Business

الحاجات الأساسية للطفل .. في ضوء التربية الاسلامية

 

الطفولة مرحلة حساسة بالنسبة للطفل بجميع أبعادها الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدوافع والميول، كما أن للطفل مجموعة قدرات ودوافع للتعبير عن نفسه لذلك فإن التربية ترعى حاجات الطفل وتشبع ميوله وتحترم شخصيته وتتيح له الفرصة للتنشئة السليمة، وعلى الأسرة والمربين أن ينظروا للطفل باعتباره كائنا له حاجاته ودوافعه الخاصة التي تدفعه إلى كسب الخبرات والمهارات المختلفة، فيجب أن نقدر الظروف التربوية لهذه المرحلة فنقف على حاجات الطفل الأساسية في ضوء التربية الإسلامية وكيفية توجيهها وتهذيبها على نحو يجعل الطفل سليم التربية بعيدا عن الانحراف.

واقد أشار الباحث فتح الرحمن عبد المجيد أحمد الماحي في دراسته "الحاجات الأساسية للطفل .. في ضوء التربية الإسلامية " لنيل درجة الماجستير إلى أن أي جهد تربوي لابد أن يكون نابعا من معرفة مسبقة للحاجات الأساسية للطفل.

وفى الإسلام تتكفل الأسرة بعبء تكوين المحضن الصالح لنمو الذرية نموا سويا صالحا ويبدأ هذا باختيار وحسن انتقاء كل من الزوجين الأب والأم، فالمرأة تعمل ضمن اختصاصها، وما يتفق مع طبيعتها وأنوثتها في الإشراف على البيت، والقيام بتربية الأبناء، والرجل كذلك يعمل ضمن اختصاصه، وما يتفق مع رجولته، وذلك في السعي وراء العيال، والقيام بالأعمال وحماية الأسرة.

وقد اهتمت التربية الإسلامية بالجنين قبل أن يولد بل قبل أن يتكون وبعد تكونه وكذلك بعد خروجه إلى أن يبلغ الرشد. وقد أولت التربية الإسلامية الاهتمام بالجنين والمحافظة علية والمحافظة على أمه الحامل، لذا وجهت التربية الإسلامية إلى رعاية الأم والمحافظة عليها فرعاية الأم الحامل رعاية للجنين الذي في بطنها فأباح الإسلام الفطر للحامل؛ من أجل سلامة الجنين ونموه النمو الطبيعي، كما عمل الشرع على تأجيل إقامة الحدود على المرأة الحامل أو المرضع ليتيح للطفل فرصة النمو الطبيعي مثل غيره من الأطفال.

كما حرصت التربية الاسلامية على البعد عن العوامل التي تؤثر في الجنين تأثيرا سلبيا قد يفقدها جنينها كالانفعالات الحادة والضيق الشديد والتوترات العصبية والنفسية التي يمكن أن تنتقل إلى الجنين، فإن الجنين يتأثر بمرض الأم وطهارتها، وكل ما يجري لها فإن كل ما يظهر على المولود من انفعالات (الخوف والشجاعة والغضب والكسل والحسد) وغيرها هو نتيجة للعوامل والانفعالات النفسية أثناء فترة الحمل.

كل هذه العناية التي أولتها التربية الإسلامية بالأم الحامل والجنين توضح منزلة التربية وفق الاحتياجات الأساسية في المنظور الإسلامي.

وكما كفلت الشريعة حقوقا للجنين فإنها كفلت أيضا حقوق المولود بعد الولادة بدءا من اختيار الاسم الحسن وتوفير فرصة الرضاعة الطبيعية إلى حولين لضمان نمو نفسى وجسمي مناسب للمولود.

وقد اهتمت الدراسات التربوية بسلوك الطفل وبيان خصائصه وحاجاته التي يسعي كل مربي لتلبيتها من أجل إخراج جيل صالح، ومن أجل نمو متكامل في جميع الجوانب، لذلك فإن "الاهتمام بمراحل النمو التي يمر بها الإنسان، وخصائص كل مرحلة ليست من نتاج الدراسات الحديثة، أو الدراسات الغربية، كما يتصوره بعض الناس، بل أوضحت الآيات القرآنية، والسنة النبوية الأطوار التي يمر بها الجنين في رحم أمه، وكذا الأطوار التي يمر بها بعد الولادة، كمرحلة الطفولة، والأشد، والشيخوخة ...وهناك توجيهات إسلامية في الكتاب والسنة توجه هذه المراحل بما يصلحها ويصونها من الزيغ والضلال".

فتتميز مرحلة الرضاعة عند علماء النفس والتربية بخصائص تتركز فى تحقيق الحاجات الأساسية للنمو النفسي والجسدي والأخلاقي.

بينما تعتبر مرحلة الحضانة نموا حركيا ولغويا وعقليا يسمونها مرحلة السؤال فالطفل في هذه المرحلة لديه علامة استفهام حية لكل شيء، فهو يحاول الاستزادة العقلية المعرفية، يريد أن يعرف الأشياء التي تثير انتباهه، ويريد أن يفهم الخبرات التي يمر بها، فهو يسأل وقد يفهم الإجابات وقد لا يفهم.

واستحب بعض السلف أن يُترك الصبي في ابتداء عمره قليلا للعب، ثم توفر همته على القراءة، لئلا يلزم أولا بالقراءة فيملها ويعدل عنها إلى اللعب، وكره بعضهم تعليمهم القرآن وهو لا يعقل ما يقال له، ولكن يترك حتى إذا عقل وميز، ومال بعض السلف إلى اعتبار الفترة الممتدة من الولادة وإلى نهاية السادسة مرحلة المرح واللعب وليست مرحلة التأديب أو التعليم،

يبدأ في هذه المرحلة نمو الذات لدى الطفل مع تكوين بعض العادات الاجتماعية الأساسية للتعامل مع من حوله، خاصة إذا تم إدخال الطفل إلى دور الحضانة، أو الروضة. وتظهر لديه بعض الحالات الانفعالية الشائعة مثل: الغضب، والخوف، والغيرة، وقد تتسم بالحدة أحيانا، ويعبر الطفل عنها بالبكاء والصراخ والضرب، وبمرور الزمن وحسن تعامل الوالدين مع هذه المظاهر فإنها تميل للاتزان.

والطفل في هذه المرحلة يشعر أنه شخصية تكاد تكون مستقلة استقلالا نسبيا عن أمه في كثير من حاجاته الشخصية، كما يبدأ في معايشة الآخرين ومشاركة الأطفال في ألعابهم، فيزداد وعيه بالبيئة الاجتماعية، وتنمو الألفة، وتتسع دائرة العلاقات والتفاعل الاجتماعي في الأسرة، ومع الرفاق، وتعلم المعايير الاجتماعية، ويمسك ببعض القيم الأخلاقية، والمبادئ الاجتماعية، وينمو الضمير الداخلي للطفل وهو الشعور بما هو حسن وخير وحلال وما هو سيء وشر وحرام.

وبعد ذلك ينتقل الطفل إلى مرحلة التمييز:

وهي مرحلة تجمع بين أمرين مهمين، أولهما: درجة من النضج كافية للتدريب والتعليم، وإكساب المهارات، والمعارف، وثانيهما: مرونة وصفاء ذهني يهيئ للاستقبال والتأثر.

تبدأ هذه المرحلة قرب سن السابعة وتمثل نقلة عقلية وانفعالية تؤهل الفرد لممارسة تكاليف جديدة بصفة منتظمة، ففي نهاية مرحلة الحضانة يكاد يكمل نمو حواس الطفل.

القدرة على التمييز بين الأشياء المحسوسة، ويبدأ بالتفاعل الاجتماعي ومخالطة الآخرين، ويأخذ صفة الاستقلال الشخصي، ويكون للصبي نوع من الإدراك، والعقل الذي يميز به بين الأمور، كالنافع والضار، والحسن والقبيح، وهذا التمييز لا يبلغ حد تمييز البالغين الذين كملت مقدرتهم العقلية. ويظهر التفكير المنطقي، والربط بين الأحداث وأسبابها، والقدرة على اكتشاف العلاقات، وأيضا يترتب عليه أحكام كثيرة في الفقه الإسلامي بكونه مميزا، فعلى المربين أن تتوجه عنايتهم لضبط الصبيان من الناحية التكليفية، لأن أعمالهم تترتب عليها أحكام شرعية.

في هذه المرحلة يشاهد النشاط الزائد، وتنمو العضلات، ويحب الطفل العمل اليدوي، وتركيب الأشياء، وتعلم المهارات الحركية والجسمية اللازمة باللعب، ويلاحظ فيها زيادة واضحة في القوة والطاقة، فالطفل لا يستطيع أن يظل ساكنا بلا حركة، وتكون الحركة أسرع وأكثر قوة، ويستطيع الطفل التحكم بدرجة أفضل.

فيجب أن توجه تلك الطاقات، وحركات الطفل إلى ممارسات تجلب النفع للطفل، دون النـزوح إلى أساليب قد تضر بالطفل، سواء بالجسم أو الفكر أو السلوك، فالطفل في هذه المرحلة لين الطبع، قابل للتوجيه، قليل العناد.

وتميز تلك المرحلة باستمرار نمو القوى العقلية يساعد على ترسيخ المبادئ والخبرات والمهارات التي تم اكتسابها من قبل، ويعمل على تهيئة الطفل لحياة علمية حيث تتجه جميع القوى العقلية إلى النضج.

والمدرسة تلعب دورا هاما جدا في حياة الطفل وتنشئته في هذه المرحلة، فيتعلم الطفل القراءة والكتابة والحساب، ويزداد استعداده في كل عام، وبدراسة المناهج المتقدمة والمعقدة، وينمو النشاط المعرفي خارج المنهج المدرسي، خاصة وقت الفراغ.

وعلماء التربية وعلم النفس يهتمون بظاهرة التفوق، وكذلك مشكلة الضعف العقلي، ويدرسون الفروق الفردية بين أقران المرحلة الواحدة.

وهذه المرحلة تشهد خروج الطفل أو الصبي من محيط الأسرة إلى المجتمع الخارجي كالمدرسة والمسجد والاحتكاك بالأقران ويبدأ الطفل في تكوين علاقات اجتماعية أوسع من سابقتها، وهنا تكون رغبة الطفل في العلاقات والصداقات وجماعة الرفاق.

فالطفل في هذه المرحلة يكسب كثيرا من القيم والمبادئ السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه والتي يمارسها الكبار الذين يخالطهم، ويزداد في هذه المرحلة تأثير جماعة الرفاق، ويكون التفاعل الاجتماعي مع الآخرين على أشده، وكذلك الميل إلى التعارف والتنافس والتماسك، وتنمو روح المسؤولية الاجتماعية.

ويبدأ الاستقرار في الأخلاق والتعامل مع الآخرين "وكلما اقترب الطفل من نهاية مرحلة الطفولة اقترب دستوره الأخلاقي من الراشدين الذين يرتبط بهم حتى يتوافق سلوكه مع معاييرهم".

وعلى المربين دعم وتأييد العلاقة الاجتماعية ليكسب الطفل فن معاملة الآخرين، ولكن يجب التنبه إلى علاقة الأصدقاء وأثرها على الطفل وسلوكه، ويوجه إلى حسن اختيار الرفاق لذلك ورد الحديث حاثا على ذلك فعن أبي هريرة قال: «قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»

ويلاحظ في هذه المرحلة سرعة نحو الانتقال من حالة انفعالية إلى أخرى نحو الثبات والاستقرار الانفعالي، وتصل إلى درجة النضج في آخر المرحلة، فالطفل قابل في بدايتها للاستثارة الانفعالية، ولديه بقايا من الغيرة والعناد والتحدي. في آخر المرحلة يضبط الطفل انفعالاته، ويسطر على نفسه، ويميل إلى المرح، يرجع ذلك إلى توفر فرص التعبير الانفعالي من خلال اتصال الطفل بالعالم الخارجي، وعلى الخصوص في المدرسة حيث يوزع نشاطاته على مختلف ما يحيط به من أفراد وجماعات وموضوعات، وهذا يحتاج إلى إبداء الحب لمن يخالطه ويصاحبه.

و هذه المرحلة تكون ما قبل البلوغ الجنسي، وتشهد هذه المرحلة بداية النمو الجنسي لدى الطفل، ويتعرف على الأعضاء التناسلية، ومعرفة الفرق بين الذكر والأنثى .

وفي هذه الفترة يجب على المربين أن ينتبهوا لأطفالهم؛ لأنهم قد تطرأ عليهم تغيرات جنسية في هذه الفترة، وهي أول مراحل النمو الجنسي، وهنا يكون الجنس سريا وكامنا إذا كانت تربية الطفل سليمة، فهي مرحلة إعداد المرحلة المراهقة التي تليها .

وقد اهتم الإسلام ببداية هذه المرحلة التي قد تكون حرجة في بعض الأحيان عند غياب التربية الإسلامية كما جاء في الحديث، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع»، فعلى الأولياء والمربين أن يهتموا بالغ الاهتمام بهذه المرحلة، وتربية الطفل قبل فوات الأوان، ووقوع الطفل في مجاري الفساد والعصيان .

لذلك فإن تربية الأطفال تتطلب من الأسرة أن تتثقف وتتعلم كي تحقق شروط النمو السوي الشامل، والنمو يكون سويا إن كان يحقق الحاجات الضرورية من غير زيادة أو نقصان .

فمعرفة الحاجات الضرورية للأطفال تساعد الأسرة على توفير البيئة الملائمة والمناخ الصحي للطفولة، كما أنها تيسر لها سبل التعامل السوي كي تسير حياة الصغار نحو مزيد من التقدم والنضج والنماء .

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم