الأخوة والحب في الله ركن أساسي من أركان العلاقات بين المسلمين، وهي لدى الدعاة والمربين عبادة وأصل.
وقد حظيت كتب التاريخ بالعديد من قصص ومواقف في الأخوة منذ العهد النبوي وحتى اليوم، ومن هذه المواقف ما حدث مع الحاج عباس السيسي أحد المربيين المعاصرين.
يحكى الحاج عباس السيسي، صاحب الروح النقية والقلم الراقى والأسلوب الدعوي المرح موقفا مؤثرا حدث معه كان له أثر في الكثير فيما بعد، فيقول: "دُعيت ذات يومٍ لزيارة مجموعة من الشباب، واستغرق السفر إليهم ثلاث ساعات، وحين وصلت إليهم، وجدتهم قد استقبلونى بوجوهٍ جامدة، ومشاعر خامدة، وعيون ميتة، قدمنى إليهم كبيرهم، فتحدثت إليهم بلا قلب، ولا روح، حتى إذا انتهيت من حديثى، شكرنى، وخرجت كأننى كنت أعزى فى ميت، وعدت من حيث أتيت، حزينا لما شاهدت ورأيت.
ومضت الأيام والأسابيع، وجاءنى الأخ نفسه، الذى دعانى أول مرة، جاء يدعونى لأكرر الزيارة مرة أخرى، فقلت له: إلى أين؟، قال: إلى الإخوة، قلت له: أهؤلاء إخوة؟، قال: نعم.
قلت: مستحيل أن يكون هؤلاء عندهم تذوق لمعنى الأخوة، كيف يكونون إخوة. وقد جاءهم ضيف قطع إليهم مسافرًا أكثر من ثلاث ساعات، جاء إليهم بأشواق متلهفة، وعواطف مشتعلة، ونفس منشرحة؟ فيتلقونه بمشاعر جامدة، وهم جلوس كأنهم تلاميذ فى مدرسة، لا تربطنى بهم سوى علاقة المدرس فى الفصل، فإذا أنهى الدرس خرج لا يلوى على شيء، لا عواطف ولا مشاعر ولا دعوة تجمع بينهم.
لقد تركتكم كاسف البال!، أتحسر على جمود العواطف! وفقدان يقظة القلوب، وحياة المشاعر التى هى سر وجودنا وحيويتنا وانتعاشنا.
أصاب أخى الخجل والحيرة، ثم بادرنى يقول: إذا كان الإخوة قد فاتهم هذا المعنى فى أول مرة، فسوف أقوم بالتنبيه عليهم، حتى يتداركوه المرة القادمة.
فنظرت إليه وقلت: يا سيدى إن هذه المواهب الروحية، واللمسات العاطفية، والأريحية، واللطائف النفسية، والذوق لا تنهض به توجيهات أو أوامر!، وإنما تنهض به: موحيات قلوب معطرة بالحب، مشتاقة تواقة إلى توأمها فى العقيدة التى تتأجج بها القلوب.
واعتذرت لأخى عن الزيارة، رغم أنى مشتاق إليهم، ومشفق عليهم".
والحاج عباس حسن السيسي من مواليد نوفمبر 1918، وتوفى عام 2004، بمدينة رشيد بمحافظة البحيرة، وكان عضواً بمكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، ويُعدُّ أحد أشهر الدعاة الذين كتبوا في الذوق والسلوكيات الدعوية والتربوية، تميز بأسلوبه الدعوي المرح الذي جعله قبلة لخطابات المئات من شباب المسلمين حول العالم والتي قدمها في عدة كتب له منها "الدعوة إلى الله حب".
.