المربي هو الذي يحول المنهج إلى واقع حي متحرك، فالمناهج الزاهية والكتب البراقة والأهداف الإجرائية الدقيقة والتقويم والقياس، إذا لم تكن وراءها نفس المربي الرباني الزكية العطرة وأنواره وهديه وسمته وحاله تتحول إلى سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، ولن تحدث التغيير المطلوب ولا جيل النصر المنشود.
فالمربي قبل المنهج، والإمام قبل المسجد، والأستاذ قبل الدرس، والفارس قبل السيف والفرس، وبناء الإنسان قبل المؤسسة، المربي:
-
روح يسرى في هذه الأمة، فهو شخصية مؤثرة مجمعة.
-
قدوة صالحة يلتزم بالإخلاص والصدق والرفق والرحمة والثقة في الله تعالى.
-
يتحرى الحلال في كل شيء، ويحرص على تجنب الريبة، ويتخلص من طغيان المادة.
-
يتحلى بالحلم وسعة الصدر والصبر والحرص والوعي والدقة، مستعد للعطاء.
-
وقاف أمام الدروس المستفادة من القرآن والسيرة ويستفيد منها في تربية الأفراد.
-
لديه القدرة علي الإقناع بالحوار وحسن التصرف وحسم الأمور وهذا يحتاج إلى علم وخبرة ودأب في تحصيلهما.
-
يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه فقد كان حديثه صلى الله عليه وسلم فهما تفهمه القلوب، فلا يتكلف ولا يتشدق ولا يثرثر.
-
يتحلى -لكي يأخذ بيد الجميع- بـ:
-
دمعة المتهجد.
-
حدس السياسي.
-
لباقة المناظر.
-
وقار العالم.
-
رأفة الوالد.
-
شجاعة المقاتل.
-
انتباه الفقيه.
-
يجب عليه أن يستكمل أسباب النجاح في هذه المهمة: بالعلم النافع، والقلب الخاشع، ومعرفة بطبائع النفوس، وشجاعة متعقلة، وفصاحة اللسان، وهيبة ووقار عند الرؤية.
-
يضبط نفسه فلا ينفعل، ويمتلك سرعة البديهة والخاطر في المواقف؛ ليستفيد منها تربويا.
-
يتجرد لدعوته فلا يقابل الإساءة بمثلها، التسامح سبيله، والعفو ديدنه، والصبر غذاؤه، والأمل رجاؤه.
-
يتجرد من حقوقه الشخصية لصالح دعوته الحقة فينساها بل يهملها من غير تهاون، ولا يترك حقا عاما ولا أمرا من موجبات دعوته، وإن تساهل في حقوقه فلكي يربي الغير بالموقف.
-
لا يتكلم في مراء، ولا يذم أحدا، ولا يقطع علي أحد حديثه، ولا يتكلم إلا فيما يعني الذين يربيهم.
-
يأتلف مع الذين يربيهم ويمتزج إحساسه بإحساسهم؛ لينساب إلى نفوسهم حتى يشعروا أنه منهم.
-
إن أرشد ففي رفق؛ فبالإشارة ثم التعريض ثم التنبيه ويبعد عن الغلظة والجفوة.
-
يكتشف المواهب ويتعرف علي الإمكانات والطاقات لتوظيفها وتوجيهها وتنميتها.
-
يشارك إخوانه في العمل ويساعدهم فيه ويبث فيهم الحماس والجدية والمثابرة والانضباط.
-
يشجع الحوار ويحرص علي الاستماع لآراء كل واحد منهم حتى يقول كل ما عنده لأن ذلك هو الذي يجعلهم قادرين علي تكوين الرأي ومناقشة الرأي الآخر.
إن كانت هذه طريقتكم فما أعجزها عن الوصول إلى ما تريدون:
تأمل معي قصة الشيخ الرباني مع الإمام حسن البنا، يقول الإمام: "رأيته شيخاَ أشيب قد اجتاز مراحل العمر، وخطا إلى الآخرة، جلست إليه في صفح نهار، في صفاء من الوقت، وغفوة من الزمن، ورقة في الروح، وقد أشرق محياه يلمع بالصلاح والتقوى وصلة القلب بالله، وإن كان مغموراً في طوايا المجتمع، خامل الذكر بين الناس تحدثتُ إليه قل: ما اسم جمعيتكم؟ قلت له: إننا لسنا جمعية، ولكن إخوان في الله فقط نجتمع على عقيدة وفكرة ونحاول أن نحققها في أنفسنا، ثم نقنع بها الناس، وليست فكرتنا إلا أن تفهم الإسلام والعمل به وحمل الناس عليه!
قال: جميل.
و من يدرس لكم في داركم؟
قلت له: قد أتحدث إلى الإخوان في كثير من الأحيان، فسكت هنيهة ثم رفع إليًّ بصره وسأل وهل تقوم الليل؟
قلت له: وماذا تنتظر في جواب على سؤالك هذا؟ أنفسنا بيد الله إن شاء بعثها وإن شاء أمسكها!
فقال: صدق الله ورسوله وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلاً.
يا أخي، إن تربية الأرواح وتزكية النفوس وقيادة القلوب، لا تأتي بهذه الألفاظ تردد، ولا بتلك القواعد تدرس، ولا بالنظريات تلقى، وإن هذه إن أفادت العقل والعلم فإنها معزل عن الشعور والروحانية والخلق، وإن الجماعات في حاجه إلى أرواحها وأخلاقها أولاً، وإن هؤلاء الذين يحاولون الصلاح الخلقي عن طريق الكتب وحدها مخدوعون خادعون، فإن كانت هذه طريقتكم فما أعجزها عن الوصول إلى ما تريدون.
ليس لهذا الصلاح النفساني الذي تنشدون إلا طريقاً واحداً، طريق القدوة الحسنة الموصولة بالله المستمدة من فيضه وفضله وليس لهذه القدوة إلا مكابدة الليل،ومصاحبة القيام، والمناجاة في الغسق، وأنت تقرأ القرآن وتسمع قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ 1 قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا 2 نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا 3 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا 4 إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا 5 إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}[المزمل: 1- 6]
والقلب المنقطع الصلة بالله كيف يسير بالخلق إليه، والتاجر الذي لا يملك رأس المال من أين يربح، والمعلم الذي لا يعرف منهاجه كيف يدرسه لسواه،والعاجز عن قيادة نفسه كيف يقود غيره، ما أشد حاجتكم إلى هذا الصنف من الجهاد؟ إن استطعت أن يكون هذا هو كل ما تحمل عليه من عاهدوك على العمل فهو نجاح ما بعده نجاح، ولقد كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رهباناً بالليل فرساناً بالنهار أفترى إحداهما انفكت عن الأخرى؟
اجتهد يا أخي ما استطعت أن تغترف من ذخائر الليل ما توزعه على إخوانك بالنهار، ثم استأذن وقام يتوكأ على عصاه وانساب في هذا المزدحم من الناس،وما زلت أشيعه بقلب واعٍ حتى غاب!"
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
.