أصبح العالم الآن يموج في خضم بحر متلاطم من المتناقضات والاختلافات والصراعات وحب الذات، حتى اختفت المعاني والكلمات الطيبات لدى الناس إلا ما رحم ربي.
كان الناس يتحدثون ويتعاملون بأطايب الكلم حتى طغت عليها الأنانية وحب النفس والأثرة؛ فظهر الوجه القبيح الذي غطي كل جميل وذلك في غفلة من الوقت حتى مرت السنوات تلاحقها الساعات ويفاجئ المرء بملك الموت يطرق بابه وهو ما زال على قبح الكلمات وأمله متعلق بمن طمعه في الحياة، وصدق الحق سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)} (العنكبوت: 12- 13).
من هذه المعاني التي غابت ولابد أن يقف الإنسان مع نفسه وقفات ليتذكر أين موقعه منها معنى (الأخوة والإيثار).
لحظة من فضلك!
هلا توقفت لحظة لتخبرني متى كانت آخر مرة سمعت فيها هذه الكلمات؟ وخبرني بالله عليك آخر مرة مارست هذه الصفات فيها واقعيا مع نفسك والآخرين؟
ستجد أننا على شفا جرف هار يكاد أن ينهار فينهار المجتمع لتغافلنا عن هذه المعاني وحلت مكانها (أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب) (أنا ومن بعدي الطوفان) (دمار العالم ولا خدش من أصابعي) ...إلخ.
أصبحنا نستشعر أن معاني الأخوة والإيثار قد حُبست في قفص الأنانية والذي لا يسع غير صاحبه حتى أصبح يصرخ كل شخص بقوله اضطررت إلى أن أتعلم الأنانية مرة أخرى، وأقنع نفسي بأنه من غير أنانية فلن أتوصل إلى إنجاح نفسي.
فانظر من حولك أخي وأبصر ما يجرى في العالم ليس فحسب العالم الإسلامي لكن كل من على الأرض وإن كان أصحاب الدين الإسلامي أولى لما حباهم الله سبحانه بعظيم الصفات ونبل الأخلاق لكن خلعوا هذا الثوب ولهثوا خلف معاني جوفاء يتغنى بها كل من خلع برقع الحياة واجتث الأخلاق من جذورها وبذر الأنانية وقبيح الأخلاق واعتنى بتربيتها حتى أينعت ثمارا في قلوب الجميع فما نراه الآن نتاج هذه البذور القبيحة.
أين السبيل؟
إن أخوة الإيمان وما تأتي به من مودة وتعاون وإيثار وقوة نفسية، هي من عند الله تبارك وتعالى يخلقها في قلوب عباده المؤمنين ولهذا لا يمكن لأي قوة بشرية أن تمحوها من قلوب أصحابها المؤمنين أو أن تبدل مكانها الحقد والكراهية والخصومة، إلا من خلعها بإرادته.
فالمسلم لا يتذوق حلاوة الإيمان الذي من أجله يبذل كل غالٍ وثمين إلا إذا غرس هذه المعاني في قلبه وتعهدها بالرعاية، قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان.. وذكر منها «أن يحب المرء لا يحبه إلا لله» (رواه البخاري).
يقول الإمام البنا رحمه الله تعالى: (وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب سلامة الصدر، وأعلاه مرتبة الإيثار: {... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر: من الآية 9)، والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه، لأنه إن لم يكن بهم، فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره: «وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»، «والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا». قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض...} وهكذا يجب أن نكون.
صحبة القرن العشرين
«وددت أني قد رأيت إخواننا، فقالوا: يا رسول الله، ألسنا بإخوانك؟ قال بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض» (صحيح مسلم عن أبي هريرة) بهذه المعاني وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من يتمسك بكتاب الله وسنته والأخلاق الحميدة من بعده.
ولذا لن يعدم زمان من هذه النماذج التي اتصفت بما اتصف به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعلك الله وأهلك من هؤلاء الذين يعملون على غرس هذه الشجيرات ويعمل على العناية بها ليعم ظلالها في ربوع الكون فتخفي معالمه القبيحة التي شوهت الصورة الكونية لوجه الكون.
.