Business

الحقوق والواجبات الأسرية في الرؤية الإسلامية

تناولت هذه الدراسة التى أعدّها الباحث محمد علي طاهر- جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، موضوع الحقوق والواجبات الأسرية في الرؤية الإسلامية ومفهوم الأسرة المسلمة وأهميتها، ثم وضحت سبب استقرار الأسرة بقوامة الرجل.

وذكرت الدراسة منهج الإسلام في تربية الأسرة من خلال حسن اختيار الزوجين، والتربية الإيمانية للأسرة، والقدوة الحسنة، وأداء كل فرد ما عليه من الحقوق الأسرية من غير مماطلة أو تبرم.

بالإضافة ناقشت الورقة الحقوق والواجبات الأسرية من خلال حقوق الزوجين، مع التركيز على حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية، مقارنة مع التشريعات البشرية الحديثة وانتهت بخاتمة اشتملت على أهم النتائج والتوصيات.

 

أهمية الأسرة في النظام الإسلامي

إن بناء الأسرة من مقاصد الشريعة، ذلك بأن الشريعة الإسلامية تدور أحكامها حول حماية خمسه أمور، هي أمهات لكل الأحكام الفرعية، وتسمى بالضروريات الخمس، وهي: حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ العرض، حفظ المال. إذن جاء الإسلام للمحافظة على الأعراض وحفظ النسل وسد باب الفساد الموصل إليها. فتكوين الأسرة والاهتمام بها كما أراد الله لها أن تكون مثلًا للقيم المتوازنة تحقيق لأهم المقاصد الشرعية.

استطاعت الأسرة المسلمة أن تبث كثيرًا من القيم الإيجابية، ويتجلى ذلك في انخفاض معدلات الجريمة في الدول العربية والإسلامية من مثيلاتها في العالم الغربي الذي عمد منذ فترة إلى الانسلاخ من روابط الأسرة وضوابطها ومقوماتها، الأمر الذي أدى بالناس إلى عدم الاطمئنان على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، وصدق الله العظيم القائل في محكم كتابه: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

كنت أتساءل عن سر هجوم أعداء الله الشرس على الأسرة المسلمة، ومحاولتهم نصب الشباك لإيقاعها في شرك التمزق والاختلاف؟ فكان الجواب: أن الأعداء أدركوا أن انهيار الأسرة المسلمة معناه تلقائيًا انهيار المجتمع الإسلامي بكامله؛ فمتى فرخت القلاقل والمشكلات في أسرة، فلا تنتظر أن يتخرج فيها جيل صالح.

 

استقرار الأسرة بقوامة الرجل

حددت الشريعة الإسلامية المبادئ والقيم الحاكمة للأسرة مع الاعتراف بالتنوع في الخصائص والقدرات لكل من المرأة والرجل يقول تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}. تؤكد الشريعة على مفهوم قيادة الأسرة والتي تتمثل في قيادة الرجل وهي خاضعة للضوابط والأحكام الشرعية، وأصل ذلك قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَموَالهِم}.

وعلى هذا فإن استمرار الحياة الزوجية واستقرارها يستلزم أن توقن الزوجة أن القوامة للزوج بحكم الشرع وفطرة الخلق، وأنها شرعت لمصلحة الأسرة واستقرارها، وأن على الزوج أن يفقه الغرض من هذه القوامة التي قررها له الشرع والأساس الذي قامت عليه حتى لا يسيء استعمالها، أو يتعسف في استخدام ما تخوله له هذه القوامة من سلطة، وهذا حق تنازل عنه كثير من الرجال للأسف بمحض اختيارهم، مما سبب كثيرًا من المشكلات العاصفة باستقرار الأسرة، وقد يظن قوم أن في تنازل الرجل عن قوامته لزوجته إسعاد لها، وهذا ظن خاطئ.

 

حقوق الزوج على الزوجة

  • طاعة الزوجة لزوجها: حقه في طاعتها له في المعروف ودليل ذلك قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}.
  • ألا تأذن الزوجة لأحد في بيت الزوج إلا بإذنه، لقوله ﷺ قال: «لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه».
  • أن تحافظ على نفسها ومال الزوج وأولاده: يقول النبي ﷺ: «والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها».

 

حقوق الزوجة على الزوج

  • المهر: لقوله تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}.
  • النفقة والسكن: لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا}.
  • المعاشرة بالمعروف وحسن الخلق: قال الله تعالى مبينًا هذا الحق: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وقال ﷺ: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله».
  • حق المبيت والمعاشرة: هذا حق يجب على الزوج أن يقوم به، ويراعيه حتى لا يضطر حليلته إلى الخروج عن حيائها.
  • تعليم الزوجة أمور دينها: أهم من النفقة والمبيت أن يعلمها الزوج أمور دينها وبخاصة إذا كانت المرأة لم تأخذ من التعليم الشرعي ما يكفيها في أمور دينها ودنياها، وعلى الزوج أن يتخذ من الوسائل الشرعية ما يكمل به هذا الجانب، والرسول ﷺ، كان يعلم نساءه أمور دينهن، وزوج رجلًا من الصحابة امرأة على ما معه من القرآن.
  • الغيرة على الزوجة: من أبرز واجبات الزوج أن يصون كرامة زوجته ويحفظ عرضها، ويغار عليها، ومن المؤسف إطلاق العنان للزوجة تختلط مع الرجال وتحادثهم، وتذهب للأسواق وحدها، وقد تركب مع السائق وحده، وإذا كان الحمو هو الموت كما أخبر بذلك المصطفى ﷺ عن علقمة بن عامر: «إياكم والدخول على النساء! قيل: يا رسول الله: أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت»، فكيف بغيره، وقد أثنى النبي ﷺ على غيرة سعد رضي الله عنه حتى قال فيه: «أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه والله أغير مني».

 

حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية

منحت الشريعة الإسلامية الأطفال حقوقًا وحماية واسعة، فلهذه الشريحة من الأسرة المسلمة قيمة عالية تتجلى في قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}.

حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية قبل الولادة: حقوق الطفل في الإسلام تبدأ قبل زمن ولادته، بل تبدأ قبل زواج الوالدين وتتمثل هذه الحقوق فيما يلي:

  1. حق الطفل في إحسان اختيار والديه.
  2. حق الطفل في الحفاظ على حياته وصحته جنينًا.​​​​​​​

لقد حافظ الشرع الحنيف على حياة الطفل جنينًا منذ تخلقه في الحياة والبقاء والمحافظة على حياته وتحريم إجهاضه وتجريم من يقوم بذلك إلا في حالة الخوف على حياة الأم، وهي حقوق أغفلتها مواثيق الطفل الدولية.

أعطى الإسلام الجنين حقًا في العناية به وبأمه، أما العناية به فقد منع كل أذى يصل لأمه أثناء حملها به فمنع إيقاع العقوبة عليها التي تودي بحياتها أثناء الحمل، فقد أرجأ رسول الله ﷺ إقامة الحد على الغامدية حتى تلد.

 

حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية بعد الولادة

  1. حق الحفاظ على حياة الطفل: حافظ الإسلام على حياة الطفل بعد ولادته بصورة لافتة للنظر؛ لأن ظهور الإسلام تواكب مع أخلاق وبيئة لا يعترفان للطفل المولود بقيمة. توعد سبحانه وتعالى مرتكب إثم قتل الأطفال، لأي سبب كان، بأشد الحساب وذلك في قوله عز وجل: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}، فهي خسارة دينية ودنيوية لقتلهم أولادهم من دون حق ولافترائهم وكذبهم على الله كما حرم عز وجل الكثير من عادات الجاهلية منها وأد البنات تجنبًا للعار وذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ {8} بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}.
  2. حق الطفل في أن يأتي من زواج شرعي والانتساب إلى والديه الحقيقيين حفظًا لكرامته ونسبه وصلاته العائلية حق النسب} وهو من الحقوق التي أغفلتها مواثيق الطفل الدولية.
  3. حق الطفل في السرور والفرح بولادته: لقد شن الإسلام حربًا لا هوادة فيها على العادات السيئة في الجاهلية ومنها كراهة إنجاب البنات، قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ {58} يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} وقد رغب الإسلام في تربيتها، والإحسان إليها، ورتب الأجر العظيم على ذلك.
  4. وجوب النفقة على الأولاد: قد أوجب الشرع الشريف النفقة على الأولاد على رب الأسرة وذلك في قوله سبحانه وتعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ويؤكد هذا المعنى حديث:{كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته}، فمن تمام النفقة المأمور بها الوالد تهيئة الغذاء الصالح لأولاده، والمسكن الصالح والكساء الصالح حتى لا تتعرض أجسامهم للأسقام وتنهك أبدانهم الأوبئة والأمراض.
  5. حق الطفل في عدم إيذائه بالضرب: إن الإسلام دين قائم على الرفق في كل تشريعاته؛ وهو وسط بين الإفراط والتفريط في وسيلة الضرب في إصلاح الأسرة بين من يبالغ في استخدام هذه الوسيلة وبين من يعترض عليها كما هو حال بعض المناهج التربوية الحديثة. وقد ورد الضرب في حديث: {مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع}. والناظر في التشريع الإسلامي يدرك خضوع الضرب لقاعدة الرفق، فالضرب لم يقصد به تعذيب الولد أو المرأة على الخطأ، بل المقصد التوجيه والإرشاد؛ ولذلك قال سبحانه وتعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}، وقيد الضرب بأن يكون غير مؤثر في الأعضاء، وألا يكسر العظم، وأن يتجنب الوجه.
  6. حق الطفل في عدم استغلاله جنسيًا: لقد وقف الإسلام ضد الممارسات الجنسية المنحرفة وقفة صارمة أراد من خلالها أن يحفظ للطفولة كرامتها وبراءتها التي يسلبهما الاستغلال الجنسي حيث يصبح الطفل بفعل هذا الاستغلال آلةً أو لعبةً يلعب بها أناس نزعت من قلوبهم الرحمة والعفة والحياء.
  7. حق الطفل في التربية البدنية والعقلية: من المسؤوليات الكبرى التي أوجبها الإسلام على الوالدين والمربين مسئولية التربية البدنية لينشأ الأولاد على خير ما ينشئون عليه من قوة الجسم، وسلامة البدن ومظاهر الصحة والحيوية، ويمكن أن نوجز وسائل تحقيق ذلك فيما يلي:

أ. اتباع قواعد الصحة العامة في المأكل والمشرب.

ب. التحرز والوقاية من الأمراض المعدية.

ج. معالجة المرض بالتداوي.

دـ. تعويد الأولاد على ممارسة الرياضة وألعاب الفروسية.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم