من منا لا يتمنى أن ينشأ أبناؤه على التنشئة الأخلاقية العظيمة التي توجد أعظم الرجال، وأروع النماذج التي تتقي الله وتفلح في دنياها وآخرتها.. ولكن من أين تأتي هذه التربية؟ وكيف نصل لتلك المرحلة من التقوى ومحاسبة النفس؟ وكيف أربي أبنائي على حب الحلال وكراهية الحرام؟
وفي هذه الدراسة، ترى د. آندي حجازي، إنها قضية تربية وتعليم ينشأ عليها الطفل منذ الصغر منذ نعومة أظفاره، بل وقبل ذلك من لحظة اختيار شريكة الحياة وشريك العمر، فاختيار الزوجة الصالحة ليس فقط الخطوة الأولى على الطريق، بل هو معين في كل لحظات الحياة، لأن تقوى الله والعمل على التمسك بالحلال والابتعاد عن الحرام يحتاج إلى عون وتعاون من كلا الطرفين: الأم والأب معا، وبشراكة حقيقة بينهما في المبادئ والأفكار والرؤى والطموحات التي يتمنون تنشئة أبنائهما عليها!
عقد اتفاق
وكخطوة ثانية بعد حسن الاختيار يأتي الاتفاق بين الزوجين على تربية الأبناء على مبدأ راقٍ وهو اتباع الحلال والبعد عن الحرام، مهما كانت الظروف وضغوط الحياة، فعلى سبيل المثال لا الحصر يكون من تلك المبادئ الاتفاق على كراهية الكذب، وأنه ممنوع في حياتنا الأسرية مهما كانت الأسباب، فأربي أبنائي على مبدأ قول الحق وعدم الخوف من النتائج أبدا، والتوكل على الله تعالى فهو كفيل بعوننا على النجاة إن اتقينا الله، فتعليم الأبناء أن الصدق أنجى مرتين: مرة في الدنيا، ومرة في الآخرة، فإن كان هذا المبدأ طلبا لرضى الله تعالى فإن الطفل سيتعود قول الحقيقة، ولن يكذب أبدا.
وأحاول أن أزرع بأبنائي محبة الله، والتقوى منه تعالى، لأنها المعين على طلب الحلال والبعد عن الحرام، فلا يقبل أخذ شيء لا يحق له وليس ماله وإن وجده في الطريق، ولا يأكل طعاما لا يحل له، ولا يسرق شيئا ليس له، ولا يشرب خمرا أو مخدرا.. فلا يجوز أن تترك قضية تربية الأبناء على مبادئ الحلال والحرام على عاتق المدرسة والرفاق ووسائل الإعلام وحدها، حيث الأهل هم الأولى في تربية الأبناء والمتابعة والحرص على التنشئة السليمة لهم على تقوى الله تعالى، ولكن ما نلحظه في هذه الأيام هو غفلة الوالدين عن الاهتمام بتنشئة الأبناء على ذلك، حيث لم تعد هي همهم الأكبر، على الرغم من كونها الطريق الموصل إلى الجنة، والبعد عن النار.
استخدام وسائل الإقناع، وتعزيز مبدأي الثواب والعقاب
تعليم الأبناء حب الحلال (كالتحدث فيما يرضي الله تعالى، والعمل الحلال، ورضا الوالدين...) والابتعاد عن الحرام (كغيبة الناس وذكر ما يكرهون، أو الإساءة إليهم ولو بكلمة جارحة، والسرقة، والاحتيال، والكذب، وترك اللباس الشرعي للنساء، عقوق الوالدين...) يحتاج إلى وسائل في التربية والإقناع كتذكير الأبناء بأن لكل شخص ملكين يسجلان ما يقول وما يفعل: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (سورة ق: 18). فلم لا يكون كلامنا ذكرا وشكرا وخيرا وعونا وإبداعا وإسعادا للنفس وللآخرين، بدلًا من أن يكون كلام سوء وشر وإيذاء؟
وأستخدم مع أبنائي معززات مادية ومعنوية يحبونها كلما تلفظوا بكلمات يحبها الله تعالى، أو مارسوا شيئا من ذكر الله تعالى كالاستغفار والتسبيح ويمكن معاقبتهم أو حرمانهم من بعض ما يحبون إن تلفظوا بما حرم الله تعالى أو ارتكبوا المحرمات، حتى ينمو لديهم الوازع النفسي الذاتي شيئا فشيئا. كما وأربي أبنائي على أن من ترك شيئا في سبيل الله عوضه الله شيئا خيرا منه.. فإن ترك على سبيل المثال (القول الفاحش البذئ أو الكذب أو الغيبة أو الغش...) من أجل رضا الله تعالى، فإن الله سوف يعوضه بإيمان يجد حلاوته بقلبه، ويعوضه بخير يراه في الدنيا قبل الآخرة.. فإن تربى الأبناء على ذلك لن يقلق الآباء عليهم أينما حلوا أو ارتحلوا.
دوائر الحلال
ومن رحمة الله بعباده أن جعل دائرة الحلال كبيرة، ودائرة الحرام ضيقة قليلة، فمثلا: أحل الله جميع المال ما عدا مال الربا أو مال الرشوة أو مال السرقة، وجميعها إما بها إيذاء للآخرين، أو إيذاء للنفس كالضغوط المالية تقع على الشخص.. وحلل الله جميع أنواع اللحوم إلا لحم الخنزير، والذي ثبتت مضاره الكثيرة على صحة الإنسان، لما يحمله دمه من مخاطر وكم هائل من الجراثيم. وكذلك أحل الله جميع المشروبات وحرم فقط الخمر، وأحل الله جميع المأكوت إلا ما به مضرة للإنسان، وأحل الله الكلام إلا ما كان به غيبة أو نميمة أو كذب أو قذف للمحصنات، فهل يكب الناس على وجهوههم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم؟! كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه.
ومن هنا أعلم أبنائي أن هذه قاعدة في الحياة، وهي أن الله تعالى لم يحرم شيئا إلا رحمة ببني البشر، وحفاظا على صحتهم أو مالهم أو حياتهم. فمثلا حرم القتل لما به إيذاء للآخرين. وهدر لأرواح البشر وإلا لكثرت حالات القتل ولفقدنا الكثير من الأرواح وعليه أحاول أن أبعد أبنائي عن المسببات لذلك، والتي منها استمرار مشاهدة الأفلام الغربية التي تحث على العنف. والتي تمتلئ بقصص جرائم القتل. لأنها تجعل الأبناء مع مضي الوقت يعتقدون أن هذا الشيء بسيط مباح لا مشكلة به، وقد يفكرون على الإقدام عليه، بينما هو محرم في ديننا الإسلامي.
وعلى الوالدين تقع مسؤولية تنشئة الأبناء على طاعة الله كغض البصر عن المحرمات كالنظر إلى النساء اللواتي لا يحللن للشخص: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ (النور: آية 30). فهذا الأمر بغض البصر هو من فضل الله على الإنسان حتى يبعده عن الوقوع في الحرام حيث النظرة سهم من سهام إبليس، وما ينفذ للعين ينفذ للقلب.. فعلينا تعليم الأبناء أن هذا الأمر الإلهي جاء لينقذ الإنسان من الوصول إلى تبعاته المحرمة التي قد توقع فيما حرم الله.
.