تعتبر التربية من أكثر الكلمات الشائعة بين الناس في حياتهم العامة والتي مارسها البشر منذ نزل سيدنا آدم وحواء إلى الأرض حيث حرصا على تربية أبنائهم تربية صالحة طيبة، غير أن رياح التربية أتت بما لا تشتهي السفن حيث صار أحدهم صالحا والآخر طالحا، فهل قصّر آدم عليه السلام في تربيتهم؟ الجواب: لا.
وهكذا يشتكي كثير من الآباء والأمهات أنهم يحرصون على غرس القيم الحميدة في نفوس أبنائهم، وتعليمهم المبادئ الإسلامية الصحيحة، مع الحفاظ على تعليمهم القرآن الكريم والسنة المطهرة وسيرة الصالحين ومع ذلك تكون تصرفاتهم غير سوية، ويرتكبون المنكرات كثيرا، بل ربما حاد بعضهم عن شريعة الله وسلك طريق الشر، فهل هذا بسبب تربيتي؟؟؟
في مثل هذه الحالات تكن الأمور متداخلة وليس شرطا أن يكون بعده عن طريق الله والخلق القويم ناتج عن تربية الآباء، وربما يكون ناتج عن بعض الأخطاء في التربية رغم حرص الوالدين عليها.
فلو نظرنا إلى سيدنا آدم عليه السلام فقد حرص حرصا شديدا على تربية أبنائه تربية صالحة ومع ذلك خرج قابيل كافرا بل قتل أخاه هابيل من أجل نفسه.
كما لو نظرنا إلى سيدنا نوح عليه السلام فقد ظل وسط أبنائه وقومه ما يقرب من ألف عام ومع ذلك حاد ابنه عن طريق الحق فأصبح من المغرقين، حتى حينما جاءت الاستغاثة الأبوية {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} كان الرد الرباني عليه: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} (هود: 46)، حيث بذل نوح عليه السلام كل وسائل التربية لكن لم يسلم ولده، لكن أسلم معه ثلاثة من أبنائه آخرين واستجابوا لتربية والدهم.
ولذا فلا يجب أن يحمل الآباء أنفسهم فوق طاقتهم من الحزن أو الألم إذا حاد أحد أبنائهم خاصة إذا لم يقصروا معهم في كل صنوف التربية الإيمانية، وظلوا يدعون الله لهم لعل الله يستجيب لدعائهم فالدعاء يغير القدر أحيانا.
لا أقول هذا الكلام ليكون مدعاة للدعة وركون الوالدين إلى هذه الأمور فالأصل أن التربية هي حجر الزاوية في صلاح الأبناء، فلو أحسن الآباء تربية أبنائهم منذ أن كانوا أجنة في بطون أمهاتهم – بل قبل أن يختار الأب زوجته أيضا – يكون المردود صالحا على الأبناء على الرغم من صعوبة ما يواجهونه في حياتهم من محن وفتن، لكني كتبت ذلك حتى لا يصاب الوالدان بالإحباط والضيق وليتذكروا أن أنبياء حرصوا على تربية أبنائهم ولم تأت بالنتيجة المرجوة.
يقول الدكتور إيهاب عيد – أستاذ الصحة العامة بجامعة عين شمس - يولد الطفل كالصفحة البيضاء لا يدري من أمور الدنيا شيئا ولا يملك في لحظات عمره الأولى سوى القدرة على الصراخ والبحث عن الحنان، بينما يبدأ الأبوان رحلة التربية وكلنا آمال عريضة أن ننشئ أطفالا أصحاء جسديا ونفسيا، ولكن مع الأسف كثيرا ما نخطئ خلال هذه الرحلة الصعبة، بسبب الجهل أحيانا وبسبب اليأس أحيانا أخرى، ونرفع سريعا الراية البيضاء متهمين الطفل البريء بعيوب في طباعه لا يمكن تغييرها.
ويضيف: هناك عوامل جينية يرثها الطفل من الأبوين وتولد معه وتتحكم في طباعه، ويمكننا بشكل احتمالي أن نقول إنها لا تمثل أكثر من 40% من مجمل سلوكياته، وهذه رغم ذلك يمكن ترويضها وتهذيبها أما باقي الـ 60% فهي سلوكيات يكتسبها الطفل من البيئة المحيطة به، وعلى رأسها الأبوان، وبالتالي نصل لنقطة مهمة، وهى أن جميع سلوكيات الإنسان تعتمد بشكل أساسي على طريقة تربيته وتنشئته.
طريق التربية الشاق
مهما كان عمر الطفل يجب أن يكون هناك قواعد ثابتة لجميع من في المنزل، يلتزم بها الآباء قبل أبنائهم، يتحملون نتائجها وإلا لن يتحمل أطفالهم ذلك بدورهم.
تقول الدكتورة "مريم رفعت": لمعرفة أنسب طريقة لتربية الأولاد يجب أن نعرف سمات المرحلة العمرية، كما أنه من المهم أن تخبر الأطفال ما هو الشيء الصحيح الذي يجب عليهم القيام به، وليس فقط أن تخبرهم ما الخطأ الذي يفعلونه.
وأفضل طريقة لتربية طفلي هي تجنب استخدام خبرتي الشخصية وما نشأت عليه، ومحاولة القراءة عن الأطفال، وسمات كل مرحلة عمرية، ومحاولة التعلم أكثر فأكثر عن التربية السليمة ونفسية الأطفال. وبالتأكيد التعامل بهدوء دائمًا.
فكل أبوين يتمنيان أن يحافظ أبناؤهما على الصلاة وتكون علاقتهم بالله ورسوله قوية وأن ينجحوا في تربية أبنائهما إيمانيا، ولذا – كما يذكر الدكتور جاسم المطوع - لابد من:
-
اختيار الزوجة الصالحة المتدينة التي تعرف حقوق الله عليها وعلى زوجها وأبنائها
-
إكثار سماع القرآن للأم وهى حامل في جنينها فلها رسائل إيجابية على عقل وقلب الطفل.
-
في المراحل الأولى من عمره إكثار الذكر وتلاوة القرآن بجواره حتى ولو في فترة لعبه يجب أن نسمعها القرآن، ونحرص على أداء الصلوات بجانبه كي يرانا، مع تحصينه بالأذكار.
-
من عمر سنتين إلى ست سنوات وهي أهم مرحلة وتسمى مرحلة التقليد فنركز على حفظ القرآن والأناشيد والأدعية ونحببه بالله ورسوله من خلال ذكر القصص أثناء الطعام أو قبل النوم.
-
بعد هذه المرحلة نعرفه كيف يعبد الله وكيف يحبه، وأن كل شيء في هذا الكون هو لله، وأن جميع العبادات هي أوامر من الله يجب تنفيذها
-
في مرحلة البلوغ وارتباطهم بالأصدقاء نحاول أن نراقب صداقاتهم، ونحثهم على صحبة الصالحين ومصاحبة المصحف وأهله، ونشركهم في إخراج الزكاة ونذكرهم بالأخلاق الاجتماعية كبر الوالدين وصلة الأرحام واحترام الكبير والعطف على الصغير ونشرح لهم معاني أسماء الله تعالى.
-
ما بعد البلوغ يجب أن يستمر اللين مع التأكيد على أهمية طاعة الله سبحانه، وتربيته على الإيمان بالقضاء والقدر واللجوء إلى الله في كل أموره: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام162).
.