يعد التقويم من الوجهة التربوية والنفسية بأنه إصدار حكم معين على مدى تحقيق الأهداف المنشودة على النحو الذي تتحدَّد به تلك الأهداف، ويتضمَّن ذلك دراسة الآثار التي تحدثها بعض العوامل والظروف في تيسير الوصول إلى تلك الأهداف أو تعطيلها.
هذا ما تتضمنه دراسة حول التقويم التربوي والنفسي من منظور دعوي للباحث أبو البراء إبراهيم صالح والتي تناول فيها منهجية التقويم، وكونها تقوم على أسس عملية، تستهدف إصدار الحكم بدقة وموضوعية على مدخلات ومخرجات أي نظام تربوي. ومن ثم تحديد جوانب الضعف والقوة في كل منها، تمهيداً لاتخاذ القرارات المناسبة للإصلاح.
ويجدر أنه في الأعوام الأخيرة اتسع مجال التقويم التربوي وأساليبه؛ بحيث لم يعد قاصرًا على الامتحانات المدرسية كوسيلة للتقويم، وذلك لأن للتربية أهدافًا أخرى غير مجرد النجاح في الامتحان، وأن للتقويم معنى أوسع وأشمل؛ لأنَّه يتناول كل نتائج العملية التعليمية سواء منها ما يتصل بالمعلومات والمعارف المدرسية، أو ما يتصل بغير ذلك من التغيرات التي تحدثها التربية في شخصية التلميذ؛ فتشمل اتجاهاته العقلية، وأساليبه في التفكير وقيمة الخلقية والجمالية... وغيرها، مما تهدف إليه التربية الحديثة.
كما يعد التقويم التربوي المكون الرئيس لكل أنظمة التعليم. حيث يمكن أن تستعمل التقديرات في المدارس لمُراقبة نظم التعليم من أجل المحاسبة العامة؛ وتساعد على تحسين المناهج؛ وتمكِّن من تقييم فعالية التعليم والممارسات التعليمية ودرجة إنجاز الطالب، وتقرر مدى إجادة الطالب للمهارات.
تعريف التقويم التربوي
هو عمل أو سلوك تربوي هادف له إجراءات ووسائل وأخلاقيات محددة يقصد منه إصدار حكم أو إعطاء قيمة لأحد عناصر العملية التربوية أو العملية التربوية ككل من أجل تحديد مداها وطاقتها ونتائجها.
أسس التقويم
الأساس العقدي
هذا الأساس يقوم عليه كل حياة المسلم المؤمن وأعماله جميعها فيجب أن تراعي التربية في عمومها وفي عناصرها المختلفة عقيدة المسلم لأنها أساس حياته من المهد إلى اللحد.
الأساس التشريعي
يجب أن تكون العملية التربوية بعناصرها المختلفة بما في ذلك التقويم التربوي مستمدة منه ومتسقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية وروحها (الربانية – الاتباع – التوازن – التكامل – التدرج – الاستمرار – التحديد).
الأساس الأخلاقي
عند التقويم يجب أن يكون المقوم يقظ الضمير عادل سامي الغرائز فلا يظلم من جرائه أحد، ولا يتأتى ذلك إلا إذا اتصف المقوم ببعض الأخلاق الأساسية مثل:
- الرفق واللين مع المقومين.
- أن لا يجعل المقومين محل تجارب لعمله.
- أن يطبق المعيار والأداة على السمة أو القيمة أو السلوك المراد تقييمه فقط.
- أن يتسم بالعدل والإنصاف والتواضع وتقديم النصح.
- الشورى وقبول الرأي الآخر، والعلم بمعايير التقييم (الصدق والثبات والموضوعية والقدرة على تطبيقها).
الأساس النفسي
يراعى تحديد السمة النفسية المراد تقييمها وتحديدها نظرا لأن السمات النفسية غير ملموسة ومتعددة ومتباينة ومتشابكة ومعقدة، ولا يمكن قياسها مباشرة وبالتالي يصعب تقييمها، فالسمة النفسية تقوم بمظهر من مظاهر السلوك المترابط ولذا يراعى أن تكون لكل سمة أسلوب وأداة لتقييمها يختلف عن أسلوب وأداة تقويم السمة الأخرى.
