خلق الله تعالى الإنسان ليعمر الأرض بالعدل والإحسان، وتلك حكمته سبحانه وتعالى، وكان هدف الإعمار في الأرض، هو إنشاء حياة يملؤها العدل والإحسان والأخوة؛ غير أن الدراسات والنظريات والدلائل والمفاهيم والقيم والأديان.. تسوق حالة المرأة حسب القناعات والتوجهات والأحكام التي تراها مناسبة للحلول، سواء تعلق الأمر بموقعها كإنسانة حاملة مكافحة عاشقة.. أو صانعة ومخططة لحياتها وسبل عيشها، أو لمفاهيم تعلقها بالعقيدة أو فهمها لها.. ارتباطًا وقيمة وعملًا، وحرصًا على الأداء للواجبات، واستثمارًا للحقوق والرغبات.
وفى هذه الدراسة التي أعدّتها الباحثتان: كريمة حجازي، جامعة عباس لغرور خنشلة بالجزائر، وسمية حسن عليان، جامعة أصفهان بإيران، توصلتا إلى أن الشريعة الإسلامية اهتمت بتنظيم العلاقات الأسرية، وذلك بوضع الفلسفة التشريعية التي تقوم عليها، والدعائم والمرتكزات التي تقتضيها، لما لها من أثر بالغ الأهمية في المحافظة على كيان الأسرة في المجتمع، فأرست مبادئ الرحمة، والمحبة، والمودة، والتفاهم بين أفرادها، وجعلت ذلك هو السبيل لترابطها وانسجامها، وإبعاد كل ما يتسبب في انحلالها وتفككها، وأساليب الممارسات التي لا تليق بها.
المرأة والأسرة
لقد كانت المرأة تعاني الأمرين، قبل أن ينزل الوحي ويحررها من جبروت الجاهليات، وحماقات التخلف والصلف والعنجهية، والمرأة في الرسالة النبوية السمحة قوامها الأنوثة الصادقة والتوجه الحياتي الرفيع، سُئل النبي ﷺ: أي النساء خير؟ قال: «التي تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره».
إن الجاهلية طمست كل معالم المرأة، وقبرتها وهي حية ترزق، اعتقادًا بأن ذلك هو الشرف الرفيع لهم؛ فأبطل الله هذه العادة من ضمن ما أبطل من العادات الجاهلية. يقول تعالى في ذلك: {وإذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وجْهُهُ مُسْوَدًا وهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}.
وبتصرفات كهذه، جهلت الأسرة وأقحمتها في براثن الجهل، ولم يسمح للمرأة أن تتعلم حتى تعلم غيرها، وتقضي على أتون الجهل والتخلف، وقد كان نتيجة قصر التعليم على الرجال دون النساء، أن ازداد الفارق بين عقلية الرجل وعقلية المرأة، كل هذه الأسباب أثرت في نفسية المرأة وأخلاقها.
وجاءت الدعوة التي فتحت الآفاق أمام أبناء الأسرة في التكريم والتعليم والتربية، يقول المصطفى عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: «أكرموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم». وقوله في شأن البنات ورعايتهن والقيام على شؤونهن، وتمكينهن من الحياة الرغدة الكريمة: «من بُلي من هذه البنات شيئًا، فأحسن إليهن كن له سترًا من النار». مصداقًا لقوله سبحانه وتعالى: {وعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، يقول الرسول ﷺ: «لا تضربوا إماء الله».
لأن طبيعة المرأة مع هذا القهر الاجتماعي، أنها إذا لم تجد الصيانة والحفظ، فإنها تحمل نفسًا تشتاق إلى بهرج الحياة وزخرفها وزينتها أكثر من الرجل، فتضيع بالتالي ويضيع معها المجتمع.. إذا لم تكن لها رعاية وحماية خاصة.
إن منهج الله أيسر على الإنسان وأخف وأقرب إلى الفطرة من المناهج التي يريدها البشر ويهوونها، وأنه من رحمة الله بضعف الإنسان أن يشرع له هذا المنهج، الذي تكلفه الحيدة عنه عنتا ومشقة، فوق ما تكلفه من هبوط وارتكاس.
المرأة.. ومقامات التربية والمعرفة
لقد كان الإسلام فتحًا مبينًا على البشرية، إذ رتب ونظم حياة المرأة وبالتالي حياة الأسرة؛ حيث جعل منها المفتاح التكويني للخلية الأولى المطلوبة شرعًا وقانونًا وعقلًا؛ فرفع عنها هذا المقت الجاهلي، وردها إلى مكانتها الطبيعية في كيان الأسرة، وإلى دورها الجدي في نظام الجماعة البشرية.. ثم رفع مستوى المشاعر الإنسانية في الحياة الزوجية من المستوى الحيواني الهابط، إلى المستوى الإنساني الرفيع، وظللها بظلال الاحترام والمودة والتعاطف والتجمل؛ ووثق الروابط والوشائج.. فلا تنقطع عند أي أزمة من الأزمات أو صدمة من الصدمات.
ولم تستطع المجتمعات التمكن من ذلك، إلا حين منح الإسلام للمرأة ما تستحقه من عناية ورعاية وحرية.. تكفل لها الحق في الحياة بما في ذلك المجال العلمي، والتصرف بما يقتضيه الشرع، وما لا يخالف ضوابط المجتمع، قال النبي ﷺ، في شأن حريتها المتعلقة بها، حين تستأذن في بداية تكوينها للحياة الأسرية: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها صماتها».
ولذلك حث الإسلام على اختيار الزوجة الصالحة، ليكون المجتمع صالحًا نقيًا.. طاهرًا من الشوائب والخرافات والحماقات، لقوله ﷺ: «تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لمالِها ولحَسَبِها وجَمالِها ولدينها، فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَداكَ»، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إلَيْهَا}، ولا مانع وهي ربة بيت ومربية، أن تكون لها مشاركات عامة، في التعليم والأداء العملي الذي يناسب قدراتها وأفكارها وتحملها؛ لأنها أداة فاعلة في صناعة المجتمع.
الآثار التربوية والنتائج القيمية المتداولة
إن الآثار التربوية للأم كثيرة ومتعددة، تتكامل مع وظيفة الرجل (الزوج- الأب- الأخ...)، إذ لزامًا على الجميع أن يعرف وظيفته وحجمه، لتكون أدوار تكوين الأسرة متماشية مع فترة الإنسان السليمة، والرجل إلى جانب آخر مكلف بوظيفة أخرى، ومهيأ لها على طريقة أخرى... مكلف بصراع الحياة في الخارج، سواء كان الصراع هو مجابهة الوحوش في الغابة، أو قوى الطبيعة في السماء والأرض... أو نظام الحكومة وقوانين الاقتصاد... كل ذلك لاستخلاص القوت، ولحماية ذاته وزوجه وأولاده من العدوان.
والأمومة هي المفتاح الأساسي للم شمل الأسرة المسلمة، بكل ما تحويه من مشاعر نبيلة، وأعمال رفيعة، وصبر على الجهد المتواصل، ودقة متناهية في الملاحظة والأداء، وهي التكيف النفسي والعصبي والفكري، الذي يقابل التكيف الجسدي للحمل والإرضاع. كلاهما متمم للآخر، متناسق معه في ظل أسرة متكاملة.
وتظهر آثار الأسرة ومعالمها التربوية في النتائج التالية:
- المحافظة على النسل من الانقطاع والانهيار.
- تواصل الأجيال في مستقبل العلاقات العامة، مع ربط ذلك بالتاريخ والمفاهيم والقيم.
- تقديم الحلول للمشكلات التربوية المتعاقبة.
- صناعة الأجيال ومستقبل الأمم والشعوب.
- غرس المبادئ الدينية والأخلاقية في الناشئة حفاظًا على الشخصية في أداء أدوار متميزة في الحياة.
- صناعة الأوطان صناعة تدخلها في السباق مع الأمم المتحضرة والناهضة بالمستقبل وبالبشرية.
- غرس قيم حب العلم والمعرفة، لأن ذلك هو الكنز الثمين الذي تستقي منه الشعوب والأمم مادتها وحضارتها.
- الأسرة وعاء لكل إرث حضاري ومعرفي، يصقل الأنا في تفاعله مع الآخر.
- الأسرة في تربيتها للأجيال، مفتاح لقيم التسامح والتراحم والتلاحم بين الناس.
- رسالة المرأة، لا تتوقف عند جانب بعينه بل تشمل كل نواحي الحياة ومقامات الرسالة العظيمة.
- المرأة المربية المتعلمة هي صانعة الأجيال، وبالتالي هي صانعة صرح الحضارة ودلالات النهضة والتطور.
- دور المرأة يتجاوز ثقافة الأنا، إلى صناعة مفعولات الآخر.. والعمل على تكريس مبادئ العلم والمعرفة لديه.
- الأمومة، هي صيانة لمفاتيح التربية والتوجيه والتكوين؛ لكونها غرسًا يؤتي أكله كل حين بإذن الله تعالى.
- وظيفة المرأة في المجتمع، هي التكامل مع الرجل في التربية والمعرفة والتعلم... لأن ذلك هدف المجتمع ومقامه الصلب المحكم.
.