يشهد واقع الأمة حاليا انفصامًا بين ادعاء حسن التدين والفعل الحقيقي لهذا التدين، حتى أصبح ينطبق عى أغلبنا لفظ الحديث القدسي الذي قال: [إنَّ الله - تعالى - قال: لقد خلقتُ خلقًا، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمَرُّ من الصبر] رواه الترمذي.
فالإسلام ليس إيمانا به فحسب لكنه أسلوب حياة، والإنسان خليفة عن الله سبحانه في هذا الكون، ولابد وأن يوقِن المسلم أنَّ الله خلقه في هذا الكون سببًا لإقامة دينه في الأرض، وتعريف الناس ما هو الإسلام، وهو ما يجعل الحفاظ على الهوية الإسلامية واجبة – سواء في بلاد المسلمين أو في بلاد الغربة - على كل مسلم يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وبالقرآن شرعة ومنهاجا.
تزداد مسئولية الحفاظ على الهوية لدى المسلم حينما يسافر إلى غير بلاد المسلمين، حيث إنَّه سيعيش في عالم غريب عن اعتقاده ومبادئه وأخلاقه وسلوكياته، وربما يتعرض لكثير من المضايقات والاستفزازات، وربما سن قوانين لطمس هوية المسلمين لكونهم أقلية، وهذا بمثابة ابتلاء لكل مسلم في هذه البلاد بين اختيار الدنيا أو اختيار دينه.
وليتذكر كل مسلم في بلاد الغربة أنه حارس على عقيدته، بل وحارس على أبنائه وزوجته، ولا يمنع ذلك من تعلم أسلوب الحياة في البلاد الجديدة والسير وفق مناهجها فيما لا يخالف تعاليم دينه، والالتزام بقواعد وآداب البلاد التي يعيش فيها حتى يسهل عليه التأقلم.
واجبات كل مسلم نحو هويته
على كل مسلم ومسلمة إذا عزم الأمر أن يسافر إلى بلاد الغرب سواء للدراسة أو للعمل أو للهجرة أن:
-
أولًا يجب الحفاظ على النفس، فالأصل في كل نفس أنها مسؤولة عن نفسها، والإسلام وإن كان دين الجماعة إلا أن المسلم مطالب أن يبدأ بنفسه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم 6]، وصدق الشاعر:
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
-
يجب على المسلم المسافر أن يعتز بدينه وأن يتثبت من أمور دينه في نفسه قبل أن يسافر، وأن يتعلم حدود الحلال والحرام التي شرعها الدين، بل وجب عليه التزويد من الدين بما يحفظ عقيدته في بلاد الغربة.
-
البحث عن محاضن تربوية إسلامية لك ولزوجتك وأولادك في البلاد التي سافرت إليها سواء في المساجد أو المراكز الإسلامية، مصداقا لقول الله تعالي: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة:71].
-
عدم تقليد الغرب في اللباس أو طريقة الكلام أو قص الشعر ونحوه من المظاهر العامة التي تخالف تعاليم الإسلام، وهو الأمر الذي جعل عبد الله بن عمرو بن العاص يحذر بقوله: (من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجاناتهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة). رواه البيهقي.
-
الحرص على إقامة الواجبات، وترك المحرمات، والحرص على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والابتعاد عن التعامل بالربا والتجارة في المحرمات وغيرها من الأمور التي قد تفقد الإنسان تميزه وهويته.
-
الحرص على الترابط وإقامة العلاقات والصلات الجيدة مع باقي المسلمين عامة، فهذا من شأنه أن يوحد أمركم ويقوي عزمكم، ويعينكم على مواجهة الذوبان التام في المجتمعات التي تعيشون فيها، قال صلى الله عليه وسلم: [المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا. وشبك بين أصابعه] رواه مسلم.
-
الحرص على الاستزادة من تعلم أمور الدين سواء له أو أهل بيته وحفظ كتاب الله وسنة نبيه – قدر الاستطاعة – حتى يحفظ قلبه من الانزلاق في الهوى أو الانجراف إلى ما يخالف دينه دون علم.
-
يجب على رب الأسرة أن يصطنع مناخًا إسلاميًا صغير داخل أسرته بأن يكون قدوة صالحة أمام زوجته وأولاده، وأن يتابع أولاده فيما يستجد عليهم من متغيرات قد تجعلهم ينزلقون في عادات المجتمع الجديد والتي قد تخالف الإسلام، فوجب عليه أن يعمل على تربية أسرته تربية إسلامية بتحسين فعل الخيرات لهم وتقبيح اقتراف الموبقات في شعورهم، وأن يخصص لأجل ذلك وقتاً لتعليمهم دينهم، وتهذيب أخلاقهم، وقد كان لأحد المغتربين الذين أقاموا في الولايات المتحدة الأمريكية تجربة رائعة في ذلك، حيث عود أسرته على الاجتماع بهم كل يوم بعد صلاة المغرب يتلون فيه القرآن الكريم، ويقرأون شيئاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته النبوية.
-
من الأمور التي قد تحافظ على الهوية الإسلامية هو أن يبحث المسلم المغترب عن المناطق التي يغلب فيها نسبة المسلمين، حيث يستطيعون تشكيل كينونات إسلامية ومناخا مناسبا لهم ولأولادهم وسط المجتمعات الغربية لكن دون عزلة عن المجتمع الذي يعيشون فيه وكأنهم في جو منغلق عليهم فقط.
-
من القواعد الهامة أيضا والتي تحافظ على المسلم الالتزام بقاعدة [اصلح نفسك وادعُ غيرك] فمما يزيد من حفاظ المسلم على نفسه هي الدعوة إلى دينه الحنيف السمح سواء بالقول أو الفعل في كل مناحي الحياة، فمثل هذه الأمور تثبت القلب، وتفتح آفاقًا جديدة ورحبة للإسلام في نفوس الناس، وهذا من شأنه أن يشجع أهل الإسلام ويرفع معنوياتهم تجاه استمرارهم على الالتزام بدينهم.
إن الحديث عن الهُوية في الواقع المعاصر، ليس من قبيل الترف الفكري، وذلك لأن الأمم لا تحيا بدون هوية؛ إذ الهوية بالنسبة للأمة بمثابة البصمة التي تميزها عن غيرها، والمسلم يعتز بإيمانه وإسلامه، وليس معنى هذا الكلام رفض كل ما هو غربي إنما يعني أن أحافظ على ذاتي بحيث لا تضيع هذه الذات في وسط الهويات الأخرى.
.