الاتساق مع الأهداف
- أن يكون المربي متسقا مع الأهداف التربوية الموضوعة فلا يخرج عنها لقياس أهداف أخرى.
- أن يراعي التقويم أنواع ومستويات الأهداف التي تنشدها العملية التربوية.
- أن يضع في الاعتبار أن لكل نوع ومستوى من الأهداف أو مجال من المجالات التربوية أسلوب وأداة تقويم متسقة معه.
التنوع في الأساليب
حتى يعطي التقويم نتائجه المرجوة يجب أن تكون معاييره ووسائله متنوعة وملائمة، فمعايير ووسائل تقويم الشخصية غير معايير ووسائل تقويم المنهج الثقافي غير معايير ووسائل وأدوات تقويم الخطط والبرامج ومعايير الإنجاز وكفاءة الأداء.
الاقتصاد في الجهد والوقت والمال
لكي ينجح التقويم التربوي في الوصول بالعملية التربوية إلى الأفضل والأكمل باستمرار أداءه وتنميته وتطويره يجب أن لا يكون التقويم عاملا من عوامل إهدار الجهد والوقت والمال بما لا يتناسب مع نتائج التقويم ذاتها.
الشمول
العملية التربوية تمثل نسقا أو نظاما كليا متكاملا ابتداء من الخطط والبرامج والمناهج وانتهاء بالوسائل ومعايير الإنجاز والأداء (مدخلات)، وانتهاء بإضافة معلومات أو تعديل سلوك أو تنمية اتجاه أو تعلم مهارة أو رفع كفاءة أو مرور بخبرة (مخرجات).
ما يمكن تقويمه
يجب تحديد ما يمكن أن نقومه من منظور دعوي لأن كثيرا مما نريد تقويمه يصعب في كثير من الأحيان تقويمه إلا إذا تمت معرفته أو تحديده، ومنه:
الاتجاهات والميول الشخصية
تختلف الميول والاتجاهات من شخص لآخر ومن وقت لآخر ومن مكان لآخر، اختلافات نوعية يمكن الإفادة منها في أعمال ومهام معينة تتفق مع ميول واتجاهات الشخص وتفيد الدعوة.
ومن أساليب التقويم للميول والاتجاه التحليل النظري لمكونات الميول والاتجاه وذلك بمحكات عملية ومواقف تربوية يتواجد فيها الشخص بناء على تكليفات سلوكية.
ومن خلال الاتجاهات والميول الشخصية يمكن أن نقوم:
- قابلية الفرد على التعلم واكتساب مهارات دعوية.
- قابلية الفرد على اكتساب سلوك قويم أو تعديل سلوك معوج.
- سلوكيات قويمة تغرس بالتربية: التأهب والهمة العالية – الكتمان – الطاعة المبصرة.
- سلوكيات تعدل بالتربية: ضبط الموعد – دقة النقل والتثبت.
مهارة التحصيل
وتعني تقويم وتقدير البناء الإدراكي للشخص المربي كنتيجة لما تم تعلمه أو بعد مروره بخبرة معينة أو معايشته لقدوة أو دراسة منهج معين.
تقويم القدرة على التفكير والإبداع
ويراد بها تقويم وتحديد قدرة الفرد على الإتيان بأفكار جديدة وغير مسبوقة للاستفادة منها في العمل الدعوي بشرط أن تأتي الفكرة أو الأفكار بطلاقة ومرونة وأصالة ويمكن إدراكها وتطبيقها.
ويمكن أن نقيس قدرة الفرد على الإتيان بأفكار جديدة أو الانتقال من فكرة إلى فكرة أو ربط مجموعة أفكار مع بعضها البعض:
- ممارسة الشخص لتحليل وبيان عناصر فكرة معينة وإثبات صوابها أو خطأها.
- ربط المعلومات مع بعضها البعض لإنتاج نوع من الأفكار أو المهارات الجديدة.
- عن طريق أسئلة حول التفكير المتشعب والابتكاري.
- إعداد مقاييس متدرجة وإعطاء نقاط لكل فكرة على المقياس.
- ملء فجوات بين عناصر فكرة أو مجموعة من الأفكار.
- الاستفادة من المقاييس المقننة في كتب القياس التربوي.
تقويم مهارات الأداء الدعوي
هو تقويم للأداء الدعوي ذاته (كفاءة الأداء)، يقوم على الملاحظة والاستبيان، أو ما يمكن تصميمه من معايير ومقاييس تسمى بمعايير الإنجاز وقوائم التقدير ويبنى على التغذية الراجعة، فالمرغوب فيه من العمل وأساليبه يستمر، ويستغنى عن غير المرغوب ويتلاشى فيتم بذلك تصحيح المسار إذا ما انحرف أو عن طريق التقدم الذي يتم احرازه في بلوغ الأهداف التربوية.
أنواع التقويم التربوي
التقويم المبدئي
ويعني دراسة الواقع التربوي الموجود والمعمول به في ضوء المعلومات الكمية والنوعية لدى المقوم أي القيام بدراسة مبدئية تتعلق بكل عناصر العملية التربوية (مربين – طلاب – مناهج طبقت بالفعل – مناهج لم تطبق ووسائل .. وهذا ما يسمى برفع الواقع أو التقويم المبدئي).
التقويم المرحلي الذاتي
هو ذلك النوع من التقويم التالي للتقويم المبدئي ويتم بأن يقوم المقوم بتقويم الأداء التربوي في مرحلة من مراحل العمل التربوي بحسب مجموعة من المعايير يقيس المقوم عليها كفاءة الأداء التربوي لهذه المرحلة سواء مرحلة عمرية أو دعوية في مرحلة زمنية محددة.
التقويم التكويني
هو التقويم الذي يصاحب الأداء باستمرار، وهو تقويم علاجي فوري يتم أثناء الممارسات التربوية من خلال التغذية المرتجعة، ويفيد في تشخيص فاعلية المناهج والوسائل، وفي معرفة الصفات البارزة والمميزة للطلاب (الخصائص الفردية والجماعية) لهم وكذلك نواقص الأداء والأفراد ومعالجتها أثناء العملية التربوية، ووسائله: الاستبيانات، والملاحظة الدقيقة أثناء المتابعة الميدانية، وآراء الداخلين في العملية التربوية من مربين وطلاب ومشرفين تربوين وإداريين.
التقويم الكلي
يشمل ما تم تحقيقه من نتائج كلية للعملية التربوية، وما حققته من أهداف سلوكية ودعوية وأخلاقية (تنمية اتجاهات – إضافة تحسين عبادات) مع تقويم للمنهج والوسائل وكفاءة أداء المربية ويشمل أيضا التقويم المرحلي – تعديل سلوك – معلومات والتكويني ، ويمكن من خلال التقويم الكلي التطوير والتحسين في العملية التربوية بعناصرها الكلية بالإضافة أو الحذف أو الإعادة لمحتوى المنهج ووسائله ومدى الاحتياجات المراد التركيز عليها بالنسبة للطلاب، والمربين والإداريين أي يمكن من خلال التقويم الكلي تحديد احتياجات عناصر العملية التربوية المختلفة ونواقصها وتلبية هذه الاحتياجات وهذه النواقص.
التقويم الختامي
يتم في ختام أو نهاية المرحلة الزمنية للخطة التربوية ومدى ما تحقق من أهداف الخطة وما لم يتحقق أو تعثر تحقيقه لمعرفة الايجابيات والسلبيات والعقبات التي حالت دون تحقيق أهداف الخطة ويفيد هذا النوع من التقويم عموما في:
- علاج سلبيات خطة التربية المنفذة وتطويرها وتحديثها أو استبدالها إذا دعت الضرورة من خلال عملية التقويم الختامي وذلك من خلال مقارنة النتائج النهائية للعملية التربوية ومدى مطابقتها لأهداف الخطة ذاتها.
- رسم السياسات التربوية المستقبلية.
- ضبط عناصر العملية التربوية وتكاملها بعضها مع بعض باكتشاف أي من العناصر التربوية (المنهج – المربون – الوسائل) في حاجة إلى تعديل أو تحديث أو تطوير أو استبدال أو إلى تركيز واهتمام أكثر من غيره من العناصر.
وسائله: الاستبيانات، والملاحظة الدقيقة أثناء المتابعة الميدانية، وآراء الداخلين في العملية التربوية من مربين وطلاب ومشرفين تربوين وإداريين.
.