكثيراً ما وردت قصص عدد من الأنبياء مجتمعة في سورة واحدة، معروضة بطريقة خاصة، لتؤيد هذه الحقيقة. ولما كان هذا غرضاً أساسياً في الدعوة، فقد تكرر مجيء هذه القصص، على هذا النحو، مع اختلاف في التعبير، لتثبيت هذه الحقيقة وتوكيدها في النفوس.
- بيان أن الدين كله موحد الأساس – فضلاً على أنه كله من عند إله واحد – وتبعاً لهذا كانت ترد قصص كثير من الأنبياء مجتمعة كذلك. مكررة فيها العقيدة الأساسية، وهي الإيمان بالله الواحد.
- بيان أن الله ينصر أنبياءه في النهاية ويهلك المكذبين، وذلك تثبيتاً لمحمد، وتأثيراً في نفوس من يدعوهم إلى الإيمان، وتبعاً لهذا الغرض كانت ترد قصص الأنبياء مجتمعة، مختومة بمصارع من كذبوهم.
- تصديق التبشير والتحذير، وعرض نموذج واقع من هذا التصديق.
- بيان نعمة الله على أنبيائه وأصفيائه، كقصص سليمان وداود وأيوب وإبراهيم ومريم وعيسى وزكريا ويونس وموسى، فكانت ترد حلقات من قصص هؤلاء الأنبياء تبرز فيها النعمة في مواقف شتى، ويكون إبرازها هو الغرض الأول، وما سواه يأتي في هذا الموضع عرضاً.
- تنبيه أبناء آدم إلى غواية الشيطان، وإبراز العداوة الخالدة بينه وبينهم منذ أبيهم آدم، وإبراز هذه العداوة عن طريق القصة أروع وأقوى، وأدعى إلى الحذر الشديد من كل هاجسة في النفس تدعو إلى الشر، وإسنادها إلى هذا العدو الذي لا يريد بالناس الخير ، ولما كان هذا موضوعاً خالداً، فقد تكررت قصة آدم في مواضع شتى.
- وكان للقصة أغراضاً أخرى متفرقة، منها: بيان قدرة الله على الخوارق، كقصة خلق آدم. وقصة مولد عيسى. وقصة إبراهيم والطير الذي آب إليه بعد أن جعل على كل جبل منه جزءاً. وقصة "الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها". وقد أحياه الله بعد موته مئة عام، وبيان عاقبة الطيبة والصلاح، وعاقبة الشر والإفساد. كقصة ابني آدم، وقصة صاحب الجنتين، وقصص بني اسرائيل بعد عصيانهم، وقصة سد مأرب، وقصة أحاب الأخدود، وبيان الفارق بين الحكمة الإنسانية القريبة العاجلة، والحكمة الكونية البعيدة الآجلة، كقصة موسى مع "عبد من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً".
.