يصدُر من الأطفال أحيانًا بعضُ التصرُّفات التي تستوجب وقفةً أو عِقابًا، وفي الواقع الذي نعيشه نجد تبايُنًا في تصرُّفات المربين في هذا الشأن، فبعضُهم يعتمد أسلوب التدليل؛ حيث تتحكَّم فيهم عواطفُهم، ويستسلمون أمام تعنُّت الطفل وإصراره لإشباع رغباته، فينشأ الطفل مدلَّلًا.
وهناك البعض الآخر من الآباء والأمهات يسلكُون طريق القسوة، وإنزال العقوبات الصارمة المؤذية والمؤثِّرة في شخصية الطفل ونموِّه الانفعالي، ممَّا يُحطِّم شخصية الطفل، وقد يُصاب ببعض الأمراض النفسية.
وفى هذه الدراسة، يكشف الاستاذ الدكتور فؤاد محمد موسى، عن الصواب في تعامل الآباء والأمهات مع الأبناء وفق منهج الله، كما جاء في السرد القرآني لقصة آدم عليه السلام.
عندما أمر الله آدم وزوجَه أن يسكُنا الجنة التي أعدَّها الله لهما، وأن ويأكُلا منها رغدًا حيث يشاءان، وألَّا يَقرَبا شجرةً فيها: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 35]؛ لكن آدم عصا ربَّه وأكَل منها: ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: 121]، فكيف كان تأديب الله لآدم؟
عندما عصا آدمُ ربَّه وأكَل من الشجرة، جاءت مرحلةُ التأديب من الله لآدم: ﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾ [الأعراف: 22]، فقد وقعت المعصية منه.
وعليه يتَّضح لنا أن هناك عقابًا لِما يقع فيه الأبناء من المعصية، فهناك فرق كبيرٌ بين المعصية والخطأ.
فالمعصية: يكون فاعلُها موقِنًا أنها معصية، ويفعلها بإرادته، وغير مُجبرٍ على فعلها، وعنده القدرة على الامتناع عن فعلها.
وأما الخطأ: يكون غير متعمد، ولا يعرِف فاعلُه أنه خطأ، كما أنه لا يعرِف ما هو الصواب وإلا لفعله، أو أنه يعرف الصواب، ولكنه غيرُ قادرٍ على فعله؛ وعليه فإن الخطأ لا يُعالَج بالعقاب على الإطلاق.
ولكن ما هي الكيفية التي تَمَّ بها التأديب من الله؟ وما نوعه؟ وما مداه؟
لقد كان تأديب الله لآدم تأديبًا فوريًّا لمجرد أن ذاق الشجرة، كما أن التأديب كان واضحًا جليًّا، لا غموض فيه، دقِّق النظر في قول الله تعالى: ﴿بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾ [الأعراف: 22].
وكان التأديب نتيجة هذه المعصية، وليس نتيجة لشيءٍ آخر، فقد رتَّبَت الآية ظهور العورة على الأكل من الشجرة التي نهاهما عنها، فقبْل أكل آدم وزوجه من هذه الشجرة، لم يَعرِفا عَورتهما، ولم يعرِفا عملية الإخراج هذه من قبلُ، لقد كانت إرادة الله أن تكون النتيجة من عين السببِ، إنها نتيجة مادِّية محسوسة، نتيجة طينية، إخراج من نفس المعصية؛ ليكون إدراكها أوقْعَ على النفس، وأبقى أثرًا في المستقبل.
قال تعالى: ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: 22].
نادى الله عزَّ وجل آدمَ وزوجَه مُعاتبًا ومُوبِّخًا لهما بتذكيرهما بما قاله لهما من قبلُ، بأنَّ الشيطان عدوٌّ لهما عداوةً واضحةً، فلا يَفتُر عن إيذائهما وإيقاع الشرِّ بهما.
ولكن لماذا هذا العتاب؟ ولماذا جاء العتاب في هذا التوقيت؟ ألَم يكْفِ تحذيرُ ربِّهما لهما من قبلُ؟ ولماذا جاء العتاب بهذه الصيغة؟
لقد انتاب آدمَ وزوجَه حالةٌ من الذُّهول من هَوْل الصَّدمة بارتكابهما المعصيةَ، ومخالفة تحذير الله لهما من قبلُ، وفي هذا الوقت يكون الإنسان في حالة عدم اتِّزان، وشلَلٍ فكري، ويحتاج إلى مَنْ يساعده في الخروج من هول الصدمة، ولو ظلَّ في هذه الحالة قد ينتابه حالةٌ من اليأس والقنوط.
هنا تتدخَّل عناية الله ورحمته بنداء الله لآدم وزوجه، والنِّداءُ في ذاته في هذا الموقف الصعب، وفي هذا التوقيت رحمةٌ من الله لهما؛ لوقف هذا الذهول والارتباك.
وأمَّا العتاب ففيه تَذكيرٌ لِما هو في صالح آدم وزوجه، وفيه معالجة لعملية النسيان وضَعف العزم في آدم: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: 115].
- مرحلة الاعتراف بالذنب وطلب الصَّفْح
فكان نتيجة هذا العتاب بهذا اللطف، اعتراف آدم وزوجه بالذنب وطلبهما المغفرة من الله: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[الأعراف: 23]، وهنا أدرك آدم وحواء خطأَهما، وعرَفا زلَّتَهما، وندِما على ذلك، والتمَسَا الصَّفْح والعون من ربِّهما والمغفرة لهما.
فكان نتيجة ذلك اجتباء الله لآدم وتوبته عليه وهدايته له: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 37]، ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ [طه: 122].
هنا تعلَّم آدمُ من ربِّه كيف يتوب عن المعاصي بالكلمات التي تلقَّاها من ربِّه، وكيف يلجأ إلى الله وقتَ الشدائد، وأن له ربًّا غفورًا توَّابًا رحيمًا، يتوب عليه إذا أخلَص في توبته، وتعلَّم ألَّا يَقنَط من رحمة الله.
.