الهجرة

من ثمار الهجرة

  • تأسيس دولة الإسلام:
دولة الإسلام لابد لها من أرض تستقر فيها، ومن إمام قائد مسدد قدوة قادر حكيم عليهم مطاع، وهو هنا رسول الله المبعوث بوحيه الماضي بأمره، الشهيد على أمته، الحامل المؤدي أمانته ورسالته، أما من بعده فهو كل من فقه دينه، واعتنق يقينه وجاهد نفسه للتحقيق به، والدعوة إليه على هدى من الله وقرآنه وبصيرة من سنة رسول وأحكام شريعته.
ولابد لدولة الإسلام من مؤمنين صادقين سراة سادة ناصرين وزعماء حكماء قادرين وشعب ملب مستجيب. ولا بد في دولة الإسلام من تجرد لله وإخلاص واع، وعمل دؤوب لربط القلوب بالقلوب فلا تنازع ولا تصارع إلا في الحق ولنصر الحق، وتنافس على خيرات الدارين، أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، واعتصاما بحبل الله وتعاونا على البر والتقوى.
ولابد من شد العضد بأخيه واعتماد الحكومة على الشعب وثقة الشعب بالحكومة في تصارح وتناصح وتكامل وتبادل وتلاؤم وتداعم في إرساء الأسس الراسخة والمضي السوي في تطهير الساحة، وحرص فعال على الإشارة والإجادة حتى تتأكد لدولة الإسلام صدارتها في العالم انبثاقا من جدارتها، وحتى تقوم الحضارة الإسلامية وتدوم زاخرة بالخير، إيجابية العطاء ملبية لمتطلبات العصر الصالحة، تملأ فراغ الحاضر، وترد خطأ المستقبل وتسعد الإنسان كل إنسان في كل زمان ومكان.
هكذا قامت ودامت دولة الإسلام المدنية الأولى في حكم بشري على هدي الدين السماوي الأوحد "الإسلام"، الدستور العالم الذي سواه الله وارتضاه، ولا يقبل لعباده وبلاده دينا ودستورا سواه.
وبعد.. فهذا فيض عابر، من فيوض الهجرة التي لا يمكن أن يحيط بأمجادها حديث عجلان، وفي ظروف إنسان شنته الظروف يكتب مرتجلا ليسافر مستعجلا جسمه موزع بين المشارق والمغارب، وقلبه معلق بمهابط الوحي يتمنى لو أنه أقام فيها عمره، يحمل ولو من بعيد هم وطنه البديد، باذلا جهده المستطاع لإعلاء كلمة الله وخدمة دينه وأمته، يسأله عافيته وتسديده ورضاه إلى أن يلقاه.
 
  • الهجرة كانطلاقة حضارية:
التاريخ البشري هو التعبير الحي الصادق عن إرادة الله العليا التي تهدف إلى تحقيق وتكوين كيان إنساني متنام، يسعى سعيا حثيثا نحو الارتقاء الأمثل الذي يحقق عمليا إرادة الله، والتاريخ الإسلامي على وجه الخصوص ومن هذا المنطلق يعتبر الصورة الحية النابضة، التي جسدت هذه القيمة العليا، والهجرة المحمدية على صاحبها أفضل صلاة وأزكى السلام في يوم هجرته، هي التعامل الحيوي والبوتقة التي انصهرت فيها التأييدات الربانية بعد التحامها مع الإرادة البشرية السوية، في إطار متناغم من أجل تحقيق مبادئ إنسانية مثالية.. بعد اعتماد الأسباب في صنع حركة التاريخ. ألا وهي بناء وصياغة الإنسان المسلم على هدي الله ومراده، لكي تحقق بفعالية الهدف الأسمى من خلقه وأعنى به تحقيق الخلافة (الحضارية إذا صح التعبير) عن الله في أرضه ونشر العمران فيها.
وعندما نأتي إلى القضية التي نريد الكتابة فيها ألا وهي كون الهجرة انطلاقة حضارية علينا أولا أن نحدد ماذا نقصد بالانطلاقة الحضارية؟
بداية، نقول إن الانطلاقة الحضارية تعني وفق التنظير الحضاري التحليلي أن الهجرة كحركة تاريخية ترتب عليها وجود كيان إرهاصي للحضارة الإسلامية وكان رائدها الأول هو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، الذي قاد حركة الهجرة وفق ناموس كوني صارم ساعده على تحقيق أهدافه بصورة دقيقة، لا تزال هي المثل الأعلى لكل إنسان مسلم بل للأمة الإسلامية الحائرة في هذا العصر، والذي لا تدري فيه أي شيء تأخذ وأي شيء تدع، وهل تعود إلى دينها الصافي أم أن ترتمي في أحضان العصر وخصوصا سلبيات هذا العصر.
 
  • فرض الهيمنة الإسلامية:
وثالث انطلاقة حضارية هي تلك الانطلاقة نحو فرض الهيمنة الإسلامية والاعتراف بها كوجود فعلي وحركي في المدينة المنورة التي أصبحت دار الهجرة وذلك من خلال إبرام وصياغة الصحيفة التي نظمت أبعاد العلاقة بين العناصر البشرية، التي كانت تقطن المدينة، وخاصة اليهود والمسلمين، ولأول مرة يتعرف اليهود بالمسلمين كقوة بشرية ناهضة ولها حسابها وهذه الصحيفة التي قننت آفاق العلاقة بين اليهود والمسلمين كانت انطلاقة حضارية، من انطلاقات الهجرة إذ ترتب عليها أن أصبح المسلمون يعيشون في المدينة كقوة لها بأسها وتستطيع بعد ذلك أن تنطلق نحو مجالات شتى ويقف على رأس هذه المجالات تأديب قريش وردعها ليس حبا في الانتقام، ولكن ردا للاعتبارات التي انتهكت وجعلت المسلمين يهاجرون إلى المدينة.
ويأتي على قمة هذه الانطلاقات الحضارية، تلك الوثبة العملاقة التي وثبتها الأمة الإسلامية بعد الهجرة، من خلال تلك المعارك الحاسمة التي خاضها المسلمون ضد أعدائهم، وانتصروا فيها بفضل القيادة الواعية لسيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، والإيمان الجازم بالنصر كل هذا ما كان له أن يكون واقعا حيا لولا حركة الهجرة.
 
 
.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم