أهداف التربية والنمو الروحي والإيماني والذي من المفترض أن يشعر بآثارها الفرد في تعامله مع ربه، ومع الدنيا، ومع الناس، ومع أحداث الحياة، ويشعر بآثارها كذلك في أحوال قلبه.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، قوله تعالى: "أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ" [الزمر: 22]. كيف انشراح الصدر؟ قال: « إذا دخل النور القلب انشرح وانفتح »، قلنا: يا رسول الله، وما علامة ذلك؟ قال: « الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله»
أولًا: الهدف الأدنى: إيقاظ القلب والروح ( تعهد الإيمان):
وهو تمكُّن واستحكام اليقظة من القلب، فلا نريد يقظة لحظية، بل نريدها يقظة حقيقية دائمة تتمكن من القلب والروح لتبدأ معها الحياة تدب في جنباته.
ومن مظاهر تحقق هذا الهدف:
• زيادة الحرص على فعل الخير أكثر وأكثر.
• زيادة الورع.
• انصراف الرغبة – بعض الشيء – عن الدنيا، وعدم الفرح الشديد بإقبالها وزيادتها، أو الحزن العميق على فواتها ونُقصانها.
• ازدياد التفكير في الموت وإمكانية لقائه في أي وقت، مما يدفعه إلى زيادة التشمير والسباق نحو فعل الخير.
-
سريع الحضور والاستدعاء في الدعاء والذكر والفكر والصلاة وبخاصة عند تكبيرة الإحرام
-
يشعر صاحبه بهبوطه وخشوعه كحالة من حالات التأثر والتجاوب مع قراءة القرآن أو الدعاء أو الذكر أو المناجاة. وتزداد سرعة وقوة هذا التفاعل كلما زاد نور الإيمان فيه.
ثانيًا: الهدف التالي: القلب الحي (الاستقامة):
هذا الهدف لا يمكن الوصول إليه إلا باستمرار تزويد القلب بالإيمان بعد تمكُّن اليقظة منه، والمقصود بالقلب الحي: أي تحرره من أَسر الهوى وانفصاله عنه والذي يحول بينه وبين التعلق التام بالله عز وجل، والالتزام به، والتوجه الدائم نحوه.
و علامات القلب الحي: رقة القلب وسرعة تأثره بالمواعظ، وهبوطه وخشوعه وسجوده لله، وسهولة استدعائه إذا أراد صاحبه استحضاره، ومن آثارها كذلك: تحسن ملحوظ في علاقات المرء المختلفة، فيزداد قربه من ربه، وتعلقه به، وتنقص رغبته في الدنيا بصورة ملحوظة، ويقل طمعه في الناس، ويزداد تشميره نحو الجنة، ومن آثارها كذلك: راحة البال والشعور بالسكينة والطمأنينة والسلام الداخلي.
يقول ابن رجب: الوصول إلى الله نوعان: أحدهما في الدنيا، والثاني في الآخرة.
فأما الوصول الدنيوي فالمراد به: أن القلوب تصل إلى معرفته، فإذا عرِفته أحبَّته وأنِست به، فوجدته منها قريبًا، ولدعائها مجيبًا وأما الوصول الأخروي: فدخول الجنة التي هي دار كرامة الله لأوليائه، ولكنهم في درجاتها متفاوتون في القرب بحسب تفاوت قلوبهم في القرب: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾[الواقعة: 10، 11]، و جاء في بعض الآثار: ابن آدم، اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فُتُّك فاتك كل شيء.
ثالثا: الهدف الأسمى: الحضور القلبي الدائم مع الله ( الإحسان)،والتعلق الشديد به – سبحانه – أو بمعنى آخر: تحقيق قوله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن الإحسان فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه» وهذا يحدث إذا ما استمر الإمداد الإيماني للقلب، فيزداد فيه النور، حتى يصير قلبًا سليمًا أبيضًا، ومن آثار ذلك: خضوع المشاعر والسلوك في مجمله لله عز وجل كما قال صلى الله عليه وسلم: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان» .
وقال: «لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه».
ومن آثارها كذلك: التعامل مع أحداث الحياة وتقلباتها المختلفة تعاملًا إيمانيًّا كما قال صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ولا يكون هذا إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له».
والقلب في هذه المرحلة العظيمة يعيش في سعادة عظيمة وعلاقة متينة مع ربه؛ فهو شاكرٌ لأنعمه، صابرٌ على بلائه، راضٍ بقضائه، مطمئنٌ بذكره، في شوق دائم إليه وتوجه مستمر نحوه.
نسأل الله عز وجل أن يشملنا بعظيم فضله، وأن يجعلنا من أصحاب القلوب السليمة المطمئنة، وأن ينورها بنور الإيمان به، ويخرجها من ظلمات الجهل والغفلة والهوى.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
.