Business

كيف نستعيد دور المسجد في تربية الأبناء؟

أوَّل عمل بدأ به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عند نزوله المدينة لبناء المجتمع هو بناء المسجد، وبعدها شرع تدريجيَّا في تبليغ رسالته التي تكوِّن المجتمع وتربِّيه، وسنرى دور المسجد في تربية المسلم في مرحلة عمره الأولى وهو طفل؛ ليتبيَّن لنا أهمِّية تعليم الأطفال رسالةَ المسجد. 

وفي هذه الدراسة، ترى د. وسيلة حماموش، أن الأسرة المسلمة هي اللَّبنة الأولى في بناء المجتمع، فلا بدَّ من تكوينها التَّكوين السَّليم والسَّديد، لذلك على المسلم أن يختار البيئة المناسبة ليترعرع أفرادها وينشؤوا فيها، وأبرز من يحتاج إلى اهتمام وتوفير البيئة المناسبة له هم الأولاد، ليتربَّوْا التَّربية الصَّحيحة وينشؤوا النَّشأة الصَّالحة.

 

وجوب تعريف الآباء والأمَّهات الأبناء فضل وآداب وأخلاق المسجد

على الوليِّ أن يعمل على ربط أولاده ببيوت الله –عزَّ وجلَّ- ليتربَّوا في رحابها، فتُهَذَّب أرواحهم وتثقَّف عقولهم وتَزْكُوَ نفوسُهم، ولكي يرغِّبهم في ذلك عليه أن يبيِّن لهم فضائل المسجد ودوره، وأنَّ هذا الأمر –أي دور المسجد- أصبح من الأمور المهملة في زماننا ممَّا جعل المسجد يفقد دوره ومكانته في تربية الأجيال، فلا تكاد تجد مسجدًا قائمًا على ما يجب أن يقوم عليه إلّا ما شاء الله، فأدَّى ذلك إلى انصراف الكثير من النَّاشئة عنه إلى أماكن اللهو والفساد.

 

فضائل المسجد

إذا علمت أيُّها الوليُّ المسلم –رحمني الله وإيَّاك- تاريخ وأمجاد السَّلف في تربية ناشئتهم ورعايتهم على فعل الخيرات والتَّعوُّد عليها، عليك أن تعرف طرق ووسائل تشحذ بها همَّة ولدك لتدفعه إلى خير البقاع وهي المساجد، وليعرف قيمة المكان ويولي له الاهتمام ويتحلَّى بالآداب ويرتبط به قلبُه لينشأَ على الخير ويبتعد عن الشَّرِّ، فما عليك إلا أن تنقل له –بأسلوب مُيسَّر يفهمه –تلك الجملة الطيبة من فضائل المسجد منتقاة من سنة خير البرية تغذي بها فكر فلذة كبدك وتعظه بها الفترة بعد الأخرى لتكون له ذكرى بنتفع بها ويغذي بها همته ويقوي عزيمته ليقبل على بيوت الله.

 

حقيقة المسجد ودوره

المسجد هو مرجع المسلم ومتقلَّبه، فهو الَّذي يغذِّي الإسلام في نفسه لما يتردَّد عليه خمس مرَّات في اليوم واللَّيلة وبما يسمعه فيه من قرآن وخطب ودروس، وهو الّذي يكوِّنه ويوجِّهه بما يصبغه به من ألوان ثابتة، وبما يفيض عليه من روحانيَّة قويَّة، وبما يغشي في جوانبه من فضائل أصيلة، وبما يشبع دخائله من أنوار وهَّاجة وبما يغرسه فيه من آمال شريفة، وبما يطبعه عليه من أخلاق، وبما يخطُّه من سبل للسَّعادة، وبما يركِّبه فيه من استعداد للعزَّة والسِّيادة.

فليحرص الأب منَّا إذًا على أن يقيم جسرًا قويًّا بين أبنائه وبين المسجد وبخاصَّة في هذا الزَّمان الذي أضحى فيه الشَّر عنوان الحضارة وأُسَّ المدنية والوشيجة الواصلة بين الإنسان وبين طموحاته وآماله.

 

المسجد والصَّلاة

بعد أن يعرِّف الأب ابنه بحقيقةِ المسجد وفضائله يشحذ الهمَّة ويعقد العزم لأمر ابنه بالصَّلاة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: «مُرٌوا الصَّبيَّ بالصَّلاَةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنينَ، وَإِذَا بَلَغَ عَشرَ سِنينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا».

وإذا كان الأمر بالصَّلاة للصِّبيان واجبًا فإنَّ تأديبهم وتعليمهم أحكامّ الصَّلاة أمر لا بدَّ منه بالضَّرورة من طهارة وستر عورة وأدائها في المسجد،

وقد ترجم البخاري في (صحيحه) بابًا بقوله: (باب وضوء الصِّبيان ومتى يجب عليهم الغسل والطُّهور وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم)،

وقال ابن حجر في (الفتح) في شرح حديث أنس رضي الله عنه لَمَّا صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم: «فيه تنظيف مكان المصلِّي وقيام الصَّبيِّ مع الرَّجل صفًا وتأخير النِّساء عن صفوف الرِّجال وقيام المرأة صفًّا وحدها إذا لم يكن معها امرأة غيرها»، بل يشرع للصَّبيِّ حتَّى الإمامة، وهذا يدلُّنا على اهتمام الإسلام بتربية النَّشء على الصَّلاح والخير.

 

المسجد والتَّعليم

المسجد والتعليم صنوان في الإسلام من يوم ظهوره، فما بنى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم استقرَّ في دار الإسلام بيته حتَّى بنى المسجد، ولما بنى المسجد كان يقيم الصَّلاة فيه ويجلس لتعليم أصحابه، فارتباط المسجد بالتَّعليم كارتباطه بالصَّلاة، فكما لا مسجد بدون صلاة، كذلك لا مسجد بدون تعليم، وحاجة الإسلام إليه كحاجته إلى الصَّلاة، فلا إسلام بدون تعليم، ولهذه الحاجة مضى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على عمارة المسجد بهما، فما انقطع عمره كلّه عن الصَّلاة وعن التَّعليم في مسجده حتَّى في مرضه الذي توفي فيه.

وهذا هو التَّوجيه الذي يجب على أولياء الأمور أن يبنوا عليه أفكار أبنائهم إذ أنَّ نظرتهم اليوم للطِّفل لا تعدو أن تكون نظرة مبنيَّة على الطَّيش واللهو واللعب تاركين إيَّاه على ذلك الحال. وإنَّ من له اطلاع على سيرة السَّلف وأطفالهم يرى العجب في مراعاتهم بربطهم بالمسجد والعلم وعنايتهم بذلك عناية شديدة ولفتهم إلى أسبابه، وأقواها التَّلقِّي والاجتماع عليه، والمداومة.

وهذه نصيحة ثمينة من الإمام ابن باديس رحمه الله في الحرص على تلقِّي العلم في المساجد وتربية الأبناء على ذلك فقال: «إذا كانت المساجد معمورة بدروس العلم، فإنَّ العامِّة الَّتي تنتاب تلك المساجد تكون من العلم على حظٍّ وافر، وتتكوَّن منها طبقة مثقَّفة الفكر، صحيحة العقيدة، بصيرة بالدِّين، فتكمل هي في نفوسها ولا تهمل- وقد عرفت العلم وذاقت حلاوته – تعليم أبنائهم، وهكذا ينتشر العلم في الأمَّة ويكثر طلَّابه من أبنائها».

 

وجوب تعليم الطفل آداب المسجد

وذلك لأنَّ الحياة في المسجد لا تكمل إلاَّ مع حرص أولياء الأمور بتربية أبنائهم ورعايتهم وتنبيههم وتعليمهم الآداب والأخلاق التي يجب التَّحلِّي بها في بيوت الله تعالى لتصان وترفع عن كلِّ عبث وتبثّ رسالتها على أكمل صورة.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم