من نعم الله العظيمة على بني البشر أن منَّ عليهم بالملابس، فهي نعمة عظمى ومنة كبرى، ولذا فإن الله عدها وذكرها في جملة نعمه العظيمة، فاللباس كل ما يغطي الجسد، مما يلبسه الرجال والنساء، والهدف منه ستر العورات والتجمل عند الناس. الملابس خص الله بها بني آدم دون غيرهم من سائر المخلوقات، نعمة منه على عباده، بها يسترون عوراتهم، ويتقون الحر والبرد، فيقول الله سبحانه: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون} «الأعراف: 26».
قال العلامة ابن عاشور في التحرير والتنوير، سمى ربنا سبحانه تيسير اللباس لهم وإلهامهم إياه إنزالاً، لقصد تشريف هذا المظهر.
وجاء في تفسير القرطبي: هذه الآية دليل على وجوب ستر العورة، فبين أنه سبحانه جعل لذرية آدم ما يسترون به عوراتهم، ودل على الأمر بالستر، ولا خلاف بين العلماء في وجوب ستر العورة عن أعين الناس.
ولو تأملنا لعقاب الله سبحانه لسيدنا آدم وزوجته حينما عصا أوامره لم يكن الطرد من الجنة، لكن نزع عنهما لباسهما، قال تعالى: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} (الأعراف22) وقال تعالى في موضع آخر: {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} (طه121)، فكان رد فعليهما السريع: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ} على الرغم من أن الجنة لم يكن بها أحد سواهما، لكنها الفطرة التي فطر الله آدم وذريته من بعده.
ثم جاء العقاب التالي وهو الخروج من الجنة: { قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} (الأعراف: 24).
فهناك تلازم في القرآن بين اللباس لستر العورات والزينة، وبين تقوى الله عز وجل، فكلاهما لباس، هذا يستر عورات القلب ويزينه ويحميه، وذاك يستر عورات الجسم ويزينه ويحميه، قال تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون)، فإذا تلبس القلب بتقوى الله والحياء منه انبثق شعور باستقباح العري والخلاعة، ومن لا يستحي من الله، لا يهمه أن يتعرى وأن يدعو إلى العري، فما أنزل الله لنا من أنواع الملبوسات نعمة عظيمة يجب شكرها والتأدب بآدابها.
والإسلام دين الفطرة لا يسلك في كل شؤون الحياة إلا ما يوافق الفطرة ويحقق السعادة في الدنيا والآخرة، لذا لم يقرر نوعاً خاصاً من اللباس لا يجوز تخطيه، بل اعترف بشرعية كل لباس لكل أمة لكل بلد ما دام متفقاً مع المبادئ والقواعد الشرعية التي حددها في لباس الرجل والمرأة.
أما ما يحدث من الأمة الآن سواء من رجالها أو نسائها من تمزيق للملابس تحت مسمى الموضة أو كشف أكثر مما يستر فهو أمر يندى له الجبين وينزف القلب من جراءه الدم.. فليحذر الجميع من غضب الله إذا حل.
ولن يعدم الشيطان حيلة في صرف الناس جملة أو بالتدريج عن الفطرة والشرع والحضارة الحقة، ولن يهنأ له بال ولا لجنوده من الإنس والجن حتى ينزع عن الناس لباس التقوى وفضيلة الستر والعفة، فما فعله مع أبوينا من قبل لن يبرح يكرره مع كل واحد منا، قال تعالى: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} [الأعراف: 27].
.