كيف تعمل التربية الإسلامية على تنمية جوانب الفرد المختلفة، وكيف يستفيد المربون من تعاليم الإسلام للقيام بذلك؟ كان هذا محور بحث قام به الدكتور سعيد القاضي، أستاذ اصول التربية بكلية التربية، جامعة جنوب الوادي بمصر.
وقدّم القاضي تعريفاً للتربية الإسلامية يقضي بأنها: "التنمية الشاملة لجميع جوانب الفرد جسميا وعقليا واعتقاديا وروحيا وخلقيا واجتماعيا ونفسيا وإرادياَ وجنسياَ وجمالياَ، وذلك في ضوء ما جاء به الإسلام حتى يكون الفرد عابداَ لله وحده عبودية تحقق له الفوز بالدنيا والآخرة و تجعله لبنة خيرة في بناء مجتمعة وإسعاد البشرية."
أولا: الجانب الجسماني
تولى التربية الإسلامية عنايتها الفائقة بالجانب الجسمي من شخصية المسلم إذ تهتم بالفرد قبل ولادته وبعدها ويمكن إيضاح ذلك في النقاط التالية:
1- اختيار التربة السليمة والمناسبة للإنبات والنمو الجسمي السليم: وذلك بأن يتخير الوالدان كل منهما الأخر قبل الزواج، فيجب أن يتخيروا لنطفهم لأن العرق دساس، وقد تبين أن للوراثة أثرها في نقل الصفات للأبناء، إذ يمكن للوراثة أن تنقل بعض الأمراض الوراثية من الآباء للأبناء مما يؤثر على صحتهم ونموهم الجسمي.
2- العناية بالأجنة في أرحام الأمهات: فيحرم الاعتداء على الأجنة وإلحاق الضرر بها، بل يعد الاعتداء عليها بإجهاضها قتلا للنفس، ما لم يكن ذلك بقرار من طبيب مسلم ولضرورة صحية تتعلق بالأم، كما أن التربية الإسلامية تفرض وقاية هذا الجنين من كل ما من شأنه أن يشوهه أو يصيبه، كالخمور أو المخدرات وغيرها.
3- الاهتمام بالرضاعة الطبيعية للمولود: حيث ينال الجانب الجسمي لدى الفرد بعد ولادته العناية والاهتمام اللازمين بتغذيته التغذية المناسبة وذلك بالرضاعة الطبيعية خلال العامين الأول والثاني من عمر الطفل، لحمايته من الأمراض وتقوية جهازه المناعي.
4- الاهتمام بالتغذية السليمة للنمو السليم: يأمرنا الإسلام باختيار الغذاء الطيب المناسب في كمه وكيفه، فيقول الحق تبارك وتعالى: "وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه حَلَالًا طَيِّبًا"، كما حرم الإسلام على الإنسان ما يضر جسمه وصحته فلا يأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، ولا يتعاط الخمور وما في حكمها من مسكرات ومخدرات لأنها مضرة بالجسم ومدمرة له.
5- الوقاية والعلاج من الأمراض: تفرض التربية الإسلامية على المسلم الوقاية من الأمراض وعلاجها، والاهتمام بالنظافة لما فيها من وقاية ومنع لانتشار الأمراض فنجد أن المسلم يتوضأ قبل كل صلاة، كما أن في عمل التحصينات والتطعيمات إعداد وتهيؤ مسبق للدفاع عن الجسم ضد الأمراض، "يا أيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا".
6- تقوية الجسم بالتدريبات الرياضية: يمتد اهتمام التربية الإسلامية بالجانب الجسمي إلى التدريبات الرياضية واللياقة البدنية، فمجال النشاط والترويض مفتوح على ألا يخرج عن نطاق القاعدة الإسلامية العامة "لا ضرر ولا ضرار". كما أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل".
ثانيا: الجانب العقلي
ينال الجانب العقلي من شخصية المسلم عناية واهتماما كبيرين، ليس بمجرد ولادة الطفل وما بعدها أو حتى منذ بداية الحمل به جنينا بل منذ لحظة الاختيار بين الزوجين، ويمكن إيضاح مدى اهتمام التربية الإسلامية بالجانب العقلي فيما يلي:
1- اختيار التربة السليمة والمناسبة للإنبات والنمو العقلي السليم: وذلك امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: "تخيروا لنطفكم فأن العرق دساس". فيتم هذا الاختيار بما يضمن السلامة والخلو من الأمراض الوراثية الخطرة التي تصيب العقل.
2- وقاية الجنين من أسباب الضعف أو التخلف العقلي: أثبتت الدراسات أن تعرض الأم للأشعة السينية أو إصابتها ببعض الأمراض مثل الزهري والحصبة الألمانية قد يؤدي- ما لم يمت الجنين- إلى إصابته بالتأخر العقلي كما يزداد احتمالية ولادة الأجنة المتخلفة عقليا عند الأمهات المدخنات، وقد حرص الإسلام على وقاية هذا الجنين من شتي المخاطر وحمل الأبوين مسئوليته.
3- تغذية العقل وتنميته: كما اهتم الإسلام بالغذاء المادي للجسد اهتم بالغذاء المعنوي للعقل وجاء في عدة مواطن من كتاب الله ما يدعو الإنسان إلى إعمال العقل و التدبر و التفكر في صنع الله فقال تعالى "فلينظر الإنسان مما خلق"، وقال تعالى: "إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون".
4- تدريب العقل بالتمارين والتدريبات العقلية: ويكون ذلك بشد انتباه الطفل وإثارة تفكيره وبتنمية قدراته الابتكارية وإبعاده عن التفكير الخرافي، ويتضح دور التربية الإسلامية في تدريب العقل في مواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته، فنجد أن هناك عددا كبيرا من الأحاديث بدأها بالاستفهام ليشد انتباههم ويثير تفكيرهم.
5- حماية العقل وعلاجه من الأمراض العقلية: عنى الإسلام عناية كبيرة بحماية العقل من كل ما يفسده أو يربك نظامه، فجاء تحريمه للخمر ولكل ما في حكمه من مسكرات ومخدرات وطالب بإقامة الحدود على متعاطيها، كما اهتم بالعلوم المحمودة وحرم كل العلوم المذمومة التي لا فائدة منها كالسحر والتنجيم وقراءة الكف والطالع.
ثالثا : الجانب الاعتقادي
إن العقيدة في الله هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، وحاجة ملحة للنفس والروح. فإذا فقدت تركت في النفس فراغاَ كبير لا يملأ. وتتم تربية هذا الجانب بغرس العقيدة الصحيحة وتنميتها وترسيخها. ويمكن التحدث عن تربية هذا الجانب في النقاط التالية:
1- غرس العقيدة الصحيحة: حيث التصديق والإيمان بوجود الله الواحد الأحد الفرد الصمد مصداقا لقوله " قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد. ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد"، ثم يلي بعد الإيمان بالله الإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر وبالقدر خيره وشره.
2- تنمية العقيدة: حيث يقوى اعتقاد الفرد ويرسخ بتلاوة القرآن الكريم وتفسيره وقراءة الحديث الشريف ومعانيه ويشتغل بوظائف العبادات ويزداد اعتقاده رسوخاَ بما يسمعه من أدلة القرآن وحججه وبما يسمعه ويقرأه عن الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.
3- غرس وتنمية بقية أركان العقيدة: بعد أن نغرس وننمي في أبنائنا عقيدة التوحيد يجب أن نغرس فيهم باقي أركان العقيدة حيث الاعتقاد في الإيمان بالملائكة وبالكتب السماوية وبرسل الله أجمعين وباليوم الآخر وما فيه من بعث وثواب وعقاب وجنة ونار وبالقدر خيره وشره وننمي تلك الأركان بالأدلة النقلية والعقلية المبرهنة على وجوب الإيمان بها.
4- حماية العقيدة والدفاع عنها: يكون ذلك بالتوعية والتبصير بأغراض الملحدين وبوسائلهم في نشر الإلحاد ومحاربة الإسلام في عقيدته وكذلك بتكوين القدرة لدي المسلم على الدفاع عن عقيدته الإسلامية بالعلم والمنطق والحجج والبراهين، كما تحتاج سلامة العقيدة إلى تطهير الفكر من الخرافات والبدع ومن التصديق للسحرة والمشعوذين والمنجمين ومن كل ما شأنه الإشراك بالله.
رابعاَ: الجانب الروحي
إن تنمية الجانب الروحي في شخصية المسلم تعني تزويده بشحنة إيمانية تعطي حياته القيمة الحقيقية وتمنحه البهجة والسعادة والأمل في الدنيا والآخرة، وتتم تنمية هذا الجانب بالتقرب إلى الله بالعبادة والعمل الصالح والوقاية من أسباب الانحراف الروحي، ويمكن توضيح ذلك من خلال النقاط الآتية:
1- الاتصال الدائم بالله في كل الأمور: فيجب أن نعود أنفسنا وأبنائنا على الاتصال الدائم بالله والذكر المستمر له والشكر له في كل حال من الأحوال, فالاتصال الدائم بالله يجعلنا على حياء منه والحياء منه سبحانه وتعالى ضمان لصلاح أعمالنا وحسن تعاملنا مع بعضنا البعض ومع الآخرين.
2- إخلاص العبادة لله: العبادة نوع من الخضوع ناشئ عن استشعار القلب عظمة المعبود مع الحب النفسي والفناء في جلال المعبود، والتربية على أساس العبادة تزود الإنسان دائماَ بشحنات روحية متتالية، فتزوده بالقوة المستمدة من قوة الله والثقة بالنفس المستمدة من الثقة بالله, والأمل بالمستقبل المستمد من الأمل بنصر الله وثواب الجنة.
3- إخلاص العمل لله في كل الأعمال: الإسلام صريح في اعتبار العمل عبادة مادام القلب فيه يتجه إلى الله .فيوجه الإنسان عمله نحو إرضاء ربه بلا رياء ولا استكبار ولا استهتار، عمل يشعر فيه بالمسئولية عن صلاحه وصحته وإتقانه وجودته.
4- الوقاية والعلاج للجانب الروحي من الضعف والانحراف: وذلك بتحقيق الوسطية والاعتدال فلا تطغي الدنيا بماديتها ومشاغلها على النواحي المعنوية والروحية كما لا تطغي الروحانيات على متطلبات الحياة الدنيا.
خامسا: الجانب الأخلاقي
تعد التربية الأخلاقية الغاية الأسمي للتربية الإسلامية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وقد جاء اهتمام التربية الإسلامية بالتربية الأخلاقية لما لها من قيمة في كيان الفرد والمجتمع. ويمكن إيجاز مدى عناية التربية الإسلامية بالجانب الأخلاقي فيما يلي:
1- حب الفضائل وتحلية النفس بها وكره الرذيلة: فالإسلام يحرص على تنشئة الصغار، وتنمية الكبار على الخير والصلاح والفضائل، كما يحرص على تجنيبهم كل أنواع الرذيلة كالكذب والخيانة والرياء إلى غير ذلك من الرذائل. ويتم ذلك بأساليب مختلفة من بينها التزويد بالمعرفة التي عن طريقها بين الخير والشر، والاعتياد على تنفيذ الخير بحيث يصبح عمل الخير عادة راسخة، وكذلك الاقتداء بمن يتحلون بالفضائل ويتجنبون الرذائل.
2- صيانة الفرد من قرناء السوء: أكد الرسول صلى الله عليه وسلم ضرورة تخير الصديق أو الخليل وتجنب أصدقاء السوء "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخال" فيجب علينا وقاية الطفل من قرناء السوء توجيهه إلى اختيار الجليس الصالح.
3- القدوة الصالحة: إن خير قدوة كما وصفه الله سبحانه وتعالى هو الرسول صلى الله عليه وسلم "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" فهو القدوة في كل شئ فلنقتبس منه ونتربى، وعلى ضوء ذلك يقتدي بنا أبنائنا ويتربوا.
4- تنمية الضمير الأخلاقي: إن في قوة عقيدة المسلم ونمو الروحي واتصاله الدائم بالله إحساس بمراقبة الله الدائمة له في السر والعلن وشعور بالمسئولية أمامه سبحانه وتعالى ومن ثم التزام بأوامره واجتناب لنواهيه؛ وبالتالي يلتزم الفرد في تصرفاته دون الحاجة إلى رقابة من الآخرين لأن سلوكه يأتي من وحي ضميره الأخلاقي وخوفا من الرقيب الأعلى.
5- التوبة والندم على الفعل اللاأخلاقي: تتجلى عظمة الإسلام في أن الفرد إذا ما ارتكب خطأ ثم استغفر الله وأناب يجد رحمة الله ومغفرته وسعت كل شئ "وَمنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْيَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا"، لذا يجب أن ننمي في أبنائنا سلوك الاعتراف بالخطأ والتوبة الصادقة.
6- حماية قيمنا وأخلاقياتنا من التردي والانحلال: ويتم ذلك بحماية أبنائنا من قرناء السوء ومن المجلات والأفلام الخليعة، وبحماية المتربين من القيم الوافدة السيئة التي تدعو إلى الانحلال والتخلي عن ثوابتنا وأصولنا الصحيحة.
سادسا: الجانب الاجتماعي
لقد حرص الإسلام على توثيق الروابط والعلاقات الاجتماعية بين الفرد والمحيطين به، بما يحقق للفرد والجماعة الألفة والانسجام والتكيف والاستقرار من جهة وتبادل المصلحة من جهة أخرى، ويمكن إيجاز أدوار التربية الإسلامية في تنمية الجانب الاجتماعي فيما يلي:
1- حقوق الوالدين والأبناء (دائرة الأسرة): فالعلاقة في الأسرة لا تقوم على المصلحة المادية ومنطق الربح والخسارة، وإنما على البذل والعطاء من جانب الآباء، وعلى الطاعة والبر والإحسان من جانب الأبناء.
2- حقوق الأرحام (دائرة الأرحام): ليس فقط في محيط الأسرة، بل ومع الأقارب والأرحام، أكد الإسلام على صلة الرحم وحذر من قطعه " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ". كما ربط الرسول صلى الله عليه وسلم بين الإيمان بالله وصلة الرحم في قوله "أحب الأعمال إلى الله الإيمان بالله ثم صلة الرحم".
3- حقوق الجوار- الدائرة الثالثة (دائرة الجوار): لم يغفل الإسلام حقوق الجار فحث على مراعاة حقوق الجوار توثيقا للعلاقات الاجتماعية بين إفراد المجتمع وفي ذلك يقول الرسول الكريم "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".
4- حقوق المسلمين والمواطنين – الدائرة الرابعة (دائرة المجتمع): قدم الإسلام مجموعة من التوجيهات والنصائح تبين حقوق المسلم على المسلم وواجباته في نفس الوقت، كما حث على العديد من الفضائل في التعامل مع الناس: كالتعاون والتواضع وعدم التكبر عليهم والبعد عن النميمة واحترام الكبار والرفق بالصغار إلى غير ذلك من الفضائل.
5- حقوق الأخوة في الإنسانية (دائرة العالم): لم يقف اهتمام التربية الإسلامية على دائرة الأسرة الأرحام والجوار والمجتمع بل تعدى ذلك للاهتمام بتربية الفرد لكي يكون إنساناَ خيراَ يحمل الخير لكل الناس ويعمل لصالح كل البشرية، كما أن الإسلام دعا إلى احترام كل الناس بغض النظر عن العقيدة أو الجنس أو العرق كما نبذ التميز والتفرق العنصرية بين الناس.
سابعاَ: الجانب النفسي
تعنى التربية الإسلامية بالجانب النفسي من شخصية المسلم بداية من تلبية حاجاته الفسيولوجية، وإشباع حاجاته الوجدانية ثم تأكيداَ على ضبط انفعالاته، ووصولاَ إلى تحقيق صحته النفسية بما يحقق له العيش في تكيف وانسجام. وفيما يلي نوجز دور التربية الإسلامية في تنمية هذا الجانب:
1- تخير البداية لتجنب الأزمات والمشاكل النفسية فيما بعد: وذلك بتخير الأم حسنة السمعة والأب حسن السمعة ليكونا تربة مناسبة للإنبات والنمو النفسي السليم بخلوهما من الأمراض النفسية والعصبية التي يمكن أن تؤثر على الأبناء مستقبلاَ، وكذلك حماية الأجنة من التشوهات التي يمكن أن تؤدي إلى أزمات نفسية فيما بعد.واختيار الاسم الحسن الذي لا يكون مثاراَ للسخرية أو التشاؤم أو نحو ذلك.
2- تلبية الحاجات الفسيولوجية: يجب الاهتمام بالحاجات الفسيولوجية للفرد كالأكل والشرب والنوم وغيرها لأن حدوث نقص في هذه الحاجات يحدث لدى الفرد توتر وقلق و خوف على الحياة. فإشباع تلك الحاجات يتضمن إشباعا وراحة نفسية لصاحبها.
3- إشباع الحاجات الوجدانية: لم تغفل التربية الإسلامية حاجة الإنسان إلى إشباع حاجاته الوجدانية كحاجته إلى الأمن والطمأنينة, وحاجته إلى السعادة وترويح النفس وحاجته إلى الأمل ونبذ اليأس والقنوط إلى غير من حاجات نفسية تعطي الحياة الإنسان معناها الحقيقي وتحييه في تكيف وانسجام.
4- ضبط الغرائز والانفعالات: لم يقل الإسلام بكبت الغرائز والانفعالات وقمعها، كما لم يقل بترك الحبل على الغارب، إنما قال بتربيتها وضبطها وتهذيبها, لما لها من فوائد لا يستطيع أحد الاستغناء عنها. فشهوة الطعام تؤدي إلى المحافظة على الحياة, والغريزة الجنسية لو زالت لحكم على الإنسان بالفناء.
5- الترويح عن النفس: ويكون ذلك بإعطاء الطفل حقه في اللعب لما له من فوائد وفي ذلك يقول الإمام الغزالي "وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعباَ جميلاَ، يستريح إليه من تعب المكتب". كما يكون الترويح عن النفس بتخصيص وقت للدعابة والسمر مع الأهل والأصدقاء وتحقيق الراحة النفسية والترويح عنها بالراحة والاستجمام والترويح لبعض الوقت يوميا.
6- الوقاية والعلاج من الأزمات والأمراض النفسية: وذلك بالبعد عن أسبابها كالقسوة والغلظة في المعاملة، وفرض الظلم والقهر, وتجاوز الحد في العقاب وفي اللوم والتوبيخ إلى غير ذلك من أنواع المعاملات السيئة التي تترك أثارها السلبية في النفس. وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالرفق في المعاملة والبعد عن القسوة والجفاء في قوله "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك".
ثامناَ: الجانب الإرادي
تحرص التربية الإسلامية على بناء شخصية إسلامية ذات إرادة قوية وعزيمة صلبة ليتمكن الفرد من مواجهة الشدائد والمواقف الصعاب، وليتحمل المسئولية ويقوم بواجباته. ويمكن توضيح مدى اهتمام التربية الإسلامية في تنمية الجانب الإرادي فيما يلي:
1- تدريب الطفل على تحمل المسئولية: وذلك بتدريبه على تحمل المسئولية في شئونه الخاصة كاختيار لعبه وملابسه مع ضرورة التوجيه وكذلك في دراسته وحل واجباته ومساعدة الأسرة في الأعمال المنزلية وفي إبداء رأيه واحترام رأي الأخر.
2- تقوية الإرادة بترسيخ العقيدة: إذ كلما قويت عقيدة المسلم، اسند كل شئ إلى الله سبحانه وتعالى. فيستمد قوته من الله، ويستمد ثقته من ثقته في الله وتأييده ونصره ويستمد أمله في المستقبل من أمله بتوفيق الله ويتأكد أن الأرزاق بيد الله. فكلما قوي اعتقاد الفرد في الله كلما زادت عزيمته وإرادته.
3- صقل الإرادة بالعبادات الخالصة لله: إذ عبودية الإنسان لله وحده تعني تحرره من جميع أنواع العبوديات والرق الأخرى، فلا عبودية لمال ولا قوة ولا لسلطان مهما كانت هذه القوة والسلطان. ومن هنا ينال الإنسان كرامته وعزة نفسه ويعلن – وبواقع إرادته القوية- رفضه للظلم والقهر والعدوان.
4- تنمية الإرادة بممارسة الحقوق وبأداء الواجبات: فالإنسان ينال قيمته واحترامه متى مارس حقوقه المشروعة، ودون إفراط أو تفريط كما ينال قيمته واحترامه بأداء واجباته تجاه الآخرين، ودون إهمال أو تقصير.
5- حماية الإرادة وعلاجها من عوامل الضعف والانهيار، وذلك بما يلي: تجنب اللوم والتوبيخ المستمرين – تجنب العنف والقمع والإرهاب - تجنب كل ما يسلب الإرادة (كالمخدرات) – العلاج لأمراض الإرادة (الانهزام النفسي- الإمعية – الإدمان).
تاسعاَ: الجانب الجنسي
تولى التربية الإسلامية عنايتها بالجانب الجنسي من شخصية المسلم، إذ تهتم به في طفولته ومراهقته وشبابه وحتى أخر حياته ويمكن إيضاح هذه العناية في النقاط الآتية:
1- تعويد الطفل على ستر عورته: فيستر عورته عن الغير ويصون نفسه عن عورات الآخرين.
2- تعويد الطفل على أداب الاستئذان: أي الاستئذان على أفراد الأسرة من أب أو أم أو أخوة أو الأخوات الكبار، في أوقات يكون فيها الرجل أو المرأة في حالة لا يجوز أن يطلع عليها أحد من الأولاد قال تعالى: "يا أيها الذين أمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات".
3- تعليمه أحكام المراهقة والبلوغ: أوجب الإسلام على كل المربين، من أباء وأمهات ومعلمين تعليم الأبناء قبل أن يصلوا إلى سن المراهقة الأحكام الشرعية التي ترتبط بنضجهم الجنسي كتعليمهم موجبات الغسل وفرائضه وسننه وكيفيته وذلك حتى لا يصلى الولد أو البنت وهما في حالة جنابة ويظنان أنهما يؤديان حق الله في الطاعة والعبادة.
4- تجنيبه الإثارة الجنسية: أمرنا ديننا الحنيف بتجنيب الأولاد كل ما يهيج غرائزهم الجنسية التي قد تجر إلى الفاحشة والتردي في الرذيلة فأكد عل ضرورة ستر المرأة لمفاتنها وأمر بغض النظر عن كل ما قد يؤدي إلى إثارة الشهوات كما أمر الرسول بضرورة التفريق بين الأبناء الذكور والإناث في المضاجع.
.