Business

أخلاقيات نبوية مفتقدة في ذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم

تتجدد كل عام ذكرى ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم كلما هل وأقبل علينا شهر ربيع الأول، وإن كانت ذكراه العطرة صلوات ربي وسلامه عليه تصاحب كل مسلم في كل شئون حياته وأوقاته.

لقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إرثًا عظيمًا من السلوكيات والمعاملات التربوية التي تحافظ على كيان الفرد والمجتمع على سواء، حيث كان صلى الله عليه وسلم نموذجا يحتذي به في عبادته وفي معاملاته المادية ومع زوجاته وأصحابه، بل حتى مع أطفال المسلمين وغير المسلمين، بل قل حتى مع أعدائه.

إلا أننا كمسلمين بدأنا في الأعوام الأخيرة رحلة تيه كبيرة ببعدنا عن تعاليم ديننا وسنة نبينا، وأصبحنا غثاء كغثاء السيل، وقد انتشر الوهن في جسد الأمة الإسلامية فاتبعنا الغرب فيما يطلب ويأمر، وأصبح كثير منا يخافون غضبة الغرب لا غضبة المولى سبحانه على جرأة انتهاك الحق، وصرنا في صراع مع الحياة خشية إملاق.

لقد اعترى الأمة الهم والغم والكرب والخوف والجزع من كثرة الضربات التي توجه لهم من غير المسلمين ومن أناس يحملون أسماء مسلمة لكن أفعالهم بعيدة، وأصبح النطق بالحق في بلاد الإسلام جريمة، والدعوة إلى أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم تهمة يحاسب عليها المرء.

فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا نجاة إلا بالسير على نهجه صلى الله عليه وسلم، لا ملجأ من الله إلا إليه باتباع الحق والتمسك به والتوحد عليه حتى نصبح قوة يهابها الآخرون بتمسكنا بسيرة النبي صلوات الله عليه وسلم.


 

صفات نبوية

ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في حُسن الخُلق، وقد بيّن -عليه الصلاة والسلام- أن بعثته كانت لإتمام مكارم الأخلاق، حيث قال: {إنما بُعثت لِأُتمِّم صالح الأخلاق}، فأصبح بين الناس كقرآن يمشي على الأرض.


 

الصدق والأمانة

ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في الصدق والأمانة، فقد لقّبته قريش بالصادق الأمين قبل البعثة، وكان أهل مكّة يأتمنونه على أسرارهم، وحوائجهم، وأموالهم، ولما لا وقد وصفه ربه سبحانه: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (الزمر: 33)، فأين نحن من هذه الأخلاق حاليا فالقابض عليها الآن كالقابض على جمر من نار.


 

الرحمة

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرحم الناس بأمّته، كما كانت رحمته على الأطفال عظيمة، حتى كان كالوالد لهم، يقبّلهم ويضمّهم ويلاعبهم، فقد كان يحمل أمامة بنت زينب في الصلاة كما كان يترك الحسن والحسين كذلك، حتى أطفال المدينة كان الجميع يحبون رسول الله لعطفه عليهم وحنانه لهم، وإذا مات أحدهم بكى وحزن عليهم كسائر البشر رحمة بهم.

وليس الأطفال فحسب بل قل رحمته بالنساء والعجائز والفقراء حتى الأغنياء والأقوياء كان صلى الله عليه وسلم يفيض عليهم بالرحمة في موضعها. فأين رحمتنا التي تسبق غضبنا في المواقف مع أطفالنا وزوجاتنا وسائر الناس؟!

ليست هذه الصفات فحسب التي تحلى بها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أمته بالتحلي بها بل هناك العشرات من الصفات– والتي للأسف نفتقدها في كثير من المسلمين– كالعدل والحلم والتواضع والشجاعة والكرم والعفة والصبر والزهد والحياء الذي غاب عن قلوب كثير من رجال ونساء وشباب وبنات المسلمين.


 

الزوج القدوة

تقوم البيوت على أسس وقواعد قويمة وصفها الله سبحانه في قوله: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} وهى ما تجعل العشرة بين الزوجين تستمر على حسن الخلق والتفاهم والتعاون والصبر، إلا أن صراع الدنيا ومشاغلها جعل بيوتنا كحميم النار الملتهبة من المشاكل اليومية فأين نحن من أخلاقيات الرسول صلى الله عليه وسلم كزوج.

كان رسول الله رحيما عطوفا رومانسيا مع زوجاته، فقد أدرك النبي أن المرأة تحب الدلال فكان يدلل زوجاته دون اسثناء فكان يقول لعائشة: (يا عائش، يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام).

كما كان صلى الله عليه وسلم كان يشرب من موضع شربهن ويأكل من موضع أكلهن.

ويقول أنس رضى الله عنه: خرجنا إلى المدينة -قادمين من خيبر- فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب البعير. وكان صلى الله عليه وسلم يسابق السيدة عائشة ويتركها تسبقه، ثم يسابقها مرة أخرى فيسبقها ويقول لها ضاحكًا: (هذه بتلك).

وتقول عائشة رضى الله عنها: زارتنا سودة يومًا فجلس رسول الله بيني وبينها، إحدى رجليه في حجري، والأخرى في حجرها، فعملت لها حريرة فقلت: كلي! فأبت فقلت: لتأكلي، أو لألطخن وجهك، فأبت فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهها، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجله من حجرها لتستقيد منى، فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.


 

النبي وكبار السن

لقد أفنى كبار السن عمرهم في التدافع مع الحياة حتى شاب شعرهم وانحنى ظهرهم وضعفت قوتهم، وأصبحوا في أشد الحاجة لمن يعطف عليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذجا طيبا في ذلك الأمر، حتى أن المستشرق الألماني "فلور اندريه" في كتابه (العالم الشرقي) وصفه بقوله في ذلك: كان محمد رحيمًا بالضعفاء بشوشًا سهل المعاملة رقيق القلب.

فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ).

وقد جاء شيخ ذات يوم يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فأبطأ القوم أن يُوسِّعوا له، فَرَقَّ له رسول الله ورَحِمَه، وقال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا).

فلو تتمسك الأمة الإسلامية بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم لتغير حالها وواقعها غير الذي تعيشه الآن من ذل وخوف وضعف.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم