أولادنا

اهتمام الإسلام بتربیة الطفل فى الأسبوع الأول من ولادته

 

جاء الإسلام لیحث على العدل، ودعا إلى حریة الإنسان وأكد على كرامته، ولذلك ركزت التربیة الإسلامیة على النمو المتكامل للفرد، وعلى حاضر الإنسان ومستقبله، واهتمت بتربیة الطفل وتنمیته من جمیع النواحي، كل هذه الأمور جعلت التربیة في الإسلام تربیة شاملة متوازنة، ولا عجب من ذلك فهي تستمد أصولها من الدین الإسلامي الحنیف لتحقیق الغایة النهائیة لها، وهي إيجاد الإنسان الواعي المُجِدّ الخلوق الذي یعبد الله ویعمر الأرض ویستقر فیها ویستفید من خیراتها حسب شریعة الله سبحانه وتعالى.

وإذا كان الإسلام یهتم بتربیة الطفل وتنمیته منذ لحظة الاختیار للزواج فإن هذا یتعاظم ویمتد عند لحظة المیلاد وحتى البلوغ، لذلك جاءت دراسة (الأحكام الفقهية للمولود فى أسبوعه الأول) -2012-، للباحثة العراقية أشواق سعید ردیني، لتتناول جانبا من اهتمام الإسلام بتربیة الطفل في الأسبوع الأول من ولادته، وأهم الآداب والسنن المتبعة في هذا الأسبوع.

1- الأذان في أذن المولود

من الأحكام التي شرعها الإسلام للمولود التأذین في أذنه الیمنى، والإقامة في أذنه الیسرى وذلك بعد الولادة مباشرة. فعن أبي رافع قال: «رأیت رسول الله أذن في أذن الحسن بن علي حین ولدته فاطمة»، ففي الآذان افتتاح حیاة المولود وابتداؤها بالتوحید كما أن في نهایة حیاته عند موته یلقن شهادة التوحید عند الاحتضار.

 

  • قيم تربوية من الأذان:

إن للأذان والإقامة حكم عدیدة نوجزها في الآتي:

ـ أن الأذان من شعائر الإسلام، أن یكون أول ما یقرع سمع الإنسان كلمات تحمل معنى عظمة الله، وتتضمن الشهادة التي أول ما ینطق بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقین له، شعار الإسلام عند دخوله الدنیا، وتلقین التوحید عند خروجه منها.

ـ أن یكون أول ما یمس قلب الإنسان ویؤثر في نفسه هو كلمات الأذان؛ لأن الشیطان یهرب من كلمات الآذان.

وهذه المعاني والحكم أكبر دلیل على اهتمام الرسول بعقیدة التوحید والإیمان وطرد الشیطان والهوى، من حین أن یشم الولد رائحة الدنیا ویتنسم نسائم الوجود.

 

2- تحنیك المولود عند الولادة

وهو من الأمور التي شرعها الإسلام للمولود وحق من حقوقه والتحنیك معناه: مضغ التمرة ودلك حنك المولود بها، وذلك بأن یوضع جزء من الممضوغ على الإصبع في فم المولود ثم تحریكه یمینا ویسارا بحركة لطیفة، حتى یتبلغ الفم كله بالمادة الممضوغة، وإن لم یتیسر التمر فلیكن التحنیك بأي مادة حلوة تطبیقا للسنة واقتداء بفعله.

ومن الأفضل أن یقوم بعملیة التحنیك من یتصف بالتقوى والصلاح تبركا به، وتیمنا بصلاح المولود، ومن الأحادیث التي تشیر إلى استحباب التحنیك:

ما روي عن ابي موسى رضي الله عنه قال: «ولد لي غلام، فأتیت به النبي وحنكه بتمرة»، وعن أنس بن مالك، قال: «كان ابن لأبي طلحة یشتكي، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي، فلما رجع ابو طلحة، قال: ما فعل الصبي؟ قالت أم سلیم: هو أسكن ما كان فقربت إلیه العشاء، فتعشى ثم أصاب منها، فلما فرغ، قالت: واري الصبي. فلما أصبح أبو طلحة، أتى رسول الله فأخبره، فقال: «أعرستم اللیلة؟» قال: نعم، قال: «اللهم بارك لهما»، فولدت غلاما، فقال لي أبو طلحة: احمله حتى تأتي به النبي وبعث به بتمرات، فأخذه النبي، فقال: «أمعه شيء؟» قالوا: نعم، تمرات، فأخذها النبي فمضغها ثم أخذها من فیه، فجعلها في فيّ الصبي، ثم حنكه وسماه عبد الله».

وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنها حملت بعبد الله بن الزبیر بمكة قالت: فخرجت وأنا متم فأتیت المدینة فنزلت قباء فولدت بقباء ثم أتیت به رسول الله صلى الله علیه وسلم فوضعته في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فیه فكان أول شيء دخل جوفه ریق رسول الله صلى الله علیه وسلم ثم حنكه بالتمرة ثم دعا له وبرك علیه وكان أول مولود ولد في الإسلام ففرحوا به فرحا شدیدا لأنهم قیل لهم إن الیهود قد سحرتكم فلا یولد لكم.

 

  • قيم تربوية وصحية من التحنیك:

ـ تقویة عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك مع الفكین، حتى یتهیأ المولود للقم الثدي، وامتصاص اللبن بشكل قوي وحالة طبیعیة.

ـ التبرك بأهل الصلاح والفضل.

ـ استحباب حمل الأطفال إلى أهل الفضل للتبرك بهم، والدعوة إلى حسن المعاشرة، واللین والتواضع والرفق بالصغار.

 

3- تسمیة المولود بالأسماء الحسنة

من حق الولد على والده أن یسمیه وأن یختار له اسما حسنا وسوف أوضح في الآتي الأحكام الخاصة بتسمیة الطفل.

ویسن تسمیة المولود في الیوم السابع من ولادته، كما یسن أن یختار له من الأسماء ما كان حسنا، ودلیل ذلك قول النبي: «إنكم تدعون یوم القیامة باسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم».

ـ إطلاق اسم معین على الطفل: أوضحت بعض الأحادیث الشریفة أن المولود ینبغي أن یسمى في الیوم السابع من ولادته، ومن ذلك قول الرسول الكریم: «كل غلام رهينة بعقیقته، تذبح عنه یوم سابعه، ویسمى فیه ویحلق رأسه».

ـ وبخصوص هذا الأمر فإن بعض الفقهاء یرون أن الطفل قبل الیوم السابع لا یحتاج لأن یسمى. لكن هناك أحادیث تجیز أن تكون التسمیة في یوم ولادته ومن ذلك قول الرسول: «ولد لي اللیلة غلام فسمیته باسم أبي إبراهیم».

ـ تسمیة الطفل باسم محبب وحسن، قال الرسول: «أحب الأسماء إلى الله، عبد الله وعبد الرحمن».

ـ النهي عن تسمیة الطفل باسم قبیح: وذلك بناء على قول عائشة– رضي الله عنها– أن الرسول كان یغیر الاسم القبیح، وبناء على قول ابن عمر– رضي الله عنهماــ: أن ابنة لعمر كان یقال لها عاصیة فسماها رسول الله جمیلة.

ـ النهي عن مناداة الطفل بألقاب قبیحة مثل: الأعور، الأخرس، الأطرش، القزم... الخ. وذلك بناءعلى قول الله تعالى: «ولا تنابزوا بالالقاب».

  • كیف تختار اسما حسنا؟

یوجد ثلاث خیارات حول اختیار الاسم الحسن وهي:

- أن یكون الاسم مأخوذا من أسماء أهل الصلاح والدین، من الأنبیاء والمرسلین وعباد الله الصالحین.

- أن یكون الاسم قلیل الحروف، خفیفا على الألسن، سهلا في اللفظ، سریعا في التمكن من السمع.

- أن یكون حسنا في المعنى ملائما لحال المسمى، جاریا في أسماء أهل طبقته، وملته، وأهل مرتبته.

 

4- العقیقة للمولود

العقیقة لغة: القطع، أما العقیقة اصطلاحا: فهي الشاة تذبح للمولود یوم السابع من ولادته.

وسمیت (عقیقة) لأنها تقطع عروقها عند الذبح وهذه التسمیة لا تشمل كل شيء لو قال قائل: الذبیحة العادیة تقطع عروقها فهل یصح أن تسمى عقیقة؟ نقول: لا: لكن مناسبة التسمیة لا تنسحب على جمیع ما وجد فیه هذا المعنى ولهذا نسمي المزدلفة جمعا ولا نسمي عرفة جمعا، فما سمي لمعنى من المعاني فإنه لا یقاس علیه ما شاركه في هذا المعنى فیسمى بهذه التسمیة ولهذا لا نقول الأضحیة عقیقة ولا الهدي عقیقة مع أن سبب تسمیة العقیقة بذلك موجود في هذه.

واختلف العلماء في حكم العقیقة على قولین، فمنهم من قال إنها مستحبة، وآخرون قالوا سنة مؤكدة، ولعله القول الراجح فمن قال إنها مستحبة علماءُ الحنفیة والأصل في استحبابها قوله: «كل غلام مرتهن بعقیقته تذبح عنه یوم سابعه ویماط عنه الأذى ویسمى»، وعند الشافعیة العقیقة سنة مؤكدة، یطالب وليّ المولود الذي ینفق علیه.

ودلیل استحبابها فعل الرسول– صلى الله علیه وسلم– لها، وفعل الصحابة رضي الله عنهم. عن سلیمان بن عامرالضَّبي– رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله– صلى الله علیه وسلم- یقول: «مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى» وحكمها عند المالكیة الندب على الحر القادر وهي كالأضحیة في السن وفیما یجزى وما لا یجزى وتذبح نهارا أو یلغى یوم الولادة فلا یحسب من السبعة، وتسقط بغروب الشمس من الیوم السابع وتتعدد بتعدد المولود، ویندب ذبحها بعد طلوع الشمس.

أما حكمها في التصدق منها والأكل والهدیة والادخار وقدر المأكول وامتناع البیع وتعیین الشاة إذا عینت للعقیقة كما في الأضحیة.

 

  • قيم تربوية من العقیقة:

ـ أنها تفك ارتهان المولود ذلك أن المولود مرتهن بعقیقته، وقد قال الإمام أحمد: (مرتهن عن الشفاعة لوالدیه).

ـ إظهار شرف هذا الإطعام والإهداء في نفوس الفقراء والجیران، وذلك بتقدیم القطع التامة والكبیرة، التي لم یكسر من عظمها عظم ولا ینقص من أعضائها شيء، ولا ریب أن هذا التصرف أجل موقعا، وأعظم في باب الجود والإكرام في نفوس المهدى لهم.

ـ أنها فدیة یفدى بها المولود كما فدى الله سبحانه وتعالى إسماعیل الذبیح بالكبش وقد كان أهل الجاهلیة یفعلونها ویسمونها عقیقة، ویلطخون رأس الصبي بدمها فإقر رسول الله ذلك وأبطل اسم العقوق ولطخ رأس الصبي بدمها. فقال: «لا أحب العقوق» وقال: «لا یمس رأسه بدم».

ـ إشعار بكون الولد حنیفیا تابعا لملة ابراهیم وإسماعیل واتباع داعیة السخاوة والكرم، وعصیان داعیة الشح والبخل والتلطف بإشاعة نسب الولد إذ لابد من إشاعته لئلا یقال فیه ما لا یحب ولا یحسن أن یدور في السكك ویقول ولد لي ولد، العقیقة تتضمن التلطف في إشاعة النسب.

ـ تیمنا وتفاؤلا بسلامة أعضاء المولود وصحتها وقوتها لكون العقیقة جرت مجرى الفداء للمولود.

ـ أن تكون العقیقة سببا لحسن إنبات الولد ودوام سلامته وطول حیاته وحفظه من ضرر الشیطان حتى یكون كل عضو منها فداء كل عضو منه لهذا یستحب أن یقال علیها ما یقال على الأضحیة.

وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل: إذا أراد الرجل أن یعق كیف یقول؟ قال: «یقول بسم الله ویذبح على النیة كما یضحي بنیة یقول هذه عقیقة فلان بن فلان ولهذا یقول فیها: اللهم منك ولك». ویستحب فیها ما یستحب في الأضحیة وتفریق اللحم، فالذبیحة عن الولد فیها معنى القربان والشكر والفداء والصدقة وإطعام الطعام عند حوادث السرور العظام شكرا التي هي غایة المقصود من النكاح فإذا شرع الإطعام للنكاح الذي هو وسیلة إلى حصول هذه النعمة فلأن تشرع عند الغایة المطلوبة أولى وأحرى.

 

5- حلق شعر المولود والتصدق بوزنه

من الأحكام التي شرعها الإسلام للمولود استحباب حلق رأسه یوم سابعه والتصدق بوزن شعره فضة على الفقراء والمستحقین. وقد دلت أحادیث كثیرة على ذلك ومنه ما روي عن سمرة قال: قال رسول الله: «كل غلام رهينة بعقیقته تذبح عنه یوم سابعه ویسمى فیه ویحلق رأسه».

وقد روي الإمام أحمد من حدیث أبي رافع- رضي الله عنه- أن الحسن بن علي- رضي الله عنهما- أرادت أمه فاطمة- رضي الله عنها- أن تعق عنه بكبشین، فقال رسول الله: لا تعقي، ولكن احلقي رأسه فتصدقي بوزنه من الوِرق».

وعن بریدة الأسلمي قال: «كنا في الجاهلیة إذا ولد أحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام وكنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران».

 

  • قيم صحية واجتماعية من حلق شعر المولود:

قيم صحیة واجتماعیة: أما الصحیة: فلأن في إزالة شعر المولود تقویة له وفتح لمسام الرأس وتقویة كذلك لحاسة البصر والشم والسمع، وأما الاجتماعیة: فلأن التصدق بوزن شعر المولود فضة أو ذهبا مصدر آخر من مصادر التكافل الاجتماعي، وفي ذلك إضعاف لظاهرة الفقر وتحقیق لظاهرة التعاون والتكافل بین أفراد المجتمع.

 

6- الـخـتـان

الختان لغة: موضع القطع من الذكر. وهو قطع القلفة أي الجلدة التي على رأس الذكر، ویسمى في حق الأنثى: خفضا یقال: ختنت الغلام ختنًا وخفضت الجاریة خفضا. عن النبي: «الختان سنة للرجل مكرمة للنساء».

وهو من سنن الفطرة ومن شعائر المسلمین والفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب وهي معرفة الله ومحبته وإيثاره على ما سواه. وفطرة عملیة: وهي هذه الخصال: فالأولى تزكي الروح وتطهیر القلب، والثانیة تطهر البدن وكل منهما تمد الأخرى وتقویها وكأن رأس فطرة البدن الختان.

وفي صحیح البخاري من حدیث أبي هریرة قال: قال رسول الله: «الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقلیم الأظفار، ونتف الإبط».

 

  • قيم صحية واجتماعية وتربوية من الختان:

الختان من محاسن الشرائع التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده، وكمل بها محاسنهم الظاهرة والباطنیة فهو مكمل الفطرة التي فطرهم علیها ولهذا كان من تمام الحنفیة ملة ابراهیم وأصل مشروعیة الختان لتكمیل الحنیفیة فإن الله عز وجل لما عاهد إبراهیم ووعده أن یجعله للناس إماما وعده أن یكون أبا لشعوب كثیرة وأن تكون الأنبیاء والملوك من صلبه وأن یكثر نسله، وأخبره أنه جاعلٌ بینه وبین نسله علامة العهد أن یختنوا كل مولود لهم، ویكون عهدي هذا مسمیا في أجسادهم فالختان علم للدخول في ملة ابراهیم وهذا موافق لتأویل من تأول قوله تعالى: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون}.

فمن الحكمة الدینیة العظیمة أنه رأس الفطرة وشعار الإسلام وعنوان الشریعة وإنه من تمام الحنفیة التي شرعها الله على لسان إبراهیم علیه السلام فهي التي صبغت القلوب على التوحید والإیمان وهي التي صبغت الأبدان بخصال الفطرة من الختان وقص الشارب، وتقلیم الأظافر ونتف الإبط. قال تعالى: {ثم أوحینا إلیك أن اتبع ملة إبراهیم حنیفا وما كان من المشركین}.

كما أنه یجلب النظافة وتحسین الخلقة، وأنه تدبیر صحي من الأمراض؛ فبقطع القلفة یتخلص المرء من المفرزات الدهنیة والسیلان الشحمي الأمر الذي یحول دون التفسخ والانتان، ویقلل من إمكان الإصابة بالسرطان أو بسلس البول اللیلي.

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم