مقالات وبحوث

أهمية العاطفة الإسلامية في التكوين التربوي

العاطفة هي الرابطة، أو العلاقة النفسية بين الإنسان من جهة، وبين الله والناس والأشياء التي تحيط بالإنسان من جهة أخرى. فهذا الاتجاه النفسي – اتجاه الحبّ أو الكراهيّة – هو الذي يحدّد الموقف النفسي للإنسان نحو نفسه وغيره. وهو الذي يكوّن نوع الرابطة أو (العاطفة)، ويعرف علم النفس العاطفة بأنها حالة ذهنية كثيفة تظهر بشكل آلي في الجهاز العصبي وليس من خلال بذل جهد مُدرَك، وتستدعي إحدى حالتين؛ إما حالة نفسية إيجابية أو سلبية، والعامل المؤثر في العاطفة هو من جهةٍ الاستعداداتُ النفسية والحالة الانفعالية للفرد، ومن جهة أخرى مجموعة من الشرائط والخصوصيات والجاذبية الموجودة في الطرف المقابل.

 

تأثير العاطفة على سلوك الإنسان

ولقد ظهرت العاطفة والإحساسات في وجود الإنسان قبل العقل والإدراك وتعود إلى الأيّام الأولى لحياته، ومن هذه الجهة كان تأثير العاطفة في العمل أقوى من سائر العوامل والأفكار الأخرى، وتؤكد الدراسات أن العاطفة جزء أساسي في اتخاذ قرارات الإنسان وتخطيطه للحياة لذا يجب وضعها دائماً تحت المراقبة والتربية الخاصة.

ولقد تعامل علماء النفس والمربون دائماً مع التربية العاطفية على أنها أمر مهم، والآيات التي تحدثت عن المحبة والمودة والعداوة والعطف والقسوة والطمأنينة والاضطراب وحب الجمال والتجمل وأمثالها كثيرة.

 

أنواع العواطف

وتنقسم العواطف إلى غريزية وفطرية ومادية ومعنوية، وعلى هذا الأساس فإنّ التربية الإسلامية وضعت العواطف الطبيعية والغريزية تحت المراقبة وقامت بالاستفادة الصحيحة والعادلة منها، واستثارت القيم الكامنة فيها من أجل تقوية المعنويات. فقد أوصى الدين الحنيف بهذه العلاقات الفطرية ووضعها في خدمة صلاح ورشد وكمال الإنسان، وبالمراقبة منعها من الخروج عن حد الاعتدال، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه العواطف الغريزية وموقعها في الحياة الدنيا فقال: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران/ 14). وفي المقابل يقول القرآن الكريم عن وله الإنسان بهذه العلاقات وعشقه لها وغفلته عن الله تعالى وعن الآخرة في سياق تحذيره منها: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) (التوبة/ 24). ويوجد في الشريعة الإسلامية توصيات تربوية وأخلاقية كثيرة من أجل تربية العواطف وعدم القضاء عليها وعدم قمعها وكبتها من أجل الاستفادة منها.

 

سمات العاطفة الإسلامية

وتتميّز العواطف الإسلاميّة بأنّها عواطف إنسانيّة نبيلة، تتّسم بالنقاء، والسلامة من الانحراف، والميل العدواني، وتنبثق عن فكرة الإيمان بالله وتوحيده. فالمسلم يرتبط بعاطفة الحبّ مع الله، والناس، والعالم من حوله؛ على أساس واضح، وحسب مقياس ثابت؛ فهو يحبّ الله، ويبني على أساس هذا الحبّ كلّ عواطفه، وميوله النفسية من الحبّ والكراهيّة، فيحب الخير والجمال، ويكره الظلم ويعطف على المظلوم، ويشارك بإحساسه الوجداني الإنسان المتعرّض للألم، ويشاطر الآخرين الفرح، والسرور؛ فيتألم إذا رأى فقيراً جائعاً، أو مريضاً يتضوّر ألماً، أو إنساناً ألحّت عليه المحنة، ويُسَرُّ إذا رأى السرور يملأ قلوب الآخرين، ويفرح إذا رأى غيره يعمل الخير ويتمتع بالنعم، ويمتلئ قلبه سروراً إذ شاهد شيئاً جميلاً.

 

أساس عاطفة المسلم

المسلم يتعامل مع كلِّ شيء يشاهده أو يحسّه بعاطفة إسلاميّة تقوم على أساس العلاقة بالله؛ فهو يحب، ويكره لله، ويقترب من الآخرين، ويبتعد عنهم على أساس علاقتهم بالله، لذلك فإنّ العاطفة الإسلامية تتميّز بأنّها تقوم على أساس من إرشاد العقل، واتجاه المعتقد، واستقامة الخطّ، واتّزان الانفعال؛ فالمسلم يحب في الله، ويبغض في الله، خصب العاطفة، يقظ الوجدان، متّزن الانفعال، وقد أوضح القرآن الكريم طريق العاطفة ورسم لها مسار التعبير عن شحناتها النفسية الخيّرة، فقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (البقرة/ 165). وقال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات/ 7). فهاتان الآيتان الكريمتان رسمتا طريق العاطفة الإسلاميّة وأكّدتا للمسلم أنّ حبّه حبّ لله، وهو حبّ صادق شديد الإخلاص، يدلّه على حبّ الخير، واستحسانه، وكراهية الشر والفساد وأهله، وأنّ هذا الحبّ والكره لا يقوم على أساس ميل انفعالي تافه، ولا يصدر عن شطط نفسي، بل يتحدّد وفق خط واضح، ويلتزم بمقياس دقيق.

 

ضوابط العاطفة الإسلامية

وقد يحبّ الإنسان ما هو شرّ له، ويكره ما هو خير له، بسبب جهله، أو طغيان دوافعه وانفعالاته على وعيه، وبسبب غياب تقويمه الدقيق، وتواري مقياسه العقلي السليم، وصدق الله العظيم: {... وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[البقرة:216] لذا فإنّ القرآن ربط عواطف المسلم بمؤشر عقائدي، وبقيادة عقليّة واعية، ليسير بعواطفه على خط العقيدة الواضح، ويسقيها وينميها بحرارة الإيمان وحبّ الله، فتغدو حيّة واعية متدفّقة.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم