Business

نماذج تربوية من معاملات النبي صلى الله عليه وسلم

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: 21]، في هذه الآية الكريمة وصف الله سبحانه طريقة معاملة نبيه صلى الله عليه وسلم للآخرين.

ولقد جاءت سيرتُه وأفعاله كلها دليلاً عمليًّا يعلم الناسَ كيف يعيشون وكيف يتعاونون، كيف يختلفون وكيف يتحاورون، بل كيف يحاربون وكيف يسالمون.

إننا لو تتبعنا هَدْيَ الرسول الكريم في التعامل مع الناس، ومنهجَه في تربية أصحابه الكرام - لأدركنا أننا نحمل للبشرية خيرًا عميمًا، ينقذها من كل آلامها وعذاباتها، ويقدِّم لها سعادتَها الكبرى التي تبتغيها.

تقول فاطمة محمد العزب: كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعامل كلَّ أحد يلقاه بمهارات؛ من احتفاء، وتفاعل، وبشاشة؛ حتى يشعر ذلك الشخص أنه أحب الناس إليه.


 

على أبواب مكة

ظل عداء المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم طيلة سنوات طويلة، وظلوا خلالها يكيدون المكائد ويدبرون أمر قتله أو القضاء على دعوته، بل وجهزوا الجيوش للقضاء على دولته، وحينما توجه لأداء العمرة وقفوا له بالمرصاد حتى يمنعوه من دخولها، بل سنوا في معاهدة الحديبة أن من يؤمن بمحمد من الكفار يرجعه إليهم، ومع ذلك نقضوا العهد فكان لابد من الدفاع عن كينونة الدولة المسلمة، فخرج بجيشه لفتح مكة – وعلى الرغم من كل العداء الذي كنه له المشركين – إلا أنه أمر قواده بعدم سفك الدماء، وأن من دخل البيت الحرام فهو آمن، وحينما دخلها فاتحا وجد الخوف والهلع في عيون المشركين، فنطق قولته: [يا معشر قريش ما تظنون إني فاعل بكم] قالوا: خيراً. أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: صلى الله عليه وسلم: [اذهبوا فأنتم الطلقاء].

ولننظر أكثر لتعامله مع رأس الكفار أبى سفيان والذي قاد الجيوش لمحاربته، حيث تعامل تعامَل مع نفسيته التي تحب الفخر والتي اعتادت على مظهر القوة، وقدَّم له الدليل العملي على قوَّة الإسلام فتم فتح مكة لكنه أكرم أبو سفيان لمكانته فقال: [من دخل دار أبي سفيان فهو آمِنٌ].

ولننظر إلى حسن تعامله مع الأعراب – فهم أبناءُ بيئة جافَّة خشِنة، تجعل نفوسَهم أقربَ إلى الجفاء منها إلى الودِّ، يحتاجون في التعامل معهم إلى نفس هادئة حليمة، تَفهم طبيعتهم، وتقدِّر نفسيَّاتهم، فتبسط إليهم الودَّ؛ حتى وإن بدؤوك بالعدوان – ومع ذلك بسط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولننظر لرقى المعاملة في غزوة حنين بعدما انتصر المسلمون وكانت الغنائم كثيرة فقسمها على حديثي الإسلام من أهل مكة دون الأنصار الذين جاهدوا معه سنوات ونصروه وآووه حتى ثقل على نفوسهم، وقال قائلهم: لقِيَ والله رسولُ الله قومَه، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مجتمعين، ثم قال: والله، لو شئتُم لقُلتم فصدَقتم وصُدِّقتم: [جئتنا طريدًا فآويناك، وعائلاً فآسيناك، وخائفًا فأمَّنَّاك، ومخذولاً فنصرناك].

ثم جاءت الكلمات التي أبكت العيون وأثلجت الصدور وطيبت القلوب، حينما قال لهم: [أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفسي بيده، لو أن الناس سلكوا شِعْبًا وسلكت الأنصار شِعبًا، لسلكت شِعْبَ الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امْرأً من الأنصار، اللهمَّ ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار].

وفي غزوة المريسيع وحينما استظل المسلمون من المطر نام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة، وجاءه أحد الأعداء متسللا ووقف على رأسه بسيفه قائلا له: [مَن يمنعك منِّي]، فقال رسول الله: [الله يمنعنى منك؛ فسقط السيف والتقطه الرسول وقال له: [من يمنعك مني؟] فاستحضر الرجل مسرعا عظيم خلق رسول الله فقال له: كن كخير آخذ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم: [أتشهد أن لا إله إلا الله؟]، قال: لا، ولكني أعاهدُك أن لا أقاتِلَكَ، ولا أكونَ مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فذهب إلى أصحابه، فقال: قد جئتُكم من عندِ خير الناس.

كانت سماحة وأخلاق النبي تتجلي للعيان وما موقفه في رحلة الطائف بخافٍ عن أحد، فعلى الرغم من أنهم أهانوه وآذوه وسلطوا سفهائهم عليهم يقذفونه بالحجر حتى أدميت قدماه الشريفتان، بل إن كبرائهم قالوا له: [أمَا وجد الله أحدًا يرسله غيرك؟!] حتى أنه من شدة ما لقاه رفع يده الشريفتين مستنصرا بالله سبحانه داعيا إياه: [اللهم إليك أشكو ضَعْفَ قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربُّ المستضعفين، وأنت ربِّي، إلى مَن تكِلني؟! إلى بعيدٍ يتجهَّمني أم إلى عدوٍّ ملكَّته أمري؟!]، فجاءه النصر الرباني سبحانه بإرسال جبريل وملك الجبال ليطبقها عليهم ويبيدهم لكن رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حالت دون ذلك حيث قال له: فإني أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم مَن يعبد الله لا يشرك به شيئًا.

وهكذا فأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم لا يختلف عليها اثنان سواء مسلم أو كافر، فالرسول قد لقبه مشركو قريش بالصادق الأمين لما لمسوه وعاصروه معه من الصدق والأمانة.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم