Business

أثر التوجيهات الإسلامية على تربية النشء وتعليمه

العقلاء الراغبون في إصلاح شأن النشء يلحون على البحث عن أسباب انحرافه، ومعاناته من الاضطراب النفسي والإحباط، على الرغم من انتشار التعليم وتقدم وسائل تحصيله، حيث إن علماء التربية وعلماء النفس اهتموا بإحداث نظريات بيداغوجية وابيستيمولوجية، يستعان بها فى عملية التعليم والتعلم والتربية النفسية لا الروحية، كما أن معظم الآباء أصبح الهم الذي يؤرقهم هو تعليم أبنائهم، بقصد تأهيلهم لإحراز مكانة لهم داخل مجتمعهم، وليظفروا بمنصب فى عملهم، على المستوي المادي، وتحقيق مكانة اجتماعية محترمة على المستوى المعنوي.

وفي هذه الدراسة، يرصد الباحث أبو جمعة جيمي، أن التربية الإسلامية تتبع مراحل تربية النشء، فتهئ للجنين أبوين تفرض فيهما أن يكونا مؤمنين صالحين، بحيث يتم البدء من اختيار الرجل الصالح الراغب في الزواج لزوجة صالحة، يقول النبي صلي الله عليه وسلم  (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه، فزوجوه)، سنن ابن ماجه. ويقول صلي الله عليه وسلم (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وهذا الاختيار له دلالته على مستوى تربية النشء، حيث يعول على أخلاق الوالدين وسلوكهما فى الوسط الذي يتربي فيه الطفل، الذي يتأثر بكل ما يجري داخل البيت منذ ولادته، كما ثبت علميًا.

فإذا كان الوسط تمارس فيه شعائر الدين الإسلامي، وتطغى الأخلاق الفاضلة على المعاملات فيه، فإن التنشئة ستكون سليمة وطيبة، لهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم (من بلي من هذه البنات شيئًا، فأحسن اليهن، كن له سترًا من النار) والهدف من هذا الاهتمام والاستيصاء بالنساء خيرًا هو أن تصبح البنت أم المستقبل المؤهلة لتربية النشء، بحيث تتوافر فيها شروط المرأة الحاضنة لتربي المحضون تربية سوية تمكن الطفل من التعامل مع الغير تعاملًا توجهه الأخلاق الإسلامية من احترام الغير والاستحياء من الله ومن الناس، لأن فقدان هذه المرتكزات داخل الوسط الأسري، وحرمان الطفل من التعود على تمثلها والعمل بها يسبب له الفشل في التعامل مع الآخرين، ومن ثم يبدأ الانحراف والانزلاق نحو ما يعود بالشر على النشء وعلى مجتمعه.

 

تعويد الطفل استماع القرآن

 إن تعويد الطفل الاستماع للقرآن الكريم فى البيت وتلاوته، يحقق أهدافًا تربوية وتعليمية، يقول عنها أحد الباحثين (وأبناؤنا فى مختلف أعمارهم هم أحوج مايكونون إلى تربية دينية وثقافية لغوية تعين على فهم القرآن وتدبر معانيه، والوقوف على مبانيه اللغوية، والعمل بما جاء فيها، بما يرضي الله ورسوله، ولعل الفتيان وبراعم الإيمان عندما يقبلون على قراءة القرآن وسماعه من أفواه المشايخ، يخرجون بجملة من الفوائد والمنافع التى تعود عليهم بالخير العميم، فبالإضافة إلى الأهداف التربوية التى تحققها قراءة القرآن الكريم وفهم معانيه، فإنها تساعد على تطويع أعضاء النطق على تحديد المخارج الصوتية التى تتناسب مع هذا الصوت أو ذاك، كما تزيد من الرصيد اللغوي، وقد أثبتت إحدى أدوات البحوث الميدانية لدى كثير من التربويين (أن الفتيان ممن كانوا يقرأون القرآن على شيوخهم هم الأصح ألسنة والأصوب نطقا، والأقدر على قراءة مختلف النصوص التى تعرض عليهم بطلاقة ويسر ممن لم ينهلوا شيئًا من لغة القرآن فى صغرهم، ولم يتربوا عليها التربية الصحيحة).

 

التربية الإسلامية وبر الوالدين

وفى هذا الإطار التربوي فرض الإسلام طاعة الوالدين، والبر بهما، لأن عقوقهما يعمق سوء التفاهم بينهما وبين أبنائهما الذين يجنحون إلى الانحراف، فإذا توفي الوالد مثلًا فإنهم ينتقمون من الأسرة، فيعمدون إلى تبديد ثروته إن تركها، فينزلقون إلى ما هو أسوأ، ويقول النبي صلي الله عليه وسلم (مروا أولادكم بالصلاة، وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم فى المضاجع)، فلا ينبغي أن يفهم من الضرب هنا أنه ضرب عنيف، وإنما هو أسلوب تربوي تقويمي لين، لا يسبب ألمًا شديدًا للطفل، ولا يثير في نفسه الغضب والكراهية.

 

الإسلام والتربية الجنسية

كما أن التربية الإسلامية راعت الغريزة الجنسية عند الطفل، على الرغم من عدم بلوغه سن الرشد، لذلك أمرت بالتفريق بين الأطفال فى المضاجع، وهو علاج مهم يوقف جماح الغريزة الجنسية التى تهيج فتسبب وقائع خطيرة، كما أن النبي صلي الله عليه وسلم يقول (علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف)، السنن الكبرى للبيهقي. فالتربية الإسلامية إذن تراعي مشاعر الطفل وردود أفعاله النفسية، لذلك اختارت الأسلوب التوجيهي الذي يوفق بين الصرامة المعتدلة والليونة، كما أنها تغرس فى نفسه الشعور بالعزة والكرامة المستمدين من قوله تعالى: {ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون: 8).

 

التربية السليمة والعلم

وقد قرن الإسلام بين التربية السليمة والعلم، وبين العلم والعمل، لأن التربية المجردة من العلم النافع، الخالية من الأخلاق الفاضلة، تلقى بالنشء فى مستنقع الانحراف والمهالك، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كنت خلف النبي صلي الله عليه وسلم يوما فقال: (ياغلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تُجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

 

الايمان بالله

 إن أول ما يغرس فى قلب النشء وعقله هو الإيمان بالله عز وجل وبرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وبما أمر أن نؤمن به، وهو القاعدة الصحيحة الصلبة التى نبنى عليها التربية والتعليم، فشعور النشء بمراقبة الله عز وجل له فى كل وقت وحين، والتوكل عليه، ويقينه بأن النفع والضرر من الله تعالي وحده، يبعث في نفسه المؤمنة العزيمة القوية، والمهمة العالية، اللتين يعول عليهما في تكوين إنسان صالح نافع لنفسه ولأمته وللإنسانية.

 فالطفل – كما يقول أحد الباحثين- يعمل فى التربية ويصغي ويتلقي في التعليم ليكتسب المعرفة والمهارة، فالمدرس يطلب منه أن يكون مربيًا لا معلمًا، إلا أن التربية الإسلامية لاتكتفي بتنشئة الطفل على معرفة ما هو حرام وما هو حلال، وما هو طيب وما هو خبيث، ولكنها تعمل على إطلاع النشء، علي سبب الحرمة وسبب الخبث، لترسخ فى ذهنه الأضرار والأخطار الناجمة عنهما، وهو ما يسمي بالتربية السلبية لأن الاكتفاء بإطلاعهم على ما هو محرم وخبيث دون بسط القول فيما يجر لمرتكبه من  أخطار وأضرار جسمية وعقلية وروحية، تسقطه في المهالك دنيا وأخرى لا يؤتي أكله، بل أحيانًا يدفعهم الفضول إلى إتيان ذلك المحرم والخبيث لمعرفة سبب التحذير من الإقدام عليه، لكن إذا أطلعه المربي على أضراره ومخاطره وعواقبه الوخيمة، فإنه إن كان عاقلًا سويًا سيستغرب إلقاء المقدم عليه نفسه فى التهلكة.

إذن فلابد أن تربى أجيالنا على التأثر بالتوجيهات الإسلامية فى المجال التربوي والتعليمي، مع تهيئة وسط سليم تتعاون فيه السلطة مع الأسرة والمعلمين المربين، وكل من له قدرة على التأثير في عقل الطفل ونفسيته، كي تسود فيه روح الإسلام وتعاليمه.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم