رحيل عصام العريان.. كان ومضة تربوية

الدكتور عصام العريان أحبه كل من تعامل معه ومن سمع عنه أو تابع أخباره، حيث كان واحدًا من الذين حاول الخصوم طعن جماعة الإخوان من خلاله إلا أنه أثبت دائمًا أنه نموذج فريد في الأخلاق والتربية رغم الأضواء والفتن التي أحيطت به.

رحل عصام العريان بعد سبع سنوات من الظلم البين نتيجة مواقفه المناهضة للظلم، حيث كان رحمة الله عليه نموذجًا للمسلم الحافظ لكتاب الله والعامل به، والمطبق لنموذج الإسلام الوسطي المعتدل وسط بحور من الصراعات السياسية والاجتماعية والثقافية.

عصام العريان الذي تتزاحم الحروف حين تكتب اسمه ويتلعثم اللسان حينما ترى وجهه.. علَمٌ من أعلام الفكر والمعرفة ورجل قلَّما تجد مثله في زمن قلَّ فيه الرجال.

يحمل فكرًا مسالمًا إصلاحيًّا نهضويًّا تربويًّا.. هو حقٌّ من حقوق البشر التي لا يختلف عليها عاقلان لكنه بسبب هذا الفكر الذي يحمله بين خلايا ذاكرته وهَمِّ نشرِه المكنون بين خلجات قلبه وصدره أصبح المعتقل هو بيته الثاني الذي يذهب إليه رَغمًا عن إرادته ما بين الحين والحين، ومع ذلك فهو الصابر المحتسب.

 

رحلة عمر

وُلد الدكتور عصام العريان في 28/4/1954م بقرية ناهيا مركز إمبابة بمحافظة الجيزة، ومثل جميع الأطفال التحق بالتعليم الابتدائي بمدرسة ناهيا الابتدائية للبنين وأتمَّ هذه المرحلة بمجموع 94% ثم أكمل دراسته وأتمَّ التعليم الإعدادي والثانوي بمدرسة الأورمان النموذجية بالدقي بمجموع 91%.

كانت علامات الذكاء والنبوغ تظهر على عصام العريان طوال فترة حياته فما إن التحق بكلية الطب بجامعة القاهرة حتى برز تميزه في دراسته ولم يقتصر الأمر على الدراسة فحسب بل إنه كان من أنشط زملائه في العمل الطلابي إذ كان عضوًا نشطًا مؤسسًا للنشاط الإسلامي آنذاك ليس في جامعة القاهرة وحدها بل في جامعات مصر كلها.

 

بين صفوف الحركة الإسلامية

كانت تربية عصام العريان دافعًا قويًا للتمسك والبحث عن معاني الإسلام الوسطي والعملي، وما إن بدأت بذور الحركة الإسلامية تدب في جامعة القاهرة على يدي الطالب الرباني سناء أبو زيد حتى انضم لمسيرته كوكبة أنارت وقادت الحركة بعد ذلك، أمثال: عصام العريان وحلمي الجزار وعبد المنعم أبو الفتوح ومحمود أبو زيد وغيرهم، حتى أصبح أميرًا للجماعة الإسلامية في جامعة القاهرة ثم منسِّقًا لمجلس شورى الجامعات في الاتحاد العام للجمعيات والجماعات الإسلامية في نهاية السبعينيات والذي ترأَّسه فضيلة المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله.

ظل على نشاطه في العمل الإسلامي دون خوف أو وجل حتى ظهرت مظاهر الإسلام في الجامعة بعدما اختفت طيلة حكم جمال الناصر، حيث ظهر الحجاب، وإقبال الطلاب على المساجد، ونشطت حركة بيع الكتب الإسلامية، حيث قدم العريان ورفاقه نموذجا طيبا لتسهيل الأمور على جموع الطلبة.

وحينما جاءت اللحظات الفاصلة والتمايز؛ اختار عصام العريان طريق ومنهج وفكر الإخوان المسلمين، ليتخرج من الجامعة وهو يحمل هم هذا التيار معه سواء في انتخابات نقابة الأطباء الذي كان أمينها العام، أو كأصغر عضو يدخل البرلمان عام 1987م، أو كحلقة وصل متميزة ومقبولة من جميع التيارات والأحزاب.

كان العريان حافظًا لكتاب الله بين الحافظين، وكان سياسيًا مفوهًا وسط الأحزاب والسياسيين، وكان الرباني إذا تكلم ووعظ، وكان الخادم لإخوانه إذا حضر، وكان السهل اللين إذا تكلم.

شارك في كثير من المؤتمرات والمعسكرات التربوية فكان نموذجا تربويا عمليا لكل من حضر، حتى إن أجيالا كثيرة من طلاب الجامعة أو شباب الثانوي لا زالوا يتذكرون كل كلمة ألقاها عليهم في المعسكرات لقوة تأثيرها ولخروجها من قلب مفعم بالإيمان.

حصل العريان على بكالوريوس الطب 1977م، كما حصل على ليسانس التاريخ 2000، وفي 1986 حصل على ماجستير الباثولوجيا الإكلينيكية، وفي 1992 حصل على ليسانس الحقوق من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، كما حصل عام 1999 على الإجازة العالية في الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر ثم إجازة التجويد في العام التالي.

اختير عضوا في مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين عام 2010م قبل أن يصبح نائبا لرئيس الحرية والعدالة بعد ثورة يناير، ومستشارا لرئيس الجمهورية في عهد الرئيس محمد مرسي.

 

بين جدران السجون

كان لا بد للعريان من دفع ضريبة التمسك بعقيدة الإسلام ومواجهة الأنظمة المستبدة، فجاء اعتقاله للمرة الأولى لمدة عام واحد وذلك قبيل اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات وذلك من بداية سبتمبر لعام 1981م حتى نهاية أغسطس لعام 1982م.

وفي عام 1995م اعتقل ليحكم عليه بالسجن 5 سنوات، قبل أن يعاد اعتقاله عام 2005 و2006 و2007 لعدة شهور لتضامنه مع القضاة.

اعتقل مع عدد من قيادات الإخوان قبل جمعة الغضب لثورة 25 يناير غير أنه خرج مع تصاعد أحداث الثورة حيث اتجه مباشرة إلى ميدان التحرير لمشاركة الثوار.

وحينما وقع الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي كانت سلطات الانقلاب حريصة على اعتقال العريان لتأثيره على الشباب، حيث اعتقل صباح يوم الأربعاء الموافق 30 أكتوبر 2013م ليبقى في سجن العقرب – سيء السمعة – حتى توفى يوم 13 أغسطس 2020م الموافق 23 ذو الحجة 1441م – أي قبل ذكرى مذبحة رابعة بيوم واحد - بعد شكاوي عدة للمحكمة من الإهمال الطبي إثر أزمة قلبية داهمته في محبسه بسجن العقرب عن عمر ناهز الـ 66 عاما.

 

قالوا عنه

يقول عنه الدكتور شرف الدين محمود – أحد الذين رافقوه في العمل الإسلامي في السبعينيات وأحد قادة الإخوان المسلمين -: عرفته ونحن طلاب في الجامعة فكان له سبق العلم والعمل والدعوة والجهاد في سبيل الله. سبق إلى الله بالقرآن حفظا وتلاوة وتخلقا وحالا مع الله. ما رأيته إلا ذاكرا تاليا لكتاب ربه في كل وقت. من أكثر الناس لينا وسماحة نفس وسعة أفق وفهم للأمور. ما لانت له قناة في سبيل الله، وما أخافته السجون ولا التعذيب عن صراط ربه وكلمة الحق وما لانت له قناة في مقاومة الظالمين حتى نفسه الأخير. خسر الوطن سياسيا بارعا وخطيبا مفوها وجامعا لعلوم الطب وأصول الدين والسياسة والاجتماع والحقوق ومثقفا فريدا. صعدت روحه إلى خالقها تحفها الملائكة وقرآنه وشهادة الصالحين فاللهم تقبله عندك من الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

وكتب الدكتور إبراهيم الزعفراني: اللهم أنت من هديته ووفقته ووهبته ما لم تهبه لكثير من خلقك، وثبته فى المحن وأغظت بقوته وثباته المجرمين والأعداء المتربصين بالإسلام والمسلمين.

اللهم إنك قبضته حال كونه مظلوما سجينا غريبا وحيدا إلا من التواصل بأنسك وقربك، فحررته من سجنه وظالميه، واستقبلته فى رحابك يا أرحم الراحمين.

اللهم إني أشهد أنه آمن بك وبنبيك محمد ورضى بالإسلام دينا وسخر حياته لعبادتك والدعوة إليك ونصرة دينك، اللهم آنس وحدته برفقة عمله الصالح، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، واجعل روحه فى عليين.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم