تناولت الدراسة سورة يوسف عليه السلام، حيث هدفت إلى تعرف الأساليب التربوية التي تضمنتها، وكيفية إفادة المنهج المدرسي من تضميناتها، وقام الباحث عبد الكريم محمود الصلاحين، باستقراء الآيات الواردة في السورة الكريمة حسب الموضوع الذي تعلقت به مستنبطا ما تضمنته من أمور تربوية.
الأساليب التربوية المستنبطة من سورة يوسف عليه السلام
تعد القصة في القرآن من أكثر الأساليب تأثيرا في النفس؛ بسبب القالب الفني الذي تسرد من خلاله، بحيث تصغي إليه الأسماع ولا تمله القلوب، كما أن تنوع الأحداث في القصة؛ يعطي المتعلم سعة في التفكير، ويبعد عن نفسه السآمة والملل، ومن المعلوم لدى علماء التربية أن القصة من أنجح الوسائل في التوجيه، وقد سبقهم القرآن الكريم بأكثر من أربعة عشر قرنا في ذلك.
وقد تميزت سورة يوسف بميزات عدة عن غيرها من القصص القرآني، فهي أحسن القصص، كما قال الحق تبارك وتعالى في ذلك: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ وإن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ} (يوسف: 3).
فالقصة قد اشتملت على أبطال ذوي أدوار مختلفة، فشخصية يوسف –عليه السلام- مثلت الشخصية الرئيسية في القصة الرئيسي للسورة الكريمة.
كذلك تظهر شخصيات أخرى ذات دور فعال في القصة وأخرى ذات دور جزئي، إذ أن هذا التعدد في الشخصيات والأدوار يعطي تنوعا في المبادئ والقيم والمهارات التي يراد غرسها في الناشئة، وأخرى غير مرغوب فيها ، يعمل الناشئة على تجنبها.
فلم تقتصر قصة يوسف –عليه السلام- على تنوع في الشخصيات؛ بل إننا نجد أن هناك حديثا عن المجتمعات التي كانت في ذلك الوقت، ولم يكن من العبثية أن تذكر هذه المجتمعات لكنها ذكرت لزيادة المعرفة في حال تلك المجتمعات وتصوراتها وقيمها. عرضت سورة يوسف بشقيها القصصي والتعقيبي للعديد من المجمعات فعرضت للمجتمعين: الشامي والمصري، زمن يوسف عليه الصلاة والسلام.
فأظهرت المدنية التي قامت في مصر وحالة الترف التي كان يعيشها أهلها، وفي المقابل تبين ما كان عليه أهل الشام من بداوة وفقر، وبساطة في العيش.
الحوار
بالرجوع إلى السورة الكريمة نجد أنها حوت الكثير من الحوارات، كما يلاحظ أن أغلب الحوارات التي دارت في القصة كانت شخصية يوسف –عليه السلام- هي الطرف الرئيس فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، كذلك فإن الفكرة الأساسية المتمثلة في توحيد الله تعالي والتحلي بالأخلاق الفاضلة، ومن ثم بناء الشخصية الإسلامية المتوازنة والمتكاملة.
أسلوب حل المشكلات
يعد أسلوب حل المشكلات من التوجهات التربوية الحديثة في هذا العصر، والذي أخذ اهتماما متزايدا؛ نظرا لما يتطلبه من مهارات مختلفة، وإشراك المتعلم، وذلك من خلال إثارة تفكيره وإتاحة الفرصة له؛ كي يواجه مشكلته ويعمل في حلها.
والناظر في السورة الكريمة يجد أنها قد رسمت الملامح الأساسية لأسلوب حل المشكلة وهذا ما يرد كثيرا في القرآن الكريم حينما تثار الاسئلة –التي تستثير المخاطب- فتطلق الطاقات العقلية لدية للبحث عن نهاية محددة، أو التوصل إلى إجابة شافية.
وقد أوردت السورة الكريمة لنا بعض الإجراءات التي تتخذ من أجل الوصول إلى حل للمشكلة، منها:
- دعوة ملك مصر للعلماء المختصين في عصره، وعرض مشكلته عليهم.
- إعطائهم الوقت الكافي للبحث في إيجاد حل لتلك المشكلة.
- عدم توقفه عن تكرار طرح الموضوع، والطلب بضرورة إدامة التفكير من أجل الوصول إلى حل، حتى تذكر ساقية صديقا له في السجن من الممكن أن يجد الحل عنده، يقول تعالي: (وقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) (يوسف، 45).
الرحلة كوسيلة تعليمية
تعد الرحلة من الأساليب التي يحصل بها الإنسان على الكثير من المعارف، كما أنها ذات أثر واضح في سلوكياته، والمتأمل في السورة الكريمة يجد فيها حثا على السير، والانتقال باعتباره سببا موصلا إلى معرفة الله والاعتبار بالأقوام السابقة ومعرفة أحوالهم، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ} (يوسف: 109).
وتعد الرحلة أسلوبًا تربويًا؛ نظرا لما يمكن أن يمر به الإنسان في رحلته تلك من مواقف يعمل عقله فيها من أجل الخروج بحلول لتلك المشكلات.
كيفية إفادة المنهج المدرسي من تضمينات الأساليب التربوية المستنبطة من سورة يوسف عليه السلام؟
- لقد كان أسلوب القصة من بين الأساليب التي اشتملت عليه السورة والذي إن أحسن توظيفه انعكس إيجابيًا على عملية التعلم والتعليم، ففيه مراعاة للفروق الفردية، كما أن في ذلك إعطاء فرصة لتنمية الاتجاهات، والمهارات المختلفة التي إن أحسن مصممو المناهج استعمالها فيما يختارون من نصوص قصصية في مناهجهم وكذلك المعلمون =كان لذلك أفضل الأثر في غرس القيم والمبادئ المنشودة.
- وأما فيما يتعلق بأسلوب الحوار، فالنماذج الحوارية التي اشتملت عليها السورة الكريمة، تظهر أهمية الحوار، وامتلاك المعلمين والطلبة لمهاراته، ومدى تضمن المناهج لتلك المهارات في عصر العولمة.
- ويمكن لمصممي المناهج أن يفيدوا من أسلوب حل المشكلات، من خلال تضمين المنهاج المدرسي مواقف تحتاج إلى مهارات أسلوب حل المشكلات، وتزويد المعلمين مثل هذه المهارات حتى يتمكنوا من نقل هذه المعرفة إلى تلاميذهم ليكونوا قادرين على مواجهة المواقف الحياتية المختلفة.
- ومن بين أساليب التعليم التي أشارت إليها السورة الكريمة الرحلة، والتي أخذت مساحة لا بأس بها من السورة حيث رحل إخوة يوسف –عليه السلام- من الشام إلى مصر في عدة رحلات، تعلموا خلالها معارف وقيم كان لها أثرها في بناء شخصياتهم.
فعلى القائمين على تنفيذ المنهاج أن يؤكدوا على الاهتمام بهذا الجانب التربوي للرحلة، باعتبارها إحدى الأساليب التي ينفذ من خلالها المنهاج، بحيث تكون الرحلات هادفة ذات طابع علمي وليست محصورة في الجانب الترفيهي.
.