المربي والذكاء التنظيمي

هناك بعض المقومات الأساسية التي يجب أن يحوزها المربي الذي يمارس العمل التجميعي والتنظيمي والتربوي على حد سواء، وبدونها يكون العمل ضعيف الثمرة والنتاج، ولا نستطيع بدونها تأدية الواجبات التي تمليها طبيعة عملنا التربوي أو أداء التكاليف المنوطة بنا من قبل المدرسة، وأول هذه المقومات الذكاء التنظيمي.

والذكاء منحة ربانية يختص بها من يشاء من خلقه، ويؤكد العلماءُ أن الذكاءَ أنواع متعددة، وأن جميع هذه الذكاءات غير وراثيّة فقط بل إنّها قد تكون مكتسبةً، وكذلك فإنّ هذه الأنواع قابلة للتعلّم والتدريب، ومن هذه الأنواع:

الذكاء اللفظيّ أو اللغوي: وهو القدرة على تعلّم اللغات وتوظيف اللغة المنطوقة والمكتوبة في التعبير.

الذكاء الرياضيّ أو المنطقيّ: وهو القدرة على التحليل المنطقيّ للمشكلات، وإتمام العمليات الحسابيّة المعقّدة، بالإضافة إلى استخدام مهارات التفكير الناقد والتعليل والاستنتاج، والقدرة على التقصّي والبحث العلمي.

الذكاء الحركيّ أو الحسيّ: وهو القدرة على استخدام القدرات الجسميّة والحركيّة لتحقيق أهداف معيّنة.

الذكاء الاجتماعي أو التفاعلي: وهو القدرة على فهم دوافع الآخرين والتأثير فيهم والعمل معهم.

الذكاء الذاتيّ أو الفردي: وهو قدرة الفرد على استخدام قدراته وإمكاناته لتطوير ذاته، بالإضافة إلى قدرة الفرد على فهم ذاته وفهم أحاسيسه ومشاعره ودوافعه ومخاوفه.

الذكاء الموسيقيّ أو النغميّ: وهو القدرة على التعامل مع النغمات الموسيقيّة والقدرة على تقليدها.

الذكاء المكانيّ أو التصوريّ: وهو القدرة على استخدام المساحات والفراغات المكانيّة.

الذكاء الحيويّ أو البيئي: وهو القدرة على التفاعل مع البيئة الحيويّة والطبيعية والتعرُّف على الأصناف المختلفة فيها.

ويمكن تعريف الذكاء التنظيمي بأنه القدرة على تحقيق أهداف المؤسسة وتذليل العقبات التي تواجهه والقيام بالمهام التنظيمية بكفاءة وفاعلية.

وعلى الدعوة احتواء مثل هذه العناصر الذكية بفطرتها، وأن ترتقي بهم تنظيمياً مع الاستفادة من ذكائهم ومواهبهم في مجال (العمل التنظيمي) وبلورة هذا الذكاء الفطري وتطويره من خلال العمل الدعوي، ليكون (ذكاءً تنظيمياً) يتميز به مثل هذا الأخ خلال حركته اليومية، وبدون مثل هذا الذكاء يكون الأخ مضيعاً لأوقات كثيرة في غدوه ورواحه وكثرة صلات لا جدوى منها، وباتساع حركة يومية لا أهداف لها، وبعلاقات اجتماعية لا تعرف ما فحواها، وبجملة نشاطات دعوية لا فائدة منها.

وهكذا فبالرغم من وفرة الأفراد المنتظمين وبمستويات تنظيمية مختلفة وامتلاكهم القدر المطلوب من خلوص النية والصدق والاجتهاد في العمل والحركة، ولكنك ترى ثمرة العمل ضعيفة، وأحد أسباب هذا الضعف هو ضعف (الذكاء التنظيمي) عند بعض العاملين والمربين.

ونستشهد ببعض الأمثلة التي توضح أهمية مثل هذا الذكاء للأخ المربي المنتظم:

أ – في العملية التجميعية:

حيث يستطيع الأخ أن يجمع حوله أفراد متجانسين في ميولهم ورغباتهم وعاداتهم الاجتماعية ومستوياتهم الإيمانية، ويؤلف بين قلوبهم. والأخ الذكي يحسن ويتفنن في عملية التجميع مقارنة بينه وبين أقرانه الآخرين، لأن مثل هؤلاء الأفراد المجتمعين يكونون في أضعف مراحل ارتباطهم التنظيمي مع المدرسة، فتجعل انسلاخ مثل هؤلاء أسرع من غيرهم ممن تجاوزوا سلم التدرج التنظيمي، لذا فإن امتلاك (الأخ) المجمع الذكاء التنظيمي يسهل عليه كثيراً أمر استيعاب هؤلاء المستجدين وتوجيههم والارتقاء بهم، وتوفير المستلزمات الأمنية والتربوية لمواصلتهم السير والانضباط في المدرسة.

ب – في التربية الأسرية:

لأن الأسرة قد تحتوي أنماطاً مختلفة من الأشخاص يختلفون فيما بينهم إيمانياً وفكرياً ونفسياً وروحياً، وتملي أحياناً ظروف المدرسة بأن يوجد في الأسرة الواحدة مثل هذه المجموعات غير المتجانسة، وهنا يأتي دور المربي وذكاؤه التنظيمي المتميز بإشاعة روح الحيوية والنشاط والجدية والتنافس الأخوي في أسرته، ويستطيع الارتقاء بأعضاء أسرته وإيجاد قاسم مشترك فيما بينهم، يجعلهم متقاربين ومتجانسين إلى حدٍ ما.

وبدون هذا الذكاء قد يفشل الأخ فشلاً ذريعاً في إدارة أسرته وتطويرها، وتبدأ شكواه وتشاؤمه، ويجعل من نفسه خصماً لإخوانه المسئول عنهم، ناسياً أن جزءاً من الخلل يكمن في ذاته.

ولطالما يثقل مثل هذا النقيب كاهل المدرسة بكثرة شكواه طالباً منهم حل مشاكله وتدارك أمره، وعجزه عن إدارة أسرته، وبالتالي إشغال إدارة المدرسة في مباحث ومناقشات كثيرة تعالج فيها مشكلة زيد وعمرو من إخوانه المنتظمين في أسرته وصرف الإدارة عن التفكير في مصالح المدرسة الكبرى وأهدافها الأسمى.

ج – في الصراع السياسي والحزبي:

وتبرز أهمية الذكاء التنظيمي كذلك في تعامل الأخ مع الأحزاب والجماعات المناوئة، ويكون أجدر من غيره وأكفأ لفهم خفايا السياسة والنشاط المستتر ويدرك قبل غيره خطط الأعداء، ويكون أكثر خبرة ووعياً من غيره لسياسات المناوئين المعلنة منها والخفية. ويساعد الجماعة بجدارة وكفاءة عالية في منافستها لهذه الاتجاهات والوصول إلى شرائح مجتمعية جديدة، وكسب جولات التنافس معها، بلا تهور عاجل ولا برود قاتل.

وهكذا فالمجالات التي يستفاد فيها من هذا الذكاء لا يمكن تحديدها، وإنما أردنا تبيان أهميتها في عملنا الحركي، ويستشعر أهمية الذكاء أكثر وأكثر من عانى من بساطة تفكير إخوانه مع ما يراه من خبث وشراسة عدوهم وتفننه وذكائه في أساليب العمل ومبتكرات التجميع والتنظيم.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم