لا شك أن من طرائق اكتساب القوة البدنية، مزاولة بعض الرياضيات النافعة، كالرماية، والسباحة، والمصارعة، والعدو، وغيرها.. فهذه ألوان من الرياضة النزيهة كانت معروفة من أيام الجاهلية، فلما جاء الإسلام أقرها، بل رغب المسلمين في مزاولتها أو مشاهدتها، لأنها تهيئ النفوس للإقبال على العبادات والواجبات الأخرى، إذ النفوس إذا كلّت من العمل ملّته، وإنما المحظور هو الواقع في بعض أنواع الرياضيات اليوم مما يشوبها من المخالفات الشرعية.
وفى دراسة للباحث: رشيد ناجي الحسن، بعنوان: «الرياضة في الإسلام أهميتها.. حكمها وضوابطها»، يرى أن الرياضة– وبخاصة كرة القدم– نافعة، إلا أنها تصير بلاء حين تنحرف عن طريقها المقبول، وتجعل الجماهير تترك الواجبات من أجلها، وتؤدي بهم إلى الضجيج والصياح والسب والتنابز والتعصب المقيت، مما يجر إلى خلافات عنيفة وخصومات هائجة بين المعارف والأصدقاء.
الرياضة
الرياضة لغة: مصدر رَاضَ، يقال: رَاضَ المُهر يروِّضُه رِيَاضًا ورياضة، فهو مَرُوض- أي جعله ذليلًا سلس القيادة، ورياضة البدن هي معالجته بألوان من الحركة لتهيئة أعضائه لأداء وظائفها بسهولة.
وقد عرف السعدي، رحمه الله، الرياضة بأجمل تعريف فقال: هي التمرن والتمرين على الأمور التي تنفع في العاجل والأجل، والتدريب على سلوك الوسائل النافعة التي تدرك بها المقاصد الجلية.
وقد أعطى الإسلام الرياضةَ عناية خاصة باعتبارها مظهرًا وسلوكًا لازمًا للإنسان منذ نشأته، حيث دعت آيات كثيرة من القرآن الكريم إلى تحصيل القوة البدنية وغير البدنية، فقال تعالى: {وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ} (الأنفال: 60)، كما امتن الله عز وجل على عبده الصالح (طالوت) الذي بعثه ملكًا على بني إسرائيل إذ وهبه مع العلم بنية جسمية قوية، فقال سبحانه: {وزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ والْجِسْمِ} (البقرة: 247)، وقد أثنى رسول الله ﷺ على المؤمن القوي فقال: «المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير»، والمقصود بالقوة هنا معناها الواسع وهي قوة الهمة والإرادة الشخصية، ومعها القوة الجسدية الضرورية للقيام بمتطلبات العبادة والجهاد، وقد كان ﷺ نفسه ذا جسم متكامل وقوي وضخم، فقد جاء في كتب السنة أنه ﷺ كان قوي البنية، عظيم الصدر، عريض المنكبين، ضخم العظام، قوي العضدين والذراعين، رحب الكفين والقدمين، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، ومن الطريف أن نلاحظ أن هذه الأجزاء من الجسم هي التي تقاس اليوم بدقة واهتمام في بطولات كمال الأجسام، فمن كان جسمه بهذه الأوصاف، كان صاحبها البطل.
ثم إن الملاحظ أن معظم العبادات التي شرعها الله في الإسلام تعد ضربًا من ضروب الرياضة البدنية، فالصلاة بحركاتها وسكناتها رياضة تحرك الأعضاء، وتحرر المفاصل، وتنشط الجسم، وفي الصوم الشرعي من أسباب حفظ الصحة، ورياضة البدن والنفس، ما لا يدفعه صحيح الفطرة، والحج أشبه ما يكون بدورة رياضية سنوية منظمة، فالطواف حول الكعبة، والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة، ثم الإفاضة منها إلى المشعر الحرام في مزدلفة، ومنها إلى مِنى- كل تلك ممارسات رياضية تنشد الجسم وتقويه، فوق أنها قربة إلى الله عز وجل، كما زاد ابن القيم، رحمه الله علاوة على ذلك: المشي في الحوائج، وإلي الإخوان، وقضاء حقوقهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، والمشي إلى المساجد للجُمعات والجماعات، وحركة الوضوء والاغتسال وغير ذلك.
كما حث ﷺ على رياضة الفروسية وهي القدرة على ركوب وترويض الجواد والتحكم في حركاته والقدرة على التجانس معه في وحدة متناسقة من الحركات، ففي الصحيحين أنه ﷺ سابق بين الخيل، بل وأعطى السابق منهم، أي كافأه، كما في مسند أحمد، وإنما شجع الإسلام على هذه الرياضة، ورفع من شأنها، لارتباطها بالجهاد في سبيل الله، وفي إعداد القوة والمنعة للدفاع عن الأمة والوطن.
وكذلك حث ﷺ على السباحة على الرغم من عدم وجود بِحار أو أنهار في مكة والمدينة أو حولهما، وهي رياضة تعتبر الأكثر نفعًا للجسم دون غيرها من الرياضات. لأنها تقوي الجملة العصبية، وتنمي العضلات، قال ﷺ: «كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل، فهو لغو ولهو، أو سهو، إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين (أي للرمي والتصويب) وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعلّمُه السباحة».
ومما حث عليه أيضا، المبارزة واللعب بالسيوف، حيث سمح ﷺ للأحباش أن يلعبوا بحرابهم في مسجده ﷺ، كما صح في الحديث.
ومن الرياضات التي مارسها ﷺ رياضة المشي، حتى إن أبا هريرة رضي الله عنه وصفه فقال: «ما رأيت أحدًا أسرع في مشيته من رسول الله ﷺ لكأنما تُطوي له الأرض، وكنا إذا مشينا نجهد أنفسها وإنه لغير مكترث.. وفي رواية وإنا لنجهد أنفسنا ولا يبدو عليه الجهد». وقد ذهب ﷺ من مكة إلى الطائف والتي تبعد حوالي (110) كم، ماشيًا على قدميه.
إذن فالرياضة في الإسلام موجهة نحو غاية، تهدف إلى القوة، وهي في نظر المشرع سبحانه وسيلة لتحقيق الصحة والقوة البدنية لأفراد الأمة، وذلك حتى تكون الأمة المحمدية مرهوبة الجانب، منيعة محمية عزيزة كريمة.
حكم الألعاب الرياضة في الإسلام
نرى أن من نظر في النصوص الجزئية للشريعة لا يجد في محكم القرآن الكريم، ولا في صحيح السنة النبوية، ما يحظر اللهو واللعب، إلا ما صاحَبه أمرٌ محرم شرعًا، أو أدى إلى مفسدة.
وقد نظر الإسلام على أنه إذا كان الغرض من الرياضة هو إعداد الجسم ليكون صالحًا لأداء فريضة الجهاد، قادرًا على إعلاء كلمة الله فالرياضة مطلوبة، ولذا ندب الإسلام إلى القيام بأنواع من اللعب لما فيها من فوائد، وإذا كان الغرض هو الترويح عن النفس ونحو ذلك، فالرياضة مباحة، وإذا اشتملت على محرم كتضييع الصلاة، أو كشف العورات أو اختلاط بالنساء، ونحو ذلك كانت حرامًا.
فمن اللعب المباح: المسابقة المشروعة على الأقدام والخيل ونحو ذلك. ويدخل تحت الألعاب المباحة أيضًا ألعاب القوى كالمشي والجري والقفز والوثب والرماية ورفع الأثقال وغيرها، وكذا الألعاب الكروية ككرة القدم والسلة ونحوهما؛ بشرط عدم الإسراف والمبالغة فيها، كما قال تعالى: (وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31). فالإسراف في المباح يجعله حرامًا، أو يقربه إلى دائرة الحرام.
ومن اللعب المستحب: المناضلة على السهام والرماح، والفروسية، والسباحة، وكل نافع في الحرب.
ومن المكروه: اللعب بالطير والحمام لأنه لا يليق بأصحاب المروءات، وربما يكون حرامًا، لما رواه أحمد وأبو داود أن النبي ﷺ رأي رجلًا يتبع حمامة، فقال: «شيطان يتبع شيطانة»، وكذا يلحق بالمكروه كل لهو غير نافع، لما فيه من تضييع الوقت والانشغال عن ذكر الله وعن الصلاة.
ومن اللعب المحرم: كل لعبة فيها قمار، وهو أن يغنم أحدهما، ويغرم الآخر، لأنه من الميسر- أي القمار- الذي أمر الله باجتنابه. ومن الألعاب المحرمة كذلك المصارعة الحرة والملاكمة، وتحريش الديكة على بعضها، ودفع المواشي إلى التناطح، ومصارعة الثيران ونحوها، وذلك لما تحدثه من أضرار في حياة الإنسان أو الحيوان، فإن لم يكن في الملاكمة أو المصارعة ضرر بأحد الطرفين كانت مباحة، وكذلك تباح إن كان فيها تعويد الإنسان على القوة والقتال والدفاع عن النفس، وقد صارع رسول الله ﷺ أحد المشركين وغلبه.
ومن الألعاب– بل كثير منها– ما يكون جائزًا، وقد يرتقي إلى الكراهة، أو إلى التحريم كالصيد، فالصيد لحاجة جائز، وأما الصيد الذي ليس فيه إلا اللهو واللعب فمكروه، أما إن كان فيه ظلم للناس بالعدوان على زرعهم وأموالهم، أو إسراف مبين فحرام. وقد حذر النبي ﷺ من العبث في الصيد فقال: «ما من إنسان يقتل عصفورًا فما فوقها بغير حقها إلا يسأله الله عنها. قيل: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: أن يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها ويرمي بها» وقال: «من قتل عصفورًا عبثا عج إلى الله يوم القيامة، يقول: يا رب، إن فلانا قتلني عبثًا ولم يقتلني منفعة» وعج: رفع صوته.
وأما الاحتراف: وهو ممارسة الشخص للرياضة باعتبارها حرفة، بصفة مستمرة ومنتظمة، على أن يكون العائد الذي يتحقق من هذا النشاط هو مصدر رزقه الأساسي.. فقد اختلفت أقوال العلماء المعاصرين فيه على ثلاثة أقوال: التحريم مطلقًا، الجواز مع الكراهة، الجواز بالشروط وبالضوابط.
فمن الضوابط: مراعاة المقاصد الحسنة (الشرعية) عند مزاولة الرياضة حتى يؤجر المرء في ذلك، لأن الأمور بمقاصدها، ولذا تعد الرياضة من الأمور التي يثاب عليها المسلم إذا استحضر نيته، يقول الإمام النووي رحمه الله: إن الأمر المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة، ويثاب عليه، وقد نبه النبي ﷺ إلى هذا بقوله: «حتى اللقمة تجعلها في فِيّ امرأتك صدقة».
ومنها: المحافظة على ستر العورات.
ومنها: ألا يترتب على إقامة المسابقات الرياضية موالاة أو معاداة بسبب تلك المسابقات، فإن الموالاة والمعاداة إنما تكون لله وفي الله فقط، قال تعالى: {والْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (التوبة: 71). قال القرطبي: أي قلوبهم متحدة في التواد والتحاب والتعاطف.
ومنها: عدم اشتمال الرياضة على خطر محقق أو غالب الظن، فإن كانت الرياضة خطرة، أو يغلب على الظن أنها خطرة، سواء أكان هذا الأذى والضرر يلحق باللاعب، أو يلحقه هو بغيره، فإنها ممنوعة، لأن مفهوم الرياضة يقوم على أساس التمرين دون إيذاء أو ضرر. وقد قال تعالى: {ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: 195). وقال ﷺ: «لا ضرر، ولا ضرار».
ومنها: وجوب الابتعاد عن الاختلاط في ممارسة الرياضة، فقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»
ومنها: البعد عن المكاسب المحرمة في الرياضة، خصوصًا وأن أكثر أنواع سباقات الخيل اليوم فيها قمار، ومراهنات ممنوعة.
ومنها: ألا يستخدمها إلا في طاعة الله، ومساعدة الآخرين، ونصرة الحق، ولذلك قال الله تعالى عن موسى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} (القصص: 17)، فهو عليه السلام يريد لما يمده الله به من نعم أن تكون مسخرة في الدفاع عن المظلومين ونصرة الحق، وليس آلة بيد الظالمين.
ومنها: عدم إيقاع الأذى المقصود بالمخلوقات من الناس أو الحيوانات، كاتخاذ الطيور أهدافًا للتدريب على الرماية، أو تعذيب الحيوان، أو التحريش بين الطيور والحيوانات بقصد اللهو كمصارعة الثيران.
ومنها: ممارسة الرياضة بالقدر المعتدل، فالإسراف في المباحات منهيّ عنه.
وأما عن حكم ممارسة المرأة للرياضة فلا بد لي من القول أولًا بأن المرأة أكثر احتياجًا للرياضة من الرجل، وذلك بحكم قلة حركتها وطبيعة عملها، ثم إن طبيعة الحياة الفسيولوجية عند المرأة والممثلة بالحمل والولادة وظروف ما بعد الحمل والدورة الشهرية، كل ذلك يجعلها بحاجة ماسة إلى الرياضة. ثم إن الملاحظ أن المرأة الرياضية الرشيقة، هي المفضلة اليوم عند الرجل على غيرها من صاحباتها. والمرأة أصلًا مأمورة بالمحافظة على نفسها وجسمها، من باب قوله ﷺ: «إذا نظر إليها سرته، وأن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وفي ماله».
وطالما أن الأصل عموم الأحكام الشرعية للرجال والنساء جميعًا، إلا ما قام الدليل على تخصيص الرجال أو النساء به، وأن الأصل في الرياضة الجواز، لذا يمكن القول بجواز ممارسة المرأة للرياضة، بل تكون مستحبة في بعض الأحيان، لكن بشروط وضوابط، وقد صح أن النبي ﷺ سابق زوجه عائشة، أكثر من مرة، بل إن النصوص الشرعية التي تحدثت عن فضل الإعداد بالقوة عامة لكل المسلمين، رجالًا ونساء، كل بحسبه، والمرأة شقيقة الرجل، تحتاج مثلهم إلى بناء جسمها، لتقوم بأداء واجباتها تجاه ربها، وأسرتها، ومجتمعها، وهي داخلة في عموم النصوص الشرعية المذكورة، وقد صح أن كثيرًا من النساء في العصر النبوي وغيره شاركن في الجهاد كنسيبة بنت كعب التي رمت بالنبل لحماية النبي ﷺ، وخولة بنت الأزور أيام معركة اليرموك التي طاردت شجعان الروم حتى سقط سيفها فقاتلت بعصي الخيمة وفكت أسر المسلمين، أو الخنساء يوم القادسية وغيرهن من نساء المسلمات ممن خدمن أزواجهن أيضًا داخل البيت وخارجه، كفاطمة رضي الله عنها، وأسماء بنت أبي بكر، التي كانت تحمل النوى من بساتين الزبير إلى علف حيواناته، وكانت تقوم على خيله.
ولا شك بأن الأولى والأفضل للمرأة أن تمارس الرياضة المناسبة لها في بيتها، أما إن احتاجت إلى ممارسة الرياضة خارج البيت فلا بد من مراعاة الضوابط الشرعية في ذلك، وقد ذكرت بعضا منها سابقًا، ويزيد النساء عليها بما يلي:
- أن يكون المكان الذي تمارس فيه المرأة الرياضة خاليًا من الرجال ومستورًا عن الأعين، ولا حتى من يعملون معهن من عمالة، وألا يكون هناك خلوة مع الأجانب، وأن يتأكد من عدم تركيب كاميرات تصوير ولذلك نلاحظ أن النبي ﷺ عندما تسابق مع السيدة عائشة– رضي الله عنها– قدم الرجال وآخر عائشة عنهم، وهذا يدل على أمرين مهمين، الأول: مشروعية الرياضة للنساء، والثاني: الضوابط الشرعية وخصوصية النساء في هذا المجال.
- الاحتشام بارتداء الزي الإسلامي، وعدم كشف ما لا يحل كشفه من العورات، وأن تكون الملابس التي يرتدينها فضفاضة، حتى ولو كن نساء مع بعضهن البعض.
- أن تمارس المرأة الرياضات المناسبة لتكوينها وطبيعتها الفطرية والنفسية، بعيدًا عن أية رياضة عنيفة كرياضة الوثب، أو كمال الأجسام، أو رفع الأثقال، التي قد تضر بجسدها، وربما تفقدها بعض الخصائص التي أودعها الله فيها.
- أن يقوم على هذه الأماكن الرياضية نساء مؤمنات ثقات حازمات ذكيات، حتى ينتبهن إلى أية مخالفة.
- ألا تشغلها الرياضة عما خُلقت من أجله، كعبادة الله سبحانه، وحفظ حق الزوج، وحسن تربية أولادها، وخدمة دينها.
وأما مشاهد المباريات، فليس حكمها داخلًا في الرياضة، بل في حكم النظر، والصحيح في حكمها أنها جائزة ما لم يكن هناك تكشّف للعورات، أو إدمان للمشاهدة، بل إن جداول الاختبارات والامتحانات الدراسية في بعض دولنا الإسلامية تأثرت بجداول المباريات، وكذا أوقات الدوام والأشغال، ومن شروط جواز المشاهدة أيضًا ألا يكون هناك تعصب ممقوت قد يؤدي بدوره إلى فتنة عمياء، ولن ينسى التاريخ بأن حربا قامت واستمرت مائة ساعة بين دولتين جارتين في أمريكا الوسطى، هما هندوراس والسلفادور وانتهت بكارثة، أكثر من أربعة آلاف قتيل، ومعهم عشرة آلاف مُشَوّه، ومائة وعشرين ألف مشرد، ودمار مئات البيوت والمنشآت التي تزيد قيمتها اليوم على ثمانية مليارات دولار، كل ذلك بسبب كرة القدم! وبرأيي ليس عيبًا أن تخسر مباراة، لكن العيب أن تخسر مبادئك ومثاليتك وتاريخًا صنع في سنين.
وهل المرأة كالرجال في حكم مشاهدة المباريات؟ أجاب الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله. في فتاوى المرأة المسلمة 2/973، فقال: النظرة المجردة التي لا شهوة فيها ولا تمتع، لا شيء فيها على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهي جائزة لما ثبت في الصحيحين: «أن عائشة رضي الله عنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون، وكان النبي ﷺ يسترها عنهم»، وأقرها على ذلك. ولأن النساء يمشين في الأسواق، وينظرون إلى الرجال وإن كن محتجبات، فالمرأة تنظر إلى الرجل، وإن كان هو لا ينظرها، بشرط ألا تكون هناك شهوة وفتنة فإن كانت شهوة أو فتنة، فالنظرة محرمة في التلفزيون وغيره. ويضاف إلى ذلك شرط مهم أيضًا وهو ألا يكون النظر إلى عورة.
وأخيرًا أتوجه بالحديث إلى شبابنا وفتياتنا فأقول لهم: رَوِّحُوا عن أنفسكم بما هو مباح في الرياضة بالقدر المطلوب، فديننا فيه فسحة، لكن احذروا نسيان الغرض الشريف الذي شُرعت الرياضة لأجله، وهو التقوى على الجهاد من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل في الأرض، وذلك بأن يعبد الله وحده، ويستقام على شرعه، حتى يسعد الناس في دنياهم وآخراهم، ولتكن الرياضة زيادة في حسناتكم لا نقصًا من درجاتكم وثوابكم.
.